فرص متاحة لتحويل الإرث الروائي السعودي إلى أفلام
زكي الصدير
الرواية السعودية في السينما جسر مازال في طور التشكل،
وكتّاب وسينمائيون يدعون إلى تدشين بيت للسيناريو.
العلاقة بين السينما بما هي صورة ومرئي، وبين الأدب بما هو
كلمة ومكتوب، ليست جديدة، بل هي قديمة قدم ميلاد الصورة والمرئي، كثير هو
المرئي الذي يعتمد الكلمة منطلقا له، كما هو كثير النص الذي يعتمد على
تقنية السينما والفنون البصرية عامة. إيمانا بعلاقة الأدب المكتوب بالسينما
كصورة ونص، قدّم مهرجان أفلام السعودية في نسخته الخامسة ندوة حول الرواية
السعودية والسينما.
على هامش مهرجان
أفلام السعودية في
نسخته الخامسة الذي انطلق في 21 مارس الجاري أقيمت ندوة “الرواية السعودية
في السينما”، في برج المعرفة بمركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي
(إثراء)، وتناولت فرص تحويل الإرث الروائي الفني للفيلم السعودي.
وشارك في الندوة كل من الروائيين عبده خال وأميرة المضحي
ويوسف المحيميد وعواض العصيمي؛ وقام بتقديم الندوة الكاتب سعد الدوسري.
وتناولت الندوة عدّة محاور، منها الملامح البصرية في بدايات
الرواية السعودية وتطوّرها في الرواية الجديدة، وتجربة النص الاجتماعي في
بدايات صناعة الأفلام السعودية (فيلم وجدة لهيفاء المنصور)، وتوظيف الكشف
الاجتماعي في الرواية السعودية الجديدة لصالح صناعة الفيلم السعودي، وسيطرة
الزمان والمكان في الرواية السعودية، بما يخدم صناعة الفيلم السعودي.
النص والصورة
بداية أكد الروائي السعودي عبده خال بأن فترة الأربعين سنة
الماضية من المنع أثّرت على انتقال الأعمال الروائية السعودية إلى أفلام
سينمائية، فكان تيار الصحوة قاطعا اجتماعيا شكّل فجوة على الروائيين
والسينمائيين ردمها بسرعة.
وأوضح في كلمته التي ألقاها في الندوة أن حالة السكون التي
تسكن المجتمع السعودي لم تكن يوما سببا في عدم وجود الرواية الحقيقية،
ومستشهدا على ذلك بعدد كبير من الروايات العالمية العربية كانت قد تولّدت
في مناخات ساكنة لكنها أشعلت حوارات إنسانية وثقافية في منتهى العمق، مثل
رواية “الشيخ والبحر” لإرنست همنغواي، وبعض روايات إبراهيم الكوني في
الصحراء وغيرها.
وأشار خال إلى أن هنالك حالة كسل من قبل السينمائيين في
متابعة ما هو منتج ومكتوب، وهذا -بحسب تعبيره- ليست حالة وصاية على أحد،
فالفنان الموهوب هو الذي يستطيع حرق كل حالات الركود، فهو بذاته القادر على
الوصول إلى ما يريد، وليس من خلال التوصيات.
من جانبها استعرضت الروائية السعودية أميرة المضحي العلاقة
التاريخية بين الرواية والسينما عبر التحوّلات التي تعرّضت لها الرواية في
مراحل مختلف منذ أن نشأت الرواية السعودية.
الرواية السعودية تمتلك منذ فترة الثمانينات من القرن
الماضي قدرة كبيرة في صناعة الفيلم السينمائي، كما هو الحال في روايات
عربية
وقالت المضحي “عربيّا، في الستينات من القرن الفائت عندما
تم تدشين مرحلة جديدة في السينما المصرية، وتم التشجيع على اقتباس الأفلام
السينمائية من الروايات من أجل المساهمة في رفع مستوى الأفلام المقدمة،
فشاهدنا أفلاما عديدة لروايات نجيب محفوظ، وإحسان عبدالقدوس، لكن هذا
التزاوج خفت بعد ذلك إلى أن أصبحت الأفلام المقتبسة من الرواية قليلة جدا
أهمها في السنوات الأخيرة ‘عمارة يعقوبيان‘ لعلاء الأسواني ومؤخرا روايات
أحمد مراد”.
وأضافت مسلطة الضوء على التجربة المحلية “محليّا، ونحن
نحتفي بمهرجان الأفلام السعودية في دورته الخامسة رغم أننا ‘بلد غير
سينمائي‘ على حدّ توصيف المخرجة السعودية هيفاء المنصور، والتي أخرجت فيلم
‘وجدة‘ وهو أول فيلم روائي طويل يتم تصويره داخل السعودية عام 2012، ويحتفي
الفيلم بقيمة حبّ الحياة والإصرار على التغيير.
ويشتمل على إسقاطات على وضع المرأة السعودية في أواخر زمن
الصحوة تصل إلى حدّ المباشرة الواقعية، فأحداث الفيلم تعود إلى عام 2005
حيث البلاد تقف بارتياب أمام التغير وأمام الزمن، والمرأة تتحرك بحذر في
الهامش الضيق الذي رسمه لها المجتمع الذكوري المحافظ، والمطاوعة مسيطرة على
المجتمع، وكل شيء ممنوع، السينما والموسيقى والكتابة التي تسمح للمرأة
بالتعبير عن هواجسها، والتدين وسيلة جيدة للحصول على الامتيازات. وصدرت قصة
الفيلم في كتاب عن دار نوفل مؤخرا”.
ووضعت المضحي في آخر ورقتها سؤالا حول مدى قدرة الرواية
السعودية على تحويلها إلى عمل سينمائي؟
هناك عدد كبير من الروايات العالمية العربية كانت قد تولّدت
في مناخات ساكنة لكنها اشعلت حورات إنسانية وثقافية
بيت للسيناريو
تحت عنوان “سيطرة الزمان والمكان في الرواية السعودية، بما
يخدم صناعة الفيلم السعودي” تحدّث عواض العصيمي عن المكان في الصحراء من
خلال رواياته، وروايات أخرى، متخذا من الصحراء حالة رمزية يمكن أن تفصح عن
حوارات الحياة والموت في رمزيتهما، حيث الصحراء مكان منسي من وجهة نظر
المدينة، لكنها في ذاتها مسكونة بعوالم كبيرة لها حيواتها وأسرارها،
فللصحراء -حسب العصيمي- وجوه عديدة لا يمكن النظر لها على انها حالة واحدة
فحسب.
ووقف يوسف المحيميد في ورقته على منطقة الاشتباه بين النص
المكتوب والنص المرئي، مؤكدا على أن الفيلم الناجح لرواية جيدة، حققت نجاحا
روائيا قرائيا ثم واكب ذلك فيلم ناجح.
قال المحيميد “تمتلك الرواية السعودية في فترة الثمانينات
من القرن الماضي قدرة كبيرة في صناعة الفيلم السينمائي، كما هو الحال في
روايات محمد علوان وعبده خال وسعد الدوسري وآخرين. وأيضا حضرت الرواية
الجيّدة في الألفية الجديدة، وقد شكّلت حالات وعي، يمكن أن تكون مادة جيدة
لكتابة سيناريو جيد”.
وأوضح المحيميد أنه خلال الثلاثة عقود الأخيرة توافر في
السعودية سينمائيون جيّدون، واقتصاد قوي، وتقنية عالية، ولا بد من التفريق
تحت ظل ذلك بين السينما الجادة غير الربحية والسينما التجارية، ومحاولة
التوفيق بينهما، وأكد على ضرورة دعم صناعة السينما من قبل وزارة الثقافة.
مؤكدا على أن هنالك أزمة وجود للسيناريست السعودي، وهنالك حلقة مفقودة بين
الرواية والسينما تمثّلت في غياب السيناريست الجيّد.
وفي المداخلات التي افتتحها الكاتب حسن النعمي لفت إلى أن
هنالك خطأ يفسد العلاقة بين الرواية والسينما، مشيرا إلى السلطة الخارجية
التي قد تتدخل في إعادة بناء الفيلم، مستشهداً بتجربة صلاح أبوسيف وروايات
نجيب محفوظ، وتحوّلات الصورة بناء على تحوّلات الحالة السياسية.
وقال الكاتب المسرحي والسيناريست عباس الحايك إن المشهد
السينمائي في السعودية محتاج إلى سيناريست جيّد ومخرج واعٍ، ينقل حالات
الرواية إلى فيلم، فالرواية -في رأيه- رافد مهم جدا للسينما السعودية.
من جانبه أثرى الناقد عبدالله السفر الندوة بمداخلته التي
أشار فيها أن المشهد الأدبي السعودي يمتلك روائيون جدد بمرجعيات سينمائية،
مثل أحمد الحقيل (رواية الدائرة)، وفهد الفهد (رواية هدام)، سلام عبدالعزيز
(رواية العتمة)، وسعد الدوسري في (رواية الرياض نوفمبر 1990).
وتحدث السفر عن رواية “ارتياب” لبدر السماري التي تحدثت عن
التحوّلات الاجتماعية العميقة في السعودية. وأكد السفر في آخر مداخلته على
أن هنالك روايات عميقة قادرة على التحوّل إلى فيلم مثل رواية “غواصو
الأحقاف” لأمل فاران، ورواية “أبناء الأدهم” لجبير المليحان.
وأوضحت المخرجة السعودية هناء العمير أن المخرج يضطر أحيانا
أن يكتب لنفسه ولا يبحث في أرشيف الرواية السعودية، لأنه يواجه أزمة غياب
المنتج، فيحاول أن يفصل العمل على مقاس قدرته الإنتاجية، ولكي يهرب من عبء
الإنتاج الثقيل.
وقال الكاتب عيد الناصر بأن الأدب والفن لا يوجد فيهما
قانون، فهنالك -بحسب تعبيره- احترافية في العمل الفني وظّف في فهم النص
الأدبي والفني، ولا يمكن أن نتجاوز أربعين سنة مضت خلال أيام بسيطة.
وخرجت الندوة في الختام بمجموعة توصيات مهمة، كان أبرزها:
تدشين بيت للسيناريو من أجل لملمة الشتات.
كاتب سعودي |