جوائز «بافتا» تتميّـز بمشاركاتها البريطانية.. تتداول
أفلاماً مطروحة وأسماء معروفة
بالم سبرينغز: محمد رُضـا
لم يعد من السهل استيعاب الأحداث والنشاطات السينمائية حول
العالم. خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية وحدها أعلن مهرجان صندانس
عن جزء من أفلام دورته المقبلة هذا الشهر، وأعلن مهرجان روتردام، الذي
سينطلق في نهاية الشهر ذاته، عن جزء آخر من أفلامه الرسمية. مهرجان بالم
سبرينغز واصل عروضه وسط نسبة حضور أعلى ومهرجان برلين يمطر الصحافة
بأخباره، وهذا كله من بعد أيام قليلة على إعلان جوائز غولدن غلوبز التي ما
زال الحديث عنها وعن تأثيرها دائراً حتى الآن.
وها هي «الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون»
تعلن ترشيحاتها تمهيداً لحفلة إعلان جوائزها في الشهر المقبل. الحفل في
قاعة «رويال ألبرت هول» كما كان شأنها من العام 2017، المناسبة ستحمل الرقم
72.
لسنوات طويلة كانت تعتبر ترداداً لحفل الأوسكار ومعظم من
كان يتابع الحفل الأميركي لم يكترث لحفل البافتا ولقبه بـ«الأوسكار
البريطاني» كما لو كان امتداداً لفاعليات منظمة واحدة. لكن الأكاديمية
البريطانية استطاعت التغلب عن هذا الوضع منذ أكثر من عشر سنوات في تجديد
شمل الجوائز من ناحية والسياسة الإعلامية الخاصة بها من ناحية أخرى. الآن
باتت جزءاً مهماً في منظومة المناسبات الدولية وتعني الكثير لكل العاملين
في المهن السينمائية والتلفزيونية، ليس في بريطانيا فحسب بل حول العالم.
الأفلام ذاتها؟
تأتي ترشيحات البافتا كالعادة في وسط الترشيحات الأخرى في
موسم اتفق على تسميته بموسم الجوائز. فخلفها مباشرة جوائز غولدن غلوبز،
وإلى يمينها جوائز «جمعية الكتاب الأميركية» وإلى يسارها جوائز «جمعية
المخرجين الأميركية» وأمامها بالطبع الأوسكار وجوائز جمعيات أخرى مثل جوائز
الممثلين. لكن جوائز البافتا، كما حال الأوسكار (وإلى حد ما غولدن غلوبز)
شاملة على مختلف المهن، فإلى جانب تلك الأكثر استدعاء للاهتمام مثل جوائز
التمثيل والإخراج والسيناريو وجوائز الأفلام ذاتها، هناك جوائز لتصاميم
الأزياء وأخرى للتصوير وثالثة للماكياج وتصميم الشعر كما تصميم الإنتاج
والصوت والتوليف.
لكن بسبب استثمار بافتا الموسم ذاته الذي تقع فيه الجوائز
الأخرى، ولأن الأفلام المتنافسة على الجوائز هي ذاتها، فإن نصيباً كبيراً
منها ما هو إلا تكرار لما ورد في ترشيحات سواها من الجوائز.
هذا واضح من مسابقة أفضل فيلم التي تحتوي على كل الأفلام
التي طرحت فيما مر من جوائز أو في عداد قوائم النقاد العالميين:
«بلاكككلانسمان» لسبايك لي «المفضلة» ليورغوس لانتيموس و«كتاب أخضر» لبيتر
فارلي و«مولد نجمة» لبرادلي كوبر.
في جانب «أفضل فيلم أجنبي» هناك «كفرناحوم» لنادين لبكي
و«روما» لألفونسو كوارون و«نشالو المحال» لهيروكازو كوريدا وهي ترددت
سابقاً، لكن «دوغمان» لماتيو غاروني و«حرب باردة» لبافل بافلوفسكي لم يمرا
على شاشة ترشيحات غولدن غلوبز، وهما بذلك الإضافتان الوحيدتان في هذا
السياق.
وفي إطار السينما المرسومة فإن الأفلام الثلاثة المرشحة هي
ذاتها ما سبق له وأن فاز في سباقات أخرى والأكثر احتمالا للظهور مجدداً حال
إعلان ترشيحات الأوسكار التي باتت قريبة، وهي «الخارقون 2» و«جزيرة الكلاب»
و«سبايدر مان: داخل العنكبوت».
والأمر ذاته فيما يتعلق بالتمثيل. في الخانة الرئيسية
للممثلات نجد غلن كلوز وليدي غاغا وميليسا مكارثي وأليفيا كولمان،
والاختلاف الوحيد وجود فيولا ديڤيز عن «أرامل». وفي خانة الرجال برادلي
كوبر وكرستيان بايل ورامي مالك وفيغو مورتنسون. الاختلاف الوحيد هو وجود
ستيف كوغان عن دوره في «ستان وأولي».
فرص مضاعفة
في خانة التمثيل الرجالي المساند لدينا الطاقم ذاته الذي
ورد في مسابقة غولدن غلوبز: أدام درايفر عن «بلاكككلانسمان» وماهرشالا علي
عن «كتاب أخضر» ورتشارد إ. غرانت عن «هل تستطيع أن تسامحني أبداً؟» وسام
روكوَل عن «نائب» وتيموثي شالامت عن «فتى جميل». وهي تكاد تكون القائمة
ذاتها في نطاق أفضل ممثلة مساندة. عوض رجينا كينغ عن «لو استطاع شارع بيل
الكلام» نجد مارغوت روبي عن «ماري ملكة الاسكوتلنديين» (ولو أن هذا قد يعود
إلى أن الفيلم الأميركي «لو استطاع شارع…» لم يعرض بعد في بريطانيا).
لكن قوّة البافتا وتميزها يكمنان في كونها تحمل مسابقات
بريطانية خالصة: هناك مسابقة لأفضل فيلم بريطاني مميز ومسابقة لـ«أكثر كاتب
أو مخرج بريطاني مميز جديد» ومسابقة للرسوم المتحركة البريطانية القصيرة
وأخرى للأفلام الحية القصيرة، وكلها تشهد مواهب لا تتوفر في المسابقات
الأخرى.
تحتوي مسابقة «أفضل فيلم بريطاني مميز» على خمسة أفلام،
اثنان منها فقط ترددا في جوائز غولدن غلوبز في الأسبوع الماضي، وهما
«بوهيميان رابسودي» و«المفضلة». الأفلام الثلاثة الأخرى هي «وحش» لمايكل
بيرس و«ماكوين» لإيان بونهوت و«ستان وأولي» لجون بيرد.
هذا كله قبل أن تحيلنا مسابقة أفضل إخراج للطاقم ذاته:
سبايك لي عن «بلاكككلانسمان» ويورغوس لانتيموس عن «المفضلة» وألفونسو
كوارون عن «روما» وبرادلي كوبر عن «مولد نجمة».
الاختلاف الوحيد وجود البولندي بافل بافلوفسكي عن «حرب
باردة». على ذلك، أصحاب الترشيحات سعداء. فمن لم يفز بجوائز سابقة للبافتا
لديه حظ هنا كذلك فإن من فاز سابقاً قد يفوز مرّة أخرى تبعاً لحقيقة أن
المنتخبين (أعضاء الأكاديمية البريطانية) مختلفون عن سواهم. يجوز السؤال
هنا عما إذا كان حظ فيلم «كفرناحوم» في مسابقة البافتا كأفضل فيلم أجنبي
سيكون أفضل مما كان عليه يوم الأحد الماضي عندما تم إعلان جوائز غولدن
غلوبز.
لفيلم نادين لبكي اندفاع قوي لم يشهده فيلم لبناني (أو
عربي) من قبل. لكن هناك سد ماثل أمامه اسمه «روما». وقف حائلاً ضد فوز
الفيلم اللبناني وسواه في جوائز جمعية مراسلي هوليوود الأجانب وسيقف حائلاً
هنا على الأرجح.
فيلم نادين هذا غالباً ما سيدخل ترشيحات الأوسكار في
المسابقة ذاتها، وغالباً ما سيجد «روما» في مواجهته. هذا بالطبع من دون
تقليل مستوى الأفلام الأخرى المنافسة على هذه الجائزة الثمينة. لكن
«كفرناحوم» هو الفيلم العربي الأول الذي دخل مسابقتين مهمتين لجوائز
السينما السنوية حتى الآن، وإذا ما دخل قائمة ترشيحات الأوسكار الرسمية في
نطاق الفيلم الأجنبي فسيكون ذلك نجاح لم يسبق لأي فيلم لبناني أو عربي أن
حظي به. فاز أو لم يفز.
شاشة الناقد
كرستيان بايل وآمي أدامز في «نائب»
VICE
>
إخراج: أدام ماكاي.
>
تمثيل: كرستيان بايل، ستيف كارل، سام روكوَل، إيدي مارسان
>
دراما سياسية | الولايات المتحدة - 2019-8
>
تقييم:
★
★
★
★
عند المخرج أدام ماكاي لا يوجد داع لإخفاء مشاعره ضد الطاقم
الذي حكم البيت الأبيض خلال فترة الغزو الأميركي للعراق. وبل كون المخرج
كتب بنفسه سيناريو يتمحور حول شخص معيّـن من ذلك الطاقم، هو شخص نائب
الرئيس دك تشايني، فإنه لا يمانع مطلقاً من توجيه سهامه كلها لتصيب جسد
شخصيته تلك، بدءاً من المشهد الأول في الفيلم عندما يوقف شرطي، سنة 1963،
الشاب تشايني وهو يقود سيارته مخموراً.
زوجته لين (آمي أدامز) تخرجه من الزنزانة وترفض اعتذاره فهي
ليست المرّة الأولى التي ارتكب بها مثل هذه الفعلة. لكنها هذه المرّة
ستعطيه إنذاراً واضحاً، إما أن يتغير أن تتركه وشأنه. يقول لها إنه يحبها
ويعدها بأنه سيتغير.
ينتقل «نائب»
(إنتاج
مشترك مع شركة
Plan B
لصاحبها براد بت)
بعد ذلك إلى كارثة 2001، نرى دك تشايني (كرستيان بايل) يتابعها على شاشة
التلفزيون مع أركان السلطة. ينساب صوت لا نعرف مصدره، في بادئ الأمر،
متسائلا عما كان تشايني يفكر فيه لحظة ارتطام طائرة أولى ثم ثانية بذلك
البرج ثم دماره. يقترح الصوت أن تشايني كان يفكر في كيف يوظف الحادث
لمصلحته الخاصة. أو على الأقل كيف يوجه ما حدث لدخول حروب جديدة. وكيف، في
مشاهد لاحقة، دفع بقوة باتجاه غزو العراق ضمن مبررات كشفت السنوات اللاحقة
من أنها لم تكن صحيحة.
يمارس المخرج الانتقال من فترة إلى أخرى، وهو بعد مشاهد تلك
الكارثة يعود مجدداً إلى البدايات. ها هو تشايني، سنة 1968 موظف في واشنطن
تحت إدارة سياسي آت من الخلفية العسكرية اسمه دونالد رمسفيلد (ستيف كارل).
من ذلك التاريخ يصعد دك تشايني سلالم الوظائف بكتاب مفتوح من المبادئ
السياسية والرغبة في الوصول إلى سدة القرار. يتجاوز الفيلم ودك تشايني
مرحلة الرئيس رتشارد نيكسون الصعبة. الرئيس يسقط ودك تشايني يوالي صعوده
تحت إدارة الرئيس رونالد ريغان. بعد ذلك تشايني إلى ابتعاد عن المحيط
السياسي إلى أن يطلبه جورج و. بوش الابن (سام روكوَل) ليسند إليه منصب نائب
الرئيس. المنصب الذي يقبل به تشايني بشرط أن يُمنح صلاحيات تتجاوز تلك
التقليدية التي يتمتع بها نائب الرئيس عادة. بوش يوافق والفيلم يعارض. كيف
يمكن لنائب رئيس أن يحكم فعلياً ويُمنح حق إصدار القرارات من دون الرجوع
إلى رئيس الجمهورية إذا ما أراد. ما يشير إليه الفيلم بوضوح أن تشايني
استطاع بلوغ مرتبة عليا من الإدارة وأن جورج و. بوش استمع إليه وتبنى
قرارات نائبه لأنه كان أضعف من أن يدير البلاد وحروبها.
يسرد أدام ماكاي سيرة حياة شخصية يكن لها قدراً عالياً من
المعاداة. لكن الفيلم ليس رسالة سياسية فحسب بل معالجة ذكية ومنفتحة على
تنوع المعالجات. لمسات تسجيلية داخل المعالجة الروائية الجادة. يمكن،
بالكاد، اعتباره فيلماً كوميدياً وإذا كان لا بد من ذلك فإنه كوميديا سوداء
من تلك التي تهزأ وتسخر ولا تضحك. ما يرتفع فوق السطح، كذلك الممثلون الذين
تم إسناد البطولة إليهم ممعنون في التجسيد، لدرجة أنك تنساهم كممثلين
وتتعامل وإياهم حسب شخصياتهم. |