«أنا مش نجمة بس أسد في أي حتة».. مقومات فنية وإنسانية
نادرة للراحلة رجاء الجداوي
سارة نعمة الله
«أنا شغلي هو حصاني، وهو ما يجعلني اجتاز لحظات أحب
نسيانها، يعني أنا مش نجمة بطلة بس أنا ممثلة كويسة في حتتي، هتحطني في أي
حتة هسد، لكن حب الناس ليا فالشارع يشعرني أني نجمة».. كلمات ذكرتها
الفنانة الراحلة رجاء
الجداوي في
أحدى أحاديثها السابقة واستوقفتني كثيرًا لسببين، الأول وهو أنه لربما من
المستحيل أن تجد فنانًا متصالحًا مع ذاته لهذه الدرجة، ويعي إمكانيات نفسه
جيدًا.
أما السبب الآخر، يتعلق بأمر المصارحة فكيف يمكن أن تكون
فنان متقدم بالعمر وتخرج على ملايين من محبيك وتروي مثل هذه الرواية، ولكن
بين السبب الأول والثاني عنوانًا لكلمة واحدة «الصدق» الذي لازم الراحلة
طوال رحلة حياتها على الصعيد الفني والإنساني.
ومن منطلق الصدق الذي لازم الراحلة وتصالحها الشديد مع
الذات، أدركت الراحلة مقوماتها وعرفت جيدًا كيف يمكن أن توظفها لتصبح هي
جزءا مضيئا في أي عمل تشارك به، ويكمن السر الأساسي في هذا النجاح اعتنائها
الكبير باختيار أدوارها.
ولكن في الواقع أن حياة الراحلة يمكن تقسيمهما لشقين، مقومات
فنية نادرة،
وأخرى إنسانية ترصدها «بوابة الأهرام» في السطور التالية:
أولًا: المقومات الفنية:
المدرسة الأسلوبية:
أدركت الجداوي بعناية أنها لها منطقتها الخاصة التي تلعب
بها، فهي لن تكون نجمة شباك أو صف أول لهذا كان عليها اللجوء إلى إحدى
المدارس التمثيل الشهيرة "المدرسة الأسلوبية" والتي تعتمد أداء الممثل
لدوره وفقًا للطريقة الواقعية والتلقائية النابعة من ذاته هو، لذا وبالرغم
من تكرار أدوار الأمومة للراحلة على سبيل المثال، إلا أن كلًا منها لا يشبه
الآخر.
لم تتأثر بخالتها تحية
كاريوكا
أما ثاني مقومات الراحلة، يتمثل في ظهورها على الساحة
الفنية بشكل يختلف عن خالتها الفنانة تحية
كاريوكا ،
فلم تعتمد على شهرتها ولم تتخذ نفس مسارها ونهجها التمثيلي مما جعلها في
مكانة خاصة ومميزة، ظهرت فيها الراحلة دون أن تتأثر بأي طريقة أداء لخالتها
رغم أنه كان الطريق الأسرع والأسهل لكنه كان الأقرب للقضاء على الفنانة في
بداية الرحلة.
خفة الظل
كان أبرز ما يميز نجاة علي حسن الجداوي كما هو اسمها
الحقيقي، خفة الظل التي كانت تضفيها على الأعمال التي تشارك بها سواء كانت
تنتمي إلى للكوميديا الخالصة أو تحمل طابعًا إجتماعيًا ذو حس فكاهي، وكانت
الراحلة تجيد ذلك جيدًا بين هذا وذاك.
نبرة الصوت
هي إحدى مقومات الفنان الهامة وإحدى أساليب الأداء المميزة،
وهي نقطة هامة استغلتها الراحلة على صعيد أكثر من مهمة سواء في التمثيل
والتنوع في النبرات بين الحاد والحنون والدلوع والفكاهي، بخلاف تطويع ذلك
في عملها الإذاعي فقد كان لها صوتًا إذاعيًا مميزًا لا يمكن أن يسقط من
ذاكرة مستمعيه.
القراءة
هي إحدى ركائز الفنان التي تدعمه في رحلته الفنية، وقد كانت
الراحلة واعية بهذا الأمر الذي بدأ لديها منذ الطفولة التي قضتها في
المدرسة الداخلية التي مكثت بها 11 عامًا فقد كانت تقضي أوقاتها في القراءة
أغلب أوقاتها، ما أفرز لديها كثير من الوعي الذي أنصب نحو عنايتها بإختيار
أدوارها جيدًا.
توظيف المقاومات
أمتلكت الراحلة الكثير والكثير من المقومات بين دراستها
اللغات، وعملها كعارضة أزياء، والتمثيل الذي دخلته بالصدفة، كل ذلك أنصب في
أدائها لبعض الأدوار التي جمعت فيها بين هذه المقومات التي عرفت فيها
إمكانيتها الجيدة في توظيفها.
ثانيًا المقومات الإنسانية:
- من يعرف الراحلة عن قرب أو حتى من كان يتابعها
تليفزيونيًا سيعرف أن أهم ما كانت تمتلكه هو تواضعها الكبير الذي جعلها
أكثر بساطة خصوصًا في التعامل مع البسطاء من العامة عند لقاؤهم بها في
الشارع.
- تعد الجداوي سفيرة للدبلوماسية الأخلاقية، فقد كانت
دائمًا تدعو في لقاءاتها التي كانت تقدمها أو يتم استضافتها بها، بالعودة
للأصول والألتزام بالأخلاق الحميدة حتى تترك نواة وآثر جيد في الصغار
والكبار.
- أدركت الجداوي جيدًا دورها المجتمعي بصفتها امرأة أولًا
وفنانة ثانيًا فأقبلت للمشاركة في كثير من حملات التوعية الخاصة بالسيدات
من واقع عملها كسيدة مسئولة تحب عملها وتقدس دورها الوطني.
- منحت الجداوي الفرصة لكثير من الشباب الذين وقفت للعمل
معهم، ولم تلفت إلى سنوات تقادم الخبرة والعمل، بل أنها جعلت ما لديها من
تراكم في خدمة هذا الجيل الذي لم تنظر فيه حتى لطبيعة الدور بل لقيمته وخير
دليل على ذلك دور "المربية زوزو" الذي قدمته في مسلسلها الأخير "لعبة
النسيان" مع دينا الشربيني.
وليس هذا فقط، بل في حرصها على دعم الشباب في قطاعات آخرى
مثل الإذاعة التي عملت بها وانضم لها فيها كثير من الأصوات الشابة
النسائية.
- يندرج ضمن هذه المقاومات، تقديس الراحلة لمفهوم الأسرة
فقد كان زوجها وابنتها هم "حياتها الكبيرة" وظلت الجداوي متأثرة من فراق
زوجها كثيرًا بعد رحيله إلا أنها امرأة تعي معنى القدر واختياراته.
- المصارحة وهو جانب هام في شخصياتها، فلم تستحي الراحلة في
لقاء جمعها بأصحاب أحد المطاعم الشهيرة عندما قالت له "أنا معرفش أقطع
الأكل".
التفاعل الإجتماعي في جميع الأحداث والمناسبات التي كانت
تحرص على المشاركة بها بخلاف تواصلها مع محبيها عبر وسائل التواصل وردها
عليهم بلباقة ولياقة كبيرة.
تستحق الراحلة عن كثب لقب "سفيرة الفن المصري" فنانة
متصالحة النفس، نقية الجوهر، ذكية الاختيارات، متجددة الموهبة، تحمل الكثير
والكثير من المقومات على الصعيدين إلا أننا حاولنا الوقوف على أهم النقاط
في رحلتها بالفن والحياة. |