أعلنت شركة «وورنر» إغلاق تصوير فيلمها الجديد «ذا باتمان»
بعد أقل من أسبوعين اثنين على بدء التصوير في أحد استوديوهات بريطانيا.
بالأحرى «على إعادة بدء التصوير»؛ إذ كان التصوير قد توقف قبل عدة أشهر
بسبب وباء «كورونا»، قبل أن تُجهز العدة للعودة إلى العمل مع روبرت باتنسون
في دور الرجل المقنع.
وبعد الإعلان، أصابت الممثل الأول حالة إعياء فُحص على أثره
ليتبين أنه مصاب بالوباء، ولا بد من حجره لعشرة أيام على الأقل.
ليس هذا فقط، فكل من اقترب منه خلال الأسبوع الماضي على
الأقل لمسافة تقل عن مترين، ولمدة تزيد عن 15 دقيقة، يتم فحصه حالياً.
الخبر سبب ذعراً شديداً، ليس بين العاملين على الفيلم فقط؛ بل في أرجاء
صناعة السينما الواسعة من هوليوود إلى بريطانيا. ذلك لأن الاستعدادات كانت
قد بدأت لإعادة الحياة إلى طبيعتها السابقة، والعودة إلى تصوير الأفلام
الجديدة، أو استكمال ما كان توقف منها. الإطار الأوسع هو أن شركات التأمين
لم تعد في وارد تأمين الفيلم إذا ما توقف تصويره بسبب «كورونا». بالنسبة
لفيلم «ذا باتمان» فإن «وورنر» كانت أمَّنت قبل تراجع الشركات العاملة في
هذا المجال على التعاقد مع هوليوود في هذا الإطار.
بذلك، وعوض أن ينشغل المنتجون بأحد أضخم أفلام العام المقبل
(250 مليون دولار كميزانية) ومتابعة التصوير عبر ما يُرسل إليهم من مشاهد
منجزة، وجدوا أنفسهم يبحثون في احتمال أن يكون الوباء قد انتشر فعلاً بين
كل من اقترب من الممثل خلال العمل، وهم كثيرون، ومن بينهم المخرج مات ريفز.
والمسألة لا تتعلق بفيلم «ذا باتمان» وحده؛ بل هناك أفلام
أخرى بُوشر تصويرها، من بينها «جوراسيك وورلد: دومينيون» الذي تنتجه شركة
«يونيفرسال» ويتم تصويره كذلك في بريطانيا.
كانت «يونيفرسال»، حسب معلومات وفرتها مجلة «فاراياتي» قد
اشترت فندقاً كبيراً لفريق العمل على ذلك الإنتاج الذي يرأسه ستيفن
سبيلبرغ. بدوره، هذا الجزء الثالث من السلسلة محط حذر شديد. ثلاث مرات كل
أسبوع يتم فحص كل العاملين في الفيلم للتأكد من عدم إصابة أحدهم بالوباء.
هذا يشمل المخرج كولين تريفوروف وكل ممثلي الفيلم الذي يقوده كريس برات
وبرايس دالاس هوارد.
-
مصير المهرجانات العربية
و«كورونا» معضلة تحاول المهرجانات العربية حلها ضمن الأزمة
العالمية التي يعيشها العالم. انتشال التميمي، المدير الفني لـ«مهرجان
الجونة» في البحر الأحمر، يؤكد أن كل شيء يسير على ما يرام وبشكل حثيث
لإقامة الدورة الجديدة في موعدها، بعد نحو سبعة أسابيع: «لكننا في الوقت
ذاته حذرون جداً، وسيكون لدينا معايير أمان أعلى مما هي هنا في فينيسيا».
من بين هذه المعايير أن الآتي للمهرجان من المدعوين والضيوف
لن يستطيع مبارحته مغادراً ثم العودة إليه: «من يغادره لن يستطيع العودة؛
لأن عودته ستتضمن مزيداً من الفحوصات».
والأخبار الأخرى الواردة تشير إلى أن «مهرجان أيام قرطاج
السينمائية» قد لا يعرض أي فيلم جديد؛ بل سيعتمد على إعادة عروض لأفلام سبق
وقدمها في إطار السنوات السابقة. هذا إن حدث فسيكون على عكس من يرغب في
استمرار اندفاع ذلك المهرجان الذي بدأ منذ تسلم مديره الراحل نجيب عياد
مهام عمله قبل عامين. بعد رحيله انتخب المخرج التونسي رضا الباهي الذي
يتكتم حول رأيه فيما يدور في هذا الشأن.
والمصير ذاته يتراءى لـ«مهرجان مراكش السينمائي» الذي كان
قد توقف سابقاً مع تغيير إدارته، ثم عاد في العام الماضي واعداً بنهضة
جديدة (لم تتم). الأخبار الواردة تؤكد - إلى حد بعيد - أنه في سبيل إلغاء
دورته المقبلة المقررة مع نهاية هذا العام.
هذا يدلف بنا إلى «مهرجان القاهرة» الذي عادة ما يقام في
الشهر الحادي عشر من كل سنة. السلطات المصرية مصممة على مجابهة الوباء
بالحد من بيئات محتملة لانتشاره. ومهرجان يقبل عليه الألوف خلال إقامته
واحد من هذه البيئات. لا نعرف ما هي معايير السلامة التي سيتبعها المهرجان
في دورته المقبلة؛ لكن المرء يستطيع أن يدرك أن المسألة لن تكون سهلة على
الإطلاق، لا على القائمين بالمهرجان ولا على ضيوفه.
-
مأساوي
حتى الآن زخم الأفلام متنوع، وعديد منها جيد؛ لكنها المنطقة
الزمنية الوسطى من المهرجان، وبعض العرج بدأ يُصيب الأفلام المعروضة. خذ
مثلاً «مس ماركس» لمخرجته الإيطالية سوزانا نكياريللي. العنوان لافت، وهو
يكاد أن يسطو على نقطة الاهتمام الأول في الفيلم، فالمرأة المقصودة في
الفيلم ليست سوى إليانور ماركس (1855 - 1898) أصغر بنات كارل ماركس. تقوم
بها رومولا غاراي باندفاع يشبه اندفاع الفيلم كقطار فقد مكابحه. إذ كتبت
المخرجة سيناريو الفيلم، فإن ما أرادت نكياريللي تضمينه هو كل شيء في وقت
واحد. إنه سيرة حياة بطلتها، ومواقف شخصية وملامح سياسية من دون أن يستكمل
الفيلم أياً من هذه المشاغل التي كانت ستصنع منه عملاً أفضل. في زحمة ما
لديها من مشاهد وأبعاد تريد دفعها معاً، نجد المخرجة تعمد إلى حيوية وحركة
دائمة، كما لو أن استعجال المشاهد هو فعل جيد بحد ذاته. نتيجة ما تقوم به
أن الفيلم ينتمي – كأسلوب - إلى تلك الأعمال التي تشبه الغوريللات؛ حين
تضرب على صدرها مدعية القوة أمام الغريم.
يبدأ الفيلم بمشهد لإليانور ماركس تحضر دفن والدها سنة
1883. هي من أكثر أفراد العائلة إيماناً به وبفلسفته الشيوعية. تدافع عنه
بعد رحيله وتحاول التمثل به، هذا إلى أن تكتشف أنه أنجب خارج حياته الزوجية
مع أمها التي ماتت قبل موت الأب بعامين.
علينا أن نصدق أن الخبر كان له هذا الوقع الصاعق الذي
نشاهده في الفيلم، ذلك لأنه يناسب، لدى المخرجة، أسلوب فيلم الأزمات
والرغبة في التصعيد. مشهد كهذا كان الأحرى به أن يمر من خلال عاطفة فعلية.
ربما صامتة لأنها الأعلى أثراً من سواها. في كل الأحوال، وتبعاً لاكتشاف أن
والدها لم يكن مثالياً، تُصاب بخيبة أمل، ولو أنها ستواصل حمل راية أبيها
الاشتراكية. عندما تقع، لاحقاً، في حب الكاتب المسرحي إدوارد (باتريك كندي)
تتكرر مأساتها، فهي لم تدرك أنه متزوج، وحين أدركت (بعد سنوات) أقدمت على
الانتحار.
مشكلة نكياريللي في سردها هي رغبتها في توفير السيرة
بمعالجة تضيف ترجمتها الخاصة لكيف وقعت الأحداث الفعلية. تأخذ من الحدث
العام وتضيف إليه ما يخرج به من واقعه إلى شطط خيالي، بهدف تتويج الفيلم
بذروات مفتعلة، حتى ولو أن بعضها وقع بالفعل. بهذا فإن الفيلم ينتمي إلى
مقالات مجلة الشائعات الشخصية «إنكوايرر» أكثر من انتمائه إلى مستوى مجلة
«فانيتي فير» مثلاً. الفيلم يحمل مشاهد نرى فيها إليانور ضحية بحثها عن
الرجل المناسب في عالم غير مناسب، يحيط بها الموت من كل جانب (انتحرت عندما
أدركت أن من تعيش معه ما زال متزوجاً).
تضيف المخرجة إلى الفترة التاريخية أغاني الـPunk
الأميركية الحديثة، ما يؤكد عزمها على منح فيلمها ما تعتقد أنه ضروري
لتسويقه. وبينما التصوير والتصاميم الفنية جيدة على النحو المتوقع
إنتاجياً، فإن كل ذلك وسواه ينضم إلى حفلة صاخبة من الصور والأصوات. تضيف
المخرجة فوق ذلك أغاني «روك» حديثة لا تدري ما دورها سوى إثارة ما تعتبره
حماساً. بذلك هي مثل من يقف على خشبة المسرح وترفع يديها طالبة من جمهور
كسول أن يصفق معها.
-
فرصة مزدوجة
على عكس هذه المعالجة المفتعلة، يأتي فيلم الأميركية مونا
فاستفولد «العالم المُقبل»
(The World to Come).
يدور في القرن التاسع عشر أيضاً؛ لكنه بعيد عن حياة المدينة، وليس من النوع
البيوغرافي كذلك. يعمد إلى سرد هادئ آتياً على ذكر علاقة أنثوية - مثلية
بين امرأتين تعيشان في بقعة نائية من النرويج (الفيلم ناطق بالإنجليزية).
هما جارتان في تلك الأراضي القاصية، متزوجتان. أبيغيل (كاثرين ووترستون)
فقدت ابنتها وتعاني الآن (وزوجها) من برودها الجنسي، وخشيتها من الإنجاب
مجدداً. الأخرى اسمها تالي (فانيسا كيربي) التي لم تنجب بعد. منذ زيارة
تالي الأولى لأبيغيل (بعد نحو سبع دقائق من الفيلم) ستدرك ما سيقع بينهما.
تستعجل المخرجة العلاقة ولا تستعجل الزمن داخل الفيلم ولا
أسلوب عرضه. هذا ما يمنح الفيلم جديته. مصور في الطبيعة بإيقاعها الهادئ،
ويمر فوق المشاهد تعليق أبيغيل الصوتي. وإذا كانت العلاقة موحى بها باكراً،
فإن المخرجة لا تنطلق لتوظيفها على نحو شاع؛ بل تحاول (وبنجاح معتدل) سبر
غور العاطفة الداخلية لكل من بطلتيها وأسبابها.
في المسابقة كذلك فيلم آخر من بطولة فانيسا كيربي، عنوانه
«أجزاء امرأة»
(Pieces of a Woman)
ما يمنحها فرصة مزدوجة للفوز بجائزة أفضل ممثلة. وهي بالفعل ممثلة جيدة
يُمكن تصديق عواطفها في «العالم المُقبل» وانفعالاتها في «أجزاء امرأة».
المخرج هو مَجَري سبق أن قدم قبل ست سنوات فيلماً سياسياً
لاذعاً بعنوان «كلب أبيض». كورنل مندروشو بعد ذلك لم ينجز ما يُحتفى به إلى
أن وجد طريقه (مع شريكته في الكتابة والإخراج كاتا وبر) إلى صياغة هذا
السيناريو الذي حوَّله إلى أول عمل له ناطق بالإنجليزية.
هذا طبيعي بما أن الأحداث تدور في مدينة بوسطن بين زوجين
(كيربي وشيا لابوف) جاءا من مستويين اجتماعيين مختلفين. هو مهندس بناء بسيط
وهي أكثر ثقافة. المشكلة في هذا الشأن تتبلور وراء الستارة؛ لكن أمامها
هناك المأساة التي عاشاها عندما أنجبت زوجته مولوداً ميتاً.
لمن يهوى مشاهدة لحظات الولادة الصعبة، هناك 25 دقيقة
تقريباً من تفاصيل الوضع والإنجاب بكل ما فيه من صراخ وألم وتوتر، إلى قفز
الكاميرا المحمولة كما لو أنها ستضيف شيئاً ذا قيمة. هدر الوقت في تصوير
مشهد كهذا، عند هذا الناقد، لا يختلف في نتيجته عن مشهد مختصر شوهد في عدد
لا يمكن إحصاؤه من الأفلام. التركيز على حدث واحد لأقل من نصف ساعة بقليل،
من ثم سرد ما قبل وما بعد المشهد بإيقاع عادي (ولو كان بطيئاً بدوره) ليس
مبرَّراً، ولا ينتمي إلى الدراما المنشودة بالضرورة. بكلمات أخرى، الوقع
المأساوي على بطلي الفيلم نتيجة موت الجنين كان يمكن أن يحدث بعد خمس دقائق
من ذلك المشهد أو بعد ساعة.
يمهد المخرج لتأكيد المأساة بتقديم متعدد الأوجه: فخر الزوج
أمام معارفه بأنه سيصبح أباً. علاقة الزوجة بأمها (البديعة إيلين بيرستين)
التي لم تكن ترغب لابنتها في الزواج بمن اختارته شريكاً لحياتها، ووضع
الزوجة ذاتها وشعورها المفعم بالبهجة والتوقعات، كأي أم تخطط لاستمرار حياة
سعيدة. كل ذلك ليساعد الفيلم في إيجاد ذرائع للأحداث التالية.
وما يلي هو رفع قضية ضد الممرضة التي أشرفت على الحمل.
القضية تأخذ وقتاً، والعلاقة بين الزوجين تهترئ. وفي حين تعمد فانيسا كيربي
لحشد كل طاقتها العاطفية الداخلية لإتقان دورها، يمنح شيا لابوف حضوره
الجسدي الداهم بحركاته المتوترة أكثر مما يستطيع توفيره من عمق. في فحواه،
الفيلم تقليدي لا يشكل أي فارقة ذات أهمية، رغم الجهد المبذول فيه لهذه
الغاية. |