إنّها الدورة الحادية والأربعين من مهرجان القاهرة
السينمائي الدولي العريق، تنطلق اليوم الأربعاء. مناسبة تحتفي بها مدينة
القاهرة ووزارة الثقافة والمجتمعين الثقافي والفني بشكل عام، وينتظر حدوثها
هواة الفن السابع الذين يتقاطرون على صالات السينما العارضة لأفلام ليس
هناك من أمل مشاهدتها لولا هذا المهرجان العتيد.
هي أيضاً الدورة الثالثة تحت رئاسة السينمائي محمد حفظي. ثم
هي الدورة الأولى من دون حضور المدير الفني يوسف شريف رزق الله الذي توفاه
الله في يوليو (تموز) من السنة الحالية. هذا الناشط الذي ارتبط بالعمل
الثقافي للسينما منذ السبعينات شهد مرور رئاسات كثيرة على المهرجان.
الرؤساء جاؤوا وغادروا وهو بقي في المهرجان مثل حارس يملك المفاتيح. لا أحد
استطاع تحييده أو إبداله. لا أحد في تاريخ المهرجان كان يمكن له أن يؤدي
مهمّته.
إنجاز للدورة الجديدة
يعود المهرجان الجديد بلورة لجهد رئيسه محمد حفظي، منذ أن
تولّى المهمة الصعبة لإدارة هذا الحدث والتقدم به. حين سألته في مهرجان
«كان» الأخير عن صعوبة هذه المهمّة ضحك وقال: «لا تسأل. الجهد الذي أبذله
هنا يأخذ كل وقتي. بالكاد تنتهي الدورة قبل أن أبدأ العمل على التخطيط
للدورة المقبلة. ثم تأتي الأشهر الستة السابقة للمهرجان، لكي ننتقل من
التخطيط إلى التنفيذ. اتصالات ومشاهدات واجتماعات ثم اتصالات من جديد إلى
أن نحقّق ما نريده ونطمح إليه وهو عادة ليس كل ما نريده أو نطمح إليه».
السنة الأولى للكاتب السينمائي الذي انتقل إلى الإنتاج في
وثبة موفقة كانت شبيهة بدخول بيت تناثر في أرجائه التاريخ. وإذا كان من
المعتاد أن يباشر كل رئيس مهرجان عمله بإعادة ترتيب البيت، فإن المهمّة
أمام محمد حفظي كانت تتجاوز ذلك بكثير:
«إعادة
الثقة بالمهرجان من حيث إنه ليس مجرد استعراض وحفلات بل حدث سينمائي وثقافي
حقيقي تحتاجه مصر في كل مراحلها وفي هذه المرحلة بالتحديد».
السنة الثانية كانت المحك الذي أكّد للمتابعين أنّ حفظي فاز
بالثقة ونجح بالتحدي. كانت لا تزال هناك ثغرات لكن لنكن واقعيين: هل يمكن
سد ثغرات ناتجة عن اختلاف الإدارات بين كل سنة أو سنتين وعن ميزانية عانت
الدورات السابقة من شحتها وضعفها؟
هذه الدورة الثالثة تبدو، من القراءة الأولى، الانتقال
الفعلي صعوداً إلى حيث يمكن الحكم الفعلي على التحديثات والتطوّرات التي
انتهجها المهرجان وخطط لها أو طمح إليها. في لقاء آخر حصل خلال «مهرجان
أفلام السعودية»، حيث تشاركنا في لجنة التحكيم قال: «أعتقد أنّ ما نصبو إلى
إنجازه في هذا العام هو تحويل المهرجان إلى بيت للسينما العربية وتوسيع
رقعة المعروض من هذه الأفلام. كذلك أريد توفير أرضية مناسبة لشركات الإنتاج
والتوزيع للعمل وتبادل الخبرات والنشاطات. في عالمنا اليوم هذا الجانب بالغ
الأهمية. معظم المهرجانات الكبيرة وحتى غير الكبيرة باتت تؤمه بشكل أو بآخر».
يدرك حفظي أنّ المحاولات السابقة لخلق سوق تجارية تصاحب
المهرجان لم تكن موفقة. أو، على الأقل، أرست أسساً لم تتعمّق وتتجذر.
والمشكلة لم تكن في النواحي الإدارية لهذا السوق أساساً، بل لوضع العالم
العربي العام لناحية أنّ توزيع معظم الأفلام العربية والأميركية يتم عبر
مكاتب وشركات بطريقة تلقائية. طالما أنّ الفيلم متوجه صوب الجمهور السائد
لن تكون هناك حاجة لأسواق تعززه. أمّا الأفلام ذات الطبيعة غير التجارية
فهي كانت بحاجة إلى منصّة وجدتها لاحقاً عندما عزز مهرجان دبي وضعه بإضافة
سوق مؤسس على قواعد فعلية.
ولكن حتى هذا السوق لم ينتج عنه حجم مبيعات وتعاملات يوازي
أهمية مهرجان دبي ككل. تمتع بالنية وبالتخطيط المدرك والتنفيذ الجيد لكن
العقود المبرمة بقيت محدودة.
جولة في مهرجانات
ذكر مهرجان دبي هنا لا بد منه لاستعراض وضع ما بعد توقفه عن
العمل إثر دورته الرابعة عشر في ديسمبر (كانون الأول)، 2017، وجدت عدة
مهرجانات عربية نفساً ما بين الاستفادة من هذا الغياب والعمل بمقتضى
القواعد التي أسس عليها. في بعض الحالات أدى ذلك لمحاولة الحلول مكان
المهرجان الإماراتي أو تعويض الغياب الكبير بحضور ما.
مهرجان مالمو الذي يُقام سنوياً في المدينة السويدية طرح
نفسه كجزء من الآلة البديلة وهو بالطبع استفاد من رغبة السينمائيين الخروج
من الوعاء العربي إلى حضور غربي (ليس عالمياً لأنّه يبقى في حدود دولة
واحدة ذات مهرجان محدود الإمكانيات ولا يملك الآلية اللازمة لإطلاق الأفلام
التي يستقبلها عالمياً).
مهرجان أيام قرطاج السينمائي كان عليه تعزيز حضوره بشكل
عام، ولذلك اعتمد على توسيع رقعة الاشتراكات العربية. أمر لم يتطلب خروجاً
عن القاعدة التي أسس عليها، فهو بُني على أساس ضمّ السينما العربية
والسينما الأفريقية إلى حدث واحد.
أمّا مهرجان مراكش، ونسبة لتاريخه، فقد بقي بعيداً عن
التمدد شرقاً نحو السينما العربية ولو أنّه استوعب في دورته الأخيرة
أفلاماً عربية أكثر مما فعل في السنوات السابقة.
مهرجان الجونة الذي انطلق قبل ثلاث سنوات بنى نفسه على أساس
أن السينما العربية هي جزء مهم في تكوينه وتبعاً لقواعده لم يتبلور كبيت
للسينما العربية.
ما يفعله مهرجان القاهرة هذا العام بوجود زخم من الأفلام
العربية فيه ليس محاولة الحلول مكان مهرجان غائب، بل العودة إلى الجذور، إذ
كان سبق المهرجانات العربية كلها برغبته لعب دور المظلة الجامعة لكل ما
تنتجه السينمات العربية من أفلام.
وعلى أكثر من نحو، هذا هو أمر طبيعي لمدينة ذات تاريخ عربي
شمل الفنون والإعلام والآداب وصناعة السينما. كانت عاصمة الفن السابع
العربي إنتاجاً وانتشاراً وما زالت الأقدر على لعب هذا الدور في عصر جديد
تغيرت فيه سمات تلك الصناعة وازدهرت الأفلام العربية في أكثر من بلد وعاصمة.
النسخة الحادية والأربعون من مهرجان القاهرة تعكس هذا
التغيير إلى حد بعيد. ثلاثة أفلام عربية في المسابقة الرسمية (من بين 15
فيلماً مشتركاً تمثل 22 دولة) وفي مسابقة «آفاق السينما العربية»، وللمرّة
الأولى، 12 فيلماً متسابقاً لجائزة أصبحت أكثر أهمية مما كانت عليه قبل خمس
سنوات عندما تم إنشاؤها لأول مرّة.
الأفلام العربية المتسابقة في القسم الرسمي هي: «جدار
الصوت» لأحمد غصين (الذي سبق وتناولناه في رسالتنا من «فينسيا» حيث شهد
عرضه العالمي الأول)، وفيلم «بين الجنة والأرض» للفلسطينية - الأميركية
نجوى النجار (عرض عالمي أول)، والفيلم المصري «احكيلي» لماريان خوري، وهو
من النوع التسجيلي، ويشهد كذلك عرضه العالمي الأول.
أمّا مسابقة «آفاق السينما العربية»، فتشمل «بيك نعيش»
لمهدي برصاوي (تونس)، و«سيدة البحر» لشهد أمين (السعودية)، و«بغداد في
خيالي» إخراج سمير (مقدم باسم العراق ولو أن التمويل آت من بريطانيا
وسويسرا)، و«بيروت المحطة الأخير» لإيلي كمال (لبنان، الإمارات)، و«نجمة
الصباح» لجود سعيد (سوريا)، و«من أجل القضية» لحسن بنجلون (المغرب)، و«شارع
حيفا» لمحمد حبال (العراق)، و«أوفسايد الخرطوم» لمروة زين (السودان)، و«نوم
الديك في الحبل» لسيف عبد الله (مصر)، و«عالبار» لسامي التيلي (تونس)،
و«باركور» لفاطمة الزهراء زعموم (الجزائر)، و«نساء الجناح ج» لمحمد نظيف
(المغرب). |