الكتابة عن فريد رمضان هي الكتابة في عوالمه المتعددة، ولكن تكتبها بحب
وفرح، لأنك منتظر أن هذا الإنسان الذي قاوم تحديات كل الأمراض التي حلت به،
وبعدد من أقاربه.. منتظر قراءته لما تكتب فيعلق عليك، لكن أنت تكتب عنه
الآن، وهو غارق في نوم لا يصحو منه فحقًا هذا جنون أقترفه، لذلك يصعب حضور
الكلمات، ويقف البوح الذي يرفض انطلاق حروفه، غير أن القدر ومشيئة الرحمن
هي ما يدفعنا لقول شيء ما عنه، وقبل كل هذا نقول: لا اعتراض على مشيئة الله
سبحانه وتعالى.
عرفت فريد رمضان حينما كنا ندرس معًا في قطر، هو في معهد الطيران المدني،
وأنا بجامعة قطر، ومنذ تلك اللحظة كانت أضواء كلينا ترسل علامات التقارب
الذي تشكل بعد ذلك في إطاره الثقافي والأدبي، حيث بدأت بقراءة أول أعماله
الأدبية التي أصدرها، وهي مجموعته القصصية (البياض) حتى آخر عمل الروائي
(المحيط الإنجليزي) وكتبت عنهما في وقتين متباعدين قارب الثلاثين عامًا،
وتوطدت العلاقة أكثر بعد انضمامي لأسرة الأدباء والكتاب، لنعمل في فضاء
الثقافة والأدب عبر هذه المؤسسة العريقة ومن خلال الصحافة الورقية.. عرفت
فريد رمضان الشاب الطموح القادر على كسر حواجز الخوف والمرض والوحدة، ليكون
حرًا في كل شيء، في تفكيره نحو الحياة والمجتمع والإنسان..
في طبيعة كتاباته السردية التي باتت ميزة في السرد البحريني والخليجي.. في
أعماله الفنية المسرحية والسينمائية.. في مجال المسابقات والتحكيم للأعمال
السينمائية.. في مصارعته للمرض الذي شكل محطة كبرى تنخر في تربة العائلة،
وتربته الخاصة، لكنه كان صلبًا يقاوم ويتحدى حتى خارت كل قواه فانتصر عليه
المرض، وأبعده عنا ليكون مستقرًا تحت ظل مكان غير مكاننا، وعالم غير
عالمنا.. عرفت فريد رمضان الذي كان يرسم الابتسامة في كل لحظة يلتقيك
فيها.. في شارع أو محل أو في أسرة الادباء أو في معرض للكتاب أو في منزل
أحد الأصدقاء.. كلما ألتقيه وأسأله عن عمل سردي جديد يقول لي (بو نور) لا
اطلعك على أية رواية إلا بعد صدورها؛ لأنك ناقد، وسوف تنطر للعمل بعين
الناقد، ولكن أعطي العمل لكاتب سرد؛ لأنه سينظر للعمل بمنظار آخر.. كم كنت
جميلا يا أبا محمود، وصادًقا في كل خطواتك وأفعالك وتحدياتك، ومضحيًا بصحتك
من أجل الثقافة والأدب والفن، فلم تبخل على الوسط الثقافي أبدًا.. كنت
الحاضر في الفعاليات الثقافية قبل الجائحة.. تحضر الملتقيات والندوات
والمهرجانات السينمائية والمسرحية ومعارض الفن التشكيلي ومعارض الكتاب،
ونحن نعلم معاناتك الصحية. نم يا صديقي قرير العين تحت ظل تلك الشجرة ذات
الأغصان الوارفة، والأوراق الخضراء الندية، والثمار اليانعة، لتكون حياتك
الأخرى في سلام. |