السينما العربية... في سباق السعفة من الخمسينات
يسودها حضور سعودي وغياب إماراتي
كان (فرنسا): محمد رُضـا
عند مدخل صالة ديبوسي في كل يوم عند الساعة السادسة
والنصف مساءً يبدأ حشد النقاد والصحافيين الآتين لمشاهدة فيلم
المسابقة بالتجمع عند الرصيف. مساحة صغيرة مزعجة للمارين كونها
ليست أكثر من رقعة من الرصيف؛ ما يعني أن العابرين مضطرون للمشي في
الشارع لكي يتقدموا إلى حيث يقصدون.
وهي مزعجة أكثر إذا ما كانت الشمس قوية لأن
الواقفين بانتظار أن تُـفتح أبواب الصالة يشعرون بالحر حتى ولو
ارتدوا قمصاناً قصيرة الأكمام. ومزعجة أكثر وأكثر إذا ما كانت
ممطرة. لا سقف ولا مظلات كافية تقي الأبدان من الماء الهاطل.
على ذلك، هناك من يقصد هذا المكان ويقف منتظراً فتح
البوابات قبل ساعة أو أكثر لسببين: الأول لديه تصوّر (أو ربما وهم)
أن عليه أن يكون من أوائل الداخلين لكي يجلس في المكان المعتاد
بالنسبة إليه.
الثاني هو أن مواعيد تُضرب هناك والأصدقاء يلتقون
كما لو كانوا في مقهى بلا كراسي.
«ماذا
شاهدت اليوم من الأفلام؟»
السؤال التقليدي الأول وبناءً على جوابه ينطلق
الثاني «وهل أعجبك؟». ويليهما نقاشات غير حادة تتخللها ضحكات قبل
الانتقال إلى موضوعات أخرى تشمل السفر إلى مهرجان لاحق، وشؤون
العمل وذكريات الأيام التي مضت وصولاً، كما نقول في لبنان، إلى
«إيجار البيت».
القمر المفتقد
يستقي المرء من هذه الأحاديث اليومية نسخة غير
رسمية من مشاغل النقاد والسينمائيين. هناك محاور عدة، لكنها ليست
كثيرة. وهي تختلف من عام إلى آخر. بعضها عربي الصلة. مثلاً الحديث
عن هذا الانفتاح السعودي ومستجداته والآمال المعلقة عليه، مثل عودة
المخرج الدنماركي لارس فون تراير إلى «كان» بعد مقاطعة المهرجان له
منذ أن تحدث عن النازية بإعجاب. كذلك، تناهى إلى سمعي الحديث عن
التغييرات التي وقعت في برامج العروض الرسمية بحيث لا تترك المجال
لهواة التغريدات إفساد متعة السينمائيين عبر تغريداتهم التي عادة
ما تكون ساخرة أو سلبية.
لكن المحور الأكثر ترداداً هذا العام هو الغياب
الملحوظ للوفد الإماراتي الذي كان يمثّـل مهرجان دبي. أجانب يسألون
وعرب يجيبون، لكن إذا ما كانت الأسئلة واضحة (وهي من نوع «لماذا تم
إلغاء مهرجان دبي هذه السنة؟»)، فإن الإجابات مبهمة، ليس
بالاختيار، بل لتعدد الروايات ولعدم وضوح الصورة.
هناك من يعتقد أن هناك أزمة مالية تقف وراءه، ومن
يعتبر أن دورته الأخيرة، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي ستكون آخر
دوراته، في حين يؤكد آخرون ما ورد في الإعلام الرسمي للإدارة
الجديدة من أن الدورة الخامسة عشرة ستقام فعلاً في عام 2019.
مهما كان الحال، فإن الجميع يشعر بغياب المركز
الإعلامي للمهرجان الذي كان يُقام في «قرية المهرجان» والذي كان
بيتاً للفيف كبير من الإعلاميين العرب وغير العرب يؤمونه كل يوم
للبحث والنقاش.
بين كل المراكز العربية الأخرى (مصرية، لبنانية،
مغربية، تونسية، جزائرية) كان المركز الإماراتي أكبرها وأكثرها
ازدحاماً كل يوم. لم يقصّـر أي من الأفراد الذين نظموه وأشرفوا
عليه أو عملوا فيه حيال أي مسألة إعلامية أو ثقافية أو فنية.
أقاموا مؤتمرات. وزّعوا منشورات ترويجية، تباحثوا مع وفود أجنبية
تنوي حضور الدورة المقبلة وشاهدوا الأفلام لاختيارها، وكانوا
دائماً يختارون ما يؤمّن شغف الجمهور في دبي ويوطد سمعته في الخارج.
هذا تأجل، لكن ليس من قبل أن يخوض التجربة الآن
مركز إعلامي سعودي مماثل يحضر رسمياً للمرّة الأولى، ويتبلور
سريعاً كأحد أهم مراكز الدول المشتركة في المهرجان.
هذا النوع من الحضور العربي يتوسم لا مجرد التواجد
المكاني في احتفاء كبير كاحتفاء «كان»، بل أيضاً الحضور كحالة
إعلان وتمهيد إعلامي واجتماعي للخطط الجارية لتوسيع رقعة المبادرة
التي أقدمت عليها المملكة مؤخراً بما يحوّل السوق السعودية (الذي
يبلغ عدد قاطنيه أكثر من 33 مليون فرد) إلى نشاط متعدد الجوانب
والفوائد.
تاريخ من المشاركات
على الصعيد الآخر، يتميّـز المهرجان الفرنسي هذا
العام بتعدد المشاركات الفيلمية العربية. هناك فيلم واحد على الأقل
حين تلقي نظرتك على أي قسم من أقسام المهرجان الرئيسية. فيلمان في
المسابقة الأولى («يوم الدين» لأبو بكر شوقي و«كفر ناحوم» لنادين
لبكي) وفيلمان في مسابقة «نظرة ما». («صوفيا» للمغربية مريم بن
مبارك و«قماشتي المفضلة» للسورية غايا جيجي) ثم فيلم في قسم «أسبوع
النقاد» («يوم زواج» للجزائري إلياس بلقادر). في قسم «نصف شهر
المخرجين» نجد فيلماً واحداً («ولدي» للتونسي محمد بن عطية). هذا
عدا عن العروض الموازية والخاصة، وتلك التي تنتمي إلى عروض لأفلام
قصيرة، ومن بينها يوم يعرض فيه مخرجون سعوديون تسعة أفلام في
احتفاء تشجيعي خاص.
هناك من يقول إن هذا الاشتراك ضعيف بالمقارنة مع
حجم الأفلام المعروضة رسمياً (نحو 64 فيلماً وعلى نحو غير رسمي في
السوق والعروض الخاصة (قرابة 300 فيلم). لكن الواقع هو أن المسألة
ليست بالضرورة عددية تتعلق بكم فيلماً عربياً استطاع الوصول إلى
الشاشات الرسمية، بل بحقيقة أن بعضها يتنافس داخل المسابقة الرسمية
والبعض الآخر في جوار هذه المسابقة رسمياً.
وجود فيلمين عربيين متنافسين في الدورة ذاتها كما
الحال هذا العام مع «كفر ناحوم» لنادين لبكي و«يوم الدين» لأبو بكر
شوقي أمر يشبه الحصان المجنح في ندرته. هذا التنافس بين فيلمين
عربيين في عام واحد حدث مرتين فقط من قبل. لكنه لم يحدث بين فيلمين
كل من بلد مختلف.
في عام 1952 قام يوسف شاهين بعرض فيلمه المبكر «ابن
النيل» بطولة شكري سرحان، وفاتن حمامة، ويحيى شاهين، وفي المقابل،
عرض أحمد بدر خان فيلمه العاطفي «ليلة غرام» مع مريم فخر الدين،
وجمال فارس، وزينب صدقي.
بعد عامين تواجه يوسف شاهين مع صلاح أبو سيف. الأول
عبر «صراع في الوادي» (مع عمر الشريف وفاتن حمامة أيضاً) والثاني
عرض «الوحش» مع أنور وجدي وسامية جمال.
هناك أفلام مصرية أخرى تم عرضها في تاريخ مهرجان
كان، كثير منها ليوسف شاهين (الذي نال جائزة تقديرية عن جل أعماله،
لكنه لم يفز بالسعفة عن فيلم معين) وسابقاً لكمال الشيخ وصلاح أبو
سيف (مرة أخرى).
أما لبنان، فتمثل داخل المسابقة بفيلمين لجورج نصر،
هما «إلى أين» (1957) و«الغريب الصغير»
(1962).
غني عن القول إن السعفة الذهبية لم تمنح لأي فيلم
من هذه المذكورة والوحيدة التي إنتاج عربي كامل وقعت في الدورة
الثامنة والعشرين سنة 1975 عندما اختطفها الجزائري محمد لخضر
حامينا عن «وقائع أيام الجمر».
«يوم
الدين»، الذي عُـرض يوم أول من أمس (الأربعاء)، جاء مذهلاً في حد
ذاته (نقده أدناه): دراما واقعية مؤلمة وجيدة الصنعة في الوقت
ذاته. أما فيلم نادين لبكي «كفر ناحوم» فلا نعرف عنه شيئاً حتى
الآن وعروضه ستقع في الأيام الأخيرة من المهرجان. قد يأتي بدوره
جيداً ومفاجئاً وهذا لن يكون غريباً على مخرجة قدّمت سابقاً ما
يليق بمكانتها وما تمثله لسينما لبنانية موجودة رغم حصار الظروف.
####
شاشة الناقد
نظرة حزينة على أقصى المهمّشين يوم الدين
•
إخراج: أبو بكر شوقي
•
دراما | مصر – 2018
•
القسم: المسابقة الرسمية
•
تقييم:
في مشهد يقع قبل منتصف الفيلم، ينهض الصبي المكنّـى
بأوباما ليرقص على ألحان أغنية شعبية. الموسيقى آتية من راديو
والصوت المستخدم في اللحظات الأولى معادل لما يصدر من صوت المذياع،
خفيف وغير مجسّم. لكن المخرج أبو بكر شوقي يختار نقل الصوت من
مصدره الأساسي إلى مكساح صوتي مسجل في الاستوديو يتمتع بالحضور
الكامل والمجسد. نقلة غير طبيعية وتنقل المشاهد من الخيال المرئي
إلى الواقع المفاجئ.
من حسن الحظ أن المشهد لا يستمر إلا للحظات، ينتهي
أثره هذا بانتهائه (إذا ما انتبه أحد إليه). ما يبقى هو 92 دقيقة
من العمل الرصين القائم على سلسلة أحداث يستمد كل منها قوّته من
طبيعته وبيئته والحقائق الخفية حيناً والواضحة حيناً التي تغمر
العمل ككل.
بيشاي (راضي جمال) مصري قبطي أصيب صغيراً بمرض
الجذام، وما زال جسده يحمل علامات المرض الفارقة رغم أنه شُـفي
منه. وجهه مشوّه وأصابع أطرافه مقوّسة. في الخلفية التي ترد على
لسان بيشاي، أن والده وضعه طفلاً عند باب المصحة في ريف ليس بعيداً
عن القاهرة، ثم هرول عائداً إلى السيارة المنتظرة وهو يعده بأن
يعود إليه ويستعيده.
ترعرع بيشاي على هذا الوضع ونتعرّف عليه في مطلع
الفيلم وهو يعمل مع حماره (أول ما نسمعه في الفيلم نهيق الحمار) في
جمع ما قد يجده يستحق البيع في منطقة صحراوية تطمرها النفايات.
وهناك ذلك الصبي أوباما (أحمد عبد العزيز) الذي يشفق عليه. صبي
يتيم لا يعرف شيئاً عن ماضيه. على عكس بيشاي ليس لديه تاريخ يرويه.
وعندما يقرر بيشاي أن يرحل عن البيئة التي تأويه ليعود إلى قريته
البعيدة في جنوب الصعيد المصري يتبعه أوباما ويلتحق به.
الفيلم إذن رحلة من موقع موحش تمر بمواقع موحشة
أكثر. هناك الصحراء شبه القاحلة وسكك القطارات القديمة وتجمعات
المشوّهين والمعاقين والكثير من السعي للوصول رغم كل الصعاب. لكن
هناك أيضاً جمال لدى بعض الشخصيات. في الأساس يستند الفيلم إلى
شخصيتين رئيسيّـتين يحملان الفيلم وجوهره بلا عناء ظاهر. شخصان لا
يمكن لأحدهما، بعد حين، أن يعيش بعيداً عن الآخر. بيشاي يعامل
الصبي كابنه، والصبي يعامله كأبيه. هذا مسيحي والآخر مسلم.
والمسيحي مضطر في بعض المواقف إلى الادعاء بأنه مسلم. أولاً في
مشهد حبسه في زنزانة يشاركه فيها متدين مسلم (قد يكون إخوانياً)،
وثانياً عندما يضطر إلى التظاهر بأنه مسلم ويقوم بالصلاة في مسجد
مع جموع المصلين.
الشخصيات الأخرى تتوزع ومعظمها يكشف عن طيبته ودرجة
مثلى من الإنسانية. هناك استثناءات (بعض الساخرين وجابي تذاكر في
قطار وحرامي يكاد يهرب بالغلة)، لكن الغالبية تندفع صوب هاتين
الشخصيتين لتقديم جل ما تستطيع للمساعدة.
لا يفوت المخرج، في عمله الأول هذا، أن ينصرف عن
السياسة قولاً وفعلاً من دون أن تنصرف السياسة عنه. الفيلم بحد
ذاته عن وضع لمعوزين من أدنى مستويات التهميش. لم يسبق لمخرج روائي
آخر أن عمد إلى تقديم من هم أكثر تهميشاً من شخصيات هذا الفيلم،
الرئيسية منها والمساندة. هذا بحد ذاته نقد لوضع في بلد لا يزال
يحاول معالجة مشكلاته المتكاثرة من دون أن يحل الكثير من بداياتها.
والفيلم يسخر من «البيروقراطية المصرية العظيمة»، لكنه يقدّر
نتائجها. يصوّر المتدين المسلم ذا الرؤية المحدودة، لكن لولاه لما
استطاع بيشاي الهرب من السجن.
من المشهد الأول، عندما تفتح الكاميرا (تصوير
الأرجنتيني فدريكو سيسكا) على أفق عريض من الأرض المطمورة بالتراب
الباهت والنفايات المترامية، إلى المشهد الأخير عندما يقف بيشاي
وأوباما بمحاذاة صحراء أخرى ليعودا من حيث أتيا، تتوالى صور مدقعة
كحالهما. المخرج أبو بكر شوقي، الذي وُلد من أب مصري وأم أسترالية
ودرس السينما في نيويورك واختار، عمداً، تحقيق هذا الفيلم ليكون
عمله السينمائي الأول، لم يكن أمامه سوى أن يلائم الحال الفردي
بالحال الجماعي المتمثل في تلك الطبيعة القاحلة.
مع مدير تصوير لديه رؤية أجنبية لمعالجة أوضاع
ومعاني الفيلم، توصّل شوقي إلى خلق مناطق بصرية مؤلفة من لقطات
حسنة الأحجام. لكنه المسؤول، وقد كتب السيناريو بنفسه وأسند بطولته
إلى ضحية مرض الجذام الفعلي راضي جمال الذي لم يمثل دوراً من قبل،
عن سلاسة الإيقاع وعن تلك المعالجة التي تبقى على حافة الحالات
المستعرضة. تناوله ليس ميلودرامياً على الإطلاق، بل يصب في عمق
دراما لها مواطن ساخرة وسوداوية ودائماً إنسانية، لكنها ليست
مطلقاً كوميدية. يحيط بالفيلم جو حزين نابع من واقعه بجدارة.
التحدي الأكبر بالنسبة إليه هو - بطبيعة الحال -
خلق ممثل من رجل يعيش الحالة ويكتنزها بطبيعة الحال، لكن التمثيل
والتعبير عنها ليسا من الأمور التلقائية بالضرورة. ما على الشاشة
هو نتيجة ذلك التحدي وهي لا تحتاج إلى تقييم صارم لأنها تأتي
طبيعية المنشأ والأداء.
«يوم
الدين» ليس فيلماً عن التديّـن ولا حتى عن وحدة اجتماعية بين
المسلمين والمسيحيين في مصر. ليس فيلماً وعظياً ولا يحاول أن
يتفوّه برسالته، بل يبقيها في إطار الصورة ذاتها. هناك حديث عابر
عن يوم الحساب، حيث الجنة تنتظر الصالحين لكن الصورة لا ترغب في
تفعيل ما تحويه بحيث تتحوّل، كعادة الكثير من الأفلام المصرية
والعربية عموماً، إلى مدرسة لتعليم العمل الصحيح والواجبات
الأخلاقية.
####
أخبار وتيارات من داخل «كان» وخارجه
>
أرنولد شوارتزنيغر يتمسك بماضيه في فيلم أكشن جديد ولو عبر دور
مساند؛ إذ تم هنا الإعلان عن أنه سيقوم بدور رئيسي في فيلم بعنوان
Kung Fury
أمام مايكل فاسبيندر وليزا غونزاليس... تلك التي لعبت البطولة
النسائية في «بايبي درايفر».
>
على غراره يواصل الممثل جان - كلود فان دام مساعيه لتبوأ مكانة
خسرها منذ أن ضل طريقه في التسعينات. هذا العام يوفر للسوق فيلمين
جديدين من طولته هما «حب كامل»
(Full Love)
و«بديل»
(Double).
>
بعد سنوات من العناء استطاع المخرج تيري جيليام تحقيق فيلمه الجديد
«الرجل الذي قتل دون كيشوت» وعاد بسببه إلى «كان» ليعرضه داخل
المسابقة. لكن ما أن أرخى الستار على جزء من متاعبه المادية التي
جعلت المشروع يتأخر طوال عقود حتى فوجئ بمبادرة إحدى شركات التوزيع
الصينية (توربو فيلمز) بشراء حقوق عرضه في الصين.
>
هناك بضعة أفلام دينية الموضوع والحبكة معروضة هذا العام في دائرة
«كان» الأوسع. من بينها فيلم فيم فندرز التسجيلي «البابا فرنسيس:
رجل عند وعده». فيلمان آخران أحدهما أميركي عنوانه «لقاء مع الله»
والثاني «يبارك الله السبل المكسورة». كذلك نجد في الإعلانات
واحداً عن فيلم «أستطيع التخيل فقط» الذي كان من بين «التوب تن»
الأميركي في الشهر الماضي.
>...
وعلى ذكر التوب تن «أفنجرز: حرب أبدية» يقود هذا الأسبوع (للأسبوع
الثاني) النجاحات في أميركا الشمالية. وهو جمع حتى الآن 1.17 مليار
دولار عالمياً.
>
الآن، وقد قررت أكاديمية العلوم والفنون السينمائية
في لوس أنجليس قطع تذكرتي سفر بلا عودة لاثنين من أعضائها ثبتت
عليهما تهماً جنسية، هما بل كوسبي ورومان بولانسكي، وذلك أسوة
بهارفي ونستين، تتحدث هوليوود عمن قد يكون السينمائي المقبل على
قائمة المطرودين: كيفن سبايسي أو كايسي أفلك؟ وماذا عن المخرجين
برت راتنر وجيمس توباك... ثم هل يصل الموسى إلى ذقن وودي ألن؟
####
الوقفة بمليون دولار
>
من راقب حفل افتتاح الدورة الـ71 من مهرجان «كان» السينمائي لأول
مرّة، ودائماً ما هناك أول مرّة لكل منا، ربما شعر بالدهشة من
فخامة الحفل بأسره خارج وداخل الصالة. أي بدءاً من وصول الضيوف حتى
نهاية حفل التقديم ذاته.
>
يمشي الفرد الواحد (وكل وفد يتألف من اثنين إلى ستة أشخاص) متمهلاً
من بداية البساط الأحمر. موظفون متخصصون يستقبلون الوفد ويسيرون
بهم إلى قرب منتصف البساط. يتوقف الوفد هناك مواجهاً مجموعة
المصوّرين الفوتوغرافيين المصطفين على الجانب الأيسر أولاً.
وبإشارة من الموظف يتقدم الوفد قليلاً ليستدير يميناً، هذه المرّة،
لحفلة تصوير أخرى من قبل المصوّرين على الجانب الآخر.
>
ثم يصعدون السلم العريض والطويل وهناك، كما حدث مع امرأة ارتدت
حذاءً بكعب طوله نصف متر، من يسقط أمام المصوّرين والخلق أجمعين.
عند أعلى السلم يستقبلهم رئيس المهرجان ومديره العام ويقومان بأخذ
صورة تذكارية مع الجميع قبل أن يدلفوا إلى داخل القاعة.
>
هذا يحدث كل ليلة مع كل فيلم، لكن حفل الافتتاح يبقى أكثر شمولية
وحضوراً؛ لأنه افتتاح للدورة يؤمه كل الضيوف المتعوب على جلبهم
والمصروف على إقامتهم. والاستعراض الكبير ضروري للمهرجان لكي يشعر
بأنه ما زال سيداً بين أترابه وضرورياً للضيوف، خصوصاً إذا ما
اقترنوا بفيلم معروض رسمياً.
>
خذ منتجاً ومخرجاً وممثلين، اثنان لديهما فيلم افتتاح، أو ثلاثة
ممثلين كما حدث يوم الثلاثاء الماضي، وحلل حسابياً ما تمثله تلك
الوقفة عند أعلى السلم وأمام عدسات المصوّرين. إنها وقفة بمليون
دولار وليس هناك من مغالاة. فالدعاية تبدأ من هنا. هي التمهيد
للعروض المختلفة يواكبها الشعور الذي لا يقدّر بالمال الذي يغامر
هؤلاء بأنهم مُـقّدرون ومعززون وهناك جمهور حاشد و200 مصوّر
يبرهنون على ذلك. بعض الابتسامات زائفة بطبيعة الحال، لكن من يكترث
طالما هي موجودة.
>
النقاد في الصالة الأخرى الذي يتابعون هذه الحيثيات لحين بداية
الفيلم، والجمهور الذي جاء ليشاهد كيف تبدو جوليان مور وقد تجاوزت
الأربعين، أو بينيلوبي كروز وقد ازدادت مع السن جمالاً، هم
الوحيدون الذين لا يستفيدون من هذا الحفل. ما أن يبدأ الفيلم حتى
يذوب الناقد في الفيلم، وما أن يدخل آخر «نجم» من الباب الرئيسي
حتى يبدأ الجمهور الحاشد بالانصراف. |