"نجيب
محفوظ بختم النسر"- رحلة الأديب العالمي مع الوظيفة الحكومية..
لهذا السبب اعترض جمال عبد الناصر عليه
أمل مجدي
من بين إصدارات مهرجان الإسماعيلية السينمائي الدولي
للأفلام التسجيلية والقصيرة في دورته الـ21، كتاب "نجيب محفوظ بختم النسر"
لطارق طاهر، الذي يتتبع مسيرة الأديب العالمي في سلك الوظيفي، معتمدا على
وثائق ومستندات تنشر لأول مرة.
وقد أقيمت ندوة مساء أمس الأحد، لعرض الكتاب ومناقشته
أدارتها الناقدة السينمائية ناهد صلاح، بحضور مجموعة من المتخصصين في النقد
السينمائي والأدبي.
تحدث في البداية الكاتب طارق طاهر عن مشروع الكتاب الذي بدأ
منذ 6 أشهر خلال تحضيره لعدد خاص في أخبار الأدب يتمحور حول سؤال: ماذا لدى
مؤسسات الدولة المصرية من أوراق تخص نجيب محفوظ؟ وقد اتخذ النهج الرسمي في
بحثه مخاطبا دار الوثائق المصرية.
وبالرغم من بعض المعوقات، وصل في نهاية المطاف إلى 11
وثيقة، واحدة منها لا تخص الأديب نجيب محفوظ، وإنما طبيب النساء والتوليد
الشهير الذي يحمل نفس الاسم.
استمر طاهر في القراءة والبحث عن محفوظ، ومن ضمن الكتب التي
ساعدته، "موسوعة نجيب محفوظ والسينما 1947-2000" للدكتور مدكور ثابت، الذي
ساعده على التوصل لعدد من الوثائق المهمة، إلى جانب المركز القومي للسينما
الذي يرأسه الدكتور خالد عبد الجليل.
قال طارق طاهر: "الكتاب يتضمن 70 وثيقة، من أصل 350 وثيقة
توصلت إليها. جزء منها وثائق بخط يد نجيب محفوظ، وآخر لقرارات صادرة عنه،
وجزء ثالث لقرارات صادرة بشأنه"، موضحا أنه رتب هذه الوثائق طبقا للأماكن
الوظيفية التي شغلها محفوظ.
3
وزارات حكومية
أوضح طاهر أن محفوظ عمل في وظائف تابعة 3 وزارات؛ حيث عمل
لمدة 5 سنوات في الجامعة المصرية التابعة لوزارة المعارف (التعليم)، إلى
جانب شغل مناصب في وزارة الأوقاف لمدة 17 عامًا، وأخرى في وزارة الثقافة
لمدة 20 عامًا.
وقد قرر طاهر أن يعيد قراءة سيرة نجيب محفوظ الذاتية من
خلال هذه الأوراق الرسمية، مهتما بحالتيه الاجتماعية والصحية.
تابع طاهر: "من الوهلة الأولى تشعر أنك أمام شخص استثنائي،
فعندما رغب محفوظ في التعيين بالجامعة المصرية، كتب: (أنني على استعداد أن
أتولى أي عمل كتابي أو ترجمة، رغم أنني من المتخصصين في علم الفلسفة) هذه
الصيغة تكشف عن مدى اعتزازه بنفسه منذ بداية العمل الوظيفي".
وأشار إلى أن تقييماته الوظيفية توضح مدى التزامه أيضًا،
حيث أن كافة التقارير السرية تفيد بأنه حصل على تقييم 100%، فيما عدا عام
1954 عندما نال 94% بعدما وقع اختلاف على أدائه بين مديره المباشر ورئيس
المصلحة الحكومية.
ولفت إلى أنه واجه أزمة عندما حان وقت حصوله على الدرجة
الرابعة في وزارة الأوقاف، فقد نالها في البداية، ثم سحبت منه وتم منحها
لموظف آخر يتمتع بعلاقة قوية مع أحد المسؤولين. وبالرغم من أن محفوظ قال
إنه لن يقيم دعوى قضائية، فقد تراجع عن ذلك ولجأ إلى القضاء. كما أنه كتب
عن هذا الأمر في "المرايا"، موضحا أن هذا الموظف كان يميل إلى المثلية
الجنسية.
قمة النضج
أوضح طاهر أن محفوظ استفاد من الوظيفة الرسمية في العديد من
أعماله الروائية والإبداعية، حتى وأن كانت عطلته قليلا.
وذكر أن أفضل مرحلة في مراحل عمله الحكومي كانت أثناء توليه
مناصب في وزارة الثقافة، لأنها كانت تمثل قمة نضجه الإبداعي والوظيفي. حيث
تولى وظائف مهمة للغاية، بعضها يصدر بقرارات جمهورية.
وعلى سبيل المثال، فقد تولى مدير عام الرقابة بقرار من
الدكتور ثروت عكاشة، وفي نفس الوقت كان ينشر حلقات "أولاد حارتنا" مسلسلة
في صحيفة الأهرام. وعندما أثيرت ضجة حول الرواية، اعترض بعض المسؤولين
عليها، وتم نقله من مدير عام الرقابة إلى مدير عام السينما، بحسب ما ذكر
عكاشة في كتابه "مذكراتي عن السياسة والثقافة".
وعندما اختاره عكاشة لتولي رئاسة مجلس إدارة السينما، اعترض
الرئيس الراحل جمال عبد الناصر موضحا أن محفوظ يهاجم السينما، وأن لديه
مقال منشور في مجلة "الكواكب" يحمل نظرة سلبية تجاه هذا الفن. غير أن عكاشة
تمسك به مؤكدا أنه يستحق الفرصة. وعندما أصدر عبد الناصر القرار الجمهوري،
جاء يحمل اسم "نجيب محفوظ" وهو اسم مركب، ولم يأتي متضمنا الاسم الثلاثي
كما جرت العادة. وهذا يبين مكانة الأديب العالمي لدى الدولة المصرية، بحسب
ما قال طاهر.
وأكد طاهر أن محفوظ لم يحب مجتمع السينما، نظرا لأنه تعرض
للنصب عليه من قبل بعض العاملين في الوسط السينمائي.
نجيب محفوظ والرقابة
قال طاهر إن كثيرين تعجبوا من اختيار الأديب لتولى منصب
الرقيب، موضحا أن عناوين الصحف ركزت على خبرين؛ الأول قرار التعيين،
والثاني قرار محفوظ بعد عرض أي سيناريو له على الرقابة خلال فترة توليه
المنصب.
ولفت كاتب "نجيب محفوظ بختم النسر" إلى أن الرقابة في هذه
الفترة كانت مليئة بالرشاوي، ولذلك جاء اختيار محفوظ لمحاربة هذا الفساد
المتفشي بين العاملين بها.
فيما علقت الناقدة أمل الجمل مؤكدة أن محفوظ كان رقيبا
متشددا، لافتة إلى أن قراراته وسلوكياته في هذه الفترة متناقضة مع كونه
مبدعا عظيما.
الموظف المثالي
أكد طاهر أن محفوظ كان معروفا بنزاهته الشديدة، وقد قدم كشف
بممتلكاته في عام 1952 يؤكد أنه لا يمتلك أي عقارات أو أملاك، وأن حسابه في
البنك يتضمن 600 جنيه فقط. ولفت طاهر إلى أنه كان قد حقق شهرة آنذاك
وبالتالي فإن هذا المبلغ يعتبر أقل بكثير من المتوقع.
وعقب الكاتب عاطف بشاي، موضحا أن محفوظ كان موظفا دقيقا،
ونمكيا، وقد تأثر ببيروقراطية النظام الإداري المصري.
وعلق طاهر قائلا أنه كان يحرص على تقديم إجازاته الرسمية
بدقة شديدة، وبلغة عربية راقية تختلف عن السائد في الأوراق الحكومية. |