السينما الإريترية والمغاربية تتقدم.. والمصرية تتقهر!
بقلم: مجدي الطيب
• «الأقصر للسينما الأفريقية» وضع أيدينا على الموقف الراهن
لشباب السينما المصرية .. ومستقبلها
أغلب الظن أنه لم يكن بمقدورنا، يوماً، أن نشاهد فيلماً من
«إريتريا»، بل ربما ما كنا نتخيل أن دولة مثل: إريتريا، التي تقع في القرن
الأفريقي، وعاصمتها أسمرا، تعرف صناعة السينما، وهو المستحيل الذي رأيناه
مُجسداً على أرض الواقع، من خلال فيلم «أنباء»
Tidings،
الذي شارك في المسابقة الدولية للأفلام القصيرة، بالدورة التاسعة لمهرجان
الأقصر للسينما الأفريقية ( 6 – 12 مارس 2020)، والمفاجأة الطيبة للغاية أن
تواجد السينما الإريترية، لم يكن من قبيل «التمثيل المُشرف»، بل كانت
مُمثلة، بقوة، أثارت الإعجاب.
بالطبع لم يأت الفيلم منفصلاً عن الهم السياسي، الإقتصادي،
والاجتماعي، الذي عاشه الشعب الإريتري، مطلع التسعينيات من القرن الماضي،
عقب اندلاع الحرب الإثيوبية – الإريترية، التي تكبد البلدان خلالها ملايين
الدولارات، فضلاً، وهو الأهم، عن الخسائر البشرية؛ حيث راح ضحيتها عشرات
الألاف من المواطنين، وهو ما ركز عليه فيلم «أنباء» (15 دقيقة)، إخراج
ناحوم أبراهام؛ من خلال عائلة إريترية فقيرة تعرض إثنان من أولادها
للاعتقال، والاختفاء القسري، لانخراطهما في صفوف مقاومي الاحتلال الإثيوبي،
ومن ثم لم يعد في استطاعة الأم سوى أن تُهيء الظروف الآمنة للأب ليتابع،
عبر المذياع، وفي غرفة نائية بالمنزل، أخبار المقاومة، بزعامة أسياس
أفورقى، الذي صار رئيساً للبلاد بعد التحرير، الذي خرج الشعب الإريتري
للاحتفال به، وبالأبناء العائدين.
الحرفية التي ظهر عليها الفيلم الإريتري القصير قادتني
للتعرف إلى تاريخ السينما الإريترية، التي تأثرت بحضارات وجيوش وشعوب،
تعاقبت عليها؛ مثل : العرب، الأتراك، البرتغاليون، البريطانيون،
والإيطاليون، الأكثر تأثيراً، سواء في طرز المباني، أو دور السينما، التي
انتشرت في البلد عامة، وفي العاصمة أسمرا، تحديداً، التي عرفت عروض الصور
المتحركة، عقب اختراع السينما مباشرة، كما عرفت الفن السينمائي، والإخراج
والتمثيل، حتى صار الفن الأكثر شعبية، وكانت الأفلام التي يتم تصويرها
تتطرق إلى الواقع الإريتري، بحاضره وماضيه، وإن ركزت، في الغالب، على وقائع
الثورة، والخلفية التاريخية للشعب والدولة.
أفريقيا تنتصر للعلم والحرية
«وافوو : طفل الثعبان» (29 دقيقة)، فيلم من بوركينا فاسو
فاجأني أيضاً برؤيته التقدمية، التي واجهت الخرافة، وانتصرت للعلم؛
فالمخرجة أزاتا سورو، ترصد تأثير الجهل، وطغيان الخرافة، في إحدى قرى
الشمال البوركيني، التي ضربها الجفاف، ما يدفع ساحر القرية للدعوة إلى
التضحية بالطفل اليتيم المعاق، الذي يظن أهل القرية أنه جاء من نسل ثعبان،
كونه يزحف على الأرض، لكن إحدى السيدات ترفض الانصياع للشعوذة والخرافة،
وتكتشف بالمصادفة أن الحل في دار التأهيل المخصص لذوي القدرات الخاصة. أما
الفيلم الأوغندي «الفستان الأسود الصغير» (22 دقيقة)، فيُدهشك، بدرجة
كبيرة، بسبب قدرة مخرجته إستيري تيبانديكي على الاقتراب من علاقة امرأة
ورجل، في مفترق طريق، لإحساس المرأة بالقلق والتوتر، بسبب نرجسية الرجل،
وعدم النظر إليها بعين الاعتبار، ما يجعلها تُقدم، في اللحظة المناسبة، على
اتخاذ القرار، الذي يعني بالنسبة لها : الخلاص. ورغم أن الفيلم هو أول
تجربة إخراجية لإستيري، إلا أنه أقرب إلى اللوحة التشكيلية، التي أحسنت من
خلالها توظيف الظل والضوء، ربما لأنها فنانة تشكيلية، في الأصل، كما احكمت
قبضتها على الإيقاع، والتمثيل، كونها راقصة وممثلة.
الوعي المغاربي الرائع
لم تكن لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة مُجاملة، على
الإطلاق، عندما منحت فيلم «طيف الزمكان» (المغرب / 9 دقائق)، إخراج كريم
تاجوات، جائزة أحسن إسهام فني (شهادة تقدير وقناع توت عنخ آمون البرونزي)،
بل يمكن القول إنها ظلمت الأفلام المغاربية الأخرى؛ مثل: «أغنية البجعة»
(المغرب)، «سينابس» (الجزائر)، «إنتي شكون» (تونس)، «الغرفة» (الجزائر/
فرنسا)؛ فإذا كان تميز فيلم «طيف الزمكان» يتمثل في لغته البصرية الساحرة،
وتوظيفه لخيال الظل، فضلاً عن روعة تلوينه، فإن خصوصيته تكمن، أيضاً، في
رؤيته المتفائلة، التي تؤكد على ضرورة النظر إلى الماضي بوصفه دافعاً قوياً
للإمام، فإن فيلم «سينابس» (الجزائر / 17 دقيقة)، إخراج نور الدين زروقي،
يبدو أكثر نضجاً، على الصعيد الفكري والسينمائي، عندما يقدم، بتكثيف رائع،
قراءة متعددة الأوجه، للوضع العربي المأزوم؛ من خلال حافلة الركاب، التي
يستقلها مواطنون، هم في الحقيقة بمثابة تمثيل حي للظواهر الاجتماعية
السائدة؛ مثل : التطرف، السفور، النقاب، العبث، الانفتاح، التخلف،
والسلوكيات المتناقضة، التي تكشف زيف المجتمع، وغياب التواصل بين أفراده،
وانهيار قوامه الهش، بمجرد أن ينضم لركاب الحافلة كسيح، يتأمل الوضع
صامتاً، ومستسلماً، وضرير متسق مع ذاته، ومتحرر من القيود التي تُكبل
الآخرين (الركاب / أفراد المجتمع)، ما يُشجعهم على الاقتداء به في حريته،
والتخلص من الأفكار المتزمتة، التي كانت سبباً في تخوين بعضهم البعض .
والفيلم يعكس، بالفعل، حال «الاشتباك العصبي» السائد في المجتمعات العربية،
مثلما يكشف خواءها وزيفها وهشاشة بنيانها، وهي الرؤية الجريئة، التي نراها،
بصيغة أخرى، في فيلم «أغنية البجعة» (المغرب / 18 دقيقة)، الذي يرصد مخرجه
يزيد القادري، من زاوية مغايرة، ظاهرة الإرهاب؛ حيث الشاب الذي يتسلل إلى
مركز ثقافي، حاملاً حقيبة ظهر معتادة، وينجح في انتزاع إعجاب الحضور ببراعة
عزفه على الجيتار الكهربي، لكنه يُباغت الجميع بفعل غير متوقع. ورغم
الإثارة التي اتسم بها الفيلم إلا أن السيناريو، وقع في خطأ فادح، عندما
فضح هوية، طبيعة، ومخطط، الشاب منذ الوهلة الأولى!
في سياق مختلف جاء فيلم «الغرفة» (الجزائر / فرنسا / 17
دقيقة)، إخراج لطيفة سعيد، الذي بدا وكأنه سيرة ذاتية لمخرجته؛ حيث الفتاة
الجزائرية الشابة «آن»، التي تصل إلى إحدى البنايات، التي يقطنها المهاجرون
العرب في باريس، لتتسلم المتعلقات الخاصة بوالدها، الذي غيبه الموت،
ولحظتها فقط تكتشف كم الحب، الذي كان يكنه له أباها، ولم تعرفه من قبل!
التراجع المصري المُخيف
في مقابل الطفرة اللافتة للسينما الأفريقية، والمغاربية،
شهدت مسابقة الأفلام القصيرة تراجعاً ملحوظاً، ومُخيفاً، للسينما المصرية،
حتى يمكن القول إن لجنة التحكيم جاملت الدولة المُضيفة كثيراً عندما نوهت
بفيلم «حبيب» ( 23 دقيقة)، إخراج شادي فؤاد، بينما أحسنت صُنعاً عندما
تجاهلت فيلم «يوكو وياسمين» (مصر / لبنان/ 11 دقيقة)، إخراج كوثر يونس؛
فالصنعة، والمبالغة، على صعيد الأداء التمثيلي، كانا سمة الفيلم الأول،
الذي يتناول أزمة الحلاق «حبيب»، الذي يُفصح ظاهره ما لا يُبطن، وإن تميز
الفيلم بشكله الفني؛ خصوصاً التصوير (جوزيف كرم)، الذي نجح في تجسيد
انفعالات بطله، الموزع بين روح المرح، التي يُشيعها في المكان (صالون
الحلاقة)، ومأساته، التي يعجز عن التهرب منها . أما فيلم «يوكو وياسمين»
فأغلب الظن أن مخرجته قامت بتجميع لقطاته من مشروع آخر كانت تُعد لإنجازه،
ولم يُسعفها الوقت، ومن ثم بدا الفارق كبيراً بين تجربتها هذه، وفيلمها
السابق «هدية من الماضي»، الذي كان مفاجأة طيبة بكل المقاييس، وسارة لكل
المتابعين! |