عين العالم على عهد جديد للسينما في السعودية
شركات بريطانية وأميركية وآسيوية تتنافس على دخول السوق
لوس أنجليس: محمد رُضا
بينما الاستعدادات الإدارية والتقنية والعمرانية تمضي على
قدم وساق لاستقبال عهد جديد من مناخات التحديث والتطوير في البنية الفنية
والثقافية في المملكة العربية السعودية، ترتفع الآمال المعلقة على أن تكون
السينما، كصناعة وكتوزيع، رأس الحربة في هذا الاتجاه الجديد لبلد تحاشى،
سابقاً، الاشتراك مع محيطه والعالم في عرض الأفلام السينمائية أو تصنيعها،
على رقعة كبيرة، في المملكة.
والمسألة برمّتها لها أكثر من جانب تدعمها اليوم التوجهات
الجادة لاستحداث نهضة شاملة تخلق مملكة جديدة ومحورية على الأصعدة كافة.
فالسينما لها عدة كيانات لا تستطيع أن تنجح من دونها ومن بينها التصنيع
والتسويق ووجود صالات سينمائية تعرض ما يتم إنتاجه.
الذي حدث تبعاً لقرار المملكة افتتاح صالات السينما والبدء
بعروض الأفلام المنتجة عالمياً، بعدما كان ذلك محظوراً في السابق، أن
السينمائيين السعوديين من ناحية والعرب الآخرين من ناحية ثانية ثم
العالميين، ثالثاً، أدركوا سريعاً قيمة الفرصة المتاحة وأخذوا يبنون عليها
ما سيمنح السعودية الواجهة الثقافية والفنية والتجارية أيضاً لصناعة
سينمائية متكاملة.
الحدث الأهم
يقع معظم التوزيع العالمي للأفلام الواردة من الغرب في أيدي
شركات لبنانية احترفت العمل ونجحت فيه. أسست هذه الشركات أعمالها على نطاق
واسع تبعاً لعقود من العمل الجاد غير المؤقت. خلالها كسبت ثقة الاستوديوهات
الأميركية كما الشركات الغربية الأصغر منها. هذا قبل وخلال انتقال الكثير
من هذه الشركات إلى بناء الصالات السينمائية ذاتها في عواصم عربية رئيسية
مثل أبوظبي ودبي وبيروت وعمّان والكويت والبحرين وقطر.
أصحاب هذه الشركات ومسؤوليها الكبار، مثل هيام صليبي وحمّاد
الأتاسي وماريو حداد وسليم رميا وسواهم، أدركوا باكرا أهمية السوق السعودية
وانتظروا الفرصة المناسبة للمشاركة في تشييدها. وحالياً ينتقلون ما بين
بيروت ودبي والرياض لأجل إتمام العقود وافتتاح الصالات ومتابعة النجاح الذي
يتوخاه الجميع من هذه الفرصة التجارية الثمينة.
في حديث مع الموزع حماد الأتاسي مباشرة بعد إعلان السعودية
رسمياً عن سماحها بفتح السوق المحلية للعروض السينمائية في ديسمبر (كانون
الأول) الماضي، قال صاحب شركة «برايم فيلمز»: «هذا أهم حدث سينمائي في
تصوّري وجاء في وقته. كلنا كنا ننتظر هذه الخطوة ونعتبرها دليلاً على
النقلة النوعية للعهد الجديد في هذا المجال. وسابقاً ما كانت الأنباء
تتوارد من حين لآخر حول احتمال رفع الحظر عن العروض السينمائية وكنا دائماً
جاهزين للمساهمة لتفعيل هذا القرار».
حمّاد الأتاسي، ابن المنتج الأسطوري الراحل نادر الأتاسي،
يتناول موضوع المنافسة على دخول السوق السعودية في هذا الوقت تحديداً وما
هي الشركات المؤهلة فعلياً لذلك: «السينما مثل السهل الممتنع. هي سهلة
بالنسبة لنا وممتنعة لسوانا. عليك أن تعرف كيف تبني الصالة بالميزانية
المناسبة وفي المكان الصحيح وكيفية تأمين متطلباتها بحيث تبدو دائماً كما
لو أنها بنيت حديثاً وبأتم صورة عصرية. الجمهور اليوم ابن تكنولوجيا متقدمة
تجعله قادراً على التفريق بين نسخة ممتازة من فيلم مؤثرات صوت وصورة عالية
من النسخة العادية. عليك أن تعرف كذلك كيف توظّف الأشخاص الذين سيقومون
بإدارة الصالات وكيفية إدارتهم وعلاقاتك بأصحاب الأفلام التي عليها أن تكون
ناصعة ونقية من خلال علاقات مدروسة وقائمة على ثقة شركات التوزيع العالمية
بالموزّع التي تعتمده لكل منطقة حول العالم».
أسئلة حاسمة
لناحية المؤثرات التقنية التي تجعل من مشاهدة فيلم مثل «ذا
أفنجرز» متعة كاملة فإن الجمهور السعودي مقبل على التمتع بأعلى وأرقى
المبتكرات في هذا الشأن. ومن ناحية أخرى، فإن الجوع لمشاهدة الأفلام سيرتفع
إلى سقف تجاري غير مسبوق. يقول الأتاسي: «وقتما تبني 200 مجمع بمعدل 12 إلى
15 مليون دولار تكلفة المجمّع الواحد، فإن تكلفة هذه المجمّعات الإجمالية
ستتراوح بين 3 و4 مليارات دولار للمجمع الواحد. بذلك لن يكون من السهل على
الكثيرين الدخول في هذا المعترك. عليك أن تكون أولاً خبيراً في المنطقة
وتعرف ماذا تقوم به معرفة وثيقة وبعد دراسة».
على أن هذه الخبرات ليست محتكرة من قِبل العرب والتجربة
الإماراتية أكدت لمستثمرين أجانب كثيرين أنه من المفيد جداً الاستثمار في
بناء صالات سعودية بعدما برهنت التجربة الإماراتية عن نجاح كبير جداً في
هذا الشأن.
بعد صدور قرار السماح بعرض الأفلام داخل المملكة، أسرعت
شركات بريطانية وكورية وأميركية ومكسيكية وصينية وهندية بتبني الرغبة في
دخول السوق السعودية والعمل فيها. هذه الشركات كانت أبدت اهتمامها الكبير
بالسوق الخليجية ككل بناء على نجاح النموذج الإماراتي في هذا الشأن.
السؤال هنا هو كيف يمكن وسط هذا الزخم من الشركات أن يبدأ
العمل لكي يستطيع أولاً استرداد تكلفته وثانياً تحقيق الأرباح. يوضح
الأتاسي ذلك بقوله: «حتى تتم الفائدة على مستوى جيد ومفيد للمستثمرين، على
كل شركة أن تبني نحو 40 مجمعا سينمائيا كل منها يحوي من 8 إلى 10 صالات لكي
تصل إلى الكفاية المطلوبة لتسجيل الأرباح. وتسجيل الأرباح لن يتم سريعاً
لكل المشتركين. بعضهم سيسترد تكلفته أسرع من البعض الآخر تبعاً لخبرته.
فالمسألة ليست بناء مجمع صالات في أي مجمّع قائم أو حتى بناء الصالات في
أرض يتم شراؤها خصيصاً للغاية. على صاحب كل مجمّع أن يدرس المكان الذي ينوي
افتتاح صالات السينما فيه. ليس كل «المولات» مناسبة. عليه أن يدرس المنطقة
بأسرها من حيث سهولة أو صعوبة الوصول إلى المجمّع وساعات الزحام وما إذا
كانت الصالات التي يبنيها قريبة أو بعيدة من المنطقة المأهولة من ناحية وكم
هي قريبة أو بعيدة من المجمّع الآخر سواء أكان مجمّعه هو أو مجمّع منافس.
المسافة بين كل مجمع سينمائي وآخر يجب أن لا تقل عن 5 كلم».
بالحسابات ذاتها، فإن من يصل أولاً سيربح أسرع وأكثر. يوافق
حماد الأتاسي على ذلك في حديث لاحق قبل سفره إلى الرياض لمتابعة عمليات
البناء والتدريب هناك: «بالطبع، الصالة التي من المفترض أن يكون إيرادها
السنوي 800 ألف دولار، قد تنجز مليوني دولار في السنة الأولى إذا ما سبقت
سواها، والصالة التي من المفترض أن تنجز مليون ونصف مليون دولار قد تنجح في
الوصول إلى مليوني ونصف المليون من الدولارات قبل أن يستقر الوضع على أساس
دائم».
لجانب هذه الخطوات الحثيثة، فإن إنتاج أفلام سعودية يكمن في
رأس الأولويات ومن المبدأ ذاته: «من سيصنع الأفلام السعودية الأولى سيمتص
الرغبة العارمة لدى الجمهور السعودي لتشجيع الإنتاج المحلي». |