أبوبكر شوقى: أحلم بالفيلم منذ 10 سنوات.. وحياة أبطالى مؤلمة
كتب : هبة محمد علي
خليط من السعادة والحزن لا بُدّ أن ينتابك بعد
مشاهدة الفيلم المصرى المشرِّف (يوم الدين)، المشارك فى المسابقة
الرسمية للأفلام الروائية الطويلة بمهرجان الجونة، الذى بدأ عرضه
جماهيريّا منذ أيام قليلة، السعادة سببها أننا نمتلك مثل هذه
النوعية من المبدعين، القادرين على تقديم فن حقيقى يُعلى من قيمة
القصة الإنسانية ذات المغزَى الملهم والمؤثر، لا القصة التى يتم
تفصيلها على حجم البطل لبروَزَته أمام الجمهور، أمّا الأمر المحزن
فهو الصعوبات التى تواجه تلك النوعية من الأفلام الصادقة، التى
يلعب بطولتها أشخاص غير معروفين، لكنهم يمتلكون حلمًا وقضية،
ولديهم ما يريدون إيصاله للجمهور.
فى السطور التالية نقترب أكثر من تجربة (يوم الدين)
الناجحة بحوار مع مخرجه «أبوبكر شوقى»، الذى تحدّث عن كواليس
العمل، واختيار أبطاله، كما علّق على اختيار فيلمه ليكون ممثلًا
لمصر فى مسابقة الأوسكار، وما دار حول هذه الخطوة من جدل..
·
عشر سنوات هى الفارق بين فيلمك التسجيلى الأول عن
مستعمرة الجذام، وبين فيلمك الروائى الأول عن مريض من مرضى
المستعمرة، ما الذى جعلك تُصر على تقديم الفكرة نفسها مرّتين،
ولماذا تأخرت كل هذا الوقت؟
-
بالفعل، فقد كان مشروع تخرّجى فى معهد السينما هو فيلم تسجيلى قصير
عن المستعمرة، التى بدأت علاقتى بها منذ هذا الفيلم، حيث قمت حينها
بعمل حوارات طويلة مع المرضى هناك؛ لأصل للشكل النهائى الذى سأقدّم
من خلاله الفيلم، لكننى عندما عاودت سماع تلك الحوارات تمنيت أن
أقدّم كل هذه القصص فى فيلم روائى طويل يومًا ما، يتكلم عن شخص
مريض بمرض الجذام، يسافر من أجل البحث عن عائلته فى الصعيد، لكنى
وضعت الفكرة جانبًا، ونسيتها مؤقتًا، وذهبت لأكمل دراستى فى جامعة
بنيويورك، وهناك قررت أن يكون أول فيلم روائى طويل لى عن مرضى
الجذام، فكنت أشعر بالفكرة جيدًا وأشعر أنها قريبة منّى، بالإضافة
إلى أننى أدرك ملامح هذا العالم جيدًا.
·
لكن البعض صنّف الفيلم على أنه فيلم وثائقى، خصوصًا
أن بطل الفيلم عانى فى الحقيقة من المرض؟
-
الفيلم من المفترض أنه روائى، لكننا فى الحقيقة مزجنا بين الروائى
والوثائقى، اخترنا شخصًا عاش تجربة المرض، لكن القصة والأحداث كلها
من وحى الخيال، فهى عبارة عن شخص يبحث عن أسرته فى الصعيد بالعربة
«الكارو» التى يمتلكها، بعد عمر قضاه فى المستعمرة، عانى فيه من
التهميش، والغربة.
·
ولماذا لم تكن بطلة الفيلم سيدة، كما فعلت فى فيلمك
الوثائقى منذ 10 سنوات؟
-
وقت كتابة السيناريو جاءت على بالى، وكان قرارى وقتها أن تكون هى
البطلة، خصوصًا أن علاقتى بها طيبة، لكن عندما بدأنا فى التحضير
الفعلى للسيناريو أصيبت بتعب شديد، ولم تعد قادرة على المشى، وكان
من الصعب أن تؤدى الدور، فبدأت أبحث عن أشخاص آخرين ووقع اختيارى
وقتها على «راضى جمال».
·
وهل وافق بسهولة على أداء الدور، أمْ تخوّف فى
البداية؟
-
بالعكس، فقد استقبل الفكرة بترحاب شديد، فهو معتاد على الكاميرا،
لأنه عادةً يطلب منهم أن يقوموا بعمل لقاءات أو أفلام تسجيلية داخل
المستعمرة.
·
وما أوجه التشابه بين دور «بشاى» الذى أداه فى
الفيلم، وبين قصته فى الواقع؟
-
التشابه فى الجزء الخاص بمرض الجذام، وفى وفاة الزوجة الذى عانى
منه «راضى» فى الواقع منذ عدة سنوات، لكنّ هناك فارقًا كبيرًا فى
باقى القصة، وهو أن «راضى» لم يكن يعانى من أى مشكلات مع عائلته فى
المنيا، فكان يزورهم باستمرار وعلاقته بهم جيدة، لكنه عاش تجربة
التهميش، حيث تتم معاملته على أساس شكله فى معظم الأماكن التى يذهب
إليها.
·
لكننا شاهدنا تمكنًا شديدًا فى أداء الشخصية، فهل
هذا يرجع إلى كونه عانى مُرّ التجربة، فجاءت انفعالاته صادقة، أمْ
أن هناك من قام بتدريبه؟
-
تم تدريب «راضى» لأن يكون جاهزًا لأداء الدور فى نحو 4 أشهر، وقد
أخذ مجهودًا كبيرًا، خصوصًا أنه لا يستطيع القراءة، لكن معايشته
للتجربة أيضًا ساهمت فى أن يكون كل شىء حقيقيّا فى الشخصية، فهناك
تفاصيل صغيرة جدّا لم نكن تشغل بالنا كفريق عمل، لكنه كان يُنبهنا
لها، مثل طريقة تدخينه للسيجارة، وطريقة مَسك كوب الشاى، وغيرهما
من التفاصيل التى أكدت لى أن اختياره كان قرارًا صائبًا.
·
وماذا عن الطفل النوبى، «أحمد عبدالحفيظ»، الذى لعب
دور صديق البطل، كيف جاء اختياره؟
- «أحمد»
أصوله من أسوان، لكنه يعيش فى عابدين، وقد أخذت وقتًا ومجهودًا
كبيرين جدّا فى البحث عنه، أكثر بكثير من المجهود الذى بذلته فى
البحث عن «راضى»، لكن الصدفة جعلته يتواجد أثناء تصوير مشاهد مسلسل
فى إحدى عمارات وسط البلد، وشاهده أحد الأصدقاء، ورشحه لى، وعندما
قابلته، وجدت أن روحه حلوة، ودمه خفيف، وشقى، وهو ما كنت أبحث عنه
لدور (أوباما) الذى لعبه «أحمد» فى الفيلم.
·
رُغْمَ كل هذا المجهود ليكون كل شىء حقيقيّا على
الشاشة؛ فإنك لم تقم بتصوير المشاهد داخل المستعمرة، لماذا لم تقم
بذلك رُغْمَ العلاقة الجيدة التى تربطك بالعاملين فى المستعمرة؟
-
هناك أكثر من مستعمرة جذام موجودة فى مصر، والتصوير تم فى البحيرة
لأننى لم أكن أريد ربط تلك الأماكن بالأماكن الحقيقية، ثم إننى
مكثت كثيرًا فى مستعمرة الجذام بأبو زعبل، وأعرف ناسها ووصفها
جيدًا، فلم يكن مرهقًا أبدًا صناعة ديكور مشابه.
·
استدعيت أغنية «الولا ده» لفرقة «الفور إم» من
الماضى ليرقص عليها «أوباما» ضمن أحداث الفيلم، لماذا هذه الأغنية
بالتحديد؟
-
لأنها عالقة فى ذهنى منذ الصغر، وكنت أبحث عن أغنية تليق مع أجواء
الفيلم وجهاز «الووكمن» الذى ارتبط به بطل العمل طوال الفيلم،
وعندما وقع اختيارى عليه، تحدثت مع الفنان «عزت أبوعوف» وطلبت منه
إعطائى تصريحًا لاستخدام الأغنية، فوافق دون شروط.
·
فى ذاكرة السينما المصرية أفلام عديدة ساهمت فى
تغيير الواقع، وعلى رأسها (أريد حلّا) الذى تسبب فى تغيير قانون
الأحوال الشخصية، هل تعتقد أن فيلمك سيساهم فى تغيير نظرة المجتمع
للموصومين؟
-
أتمنى، فالهدف الأساسى من الفيلم هو أن يعامل الناس بعضهم البعض
بشكل جيد من دون النظر لخلفية الشخص أو شكله، بل يتم التعامل معهم
على أساس شخصيتهم فقط.
·
على الجانب الآخر، ورُغْمَ كل هذا النجاح الذى
يحققه الفيلم فى أى مكان يُعرض به، هناك جدل دائر حول آليات اختيار
فيلمك ليكون الفيلم المصرى الذى سيشارك فى مسابقة الأوسكار.. فما
تعليقك على ذلك؟
-
حول هذا الموضوع تحديدًا لا يهمنى سوى أن يعرف الجمهور أن القاعدة
الوحيدة لاختيار أى فيلم ليشارك بالأوسكار هى أن يكون الفيلم قد
عُرض تجاريّا لمدة أسبوع بحد أدنى، كما أن لجان مشاهدة الأفلام من
الطبيعى أن تكون قد شاهدت الفيلم حتى إن لم تُعرض تلك الأفلام
تجاريّا، ولا أعلم من أين جاء هذا الجدل.>
####
ثورات وقبلات فىمهرجان الجونة
الجونة: هبة محمد علي
أسبوع سينمائى بامتياز، هذا أدق وصف يمكن أن نَصف
به مهرجان الجونة السينمائى الذى انتهت دورته الثانية ليلة أمس
الجمعة، بنجاح، حيث الاختيارات الرائعة للأفلام، والتنظيم الجيد،
وتجمع عشاق السينما من كل مكان من أجل الاستمتاع بسحرها، تمامًا
كما يحدث فى المهرجانات الدولية، وفى السطور التالية، أربع ملاحظات
شكّلت ملامح الدورة الثانية من المهرجان.
1 -
السياسة والفن
Don’t mix
تتداخل السياسة فى كل مناحى حياتنا، وتؤثر عليها،
وقد بدا ذلك فى العديد من أفلام المهرجان، ولاسيما الأفلام السورية
المشاركة فى مسابقات المهرجان المختلفة، للدرجة التى جعلت الفنان
«جمال سليمان» يهاجم المخرج السورى «طلال ديركى»، بمجرد انتهاء عرض
الفيلم السورى المشارك فى مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة (عن
الأباء والأبناء)، الذى يشارك فيه المخرج تفاصيل الحياة اليومية
لعائلة إسلامية متشددة، لمدة عامين، حيث وصفه بالإنسان المضلل،
الذى يصنع فيلمًا ليجمل الإرهابيين، لكن إذا وضعنا الجدل السياسى
الذى دار حول الأفلام السورية المعروضة فى المهرجان فى كفة، فلا
بُدّ من وضع ما حدث عقب عرض الفيلم المصرى (عيار نارى) منفردًا فى
الكفة المقابلة، حيث أصيب جمهور الفيلم بحالة من الغضب الشديد، ليس
فقط بسبب ضعف المستوى الفنى للفيلم، لكن لأسباب سياسية بحتة، حيث
يحاول الفيلم تشويه شهداء 25 يناير، وتجميل وجه الداخلية فى عهد
النظام الأسبق، بشكل فج، جعلت من الفيلم يبدو مصنوعًا لغرض معين.
2 -
أحمد الفيشاوى وتعمد إثارة الجدل
قبل عرض فيلم (عيار نارى) فى المهرجان، سألت المخرج
«أمير رمسيس»، المدير الفنى للمهرجان، حول مدَى إمكانية حضور بطل
الفيلم «أحمد الفيشاوى» لحضور عرضه الأول، خصوصًا بعد عدم حضوره
حفل الافتتاح، حيث أشيع فى الأيام الأولى من المهرجان عدم السماح
له بالحضور، بسبب اللفظ الخارج الذى قاله على الهواء فى حفل
الافتتاح العام الماضى، والذى تسبب فى إحراج القائمين على
المهرجان، بالإضافة إلى تصريحات الفنانة «بُشرى» المؤسس المشارك
للمهرجان، بأنها لن تسامحه على فعلته، لكنه قال إن تلك الأزمة حتى
وإن كانت لاتزال تُغضب صناع المهرجان لا تعنى أبدًا حرمان الجمهور
من عرض فيلم سينمائى جيد، ولا تعنى بالطبع حرمانه من الحضور، وبهذا
التصرف الذكى، أغلق المهرجان بابًا من الانتقادات كان يمكن فتحه
إذا ما تم حرمانه من الحضور، لكن يبدو أن الوحيد الذى يرفض أن يغلق
باب الانتقادات هو «الفيشاوى» نفسه، حيث أحدثت قُبلاته الساخنة،
لزوجته السادسة المهندسة ندى الكامل على الـ
red carpet
قُبيل العرض ضجة كبيرة، وخطفت الأضواء عن الفيلم نفسه.
3 -
الأفلام القصيرة
sold out
لا تحظى الأفلام القصيرة بشعبية الأفلام الروائية
الطويلة نفسها، لكن المهرجان غيّر هذه الفكرة، خصوصًا أن برامج
الأفلام القصيرة الأربعة قد نفدت تذاكرها قبل العرض بفترة، مما جعل
إدارة المهرجان تسمح بعروض استثنائية لتلك البرامج بالتحديد، الأمر
الذى لم يتكرر مع أى فيلم آخر، ولعل مشاركة فيلمين من مصر داخل
المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة، كل أبطالهما نجوم، خطوة مهمة،
الأول هو (شوكة وسكّينة) من بطولة «منة شلبى»، و«آسر ياسين»،
و«إياد نصار»، والثانى هو (ما تعلاش عن الحاجب) بطولة «أسماء أبو
اليزيد»، و«مريم الخشت»، ويُعتبر فيلم (ماتعلاش عن الحاجب)
المشاركة الثانية لصناع فيلم (فوتوكوبى) الحائز على نجمة الجونة
الذهبية لأفضل فيلم عربى طويل، فى الدورة الأولى من المهرجان.
4 -
سلبيات تم تداركها
المكاشفة بالأزمات واحدة من أهم عوامل نجاح
المهرجان، فعلى سبيل المثال، عندما انقطع عرض فيلم (يوم الدين) صعد
مدير المهرجان «انشال التميمى» على المسرح ليعلن للجمهور أن السبب
هو حدوث حريق محدود خارج القاعة، مما جعل آلات العرض تتوقف
تلقائيّا، وسيتم استئناف العرض بعد 6 دقائق، وهو ما حدث بالفعل،
أمّا ما حدث من توتر بعد منع الفنان الفلسطينى «على سليمان» من
دخول مصر، الذى كان مدعوّا للمهرجان كعضو لجنة تحكيم ضمن مسابقة
الأفلام الروائية الطويلة، بالإضافة إلى عدم قدرة المخرجة السورية
«سؤود كعدان» وفريق عمل فيلم (يوم أن أضعت ظلى) الحصول على تأشيرة
دخول، مما ترتب عليه غضب بعض الفنانين العرب، وإعلان تضامنهم بعدم
الحضور، ورُغْمَ كل هذه الأجواء المليئة بالتوتر، فإن رد فعل
المهرجان بإبقاء مقعد «على سليمان» فارغًا، وعدم استبداله بفنان
آخر، وعرض الفيلم السورى رُغم عدم حضور أىّ من صناع العمل كان
قويّا رُغْمَ بساطته.> |