الأوسكار تليق بهم
كتب : أحمد قاسم
فى أصيل يوم 22 يناير 2019، انتهى أعضاء أكاديمية فنون
وعلوم الصور المتحركة من التصويت على أسماء أبرز المرشحين لجوائز الأوسكار
فى نسختها الـ91، والتى ستقدم على مسرح كوداك فى مدينة لوس أنجلوس
الأمريكية، فى الرابع والعشرين من شهر فبراير المقبل.
وللمرة الأولى منذ ثلاثين عامًا، سنرى حفل توزيع الأوسكار
بدون مقدم، وذلك بعد انسحاب الممثل الكوميدى «كيفن هارت» إثر الجدل الواسع
الذى لا يزال حتى الآن حديث مواقع التواصل الاجتماعى حول تغريدات سابقة له
اعتبرت معادية للمثليين.
وبعيدًا عن ذلك، فإنه ومن المقرر أن يبدأ التصويت النهائى
لاختيار الفائزين من المرشحين، فى فبراير المقبل وذلك طيلة ثمانية أيام،
إلا أن القائمة الأخيرة التى أعلنتها الأكاديمية لم تخالف توقعات النقاد فى
هوليوود والعالم، وفى التقرير التالى ترصد «روز اليوسف» أقوى الأفلام
المرشحة لجائزة الأوسكار هذا العام:
Vice
ليس عليك أن تكون مهتمًا بالسياسة عندما تقرر أن تشاهد
فيلمًا عن قصة حياة «ديك تشيني»، نائب الرئيس الأمريكى الأسبق، جورج بوش،
والرئيس الفعلى وقتها ومهندس عملية غزو العراق، والذى يعتبر أحد أكثر
الأشخاص دموية فى التاريخ، يكفى فقط أن تعرف أن البطل هو البريطانى المخضرم
«كريستين بيل» الذى شكر الشيطان فى خطبته الشهيرة عند تسلمه الجولدن جلوب،
لأنه كان مصدرًا لإلهامه فى التحضير للشخصية، وأن المخرج والمؤلف هو «آدم
مكاي» صاحب رائعة «العجز الكبير» أو
The Big Short،
وأن المنتج هو «براد بيت».
هذا الفيلم الذى ترشح لست جوائز جولدن جلوب، فاز بثلاث منها
وهى أفضل مخرج وسيناريو وممثل، وترشح لثمانى جوائز أوسكار والذى يعتبر من
أقوى المرشحين للفوز بالجائزة، كان بمثابة مفاجأة للنقاد وعشاق السينما فى
جميع أنحاء العالم، ليس فقط لأنه كان جريئًا فى تجسيده لشخصيات معاصرة ما
زال معظمها على قيد الحياة، ولم تغرب بعد عن ذاكرة الناس، بل أيضًا لأنه
حمل جانبًا كوميديًا حرص «مكاي» على إبرازه بشكل واضح، جعلت البعض يشبه
«مكاي» بأنه النسخة الكوميدية من العظيم «أوليفر ستون».
أغلب الإشادات جاءت فى صف أداء «بيل»، ليس لتغير مظهره
فحسب، فهو ملك التحول الجسدى فى السينما العالمية، لكن عندما عرف الجمهور
مدى تفانيه فى تجسيد الشخصية وكيف أنه اضطر إلى زيادة وزنه عن طريق
الاكتفاء بأكل الفطير فقط أثناء التحضير، وكيف أن «مكاي» أصر على تصوير
الفيلم رغم إصابته بنوبة قلبية خطيرة، اضطر على إثرها إلى الخضوع لعملية
تركيب دعامة لقلبه، بل وتصوير العملية الجراحية ووضع لقطات سريعة منها فى
شريط الفيلم، سيدركون أنهم بصدد مشاهدة عمل نادر.
يقول «مكاي» فى حوارٍ مع مجلة «ديدلاين» إن «بيل» أنقذ
حياته حينما أصيب بنوبة قلبية، بيد أن الأخير ظل يدرس طرق الإنعاش الطبية
أثناء تحضير شخصية «تشيني»، الذى يظهر فى الفيلم وهو يعانى من نوبات قلبية
عديدة، لذلك كان أول من ساعد «مكاي» أثناء نوبته القلبية فى الاستديو،
ولذلك وافق رغمًا عنه على اقتراح «بيل» بأن يظهر «تشيني» وهو يكسر الحاجز
الرابع فى المشهد الختامى الرائع موجهًا حديثه للكاميرا رافضًا الاعتذار عن
غزو العراق، والذى كتبه «بيل» مع «مكاي» قبل يومٍ من تصويره.
A
Star Is Born
الفيلم الذى نرى قصته لثالث مرة، والذى فاز عام 1937 بجائزة
الأوسكار أفضل سيناريو، وعام 1976 بجائزة أفضل موسيقى تصويرية، نراه اليوم
بصورة مختلفة تمامًا ويترشح لثمانى جوائز أوسكار.
إنها قصة مولد نجم بالفعل، فهى التجربة الإخراجية الأولى
لـ«برادلى كوبر» الذى ظل يطارد حلم الإخراج منذ كان طالبًا صغيرًا بجامعة
«جورج تاون» فى العاصمة واشنطن، وظل طيلة عشر سنوات يظهر فى أدوارٍ ثانوية
إلى أن نجح ممثلاً بشكل مفاجئ فى الثلاثية الكوميدية «أثر الثمالة» أو
The Hangover.
وهى البطولة السينمائية الأولى لملكة البوب «ستيفانى جوان أنجلينا
جيرمانوتا» أو كما نعرفها نحن باسم «ليدى جاجا»، التى أعادت اكتشاف نفسها
وتربعت فى شهورٍ قليلة على عرش ممثلات هوليوود وحازت على إشادات نقدية
هائلة لدورها فى الفيلم، وحصلت بسهولة على ترشيحها للأوسكار كأفضل ممثلة،
رغم أن شركة «وارنر برارز» رفضت حصولها على دور البطولة حينما رشحها «كوبر»
وأصرت على أن تظفر النجمة «بيونسيه» بالدور.
«كوبر»
الذى استلهم تجربته القاسية مع معاقرة الخمر والمخدرات فى رسم وبناء شخصية
«جاك» البطل، ظل يدرس الغناء وعزف الجيتار طيلة عام فى قبو شقته مع المغنى
«لوك نيلسون» نجل أسطورة موسيقى الكانترى روك «ويلى نيلسون»، وأرغم
المنتجين على إشراك «ليدى جاجا» بعدما شاهد أداءها لأغنية
« la vie en rose»
وقرر زيارتها فى منزلها لإقناعها بالدور ثم صورا معًا أغنية لعرضها على
«وارنر برازر»، كما استلهم هذا الأداء فى مشهد اللقاء الأول لبطلى الفيلم.
Roma
ذات مرة قال المخرج المكسيكى «ألفونسو كوارون» إنه يرى
الذاكرة كالشقوق فى الحائط على عكس الأديب العظيم «خورخى بورخيس»، الذى كان
يراها على أنها مرآة محطمة أو معتمة، فـ«كوارون» يعتبر أن الذاكرة مصدرًا
أبديًا للآلام مهما فعلت سيظل موجودًا حتى النهاية.
إنها المرة الخامسة فى تاريخ الأوسكار التى يحصل فيها فيلم
على ترشيح فى فئتى أفضل فيلم وأفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية، وذلك بعد أفلام
«زد» عام 1969 و«الحياة جميلة» عام 1997، و«النمر الرابض والتنين الخفي»
عام 2000، وأخيرًا الفيلم الفرنسى «الحب» إنتاج عام 2012.
ورغم أن الأفلام الأربعة لم تحصل على الجائزتين، إلا أن
جميع التوقعات تراهن على أن فيلم «روما» سيجمع بين فئة أفضل فيلم وأفضل
فيلم أجنبى للمرة الأولى فى التاريخ، وعلى أقل تقدير سيحصل على جائزتى أفضل
مخرج وأفضل فيلم، إذ إنه مرشح لعشر جوائز أوسكار، وفاز بالجولدن جلوب عن
فئة أفضل فيلم أجنبى وأفضل إخراج.
يلقى « كوارون» هذا العام بكامل ثقله الفنى والتعبيرى منذ
بداية مسيرته الفنية عام 1991، حيث صنع فيلمًا سينمائيًا مبنيًا بكامله على
ذكريات طفولته فى حى «كولونيا روما» الذى أقامت فيه أسرته، ونراه يكتب فى
النهاية إهداءً إلى «ليبو» الشخصية الحقيقية التى استندت عليها بطلة الفيلم
«كليو» التى جسدتها الممثلة المكسيكية الناشئة « ياليتزا أباريسيو».
قرر «كوارون» إخراج وكتابة الفيلم، بل وحرص شخصيًا على أن
يشارك فى إدارة التصوير للمرة الأولى فى حياته وعملية المونتاج، فضلاً عن
أنه استعار أغلب الأثاث المنزلى الذى ظهر فى الفيلم من عائلته، وقام بتصوير
جميع المشاهد فى نفس الأماكن التى وقعت فيها الأحداث الأصلية.
Bohemian
Rhapsody
حينما أخبر مغنى الروك البريطانى الشاب ذو الأصول
البولسارية الهندية، «فريدى ميركوري»، فى سبعينيات القرن الماضى، أعضاء
فرقته الناشئة المسماة «كوين» أنه بصدد إطلاق اسم «رابسودية بوهيمية»
Bohemian Rhapsody
على أغنيته الجديدة، التى عكف على تأليفها مذ كان صبيًا يقضى أوقاته فى
ضواحى لندن، كان من الطبيعى أن يتهموه بالجنون، فبعيدًا عن الاسم الغريب،
الذى يستعمل فى قوالب الموسيقى الكلاسيكية، أطلعهم على رغبته فى أن يربط
الموسيقى الكلاسيكية والأوبرا بالتحديد بفن الروك المعاصر.
وتحقق حلم «فريدي» وأصبحت الأغنية أعظم أغنية حداثية فى
تاريخ أغانى الروك والبوب على الإطلاق، ولا تزال حتى الوقت الراهن تحقق
أرقامًا خيالية فى مبيعاتها، ربما لأن بناءها الموسيقى فريد من نوعه ولم
يتكرر حتى الآن فى أى أغنية، بيد أنها تحتوى على مقطع أوبرالى ومقدمة مصاغة
بقالب «البالاد» الكلاسيكى ومقطع هارد روك وخاتمة
CODA
منظمة بقالب الـ«بوب».
بعد أن تحول «فريدي» إلى أسطورة فى الثقافة الشعبية وعقب
وفاته المفاجئة عام 1991 بسبب مرض الإيدز، ظلت الفرقة منقطعة عن تقديم عروض
موسيقية إلى أن جاء عازف الجيتار وعالم الفيزياء وصديق عمر «فريدي»، «براين
ماي» وأعاد إحياء الفرقة مجددًا مع بداية الألفية الثالثة، وعكف مع صديقه
عازف الإيقاع «روجر تايلور» على الاشتراك فى مشروع سينمائى يروى قصة صعود
الفرقة مع «فريدي»، حتى تحول الحلم إلى الحقيقة عام 2011، وبعد حوالى ست
سنوات من العراقيل والصعوبات وتوقف الإنتاج، عثرت الفرقة ومعها المخرج
«براين سينجر» على الممثل الذى سيجسد شخصية «فريدي»، ألا وهو «رامى مالك»،
الممثل الأمريكى من أصل مصرى، الذى نراه يترشح الآن عن دوره فى الفيلم الذى
سمى تيمنًا بالـ«رابسودية البوهيمية»، بعد أن فاز بجائزة الجولدن جلوب عن
نفس الدور.
ربما يعيد لنا «مالك» نحن المصريين الحنين لذكريات العظيم
الراحل «عمر الشريف» حينما فاز بالجولدن جلوب فى فئة أفضل ممثل درامى عن
دوره فى فيلم «دكتور زيفاجو»، لكن «مالك» أضحى بين ليلة وضحاها نجمًا
عالميًا أشاد به النقاد ليس فى الولايات المتحدة فقط، بل فى أوروبا، عن
دوره فى الفيلم الجديد، والذى عكف على التحضير له شهورًا مديدة، وذلك
لإتقان حركات «فريدي» على المسرح، ناهيك عن أنه خضع لدروس مكثفة فى الغناء
وعزف البيانو والرقص، وكانت النتيجة أن الجمهور لم يستطع التفرقة بين صوت
«فريدي» وصوت «مالك» فى الفيلم.
بعد أن عرف «مالك» أن الفيلم ترشح لخمس جوائز أوسكار، منها
أفضل فيلم وأفضل ممثل، صرح بأنه اتصل فورًا بـ«ماي» و«تايلور» للاحتفال
معهما. وبعيدًا عن ذلك، فإن الفيلم لم يحقق نجاحًا نقديًا كبيرًا مقارنة
بباقى المرشحين، نظرًا لأنه لم يسبر أغوار «فريدي» بل اكتفى بسرد وثائقى
لتاريخ الفرقة ولكن بنكهة درامية، ومع ذلك فقد حاز إعجاب ملايين المشاهدين
ووصلت إيراداته العالمية إلى أكثر من نصف مليار دولار.
BlacKkKlansman
«بلاكككلنزمان»
أو «رجل كو كلوكس كلان الأسود»، آخر أعمال «سبايك لي» السينمائية منذ فيلم
«الفتى العجوز» عام 2013، وحاصل على 6 ترشيحاتٍ للأوسكار، وأربعة للجولدن
جلوب، وهو أول ترشيح فى تاريخ «لي» الفنى لجائزة أفضل مخرج، وذلك رغم
تصريحاته القائلة إن الأكاديمية تتعمد استبعاد عدد كبير من النجوم أصحاب
البشرة السوداء.
الفيلم مقتبس عن كتاب يروى حكاية «رون ستولورث»، الذى أصبح
أول شرطى أمريكى من أصل أفريقى فى قسم شرطة كولورادو سبرينج فى السبعينيات،
وينجح فى اختراق منظمة «كو كلوكس كلان» المتطرفة، بمساعدة زميله «فيليب»
والذى يلعب دوره الممثل «آدم درايفر»، مدعيًا أنه رجل أبيض يكره السود
واليهود، رغم أن الشخص الحقيقى لم يقلد صوت رجل أبيض على الهاتف، بل استخدم
صوته الحقيقى.
فى مهرجان «كان» السينمائى صفق الجمهور لـ«لي» لمدة ست
دقائق بعد مشاهدة خاتمة الفيلم التى أظهرت لقطات وثائقية، لأحداث عنف
شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية فى السنوات الأخيرة، فى حين جاء أغلب
المديح على تيمة الفيلم التى عمد «لي» من خلالها الإشارة إلى التراكم
الثقافى والفنى، الذى ساعد على ترسيخ الصورة العنصرية ضد الأفارقة
الأمريكيين فى ذهن الشعب الأمريكى، فنرى «لي» يصفع هوليوود بقسوة حينما
افتتح الفيلم بمشهد من فيلم «ذهب مع الريح»، الذى تعتبره هوليوود تحفة
فنية، رغم أن يزخر بنعرات العنصرية، والتشويه لمجتمع الأفارقة الأمريكيين.
حضور عربى
دخلت «نادين لبكي» التاريخ حينما أصبحت أول سيدة عربية
تترشح لأكبر عدد من الجوائز العالمية المهمة عن فيلمها «كفر ناحوم»، حيث
ترشح الفيلم لجوائز البافتا البريطانية، ونافس على السعفة الذهبية فى
مهرجان كان، وفاز بجائزة لجنة التحكيم، ثم نافس على جائزة أفضل فيلم أجنبى
فى الجولدن جلوب، وفاز بجائزة الجمهور فى مهرجان ملبورن بأستراليا، وجائزة
لجنة التحكيم فى مهرجان النرويج السينمائى الدولى، وجائزة الجمهور
التفضيلية فى مهرجان كالجارى فى كندا.
والآن ترشح الفيلم للأوسكار فى فئة أفضل فيلم أجنبى، فى
ثالث أفلامها الروائية الطويلة..
نرى «لبكي» تمنح دور البطولة للطفل «زين»، وهو لاجئ سورى بالفعل كما يظهر
فى الفيلم من عائلة معدمة، كثيرة الأولاد، وبلا أوراق ثبوتيّة. يتقاطع
مصيره مع مصير «راحيل»، وهى عاملة أثيوبيّة، تمامًا كالممثلة التى تجسدها
«يوردانوس شيفيراو».
أما ثانى حضور عربى فى سباق الأوسكار، والمرشح ضمن قائمة
الأفلام الوثائقية الطويلة، هو ثالث تجربة وثائقية روائية طويلة للمخرج
السورى «طلال ديركي» المولود فى دمشق، ويعيش الآن مع أسرته فى المنفى، فى
برلين بألمانيا.. فيلم «آباء وأبناء» والذى يعد الجزء الثانى من ثلاثية
وثائقية عن الحرب الأهلية السورية، بعد فيلم «العودة إلى حمص» الذى فاز
بجائزة سينما العالم للأفلام التسجيلية من مهرجان صندانس، وفى الجزء الجديد
نرى كاميرا «ديركى وهى تدخل مجتمع التنظيمات الإرهابية فى إدلب وتعايش
أسرة «أبو أسامة» أحد الجهاديين بجبهة النصرة، راصدة حياته اليومية وعلاقته
بأطفاله.< |