مثقفون سعوديون: نعيش حالة نوعية والآتي أجمل
عبد الوهاب العريض
يقول شاهر النهاري، طبيب وروائي وكاتب رأي في صحيفة الرياض:
لعل الحديث من قلب الحدث يكون أكثر مصداقية، ولعل ذلك أيضاً
أن يكون أحياناً لدى البعض من أكثر الأمور قدرة على التزيين، والتزييف،
وتصوير الحال بعكس حقيقته، خصوصاً عندما نتكلم من جوف عوالم الثقافة
والإعلام.
والأمر يحتاج إلى تفصيل أكثر، فقبل دخول المملكة العربية السعودية مرحلة
الرؤية، كان الصوت السلفي المتشدد هو الطاغي على الثقافة وعلى الإعلام،
متحججاً بالمسلمات، والتي يصعب نقاشها، ويصعب التفكير بحرية معها، فإذا
حاول المثقف تصوير الواقع وجد من يسب، ومن يحقر، ومن يطالب بمعاقبته بدعوى
ازدراء الدين، حتى ولو كان كلامه لا يمت للدين بصلة.
وكثر التشكيك وانهالت التهم بالخيانة، والانتماء للخارج،
وتحقير الوطن والتعرض لرموزه، والاتجاه إلى وطن في الخيال، إما لوطن
«ديمقراطية» و«حقوق» و«مساواة»، وإما لـ«خلافة» مزعومة، وفكر مريض مركب
ملفق، يسعى المتشددون لجعله نبراساً للثقافة والشرف!
وكان الإعلام السعودي الرسمي حائراً بين التشدد، وبين من
يريدون تحطيم الأسوار، والتحدث بحرية في مواضيع ثقافية آن لها أن تظهر، وأن
تعرض على العقل.
وبعد توجه الدولة برؤيتها وأميرها الشاب محمد بن سلمان بقوة
ووضوح إلى محاربة الفكر المريض، والمتطرف، وجدنا أن أغلب الأصوات المكتومة
ترفع صوتها، وتسمعنا ما كانت تريد قوله منذ عقود تهجين الوضع الثقافي
والإعلامي في المملكة.
محاربة التطرف
ويضيف النهاري: في بدايات الرؤية كان الرفض موجوداً بقوة،
وكان الصوت السلفي يقف في مواقع التواصل الاجتماعي، مشككاً بما يحدث،
ومتعرضاً لكل من يقف في طريقهم.
ولكن الدولة لم تكتفِ بالشكل النظري من محاربة التطرف
والتشدد، فبدأت فعلياً في عمليات حجز بعض الخارجين على الأسس الوطنية،
والناخرين في جسد الدولة السعودية، مهما كان وضعهم، أو مذهبهم، فتم القبض
على كثيرٍ من دعاة الفتنة، ومن مثقفي التشدد، ومن المغرر بهم من وجوه
إعلامية، ونجوم مواقع تواصل ركبوا موجة الشهرة مصادفة، إما بغباء منهم، أو
بتعمد أذية للوطن، بالانضمام لمؤسسات حقوقية، والتخابر مع سفارات وكيانات
دول أجنبية، وجهات مغرضة كانت تدفع لهم وتدعمهم، وتعلي من شأنهم، لمجرد
تسريب الأخبار المزعومة عما يحدث في البلد، فكان تفلتهم وغرورهم بأنهم مهما
فعلوا، فسيظلون محميين بالأنظمة الأجنبية الخارجية.
وفي المقابل، وجدنا القنوات الثقافية تعود إلى نوع من
التوسط أعاد الفنون والآداب إلى المشهد، وأزال التشدد، بفعل القانون،
ونزولاً عند رغبات الشارع، الذي عاش مسجوناً لفترة طويلة بين «الحلال»،
و«الحرام»، مع غياب أي فرصة للتفكير الحر.
والوضع الحالي، في الثقافة السعودية ليس الأمثل، فهو يمر
بالمرحلة الانتقالية، والتي من المتوقع تحسنها مع الوقت، بالتعلم من
الأخطاء، والتأسيس بشكل منطقي، بالتحسين مع كل هفوة ثقافية، أو استغلال
وسقوط لأحد راكبي تيار الشهرة، فرأينا التفاعل، سواء بالعودة للتشدد، أو
بالخروج عن المألوف، وعن ثقافة الشارع، المحافظة، والتي لا تتقبل الجديد
إلا بحدود.
الثقافة السعودية مثلها مثل أي ثقافة ناهضة، في مجتمع
محافظ، تحاول الخروج عن قوالب الماضي، ولكنها قد تصطدم مرات عديدة بمن يخرج
عن المألوف.
وهذا قد يسبب نوعاً من التوجه غير الواضح المعالم، فنرى
التردد، والصور غير المكتملة، ونرى الأبواب، التي يتمكن البعض من دخولها،
ويقف البعض خلفها، بهيبة مما يحدث، وما يمكن أن يحدث.
ويختم النهاري بالقول: ثقافتنا السعودية تمر بمعترك شديد
الحدة، ومن واجب المثقفين الوطنيين، ممن لم يتغير نهجهم قبل وبعد الرؤية،
أن يقفوا مع روح وطموح الوطن، ومع الثقافة المثمرة، ومع الإعلام الهادف
العقلاني، الذي يستطيع استيعاب مستجدات العصر، ومواكبة القيمة الحقيقية،
للسعودية الجديدة، التي تعانق وتطاول الدول العظمى في مساحات التقدم،
والرخاء، ونشر السعادة الشعبية، وهي في الوقت نفسه لا تنسى دورها العظيم
كمركز للعالم الإسلامي، بوجود الحرمين الشريفين، وكونها فاعلة على جميع
الأنشطة السياسية، والاقتصادية، والصناعية والثقافية والرياضية والاجتماعية
العالمية.
الثقافة هي الصورة الحقيقية لما يحدث في جوف الوطن بدعم من
القيادة، وما يؤمن به المواطن من الولاء والالتحام مع وطنه وحكومته وشعبه،
وفي الوقت نفسه تصوير قدرته على التأهيل وتقبل التغيرات المفيدة، دون تشكيك
أو تقزيم لأي من منجزات التقدم والثقافة، التي تصب في مصلحة الوطن.
نقلة نوعية
ترى الكاتبة والقاصة السعودية الدكتورة زينب الخضيري، أن
«ما يحدث الآن من حراك في قطاع السياحة والترفيه هو جهد عظيم جداً، وهو
شرارة لشعلة كبيرة جداً ألا وهي رؤية 2030. لقد كان الترفيه منحصراً في
الماضي في الطريقة التقليدية من مطاعم ومقاهٍ ومولات تجارية، وبعض أماكن
الترفيه، وأما ما حصل هذا العام فهو نقلة نوعية في الاندماج في العالم
الحديث، ومواكبة العالم في مشاركة الثقافات المختلفة للشعوب».
وتضيف: لقد تقبل المجتمع، بكل بهجة وتفاعل ومسؤولية هذه
التغيرات. وكان الجمهور هو العنصر الفعال لإنجاح مثل هذه التظاهرات
الثقافية والترفيهية والرياضية؛ فمن استضافة فرق موسيقية للأوبرا إلى إقامة
مسرحيات كوميدية إلى حفلات غنائية، وكذلك استضافة بطولة في المصارعة
الحرة.. بالإضافة إلى المعارض المقامة، وغيرها الكثير.. وما هذه إلا مقدمة
لما تصبو وتطمح إليه رؤية الأمير الطموح رائد التغيير ولي العهد الأمير
محمد بن سلمان؛ فهناك مدن ترفيهية عالمية مقبلة، ودور للأوبرا، وسباقات
راليات، وإنشاء مدن سياحية وعصرية، وما كل ذلك إلا من أجل الارتقاء
بالمملكة العربية السعودية، والنهوض بقطاع السياحة والترفيه، وجعلها وجهة
يقصدها كل سائح في العالم. وبما تمثله المملكة من مساحة ممتدة على الخريطة،
وبما تمثله من تنوع جغرافي وتاريخي، وتنوع مناخي وبيئي، فإنها تقدم للسائح
جمال الطبيعة وسحر الأرض وتقلبات المناخ المتنوعة، فيجد في فترة واحدة
أجواء ساحلية حارة وفي مناطق المرتفعات سيجد الأجواء المعتدلة الباردة. وما
يحدث اليوم من عمل مضن هي إرهاصات مشرقة مخبرة بمستقبل مشرق، بإذن الله،
للوطن ولأبنائه الأوفياء.
تمكين المرأة
وتعتبر الدكتورة زينب أن 2017- 2018 يمثلان عامي التمكين
للمرأة السعودية في الصعد كافة، حيث قفزت فيهما قفزات هائلة نحو نيل الحقوق
التي كفلها لها الشرع وكفلها دستور المملكة العربية السعودية، وتضيف: «وفي
اعتقادي أن التغيرات إيجابية ومحفزة بشكل مبشر والفترة القادمة ستكمل دائرة
القرارات التي تصب في مصلحة المرأة».
كما قالت إن موضوع تمكين المرأة أصبح يؤرق العالم كله
والمجتمعات والمهتمين بقضايا حقوق الإنسان، مضيفة أن «المتتبع لقضايا
المرأة في السعودية مقارنة ببقية الدول تتبين له سرعة تمكينها، وسن
القوانين التي تكفل لها الحق في التعليم والعمل والأسرة أسوة بالرجل،
مقارنة بعمر المملكة العربية السعودية الحديثة، ومقارنة بدول العالم الأول
التي تجاوزت مئات السنين، ولم تمكن المرأة إلا في سبعينيات القرن الماضي».
ولفتت إلى أن المملكة العربية السعودية «شرعت في سن
القوانين التي تمكن المرأة في المجتمع مبكراً جداً، فقد صدر في ستينيات
القرن الماضي قرار ينص على تعليم البنات في المدارس، وإنشاء مدارس لتعليم
المرأة، وعلى الرغم من معارضة المجتمع آنذاك إلا أن الدولة أقرت، ودعمت هذا
القرار حتى وصلت المرأة السعودية إلى أعلى مراتب التعليم فأصبحت طبيبة
ومحامية ومهندسة ومعلمة. وقد دُعمت المرأة في جانب مساواتها بالرجل في جانب
الأجور، فلا يوجد تمييز بين الطبيب والطبيبة، ولا المعلم والمعلمة، بعكس
بعض الدول المتقدمة التي لا تزال تمارس تمييزاً في هذا الجانب. ومن ناحية
إقرار قيادة المرأة، فقد جاء لتمكينها حتى تمارس حقها الطبيعي في التنقل
والقيادة، وسيكون داعماً كبيراً للمرأة السعودية في تميزها وتفاعلها مع
المجتمع والدفع بعجلة التنمية إلى الأمام».
ومن الناحية الأكاديمية، قالت الخضيري: «تشارك المرأة
السعودية في أغلب المحافل الدولية من مؤتمرات عالمية ولقاءات واجتماعات..
ويعتبر دور المرأة السعودية اليوم فعالاً جداً في المجتمع»، مؤكدة في
حديثها أن «المرأة اليوم لم تعد تشغل الوظائف المقتصرة على الجانب الأنثوي
فقط، بل أصبحنا نراها تعمل في قطاع التجزئة، مثبتة كفاءتها وقدرتها في ذلك،
وأصبحنا نراها في محال التجميل والعطور والأقمشة والمراكز التجارية
والمجمعات والأمن. كما تم السماح لها بالعمل في الصيدليات، وتقريباً لم تعد
هنالك وظائف مقصورة على الرجل سوى الوظائف التي تتطلب جهداً وقدرة بدنية
قوية».
وتتابع الخضيري قائلة: «وصلت المرأة السعودية إلى مراتب
عالية ومهمة، فلها صوتها ورأيها في مجلس الشورى، وهي نائبة وزراء في بعض
الوزارات، وقريباً سنراها وزيرة وعضوة في مجلس الوزراء»، وأردفت: «هنالك
بعض القوانين التي تهتم بقضايا المرأة، نأمل أن ترى النور قريباً حتى يتم
حسم قضايا المرأة، وتمكينها مع الرجل على حدٍّ سواء».
السينما منبر عالمي
وحول دور العرض السينمائية، تقول الدكتورة زينب: «مر وقتٌ
طويل دون أن يخرج رجلٌ يصطحب زوجته ويذهبان معاً لدار عرض سينما في
السعودية في نهاية أسبوع، هذه التفاصيل البسيطة في حياة أي زوجين عاديين في
أي مكان في العالم كانت بالنسبة لنا بمثابة الحلم. السينما ليست هي شاشة
عرض كبيرة تعرض فيها مادة سينمائية فحسب، بل هي ثقافة تزرع في نفوس النشء
أننا شعب واعٍ نؤثر ونتأثر بالعالم.. العالم هذا البيت الكبير الذي لم يعد
ممكناً فيه لإنسان يجلس في صالة البيت ألا يتأثر بآخر يجلس في صالون
استقبال الضيوف. السينما اليوم هي المنبر العالمي الذي يصل بصوت الشعوب
وثقافتها إلى بعضها، أغلبنا تقريباً لم يتعرف على ولاية تكساس إلا من خلال
أفلام «الكاوبوي»، وكذلك ربما قلة من كانوا يعرفون بقصة أكبر سفينة في
تاريخ البشرية وغرقها بعيداً عن فيلم «تايتنيك»، وكذاك قصص الخيال العلمي
وغيرها. السينما لم تعد كما كانت في السابق فناً وحسب، بل أصبحت تقوم بدور
الحمام الزاجل بين الشعوب، وسفيراً فوق العادة لنقل عادات وثقافات الشعوب.
واليوم إذ تتوجه المملكة لإنشاء دور ومعارض سينما فما هي إلا جسور تنشئها
لتصل إلى العالم الخارجي، إذ إن السعودية بلد متحضر جداً ولديها تنوع ثقافي
مميز ولديها رسائل حب وسلام لكل العالم وبإمكان السينما أن تفعّل وتبرز ذلك».
روح القيادة الشابة
الكاتب سعود البلوي: من يعرف تاريخ الدولة السعودية الممتد
لثلاثة قرون ماضية يجب أن يقرأ قضية بناء القوة السياسية ومواكبتها للتطوير
والتحديث قراءة تاريخية، باعتبارها ركناً أساسياً في التكوين السياسي
للدولة، ففي كل مرحلة تاريخية من تاريخ السعودية يعتقد فيها البعض ببطء
مسيرة التطوير والتحديث والمواكبة؛ يقيّض الله للدولة رجلاً من رجالها يحمل
رايتها بقوة وعزيمة وإصرار ليعيد إليها ألقها وإلى شعبها الأمل والطموح؛
وهو الأمر الذي سار عليه ملوك الدولة وولاة عهودها الذين حملوا راية الدولة
وأرسوا لها موقعاً في المنطقة منذ عهد الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة
السعودية الأولى وابنه عبدالعزيز، مروراً بالإمام تركي بن عبدالله مؤسس
الدولة السعودية الثانية وابنه فيصل، إلى عهد الملك عبدالعزيز بن عبد
الرحمن مؤسس الدولة السعودية الثالثة الذي استطاع استعادة دولة أسلافه،
ليؤسس أهم وحدة اجتماعية اقتصادية سياسية لأهم كيان سياسي في القرن العشرين.
ولم يتوقف «رحمه الله» عند ذلك، بل قادها في حركة تطوير
وتحديث شاملة أقلقت مناوئيه المتطرفين اعتراضاً على وسائل الحياة الحديثة
في الاتصالات والإعلام؛ فما كان لهم منه إلا «السيف الأجرب» سيف أجداده
فقطع دابرهم، واستمرت الدولة في عهد أبنائه الملوك من بعده بين حركة تطوير
وأخرى.
مرحلة جديدة
ولما تولى الأمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن
عبدالعزيز، قاد البلاد إلى تطور سياسي وتنمية شاملة لم تكن مسبوقة من قبل،
بدأت من خلال ابنه وولي عهده الأمير محمد بن سلمان الذي مثل روح القيادة
الشابة، ورسم خطة استراتيجية شاملة تمثلت برؤية المملكة العربية السعودية
2030، حيث تزامنت القوة السياسية والاقتصادية الهائلة للمملكة مع حركة
التطوير والتحديث الاجتماعية التي فتحت الباب على مصراعيه للشباب، رجالاً
ونساء، ليسهموا في بناء وطنهم، مع إقفال ملفات شائكة عدة، ومنها قضيتا
قيادة المرأة للسيارة والسينما وغيرهما، ما جعل بلادنا تعيش أجواء ملهمة في
ظل قوة سياسية أصبحت مثار حديث ودهشة العالم، مع تأكيد «تدمير» المتطرفين
الذين كانوا يعوقون التنمية في البلد لعقود.
وبذلك أثبتت رؤية الملك سلمان، والأمير محمد أننا نعيش
مرحلة جديدة لبناء مجتمع واعٍ ومنفتح على العالم متمسك بالإسلام المعتدل،
وهذا هو أساس بناء الدولة؛ ولذلك أستطيع القول، إن ثقافة المجتمع السعودي
أحرزت قفزات نوعية، حيث رأينا بوادر المبادرات المجتمعية النوعية بمختلف
أنواعها، والتوجه التقني الحديث والمواطنة الصالحة تتحقق، وكل ذلك متسق مع
انطلاقة سياسية جديدة وقوية من جهة، وانطلاقة اجتماعية ثقافية جديدة تمثلها
مؤسسات المجتمع المدني من جهة أخرى.. والقادم أجمل وأكثر تطوراً.
ومن ثمار هذا التغيير بروز الظاهرة الاحتفالية والترفيهية
بما يسهم في إسعاد المجتمع بإيجاد الخيارات لدى فئة من المجتمع تبحث عنها
وتقدر الثقافة والفنون بمفهومها الواسع، ومن ذلك إقامة حفلات موسيقية، حيث
لم نتصور في يوم ما حضور الموسيقار العالمي (ياني)، وإذ بهذا الحلم يتحقق
في ثلاث مدن رئيسة، بالإضافة إلى حفلات الموسيقى العربية الطربية كالتي
أقيمت لفرقة دار الأوبرا المصرية وغيرها الكثير، أما فيما يخص الشأن
الثقافي فالفعاليات الثقافية الكرنفالية سوف تعود مجدداً من خلال الهيئة
العامة للثقافة، بل إن المشروعات الثقافية والاقتصادية الكبرى التي أسست
مؤخراً، مثل مشروع القدية في منطقة الرياض، ومشروع نيوم في تبوك، تعتبر من
أهم إنجازاتنا المستقبلية التي تأخذ الطابع العالمي. |