أيام على الأوسكار (3): تنافُس مستحيل في الإخراج والكتابة
والتمثيل
تبعاً لمثل «الإكثار من الجّيد مضرّ»
صندانس: محمد رُضا
حتى
الساعة ليس هناك ما هو مؤكد بالنسبة إلى جوائز الأوسكار، وهذا ليس بالأمر
المستغرب. هناك تكهنات كثيرة، وكثير منها صائب. على سبيل المثال، «روما»
سيفوز نكايةً في ترمب، كونه فيلماً مكسيكي الإخراج لاتيني اللغة. ومنها أن
«بلاكككلانسمان» هو ما سيفوز لأنه يطرح قضايا العنصرية و… أيضاً نكايةً في
ترمب. والبعض يُفتي بأن كليهما سيتراجعان ليفوز فيلم «مولد نجمة» كونه
فيلماً تقليدي «الموديل» ينتمي إلى هوليوود - بلا سياسة وبلا مشكلات.
لا تقع مثل هذه التأويلات في معظم المسابقات الأخرى
كالسيناريو والتمثيل والتصوير، كون الحكم يحاول دوماً، وعلى نحو أفضل،
الالتزام بمعايير فنية ودرامية محددة.
على نحو أو آخر، فإن فوز الممثلة المكسيكية ياليتزا
أباريثيو عن دورها في «روما» (وهو أمر مستبعد) له علاقة بالتوجه الليبرالي
لهوليوود، ومحاولة تعزيز الجبهة التي تعكس الخليط البشري الذي يكوّن
المجتمع الأميركي في كل شبر منه. كذلك، وإلى حد كبير، حال إذا ما فاز رامي
مالك بجائزة أفضل ممثل في دور رئيسي.
في وضع متشابك كهذا، ومع قائمة من الأفلام المرشحة التي ليس
من بينها فيلم على قدرٍ عالٍ متفقٍ عليه من الفن فإن نتائج المسابقات
المختلفة في دورة الأوسكار الـ91 التي ستُبَثّ ليل الأحد في الرابع
والعشرين من هذا الشهر، تمكن قراءتها على النحو التالي:
-
أفضل مخرج
كما أن المنافسة القصوى في مسابقة أفضل فيلم، كما تقدم، هي
بين سبايك لي، عن «بلاكككلانسمان»، وألفونسو كوارون عن «روما»، فإنها هي
ذاتها في هذا المجال: ألفونسو كوارون فائز دائم في معظم المرات التي رُشح
فيها، وسبايك لي لم يدخل مجال الترشيحات في قسمي أفضل فيلم وأفضل مخرج
مطلقاً من قبل. أي أن هناك واحداً حمل أكثر من أوسكار في يديه والثاني يأتي
خاوي الوفاض تماماً. بالتالي السؤال هو: هل يفوز ألفونسو كوارون رغم كثرة
جوائزه السالفة أو يفوز سبايك لي لكونه لم يفز من قبل؟
أمام هذا التنافس ينحسر الضوء عن يورغس لانتيموس «المفضلة»،
ولو أنه الحل الثالث إذا وجدت غالبية المقترعين نفسها حائرة بين كوارون ولي.
بعده يبدو الأمل ضئيلاً بالنسبة إلى البولندي باڤيو
باڤيلوڤسكي عن «حرب باردة»، وبالنسبة إلى أدام مكاي عن «نائب».
-
أفضل ممثلة في دور رئيسي
عند طرح سؤال: مَن مِن الممثلات الأكثر استحقاقاً لجائزة
الأوسكار؟ فإن الجواب الذي لا يختلف عنه سوى القليلين هو غلن كلوز. هذه
الممثلة الدؤوبة والممتازة هي أكثر ممثلات السينما ترشحاً للأوسكار من دون
فوز واحد حتى الآن.
هي رائعة في «الزوجة» بصرف النظر عن الفيلم. طبعاً لو كان
الفيلم دخل سباق الأفلام المرشحة لساعد ذلك في تثبيت احتمالاتها قليلاً.
رغم ذلك هي الأعلى بين الاحتمالات علماً بأن المنافسة بينها وبين أوليفيا
كولمن (عن «المفضلة») ليست سهلة. هي الثانية في تدرّج أصحاب الحظوظ، بعدهما
تأتي مليسا مكارثي التي انقلبت من كوميدية إلى درامية في «هل تستطيع أن
تغفر لي أبداً؟».
ليدي غاغا وياليتزا أباريثيو ستكونان ضيفتا شرف في الحفل،
تستلمان التصفيق عند ذكر اسميهما، لا أكثر.
-
أفضل ممثل في دور رئيسي
الأكثر ترجيحاً هنا هو رامي مالك عن دوره في «بوهيميان
رابسودي». وضعه لم يتغير حتى الآن بل تأكد أكثر بعد سلسلة من الجوائز التي
نالها، فهو ربح «بافتا» وربح «غولدن غلوبز» وربح جائزة نقابة الممثلين. إذا
لم تواكبه هذه النجاحات ليلة الأوسكار فإن ذلك سيكون أمراً غريباً لكنه
سيكون خبراً ساراً للمنافسين الآخرين وفي مقدّمتهم كرستيان بايل عن دوره في
«نائب». وهناك مفارقة مهمّة تسجّل هنا: رامي لم يخرج خاسراً أياً من
الجوائز الأساسية التي رُشح لها. كرستيان بايل لم يخرج رابحاً أياً من
الجوائز الرئيسية التي رُشح لها باستثناء «غولدن غلوبز» في قسم أفضل ممثل
رئيسي في فيلم كوميدي أو موسيقي. بذلك سيبقى الاثنان شديدي التنافس حتى فتح
المغلف المغلق وقراءته على العلن.
باقي الممثلين يقفون في الصف الثالث سواسية: فيغو مورتنسون
عن «كتاب أخضر»، ووليم دافو عن «عند بوابة الخلود» (حظ جيد لولا قوّة
اندفاع رامي مالك)، وبرادلي كوبر الذي يبدو أقل المرشحين حظوة خصوصاً أنه
ليس من بين المرشحين في مسابقة أفضل مخرج كونه أخرج «مولد نجمة» كما قام
ببطولته الرجالية أيضاً.
-
أفضل ممثلة في دور مساند
هناك مثل يقول: «الكثير من الجيد مضرّ». وهذا المثل ينطبق
هنا على وضع الممثلتين المرشحتين (كل ضد الأخرى) عن دوريهما المساندَين في
«المفضلة» وهما راتشل فايز وإيما ستون. كلاهما جيد. كلاهما متساوٍ تقريباً
في الفترة الزمنية التي يحتلانها على الشاشة، كيف يمكن الحكم بينهما من دون
اللجوء إلى اختيار ثالث؟
هذا الاختيار سيكون على الأغلب وراء فوز آمي أدامز بهذه
الجائزة عن دورها في «نائب»، وهي تستحق الفوز بالفعل نظير دورها كزوجة ديك
تشايني التي كانت -حسب الفيلم- تسدد له خطواته وتؤيده كزوجة لديها مصلحة
شخصية وراء وصول زوجها إلى سدة السلطة السياسية. مارينا د تافيرا عن
«روما»، ورجينا كينغ عن «لو استطاع بيل ستريت الكلام» تقفان في الاحتمالين
الأخيرين على الأرجح.
-
أفضل ممثل في دور مساند
الحظوظ هنا متوفرة للجميع لأسباب تختلف من واحد لآخر:
ماهرشالا علي، برهن من خلال دوره في «كتاب أخضر» على أنه
الرابح الأكيد في هذه الدائرة من الترشيحات أكثر من مرّة فنال «غولدن
غلوبز» و«بافتا» وسواهما.
سام إليوت عن «مولد نجمة» قد يكون الملجأ المناسب إذا ما
أخفق «مولد نجمة» في نيل أوسكارات أساسية أخرى. وهو يمتاز بالمظهر (شارب
عريض وصوت تميّزه بمجرد النطق بكلمة واحدة)، لكنْ أداءً هو متوسط القيمة.
سام روكوَل يلعب دور بوش الابن كما لو كان بوش الابن:
الحركات. الابتسامة الساخرة. التصرفات ونبرة الصوت. يستحقها ولو أنه من
المستبعد أن ينجز هذا الاستحقاق هنا.
أدام درايفر، يبدو لهذا الناقد الأقل قدرة على تجاوز
الآخرين. دوره في «بلاكككلانسمان» مهم ومحدود معاً.
يبقى رتشارد أ. غرانت عن «هل تستطيع أن تغفر لي أبداً؟». هو
هنا الحل الوسط أمام الجميع. حظه مرتفع مباشرةً بعد مهرشالا علي.
-
مسابقة أفضل سيناريو أصلي
و«أصلي» تعني هنا أنه غير مقتبَس، والسيناريوهات الخمسة
المتنافسة هنا هي جميعاً واردة في قوائم الصراع على الأفلام ومخرجيها
وممثليها باستثناء «فيرست برفورمد» الذي وضعه بول شرادر، وهو فيلم كان
يستحق أن يكون المنافس التاسع في قائمة أفضل الأفلام.
شرادر استعان بخبرته التي تعود إلى أيام «تاكسي درايفر»،
وفيلمه يلتقي وذلك العمل الأسبق له وللمخرج مارتن سكورسيزي في كونه يتحدث
عن فعل الدين في النفس وفعل المواجهة الخاسرة للفرد إزاء الفساد الاجتماعي.
لكن المنافسة صعبة هنا. سيناريو «المفضلة» جيد بدوره إلى حد
التكامل. حين قراءته تستطيع أن تكتفي به عوض كتاب عن سيرة حياة الملكة آن
التي يتحدث الفيلم عنها. عيبه أنه غير غامض من حيث إنه لا يحمل سؤالاً يمضي
الفيلم به للنهاية كما الحال في «فيرست ريفورمد»، وغير مبتكر كما حال
سيناريو أدم مكاي «نائب». ما يحول دون فوز مكاي -إلى حدٍّ- هو أنه فاز
سابقاً عن سيناريو فيلم «ذا بيغ شورت».
لا شيء يعيب سيناريو ألفونسو كوارون، لكن الأكاديمية ستفكر
في إتاحة المجال لآخرين في هذه المسابقة. فيلم «كتاب أخضر» تقليدي الكتابة
(كما الإخراج) ولن يكسب هذه الجولة.
-
أفضل تصوير
فيلمان من الخمسة المشتركة هنا هما بالأبيض والأسود: «روما»
(تصوير كوارون)، و«حرب باردة» (لوكاش زال). كلا الفيلمين ممتازان في تبرير
السبب الذي من أجله عمدا إلى هذا الاختيار. كذلك في تنفيذه. لكن إنجاز مدير
التصوير المشهود كالب دشنل لفيلم «لا تنظر بعيداً مطلقاً» لا يمكن تفويته
بسهولة. هناك أيضاً روبي رايان الذي ينجز المشاهد الداخلية في «المفضلة»
بدراية. مارتي ليباتيك يوفر توظيفاً مقبولاً لفيلم «مولد نجمة».
-
فيلم أجنبي
ستعم الفرحة لبنان إذا ما فازت نادين لبكي عن «كفرناحوم»،
لكن الفيلم في الواقع يواجه معضلتين كبيرتين. لقد سبق وذكرت علاقة «روما»
به وبكل الأفلام الأخرى المنافسة في هذه المسابقة، ذلك إنه إذا ما فاز
«روما» بأوسكار أفضل فيلم ارتفعت حظوظ باقي الأفلام تلقائياً وبشكل متساوٍ.
أما إذا لم يفز «روما» في تلك المسابقة فإنه سيفوز بالتأكيد هنا وستخبو
الحظوظ من كل هذه الأفلام الأخرى.
المعضلة الثانية هي أن «كفرناحوم» لا يوازي الأفلام الأخرى
المنافسة فناً: لا «حرب باردة» (بولندا)، ولا «لا تنظر بعيداً مطلقاً»
(ألمانيا)، ولا -بالطبع- «روما» (المكسيك)، ولا «نشالو المحال» (اليابان).
الأسوأ هو أن «نشالو المحال» يتناول الحياة المدقعة لأبطاله من دون شتائم
معادية لشخصياته، وهذه مشكلة درامية كبيرة بالنسبة إلى فيلم نادين لبكي. |