ماجدة واصف:
مهرجان القاهرة السينمائي لم ولن يكون قويا إلا في ظل وجود
صناعة قوية
حوار - فايزة هنداوي
ينشر بالاتفاق مع مجلة الفيلم
*
المهرجانات العربية ليس لها تأثير علي "القاهرة السينمائي"
لأنها مهرجانات بلا صناعة سينما
*
سمير فريد سلم المهرجان لـ"حضن وزارة الثقافة" وقضي علي
استقلاليته
*
تم استبعاد فيلم "آخر ايام المدينة" من المهرجان رغما عني
*
اعتذر عن توقيت إعلان استقالتي أثناء فاعليات الدورة
التاسعة والثلاثين
*
لا أتوقع استمرار مهرجان "الجونة" بعد انتهاء الهدف الذي
أقيم من أجله
*تجربة
محمد حفظي تحتاج إلي وقت لتقييمها.. وهو يمتلك علاقات جيدة
بعد سنوات طويلة من النجاح في إدارة مهرجان معهد العالم
العربي بباريس، عادت الناقدة ماجدة واصف، إلي مصر لتتولي رئاسة مهرجان
الأقصر للسينما الأوروبية، قبل أن تتولي رئاسة مهرجان القاهرة ثلاث دورات
متتالية من 2015 حتي 2017، والتي وصفتها ماجدة واصف بأنها كانت دورات صعبة،
لأسباب كثيرة، منها ضعف الميزانية وعدم وجود سيستم، الأمر الذي جعلها تقرر
الاستقالة اثناء اتعقاد الدورة االتاسعة والثلاثين، رغم استكمالها لمهامها
حتي نهاية الدورة.
عن المصاعب التي واجهتها، والانتقادات التي وجهت للدورات
التي تولت رئاستها واعلان الاستقالة في الوقت الحرج، ورؤيتها لمستقبل
مهرجان القاهرة السينمائي كان لنا معها هذا اللقاء:
·
بداية.. كان إعلانك قرار الاستقالة قبل انتهاء فاعليات
الدورة التاسعة والثلاثين، مثيرا للجدل، فما هي الأسباب التي دفعتك لهذه
الاستقالة في هذا التوقيت؟
المشكلة لم تكن في الاستقالة، بل كانت في توقيت الإعلان
عنها، وهذا التوقيت لم اكن المسئولة عنه، فأنا كنت قد قررت مع بداية الدورة
التاسعة والثلاثين، أن هذه الدورة ستكون الأخيرة بالنسبة لي، وأبلغت هذا
للمسئولين، مع الاتفاق علي استكمال مهمتي وعدم الإعلان عن ذلك، إلا بعد
انتهاء الدورة، إلا أن أحد الأصدقاء الصحفيين اللبنانين، كان يجلس معي في
أحد أيام المهرجان علي مائدة الإفطار، وتطرق للحديث عن الدورات القادمة،
فقلت له إن هذه الدورة هي الأخيرة بالنسبة لي، وطلبت منه عدم النشر حتي لا
تكون هناك إثارة للجدل، إلا أنه نشر الخبر دون موافقة مني، مما اثار بلبلة
كبيرة، وأضر بي وأضر بالمهرجان بشدة، وانا أعتذر عن هذا الخطأ غير المقصود.
·
ولماذا قررتي ان تكون هذه الدورة هي دورتك الأخيرة
بالمهرجان؟
نعود للبداية، عندما رشحني الناقد السينمائي يوسف شريف رزق
الله لرئاسة المهرجان، ثم أبلغني أن وزير الثقافة وقتها "الدكتور جابر
عصفور" يريد مقابلتي، فقلت ليوسف، انني لا يمكنني تولي هذه المسئولية،
لأنني ادرك صعوبة التعامل مع البيروقراطبة الحكومية، خاصة بعد التعديلات
التي قام بها الناقد السينمائي سمير فريد الذي رأس الدورة السادسة
والثلاثين، حيث منح وزارة الثقافة صلاحيات كبيرة في اتخاذ االقرارات الخاصة
بالمهرجان، وجعل المهرجان فعليا في حضن الوزارة، لكن يوسف شريف رزق الله،
طلب مني مقابلة الوزير والاعتذار له بنفسي من باب اللياقة، وبالفعل قابلت
الدكتور جابر عصفور، ورفضت المهمة في البداية، لكنه اقنعني مؤكدا عدم تدخل
أي مسئول في عملي، ومنحني تفويض وزير، حتي أكون حرة في اتخاذ جميع القرارات
الخاصة بالمهرجان، ولكن هذا الوضع تغير بعد ذلك، حيث تغير الوزير، وعاصرت
وزيرين بعده، ولم يعد لدي التفويض باتخاذ القرارات، واصبح التدخل كبيرا،
وهو مالم أتحمله، إضافة لأسباب أخري كثيرة، منها الميزانية الضعيفة التي
كان يحصل عليها المهرجان، التي كانت ثابتة منذ سنوات طويلة، رغم تعويم
الجنيه، وارتفاع سعر الدولار، مما أثر علي أسعار تذاكر الطيران والإقامة
ونقل الأفلام وغيرها، فكنا نخرج من كل دورة من الدورتين السابعة والثلاثين
والثامنة والثلاثين، مديونين باموال كثيرة، وكان فريق العمل له متأخرات
ورواتب لم يحصل عليها، مما كان يشكل صغطا عصبيا كبيرا، حيث لم اعناد العمل
في هذه الأجواء، إضافة لمشاكل تقنية ومهنية، ولك ان تتخيلي اننا فوجئنا
بعدم وجود ارشيف لجميع الدورات السابقة، لأن المسئول عن الأرشيف قد ترك
العمل بالمهرجان، ولم يترك نسخة من هذا الأرشيف، فبدأنا البحث وتجميع أرشيف
السنوات السابقة، من بعض السينمائيين والمهتمين، وكانت كل الأمور تدار
بصعوبة، منها علي سبيل المثال الشاشات غير المجهزة لعروض المهرجان باجهزة
"دي سي بي"، وبدلا من شراء اجهزة لهذه السينمات، كما طلبت كثيرا، كنا نقوم
بتأجير هذه الأجهزة كل عام ،مما يشكل عبئا سنويا علي الميزانية التي كانت
ضعيفة بطبعها.
وقد تعرضت لضغط عصبي شديد، حتي أتمكن من إدارة المهرجان في
حدود هذه الميزانية، وحتي لا أقع في أخطاء سمير فريد، الذي لم يتفهم طبيعة
التعامل الحكومي، فوثق في أشخاص لم يكونوا علي قدر هذه الثقة فوقع في مشاكل
مادية كبيرة، حتي أن شركة السياحة التي نفذت حفلي الافتتاح والختام،
بالدورة السادسة والثلاثين التي تولاها سمير فريد لم تحصل علي مستحقاتها
حتي الآن.
·
ولكن محمد حفظي عندما تولي رئاسة المهرجان، قام بشراء اجهزة
"دي سي بي" ، فلماذا تمكن هو من ذلك ؟
حفظي فعل ذك من خلال الأموال التي دفعها رجل الأعمال سميح
ساويرس لدعم المهرجان في هذا العام، فتصرف حفظي بذكاء واشتري أجهزة "دي سي
بي" بدلا من الإيجار، في حين أننا لم يكن لدينا هذا الدعم.
·
هل هناك عدد من الانتقادات التي وجهت للدورات التي توليتي
فيها رئاسة المهرجان منها مشاركة فيلم "البر الثاني" في المسابقة الرسمية
دون أن تشاهده لجنة الاختيار؟
الأفلام المصرية عادة يرفض أصحابها ان تشاهد من قبل لجنة
الاختيار، خوفا من أن يكتب عنها احد النقاد المشاركين في اللجنة بشكل سلبي
فيؤثر علي جماهيرية الفيلم، لذلك شاهدنا الفيلم انا والناقد يوسف سريف رزق
الله ، المدير الفني للمهرجان، والناقد أحمد شوقي، نائب المدير الفني
وقتها، بحضور بطل الفيلم ومنتجه محمد علي، والمؤلفة زينب عزيز والمخرج علي
إدريس، وقد أعجبني الفيلم، لأنه يناقش قضية هامة لأول مرة، وهي قضية الهجرة
غير الشرعية للمصريبن، خاصة ان هذه الفترة شهدت حادثة الشباب اللذين غرقوا
في دمياط نتيجة محاولة الهجرة غير الشرعية، فأعجبتني الفكرة، وقررنا ان
يشارك في المسابقة الرسمية خاصة ان مستواه الفني كان جيدا، وان كانت به بعض
نقاط الضعف، ولكن هذا كان المتاح في ظل قلة عدد الأفلام المصرية في
هذاالعام.
·
ألم تكن هناك ضغوط من الجهات التي كان يعمل معها بطل الفيلم
محمد علي صاحب مجموعة "أملاك"؟
لم تكن هناك أي ضغوط من أي جهة، بخصوص هذا الفيلم، وأنا لم
أكن علي علم بمجموعة "أملاك"، فانا كما تعلمين، لا أعيش في مصر بشكل دائم،
ولست علي علم بامور كثيرة، ولكنني تعاملت مع محمد علي كممثل ومنتج، وإنتاج
الممثلين لأفلامهم ليس أمرا جديدا، فالهام شاهين علي سبيل المثال، تنتج
افلام تقوم ببطولتها، وكذلك كان نور الشريف وغيره من النجوم. وعندما التقيت
بمحمد علي، عرض دعم مهرجان القاهرة بأموال وإقامة حفل الختام علي نفقته
الخاصة، نظرا لعلمه بالأزمة المادية، التي كان يعاني منها المهرجان وقتها،
وانا رفضت بشدة، حيث لايمكن لأحد ان يشتري المهرجان، فطلب إقامة حفل
للفيلم، فوافقت لأن هذا حقه ،وطلب عمل سجادة حمراء لنجوم الفيلم فوافقت
أيضا، لأن هذا أمر طبيعي يحدث في كافة المهرجانات الكبري، مثل كان وفينيسيا
وغيرها، ‘لكنه استفز الناس بالأموال التي انفقها عند عرض الفيلم، وفرقة
"حسب الله" التي فاجأتني أنا شخصيا، وأعتقد أن الهجوم علي الفيلم لم يكن
بسبب مستواه الفني، لكنه كان بسبب شخصية محمد علي لخلفيات لم أكن علي دراية
بها.
·
هل هذا يعني أن ما أثير حول تدخل بعض الجهات في اختيار
الأفلام أثناء إدارتك لمهرجان القاهرة لم يكن صحيحا؟
لم أكن أسمح أنا أو يوسف شريف رزق الله، بتدخل أي جهة في
الجانب الفني للمهرجان، لكن هناك أمور كنت أراعيها بنفسي، حتي لا تثار أية
مشاكل، فأنا مدركة أنني أدير مهرجان تابع للدولة المصرية، وهناك أمور يجب
ألا أتخطاها خاصة بعلاقة مصر بالبلاد الأخري، لذلك كنت أسأل وزارة الخارجية
عن الدول التي لا تربطها بمصر علاقات جيدة في هذه الفترة، حتي أتجنب
استضافة ضيوف من هذه البلاد، حتي لا تحدث مشكلة مثلما حدث مع الضيوف
الإيرانيين، أثناء الدورة التي رأسها الناقد السينمائي سمير فريد.
·
وماذا عن استبعاد فيلم "آخر ايام المدينة"، لتامر سعيد بعد
الموافقة علي مشاركته في المهرجان؟
سأكون صريحة معك، هذه كانت المرة الوحيدة التي حدث فيها
تدخل من أحد الجهات لمنع عرض فيلم في المهرجان، وكنا بالفعل قد وافقنا علي
مشاركة الفيلم في المسابقة الرسمية بالمهرجان، وكان رأيي في الفيلم إنه
رائع فأنا أحب هذه النوعية من الأفلام، ولكن هذه الجهة تدخلت ورفصت عرضه،
نظرا لحساسية الموضوع الذي يناقشه،ورفضت هذه الجهة الإعلان عن سبب الرفض،
حتي اننا طلبنا من جهاز الرقابة علي المصنفات الفنية إعلان رفضه للفيلم،
لكنهم رفضوا أيضا ووضعونا في "وش المدفع" واضطررنا أن نقول اننا رفضنا
الفيلم بسبب مشاركته في 35 مهرجان سينمائي.
·
قيل ان المنتج احمد السبكي اشترط علي المهرجان مشاركة فيلم
"من ضهرراجل"الذي كان إخراج ابنه كريم، عندما طلب المهرجان فيلم "الليلة
الكبيرة"، لسامح عبد العزيز.. ما صحة هذه الواقعة؟
هذا لم يحذث مطلقا، لكننا رأينا أن الفيلمان يستحقان
المشاركة في المهرجان، ولو كان النقاد والصحفيون نظروا إلي المستوي الفني
للفيلمين دون النظر لإسم السبكي، كانواانصفوا الفيلمين، حيث كان مسنواهما
جيدا ، ولكن الافلام المصرية عادة ما يتم الهجوم عليها، حتي فيلم "يوم
للستات" آخراج كاملة ابو ذكري، وبطولة وإنتاج الهام شاهين، تم الهجوم عليه
رغم انه فيلم متميز فنيا جدا بوجهة نظري، ولكن هناك تربص من وجهة نظري
بمهرجان القاهرة.
وعموما، أنا أؤمن أن السينماوجهات نظر، ولا يوجد فيلم يمكن
أن يتفق عليه الجميع، وهناك أفلام يمكن اختيارها في بعض المهرجانات لأسباب
أخري غير الأسباب الفنية، ومثال علي ذلك فيلم "يوم الدين" الذي شارك في
مهرجان كان، ربما لا يرقي مستواه للمشاركة في المهرجان، لكن هناك أسباب
أخري دعت المبرمج لقبوله في المهرجان ربما تكون لدعم أفكار معينة.
·
من الانتقادات التي وجهت للدورات التي رأستيها، إنها لم تصل
للجمهور بشكل كاف؟
حاولنا الوصول للجماهير خارج دار الأوبرا في حدود المتاح،
خاصة أن الظروف الأمنية في هذه السنوات لم تكن مستقرة، وكانت هناك محاذير
أمنية كثيرة، وعرضنا في بعض السينمات، بعضها كانت عروضا ناجحة جماهيريا مثل
عروض سينما "الزمالك" وسينما "أوديون" وبعضها لم يكن كذلك.
·
كانت البرامج الموازية مستقلة في دورة الناقد السينمائي
سمير فريد، ولكنك خلال رئاستك للمهرجان رفضتي هذذه الاستقلالية، وجعلتيها
تابعة إداريا لمهرجان .. لماذا؟
عندما توليت إدارة مهرجان القاهرة، كان سمير فريد، قد عقد
اتفاقيات مع القائمين علي البرامج الموازية، وكان قد خصص ميزانية كبيرة
لهذه البرامج، حيث كان سمير فريد لديه ميزانية مضاعفة، حيث كان قد ألغي
دورة 2014 ، واخذ ميزانية هذه الدورة اضافة لميزانية دورة 2015، ولم يكن
التعويم قد بدأ، ولم يكن سعر الدولار ارتفع، لذلك سمحت له الميزانية بتخصيص
مبلغ كبير لهذه البرامج، وعندما توليت رئاسة المهرجان، حصلت علي ميزانية
عام واحد، إضافة لارتفاع سعر الدولار، لذلك كان لابد من تخفيض الميزانيات،
من خلال تخفيض الضيوف واستضافتهم ثلاثة أيام فقط كما يحدث في كثير من
المهرجانات الكبري، خاصة أن بعض القائمين علي هذه البرامج لم يقدموا
تسويات، وكان يعاونهم فريق من المهرجان ، وهذا ليس متوافقا مع فكرة البرامج
الموازية التي تقام في "كان" علي سبيل المثال"، حيث تقوم الكيانات التي
تنفذ هذه البرامج بالمسئولية الكاملة عن هذه البرامج ماديا واداريا وهذا لم
يحدث في مصر، حيث مثلت عبئا زائدا علي المهرجان وكان لابد من ان تتبع
المهرجان إداريا كما تتبعه ماليا، مع التنسيق مع الكيانات التي تقيمها.
·
وماذا عن المشكلة مع المخرج سعد هنداوي الذي كان يدير
مسابقة سينما الغد؟
بدأت المشكلة مع سعد هنداوي، عندما ذهب هو الدكتورة غادة
جبارة، عميدة معهد السينما وقتها، الي وزارة الشباب للحصول علي الدعم
المخصص للمهرجان، وحصل علي الدعم ولكنه خصصه لمسابقة سينما الغد، ثم طلب
أموالا إضافية حتي يذهب الي مهرجان كليرمون فيرون وعمل ستاند هناك، وكانت
ميزانية المهرجان لا تسمح، حيث كان المهرجان مديونا، فبدأت المشاكل
والخلافات.
·
يري البعض ان ثقافتك الفرانكفونية أثرت علي اختياراتك في
الدورات التي توليتي رئاستها من مهرجان القاهرة، حيث طغي الجانب الفرنسي
علي المهرجان، سواء من حيث الأفلام أو الضيوف؟
هذا غير صحيح، فانا كنت حريصة علي التوازن ، وقد كان
البرنامج الفرنسي الوحيد في هذه الدورات هوبرنامج المخرجات الفرنسيات في
الدورة الثالثة التي توليت رئاستها، أما الدورة الدورتين الاولي والثانية
فكانت هناك برامج لليابان والصين ، وكانت استراليا ضيفة الشرف في الدورة
الثانية، وحتي رؤساء لجان التحكيم لم يكونوا فرنسيين خلال الدورات التي
توليتها.حيث كان رئيس لجنة تحكيم الدورة السابعة والثلاثون انجليزي وهو
بولويبستر، ثمالماني، واخيرا حسين فهمي.
·
ما أهم الفوارق بين العمل في معهد العالم العربي وبين العمل
في مهرجان القاهرة؟
في معهد العالم العربي كان هناك سيستم واضح وقواعد واضحة،
ولدي إدارة وميزانية واضحة أيضا، وأقوم بتقديم خطة العمل، وعندما يتم
الموافقة عليها، لا يتدخل أحد في عملي بعد ذلك.
وكنت أشعر بحرية أكثرفي بعض القضايا الخاصة بالسينما، فعلي
سبيل المثال، أنا كنت أعرض في مهرجان معهد العالم العربي، أفلام المخرجين
الفلسطينين، الذين يعيشون داخل اسرائيل، ولديهم هوية اسرائيلية، ويحصلون
علي الدعم من صندوق السينما الاسرائيلي، لأن هذا الدعم هو حقهم مقابل
الضرائب التي يدفعونها، في حين أن مهرجان القاهرة لا يمكن أن يعرض مثل هذه
الأفلام لاعتبارها نوعا من أنواع التطبيع التي يرفضها المثقفون، وهو ظلم
مرتين لهؤلاء المخرجين برأيي، ولابد أن يجد السينمائيون والمثقفون المصريون
والعرب صيغة للتعامل مع عرب 48، حتي لا نظلمهم بعزلهم من المشهد السينمائي
والثقافي.
•
متي يمكن برأيك أن يستعيد مهرجان القاهرة قوته وبريقه؟
قد تفاجأين إذا قلت لك، إن مهرجان القاهرة لم يكن قويا في
الماضي كما يتصور البعض، رغم ان المهرجان كان به سوق منذ سنوات طويلة،
لكنها كانت سوقا شكلية، بمشاركة بعض الشركات الصغيرة، ولم يمكن سوقا قويا
يؤدي إلي الترويج للأفلام وعرضها، كما ان الإقبال الجماهيري علي الأفلام
قديما كان إقبالا علي الأفلام غير المراقبة، والتي تحتوي علي مشاهد جريئة
ينتظرها المشاهد المصري، ويدفع أموال في مقابل مشاهدتها، لذلك كان المهرجان
يحقق دخلا من هذه الأفلام، ورغم أن المهرجان كان يستقدم عدد كبير من
االنجوم الكبار مثل ريتشارد جير وغيره، وكان يمتلك موقع بست لغات ، إلا أن
هذا غير كاف ليكون مهرجان قوي
.
•
وكيف يمكن للمهرجان ان يكون قويا؟
حال السينما ينعكس علي حال المهرجان، لذلك فلابد لكي يكون
عندنا مهرجان قوي، أن يكون عندنا في البداية سينما قوية، وأن يعود السوق
المصري سوقا جذابا للأفلام الأجنبية، وأن يتوفر عدد كبير من دور العرض
السينمائي، و يكون هناك سيستم لصناعة السينما، وأن تهتم الدولة بالسينما،
من خلال المركز القومي للسينما، الذي همش دوره تماما، في حين أنه في بلد
مثل فرنسا علي سبيل المثال، يلعب دورا كبيرا في النهوض بالسينما، فعندما تم
التحول السينمائي من الأفلام "35 ملم"إلي الديجيتال، قام المركز القومي
للسينما بدعم السينمات لتتحول إلي الديحيتال وتتمكن من عرض الأفلام، في حين
أننا في مصر حاليا لا نجد سينمات مجهزة بالـ "دي سي بي"، سوي السينمات
الكبيرة، في حين قام أحد السينمائيين بتصنيع جهاز بديل اطلق عليه "اي سي
بي" وقام بتوزيعه علي السينمات فأصبحت غير قادرة علي عرض الأفلام الكبيرة،
مما يساهم في تدمير الصناعة، كل ذلك يحدث لعدم وجود رؤية للنهوض بالصناعة.
ولابد أن يكون المهرجان مركزا لصناعة السينما وترويجها من
خلال سوق كبير حقيقي، حتي لا يذهب الموزعون الي دبي ولبنان لتوزيع افلامهم،
ولابد من الإنتباه إلي أن صناعة السينما تقوم علي ثلاثة محاور الانتاج
والتوزيع ودور العرض المجهزة تكنولوجيا ، مما يسمح بوجود سوق جاذب في
المهرجان.
•
وما هو الشكل ألأمثل لعلاقة الدولة بالمهرجان؟
يجب أن ترفع الدولة يدها تمام عن المهرجان، ويكون دورها هو
التمويل فقط، كما كان يحدث أيام رئاسة سعد الدين وهبة للمهرجان، حيث كانت
لا تتدخل نهائيا، وكانت إدارة المهرجان تقدم تسوية مالية بعد نهاية
المهرجان، أما الآن فقد اصبحت الدولة تتدخل في كل شيء ، وهذا ليس في صالح
المهرجان، ففي فرنسا علي سبيل المثال هناك مؤسسة ثقافية مسئولة عن مهرجان
كان، يشارك في عضوية مجلس ادراتهاالجهاتالداعمةللمهرجانو المؤسسات المهنية،
ووزارةالثقافة، التي تدعم المهرجان ماديا، لا يكون لها سوي عضو واحد، وكذلك
وزارة الخارجية والنقابات المهنية المختلفة، يجتمعون لتقرير الميزانية
وتعيين رئيس المهرجان، بعقد يتراوح من 3 إلي 5 سنوات ، ويكون مسئول مسئولية
كاملة عن المهرجان ويختار فريق العمل، ولديه ميزانية ثابتة يحصل عليها
تلقائيا.
•
هل ترين أن توقف مهرجاني "دبي" و"أبو ظبي"، كان في مصلحة
مهرجان القاهرة؟
رغم تقديري للمهرجانات العربية المختلفة مثل أبو ظبي ودبي،
إلا أنني أري أنها لم تمثل يوما منافسا لمهرجان القاهرة، ذلك أن هذه
المهرجانات تقام في بلاد بدون صناعة سينما حقيقة بعكس مهرجان القاهرة، الذي
يقام في مصر التي تمتلك تاريخ سينمائي عريق.
•
وماذان عن مهرجان الجونة؟
برأيي أن مهرجان الجونة، أقيم لهدف محدد وهو الترويج لمنتج
الجونة السياحي، الذي تأثر مثل جميع المشاريع السياحية في مصر في السنوات
الأخيرة، ولم يكن هدف أصحابه هو السينما، لذلك أعتقد أن هذا المهرجان
سيتوقف بعد تحقيق الهدف المرجو منه ، فهذا المهرجان برأيي لم يؤثر إيجابيا
علي السينما في مصر، فلم تفتح اسواقا جديدة، ولم توزع الأفلام الفائزة علي
سبيل المثال في دور العرض، لذا أري أنه فرقعة إعلامية إذا جاز لنا التعبير،
مع تقديري للمجهود الكبير للقائمين عليه لكنهم لن يفيدوا السينما المصرية.
•
هل ترين أن المهرجانات المصرية االسينمائية التي زادت في
السنوات الأخيرة، يمكن أن تؤثر إيجابا علي السينما المصرية؟
لكي يكون لهذه المهرجانات تأثير إيجابي، لابد أن يكون لها
رؤية واضحة، وأنا أتمني أن يكون لكل محافظة مهرجان لكن علي أن يصل المهرجان
لجمهور هذه المحافظة، ولا يحمل جمهوره معه من القاهرة، وأن يضيف للسينما
المصرية ويؤثر فيها إيجابيا، وهو ما ليس متوفرا للأسف، فمهرجان الأقصر
للسينما الأفريقية علي.سبيل المثال، لم يصنع جمهور مصري للسينما الأفريقية،
وغيره من المهرجانات، حيث لا توجد رؤية وهدف واضح ، وكان هذا أحد أسباب
استقالتي من مهرجان الأقصر للسينما الأوروبية، حيث ضاعت الرؤية، فتحول لشرم
الشيخ للسينما الأسيوية، وحاليا أصبح للشباب وهذا يعني عدم وجود رؤية
واستراتيجية واضحة كما كان المهرجان في البداية.
•
ما تقييمك لتجربة المنتج والسيناريست محمد حفظي في رئاسة
مهرجان القاهرة ؟
محمد حفظي كان مشارك معنا في مؤسسة مهرجان القاهرة، وكان
عضو في اللجنة الاستشارية اللي شكلتها في الدورة الأولي، وهي مختلفة عن
اللجنة التنسيقية التي تتكون من الموظفين، حتي تكون القرارات استشارية ،
وكانت تضم يسرا ومني ذو الفقار وطارق الشناوي وغيرهم من السينمائيين، وتكرر
الأمر في السنة الثانية، أما في السنة الثالثة فتدخلت الوزارة بفرض بعض
الأشخاص وكان هذا أيضا من اسباب استقالتي.
حفظي كان في اللجنة المالية، التي كانت مكلفة بالبحث عن
رعاة للمهرجان، لكن اللجنة لم تنجح في ذلك، ويتميز حفظي بالعلاقات الجيدة،
وقد اختار ألا يتدخل في الإدارة، وقام بتكليف شركة للقيام بالأعمال
الإدارية، وهو اختيار صائب حتي يتفرغ للنواحي الفنية ،وهو مهتم بدعوة
العاملين في مجال السينما ، كموزعين ومنتجين، وهو تطوير للملف الذي كلفته
به اثناء رئاستي للمهرجان وكانت تعاونه فيه المخرجة ماجي مرجان في البداية،
لكن تجربته من الصعب تقييمها بعد دورة واحدة، ويحتاج وقت أكثر حتي يتسني
لنا تقييمها.
•
وبماذا تنصحين الفريق الحالي للمهرجان؟
رأيي أن هناك نقطة ضعف كبيرة في المهرجان هي التسويق
والترويج، لذلك لابد من وجود فريق لتسويق المهرجان والترويج يعمل طيلة
العام، من خلال الترويج بين طلبة المدارس والجامعات والنوادي وغيرها من
المؤسسسات الاجتماعية، وأتمني أن يتسني لهم وجود سيستم واضح وميزانية ثابتة
تمكنهم من القيام بعملهم. |