«كتاب
أخضر» يفوز بجائزة الجمهور في مهرجان تورنتو السينمائي و بطله المسلم: أفضل
ممثل
وضع النساء تحسن كثيرا هذا العام والتغيير طال أيضا
الأقليات العرقية
حسام عاصي
تورينتو – «القدس العربي» : بعد عرض ما يقارب ثلاثمئة فيلم
في دورته الثالثة والأربعين خلال العشرة أيام الأخيرة أعلن مهرجان تورنتو
السينمائي صباح أمس عن فائز جائزة اختيار الجمهور، التي ذهبت لفيلم بيتر
فارلي «كتاب أخضر»، المقتبس عن قصة حقيقية تدور أحداثها في بداية الستينيات
جنوب الولايات المتحدة، ويقوم ببطولته علي ماهرشالله، وهو المسلم الوحيد
الحائز على جائزة الأوسكار لأفضل ممثل، التي حصدها عام 2017، ويجسد في
الفيلم دور موسيقي أسود ينطلق في جولة عروض برفقة سائقه الأبيض، الذي يلعب
دوره فيغو مورتينسين.
ودُرّج في المرتبة الثانية، فيلم «لو تمكن شارع بيل أن
يتكلم» من المخرج الأسود باري جانكينز، الذي فاز فيلمه «مونلايت» بأوسكار
أفضل فيلم عام 2017. الفيلم مقتبس عن رواية جيمس بالدوين، وهي قصة حب في
حارة هارليم في نيويورك تتمحور حول شاب يتهم ظلما باغتصاب.
واحتل المرتبة الثالثة فيلم المخرج المكسيكي الفونسو كوارون
«روما»، الذي فاز مؤخرا بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينسينا السينمائي.
ويدور الفيلم الشاعري المصور بالأبيض والأسود حول خادمة في بيت عائلة من
الطبقة الوسطى في سبعينيات مكسيكو سيتي.
تعتبرُ جائزةُ اختيارِ الجمهورِ واحدة من أهم جوائز
المهرجانات، وذلك لأنها مؤشرً مهم لجوائزِ الأوسكار، إذ أن معظمَ الأفلامِ
التي فازتْ بها في الأعوامِ الأخيرةِ ذهبت لتحصدَ أوسكار أفضلَ فيلمٍ على
غرارِ أفلامِ «المليونير المتشرد»، و»إثنا عشر عامًا عبدًا» و»خطابُ
الملك». ويتم اختيارُها على أيدي روادِ المهرجان، الذين عادة ً ما يتجاوز
عددُهم مئةَ ألف شخصٍ، يملأون دورَ العرضِ في أنحاءِ المدينةِ من الصباحِ
حتى المساء، وبعد مشاهدتِهم فيلمًا ما يقيّمونه على موقع المهرجان
الالكتروني.
وفضلاً عن جمهوره الضخم، يجمعُ مهرجانُ تورنتو أكبرَ عددٍ
من نجومِ هوليوود والسينما العالمية، الذين يحضرُونَ عروضَ أفلامِهم
ويروجون لها أمامَ الإعلامِ العالميِ تحضيرًا لموسمِ الجوائزِ الذي ينطلقُ
نهايةَ المهرجان. كما تحضرُه كلُ استوديوهاتِ هوليوود وشركاتُ الانتاجِ
والتوزيعِ العالميةُ لعقدِ صفقاتِ البيع والشراءِ، وذلك لأنه يعرضُ أكبرَ
عددٍ من الأفلامِ التي تضمُ أفلاما من مهرجاناتٍ سابقةٍ، فضلاً عن أفلامٍ
تعرضُ للمرة الأولى.
وخلافا للأعوام الأخيرة حيث شح عدد الأفلام ذات الجودة
الراقية، نالت أفلام عدة هذا العام اعجاب رواد المهرجان ومدح النقاد ومن
ضمنها كان فيلم برادلي كوبر «مولد نجمة»، من بطولة نجمة الروك ليدي غاغا،
التي أشعلت صراخ معجبيها عندما حضرت عرض الفيلم الأول. و»رجل أول»، الذي
يتناول قصة الفضائي، نيل أرمسترونغ، أول رجل يخطو على القمر وهو من إخراج
ديميان شازيل، الذي فاز فيلمه الأخير «لا لا لاند» بجائزة اختيار الجمهور
قبل عامين وذهب ليحقق أوسكار أفضل مخرج له.
قضايا النساء
من أهمِ ما ميزَ دورةَ هذا العامِ كان غياب المنتجِ
المتورطِ في فضائحَ جنسيةٍ، هارفي واينستين، للمرة الأولى، بعد أن كان
يُعتبر سيدَ جوائزِ الأوسكار، والحضورُ القويُ لحركاتِ «أنا أيضا» و»كفاية»
النسائية، التي استمرتْ في المطالبةِ بمنحِ النساءِ دورًا أكبرَ في صناعةِ
الأفلام.
وتألقتْ على البساطِ الأحمرِ إحدى زعيماتِ الحركاتِ
النسائية في هوليوود، سملى حايك، التي حضرتْ مع فيلمِها الجديد «هامينغبيرد
بروجيكت»، الذي تلعبُ فيه دورَ رئيسة شركة تجارةِ أوراقٍ مالية تحاولُ أن
تحطمَ مشروع ابني عمٍ، يحاولانِ مدَ ألياف ضوئية عبرَ الولاياتِ المتحدةِ
لتسريعِ المعلوماتِ بين البورصات. وفي حديث معها أكدّت لي أن وضع النساء
تحسن كثيرا هذا العام، علما أن عددا كبير من الأفلام تتمحور حول شخصيات
نسائية. «حقيقة أنني حصلت على هذا الدور، يثبت ذلك»، تقول حايك، التي تضيف
أن التغيير طال أيضا الأقليات العرقية.
فعلا فإن الثلاثة أفلام الفائزة المذكورة أعلاه تتمحور حول
شخصيات غير بيضاء. الأول والثاني يتناولان قصص شخصيات سوداء، كما أن الأول
من اخراج مخرج أسود والثالث من إخراج لاتيني ويحكي قصة فتاة من المكسيكيين
الأصليين. وهذا يدل على أن الجماهير البيضاء معنية بمشاهدة أفلام عن
الأعراق الأخرى وليس فقط عن الأبطال البيض، الذين كانت هوليوود تفرضهم على
العالم عبر العقود.
صعود اليمين المتطرف
ظاهرةُ ترامب وصعودُ اليمينِ المتطرفِ والعداء للهجرةِ في
الولاياتِ المتحدةِ وأوروبا كانت أيضا محوّر عدةِ أفلامٍ عرضَها المهرجان.
أولها كان فيلم المخرج المثير للجدل مايكل مور الوثائقي «فاهرنهايت 9/11»،
الذي يسبر فيه الأسباب التي أدت الى انتخاب دونالد ترامب لرئاسة الولايات
المتحدة وعواقب ذلك على المجتمع الأمريكي.
وفي فيلمِ «الثاني والعشرون من يوليو/تموز» تناولَ المخرجُ
البريطانيُ بول غرينغراس عواقبَ هجوم يمينيٍ متطرفٍ على مخيمٍ صيفيٍ في
النرويج عامَ 2011 قتلَ فيه 77 طالبًا، لكي يحذر من ظاهرة التطرف اليميني
في أوروبا. «هذه مشكلة الغرب. إذا استمروا بالترويج لهذه الأفكار اليمينية
الخطيرة فسوف نضطر الى مواجهة إرهاب جديد من اليمين المتطرف لا يختلف عن
إرهاب الإسلاميين المتطرفين،» قال لي في حديث معه.
المسلسلات التلفزيونية
ارتقاءُ جودةِ المسلسلات التلفزيونيةِ وتفوقِها على
الأفلامِ دفعَ المهرجانَ، كغيرهِ من المهرجانات الأخرى، في الأعوام الأخيرة
الى إدراجِها في برنامجِه في فئة خاصة بها وهي «برايم تايم». وفي يِومه
الأول عرض المسلسلُ التلفزيونيُ «هومكومينكغ» للأمريكي المصري سام إسماعيل،
الذي تدورُ أحداُثه حولَ عاملةٍ اجتماعيةٍ في مركزٍ أبحاثٍ حكومي سري، تدعى
هايدي (جوليا روبرتس)، تحاول أن تساعدُ جنودًا على إعادة الاندماج في
المجتمع، ولكن سرعان ما تكتشف أن هدف المركز هو اجراء تجارب على هؤلاء
الجنود وليس مساعدتهم.
وهذه هي المرة الثانية التي يُدرّج فيها مسلسل تلفزيوني من
انتاج وتأليف اسماعيل. فقبل ثلاثة أعوام شارك مسلسله الأول «سيد روبوت» في
مهرجان الأفلام المستقلة «ساوث باي ساوث ويست»، حيث نال جائزة أفضل مشروع.
والمثير هو أن شخصية مسلسله الجديد «هايدي» لا تختلف كثيرا عن شخصية اليوت،
بطل مسلسل سيد روبورت.
«هما يعكسان شخصيتي»، يقول لي في حديث معه. «أنا ترعرعت هنا
في الولايات المتحدة كعربي أمريكي ودائما شعرت أنني خارجي ومنبوذ ولهذا
أنجذب لشخصيات خارجية ومنبوذة في صراع مستمر مع النظام الفاسد.»
يعرضُ مهرجانُ تورنتو أكبر عدد من الأفلام العربيةِ بين
مهرجاناتِ السينما العالمية خارج العالمِ العربي. ويخصصُ قسمًا للسينما
العربيةِ، وقالت لي مديرة القسم كيفا ديردان التي تجوبُ مهرجانات العالم
بحثًا عن أفلام عربية لعرضها هنا، أن هناك اهتماما كبيرا من قبل جمهور
تورنتو بأفلام الشرق الأوسط.
فعلا، فهذا العام عُرضت سبعة أفلام، منها كانت شاركت في
مهرجانات آنفة على غرار فيلم نادين لبكي «كفر ناحوم»، الذي فاز بجائزة حكام
مهرجان كان السينمائي في شهر مايو/أيار. ومن الأفلام التي شاركت في مهرجان
البندقية الأخير حضر فيلم الفلسطيني سامح زعبي «تل أبيب على نار»، الذي فاز
بجائزة أفضل ممثل لبطله قيس ناشف هناك وفيلم السورية، سؤدد قعدان «يوم أضعت
ظلي»، الذي توج بجائزة أسد المستقبل وفيلم الفلسطيني بسام الجرباوي «مفك».
كما عُرضت أفلام عربية روائية ووثائقية لأول مرة على غرار فيلم الجزائري
مرزوق علوش «ريح ربانية»، الذي يدور حول فتاة اسلامية متطرفة وشاب بسيط
يُرسلا الى الصحراء لتنفيذ عملية ارهابية ضد شركات النفط هناك.
كما عُرض فيلم التونسي نجيب بينقاضي «في عينيي»، الذي
يتناول قصةَ رجل يُضطرُ للعودة الى تونس من فرنسا، حيثُ يعيش مع حبيبتِه
الفرنسية الحامل، ليعتني بابنه المتوحد، الذي لا يتعرفُ عليه ويقلبُ حياتَه
رأسا على عقب.
ومع إسدالِ الستارِ على هذا المهرجان تعود مدينة تورنتو الى
حياتها الطبيعية، بينما تنتقل معارك موسم الجوائز، التي يتوقع أن تكون
صاخبة هذا العام، الى هوليوود، حيث تستمرُ حتى توزيع جوائز الأوسكار بداية
العام المقبل. |