الرجل الذي عاش يتنفس السينما !
بقلم: مجدي الطيب
• زامل هدى عبد الناصر في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية
لكنه اختار صحبة هواة السينما في جمعية الفيلم ونادي السينما
عندما وصفته بأنه «موسوعة سينمائية تسير على قدمين» لم أكن
أعلم وقتها أن يوسف شريف رزق الله لم يدرس السينما في معهد متخصص، بل أجبره
مجموعه العالي في الثانوية العامة على الالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم
السياسية، وكان من أبناء دفعته هدى عبد الناصر وحاتم صادق، لكن عشق السينما
ولد معه في الرابعة عشرة من عمره، وفي السابعة عشرة بدأ مرحلة اقتناء مجلات
السينما المتخصصة، التي جعلت منه في ما بعد واحداً من أشهر نقاد السينما،
وصاحب الفضل الأكبر في نشر الثقافة السينمائية في مصر والعالم العربي .
مظهره الغربي بعض الشيء قد يوحي بأنه ولد وفي فمه ملعقة من
الذهب لكن الحقيقة أن يوسف شريف رزق الله ولد في حي غمرة لأب يعمل مترجماً،
وأم سيدة منزل، لكنه درس في مدارس الجيزويت، وكان لهذا أثره في ثقافته
الفرنسية، وتواصله مع السينما العالمية في وقت مبكر للغاية، وجاء حصوله على
مجموع 82% في الثانوية العامة بمثابة الطامة الكبرى، كما أقر للناقد محمود
عبد الشكور في كتاب "عاشق الأطياف"؛ إذ لم يجرؤ على مفاتحة والده في أمر
الالتحاق بمعهد السينما، الذي كان يمثل حلم حياته، وأصبح طالباً بكلية
الاقتصاد والعلوم السياسية، التي تخرج منها عام 1966، غير أن عشقه للسينما
لم يفارقه؛ ففي نفس عام التحاقه بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1961،
انضم إلى «جمعية الفيلم»، التي كان يترأسها أحمد الحضوي، وسبقه إلى
الانضمام إلى عضويتها : يعقوب وهبي، أحمد راشد، هاشم النحاس، وإليها يعود
الفضل في مشاهدة الأفلام بانتظام، والكتابة عنها، ومناقشتها، وإدارة
ندواتها، وحوارات مع مخرجيها، بعد أن منحه الناقد أحمد الحضري تلك الفرصة،
كما فتحت الجمعية الباب أمامه للالتقاء بسينمائيين كبار؛ مثل : المخرج
والباحث أحمد كامل مرسى، الذي كان يزوره في منزله .
التعثر الدراسي والتفوق المهني
أشار يوسف شريف رزق الله، في الكتاب نفسه، إلى سنوات تعثره
في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية؛ بقوله متهكماً إن الطالب، الذي حصل على
مجموع 82%، وكان الخامس على الجمهورية، تأخر في التخرج من الكلية، وما لم
يقله إن انشغاله بمتابعة الأفلام، واهتمامه بنشاطات جمعية الفيلم، استغرق
الكثير من وقته، وجهده، وحتى عندما تخرج من الكلية جاء تعيينه في هيئة
الإستعلامات، لكنه لم يرتح للعمل فيها، ولما جاءته الفرصة للإنتقال إلى
التليفزيون عام 1967، عُين محرر بالأخبار، فى مرحلة دقيقة من تاريخ الوطن،
ثم سكرتيراً للتحرير فرئيساً للتحرير. ووقتها لم تكن الثقافة السينمائية
تشغل بال القائمين على التليفزيون، وكان برنامج «السينما والحرب»، الذي
يقدمه أحمد سمير، أقرب إلى البرامج التعبوية، التي فرضت نفسها عقب هزيمة
1967، وبانتصار حرب أكتوبر، أصبحت الظروف مهيأة لتقديم برنامج «نادي
السينما»، عام 1975، الذي تولى إعداده، بعد سنوات من زخم النشاط، في «جمعية
الفيلم» و«نادي سينما القاهرة»، وتوليه العديد من المناصب فيهما، بالإضافة
إلى تقديم وعرض وترجمة ونقد وتحليل الأفلام. وكان الفضل في ظهور البرنامج
التليفزيوني «نادي السينما» لحماسة ودعم تماضر توفيق رئيس التليفزيون
آنذاك، التي عجلت بظهور الفكرة، واختارت لتنفيذها المخرج محمد قناوى، وفي
الحلقات الأولى للبرنامج كان يوسف شريف يُشارك، كأول ظهور له كمقدم برامج،
مع درية شرف الدين، فى التقديم بجانب قيامه بالإعداد، ومع استمرار البرنامج
انفردت درية بالتقديم !
يمكن القول إن عام 1969 هو العام الذي بدأت فيه علاقة يوسف
شريف رزق الله مع المهرجانات السينمائية العالمية؛ حيث سافر إلى برلين،
وهناك أجرى حواراً مع المخرج الهندى الكبير ساتيا جيت راى، وبعده قام
بتغطية مهرجانات : موسكو، كارلوفى فارى، سان سباستيان، فالنسيا، وفينسيا،
وكان كما شارك في عضوية العديد من لجان التحكيم الدولية؛ مثل مهرجان ميلانو
للاأفلام الإفريقية، مهرجان مونبيلييه ومهرجان روتردام للفيلم العربى،
وساعده على ذلك إجادته للغتين الانجليزي والفرنسية .
انكار الذات وتحدي العقبات
لم يحدث طوال تلك الفترة أن بحث يوسف شريف رزق الله عن مجد
شخصي أو شهرة زائفة، بل يمكن القول إن عشقه للسينما، ورغبته في تعميم
الثقافة السينمائية، بحيث لا تصبح حكراً على أحد، كانا دافعه الأوحد للقيام
بالمبادرة غير المسبوقة، التي تمثلت في استغلال علاقاته بالمركز الصحفي
لمهرجان كان السينمائي من أجل تسهيل مهمة طاقم التليفزيون المصري في تغطية
فعاليات مهرجان كان، ولما أدرك أن بمقدوره توفير كلفة سفر الطاقم المكون من
مخرج ومصور، اتجه لاستئجار فريق فرنسى للتصوير، ونجح في توفير الكثير من
الميزانية، بكل ما سببته المبادرة من تبعات؛ حيث كان يقوم بدور المذيع
والمعد والمخرج والمنتج المنفذ . والطريف أنه فوجيء في إحدى دورات مهرجان
كان بوجود بعثتين للتليفزيون المصري؛ يمثل هو أولها وثانيها يقودها الناقد
أحمد صالح معد برنامج «زووم» وبصحبته المذيعة سلمى الشماع ومخرج البرنامج
على الجندى، بكل ما في ذلك من سفه وإهدار للمال العام !
بالطبع كان ثمة عقبات وانكسارات واجهت مسيرته الحافلة
بالانجازات؛ كإقصائه عن تقديم برنامج «نادي السينما»، وبعد تعويضه في عهد
شيرويت شافعي رئيس القناة الثانية وكوثر هيكل مديرة البرامج الثقافية فى
التليفزيون ببرنامج «أوسكار»، الذي قدمته سناء منصور، أصدرت سامية صادق
رئيس التليفزيون قراراً باستبعادة من إعداد برنامج «نادي السينما»، بحجة
أنه لا يصح إعداد برنامجين متنافسين، وبعد الموافقة على برنامج «نجوم
وأفلام »، الذي شارك في إعداده ونقديمه الناقد سامي السلاموني، توقف بعد
عام واحد بحجة أنه «استنفد أغراضه» ! وهو الموقف الذي تكرر مع برنامج
«تليسينما»، الذي انتهزت سهير الإتربي رئيس التليفزيون آنذاك فرصة سفر
مقدمه ومعده إلى الخارج، وأصدرت قراراً باستبعاده، وتغيير اسمه إلى «اأيام
وليالى»، واسناد تقديمه إلى منى عبد الوهاب، مع إضافة الأفلام العربية، ما
دفعه إلى تقديم برنامج آخر بعنوان «سينما في سينما»، ولم تتوقف التحرشات
والمكايدات من سهير الإتربي، التي لم ترحب بسفره لتغطية مهرجان كان فما كان
منه سوى أن سافر عبر قطاع الإخبار، وكان يبعث برسائل صوتية فقط !
سابق عصره
مثلما كان يوسف شريف رزق الله سابقاً عصره، عندما استطاع أن
يوفر المعلومة الفنية، ويقدم الثقافة السينمائية، في زمن تضاؤل الإمكانات،
وهزال وسائل الحصول على المعلومة؛ حيث لم نكن قد توصلنا بعد إلى الطفرة
التكنولوجية، ولم تكن قد ظهرت بعد محاور البحث، التي توفر المعلومة في
ثانية، فاجأنا رزق الله ببرنامج فريد من نوعه يحمل عنوان «ستار»، استثمر
فيه علاقته ومسئولي المركز الثقافى الأمريكى بالقاهرة، وطرح عليهم فكرة
إجراء حوار بين نجوم السينما المصرية ونجم من نجوم السينما الهوليوودية،
يتم بثه على القناة الثانية، بحيث يقوم طاقم مصري بالتواجد داخل المركز
الثقافي الأمريكى بالقاهرة لتصوير أسئلة النجوم المصريين، بينما يستمعوا
إلى أصوات النجوم الأمريكان، عبر خط تليفونى مفتوح، ونفس الجال في الاستديو
الأمريكي، ثم يأتي شريط الصورة بردود الأفعال، ويتم إخضاع الجلستين
للمونتاج للجمع بين صيوف القاهرة، والضيوف الأمريكان. وكانت المفاجأة في
ترحيب عدد كبير من نجوم هوليوود؛ مثل : كيرك دوجلاس، جوليا روبرتس، ميريل
ستريب، جاك ليمون، جريجورى بيك، المخرج روبرت وايز، النجم تشارلتون هيستون،
آلى ماكجرو وإنجى ديكنسون، بينما لبى الدعوة من النجوم المصريين: المخرج
حسام الدين مصطفى، حسين فهمي، ميرفت أمين، صلاح أبو سيف، أشرف فهمى، سمير
صبري، إسعاد يونس، يسرا ومديحة كامل.
المتسامح
رغم انطلاق أولى دورات مهرحان القاهرة السينمائي عام 1976
إلا أن علاقة شريف رزق الله بالمهرجان بدأت فعلياً مع تولي سعد الدين وهبة
رئاسة المهرجان؛ حيث وضع ثقته فيه بدرجة كبيرة، كسكرتير ثم مدير فني، وعضو
في المكتب الفني، وهو الدور الذي استمر يؤديه بكفاءة منقطعة النظير، عقب
رحيل سعد الدين وهبة، سواء في ولاية حسين فهمى أو شريف الشوباشى وولاية عزت
أبو عوف، ثم سمير فريد، الذي لم يعمل معه في الدورة التي ترأسها ورغم هذا
رشحه لدى وزير الثقافة د. جابر عصفور ليتولى رئاسة المهرجان، عقب تقديم
فريد استقالته، وإصراره عليها، إلا أن رزق الله رفض ورشح ماجدة واصف بدلاً
منه، وهو ما فعله مرة أخرى بعد استقالة ماجدة واصف؛ حيث رشح محمد حفظي،
الذي استشعر دنو أجل الدينامو يوسف شريف رزق الله فما كان منه سوى أن اتخذ
قراراً على عجل بتكريمه في دورة 2018 ليعتلي رزق الله خشبة المسرح وسط
تصفيق الحضور، الذين وقفوا لتحيته، وبدلاً من أن يُلقي كلمة يتحدث فيها عن
نفسه راح يوجه الشكر لفريق عمل المهرجان، من أصغره إلى أكبره، وكأنه يُلقن
الجميع درسه الأخير في الترفع والتواضع والتسامح والإيثار وحب كل من أحب
السينما . |