آخر التقديرات باتت تميل إلى صالح المخرج سبايك لي في سباق
الأوسكار الذي يخوضه حالياً، وذلك على صعيدي أفضل فيلم وأفضل مخرج. هذا
التطوّر عائد بالدرجة الأولى إلى أن العديد من سينمائيي هوليوود يعتقدون أن
الوقت حان لتتويج هذا المخرج بأوسكار أفضل فيلم أو أوسكار أفضل مخرج أو حتى
كليهما معاً.
الفيلم هو «بلاكككلانسمان» الذي رغم بعض المآخذ عليه يستحق
الفوز ويتساوى قيمة بفيلم «روما» لألفونسو كوارون الذي بدأ البعض بتشبيهه
بأنه فيلم سهرة تلفزيونية. الحديث التالي يسبر غور رؤية سبايك لي للسينما
التي يطلب منها أن تكون سياسية على الدوام.
·
هناك عديديون اليوم يقولون إنك تستحق الأوسكار أكثر من
سواك. ما رأيك في ذلك؟
-
رأيي إذا ما كنت أستحق الأوسكار أو لا؟ بالطبع أستحقه (يضحك). طوال حياتي
كصانع أفلام حاولت إنجاز أعمال تختلف عن السائد من جهة أنها تنتمي إلي، ومن
جهة أنها تنتمي إلى الأفلام القليلة التي تتطرق إلى الأوضاع الراهنة من
حولنا. هنا في أميركا على الأقل. «بلاكككلانسمان» لا يختلف عن أي من هذه
الأفلام في هذه الناحية.
·
رغم ذلك هناك من لا يزال يعتبر أن السينما عليها أن تكون
ترفيهاً فقط. هل توافق على أن كل فيلم عليه أن يحمل رسالة سياسية؟
-
نعيش في أوقات خطرة. المثقفون والفنانون مطالبون اليوم بالوقوف أمام ما
يحدث بوضوح. أنت إما مع ذلك الرجل في البيت الأبيض أو ضده. هذا شأنك الخاص،
لكن لا أعتقد أنه من الضروري أن يتولى الفيلم تقديم رسالة سياسية معينة.
·
لكن الرؤساء والسياسيين يأتون ويمضون. الأفلام تبقى. ما هي
إذن أهمية التعليق على مرحلة يشغلها سياسي ثم يمضي ويمضي التعليق معها؟
-
الصورة ليست كذلك على الإطلاق. التعليق السياسي حول أي مرحلة يبقى دائماً.
صحيح إنهم يأتون ويؤدون أدوارهم السياسية ويرحلون إلا أن الأثر يبقى وإن لم
يكن الأثر فشيء آخر. عندما أخرج غريفيث «مولد أمّـة» سنة 1915 كان يعلق على
وضع عنصري سبق تلك السنوات بسنوات عديدة. في الوقت ذاته كان ينجز فيلماً
عنصرياً بحيث لم يعد التعليق على الحرب الأهلية الأميركية ووضع الأفرو -
أميركيين حينها هو كل ما يشغله الفيلم، بل استخدام الموضوع ومحتوياته
لتأييد الكوكلس كلان.
قرار سياسي
·
«مولد
أمة» مثال واضح لفيلم عنصري يدعو إلى استمرار المنهج العنصري ويؤيد
الجنوبيين ضد الجيش الاتحادي
-
بالطبع.
·
لكن ما رأيك في أنه في الوقت ذاته أحد أفضل الأفلام التي
حققتها السينما في تاريخها على صعيد فني بحت.
-
هو بالتأكيد فيلم مميز بنواحٍ فنية وبأسلوب عمل مدهش آنذاك، ولكن هذا لن
يعفيه من المسؤولية. ما الذي بقي منه اليوم سوى صيته كأحد الأفلام التي
تسببت في الإضرار بوضعية الإنسان الأسود في أميركا. أعرف تماماً ما تقول
وهو ليس كلاماً نختلف عليه، لكن الضرر والنية للأذى سادا الفيلم بحيث لم
يعد هناك ضرورة للقول بأن الفيلم جيد لكنه عنصري.
·
أوافقك تماماً. كيف تنظر إذن إلى الأفلام التي يقرر أصحابها
عدم تحقيق رؤية سياسية أو التعليق على وضع سياسي.
-
اللحظة التي تقرر فيها أنك لن تحقق فيلماً سياسياً هي لحظة سياسية. تغييب
السياسة عن الفيلم هو قرار سياسي.
·
هل ما زلت تعتبر نفسك مخرجاً مستقلاً إلى اليوم رغم تعاملك
مع شركات رئيسية؟
-
ما هو الفيلم المستقل (يضحك) هل ما زال موجوداً؟ معظمنا يعمل الآن كيفما
استطعنا تدبير التمويل. السينما المستقلة خسرت الكثير مما كان لها. من
طبيعتها وشروطها. الحال القائم اليوم هو أن على المخرج أن يستحوذ الفرصة
التي يجدها بصرف النظر عن حجم المؤسسة التي تقف وراءه. إذا كانت مؤسسة
مستقلة فليكن، لكن هذه المؤسسات لم تعد بالوفرة التي كانت عليه قبل عقود.
·
ماذا بقي إذن من مفهوم السينما المستقلة؟
-
بقي المخرج. إذا كان محظوظاً بحيث استطاع أن يصبح سينمائياً مشهوراً فإنه
يستطيع تحقيق الفيلم بروح مستقلة بصرف النظر عمن يموله…. هوليوود كما
نعرفها أو المؤسسات الجديدة كما «نتفلكس» و«أمازون». أقصد أن المخرج يأتي
إلى العمل بشروطه. أريد تحقيق هذا الفيلم بهذه المواصفات ولا أريد تحقيق
هذا الفيلم بالمواصفات التي يوافق عليها المنتجون. هذا ربما الشيء الوحيد
الذي بقي ماثلاً في السينما المستقلة.
·
«بلاكككلانسمان»
رحلة سبايك لي في سيناريو مأخوذ عن كتاب تم تغيير الكثير من أحداثه. لماذا
كانت هذه التغييرات ضرورية؟
-
لكل الأسباب التي تتسبب عادة في اختلاف الفيلم عن مصدره الأصلي. لكن علي أن
أشير إلى أن هذا التغيير ليس شاملاً. الأحداث وقعت بالفعل وهذا حافظنا
عليه. التغييرات لم تفصل الفيلم مطلقاً عن الأحداث الحقيقية التي وقعت.
هناك تغيير في الشخصيات وأحداث لا يتيح الوقت تقديمها وهذا يحدث طوال الوقت.
·
في مجمله هو فيلم يعيد سبايك لي إلى بعض أفضل ما حققه من
أفلام. أقصد أن هناك فترة بقي اسمك فيها معروفاً وعالياً، لكن بدا كما لو
أنك غادرت موقعك السابق كمخرج لأفلام تتحدث عن البيئة العنصرية مثل «افعل
الشيء الصحيح».
-
هناك فترة حاولت فيها أن أطرح قضاياي ضمن مواضيع مختلفة. واحد من أهم
أعمالي في اعتباري الخاص هو «الساعة الـ25» الذي لم يشبه «افعل الشيء
الصحيح» أو «حمى الغابة» أو «مالكولم إكس» في شيء سوى أنه التزم بطرح
موضوعه في إطار سياسي.
·
هل شاهدت الأفلام الأخرى المنافسة لك وما رأيك بها؟
-
لا أستطيع أن أبدي رأيي بها. هي تختلف وتتفاوت ولكل مدرسته وأسلوبه في
العمل وبعض هذه الأفلام رائعة. نسيجها جيد وأتمنى لها النجاح. |