رحيل وحيد حامد... لن يبقى سوى أفلام في الذاكرة
القاهرة/ مروة عبد الفضيل
سيُكتب الكثير عن إرث وحيد
حامد (1944
ــ 2021) الفني، عن أفلامه وأعماله وإبداعه، وعن مدرسة الكتابة التي تأثر
بها عشرات كتّاب السيناريو في مصر والعالم العربي. كذلك سيُكتب الكثير عن
مواقفه السياسية، عن نصوص كتبها انتصاراً لكرامة المواطن، وعن مواقف عاد
وعبّر عنها في سنوات حياته اللاحقة، مهللاً فيها لواحد من أكثر الأنظمة
العربية قمعاً وديكتاتورية وعسكرةً، نظام عبد
الفتاح السيسي.
سيتصارع محبوه وهؤلاء الذين يرون فيها بوقاً فنياً من أبواق
أنظمة العسكر، لكن بعد أن تهدأ كل هذه النقاشات، ستبقى في الذاكرة عشرات
الأفلام والمسلسلات التي شكلت وعي جيل مصريّ كامل.
صباح السبت رحل
وحيد حامد بعد
أزمات صحية متلاحقة في الكبد والرئة والقلب، ليشيّع
وسط حضور فنيّ رافقه
حتى مثواه الأخير في القاهرة، المدينة التي أحبها ونقل لنا حوارات أهلها
العلنية والسرية لتصبح أفلاماً ومسلسلات.
بين التلفزيون والشاشة الكبيرة إذاً توزّعت أعمال
السيناريست الراحل، فقدّم بداية مسلسل "أحلام الفتى الطائر" (1978) مع عادل
إمام، حقق وقتها نجاحاً كبيراً، لتتوالي أعماله التلفزيونية، أبرزها "أوان
الورد" (2000)، و"الجماعة" (2010)، و"بدون ذكر أسماء" (2013). كما كتب 12
مسلسلاً إذاعياً.
ومن أهم أفلامه السينمائية التي تميزت بطابع اجتماعي ذات
بعد سياسي هي "البريء" (1986)، و"الدنيا على جناح يمامة" (1988)، و"اللعب
مع الكبار" (1991)، و"المساطيل" (1991)، و"رغبة متوحشة" (1991)، و"طيور
الظلام" (1995) و"النوم في العسل" (1996)، و"اضحك الصورة تطلع حلوة"
(1998)، وغيرها من الأعمال.
من أهم أفلامه السينمائية التي تميزت بطابع اجتماعي ذات بعد
سياسي هي "البريء" (1986)، و"الدنيا على جناح يمامة" (1988)، و"اللعب مع
الكبار"
(1991)...
وقدم للمسرح أيضاً تجارب عدة مثل "آه يا بلد" (1971)،
و"سهرة في دار الأحلام" (1975)، و"جحا يحكم المدينة" (1985). وقد واجه
العرض الأخير تعنتاً وأزمات عدة مع الرقابة على المصنفات الفنية التي
لطالما طالب حامد بإلغائها. وقد أوضح في لقاء له أنه كان يتحايل على
الرقابة، فكان يعلم أنه بعد عرض فيلم له على الجهاز، ستبرز مشكلة بينه وبين
الرقيب بسبب المحتوى. فكان يضع في بداية كل عمل مشهداً بسيطاً فيه قبلة أو
حركة جنسية بسيطة، حتى تنشغل به الرقابة وتتناسى المحتوى الآخر والأهم.
وخلال مشاركته في ندوة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الشهر الماضي،
وجه حامد كلامه إلى رئيس الرقابة على المصنفات الفنية خالد عبد الجليل الذي
كان حاضراً، قائلاً له "فكّها شوية وافتح الشبابيك عشان الناس تتنفس وكل
واحد يقول اللي عنده".
وفي وقت حاول المشاهدون والنقاد تصوير حامد كمشتبك مع
السلطة أو مع بعض العادات المجتمعية، رفض السيناريست الراحل ذلك، قائلاً في
لقاء إعلامي إنه لا يتذكر أنه خاض معارك مع أحد، "لأني لا أريد شيئاً من أي
شخص، لم أطمح يوماً لأي منصب أو نفوذ، بل كان اهتمامي منصباً على الناس
وهمومهم". مضيفاً أنه لم يتبنّ أي قضية إلا وكان مقتنعاً بها تماماً سواء
كانت صحيحة أم لا.
كان يضع في بداية كل عمل مشهداً بسيطاً فيه قبلة أو حركة
جنسية بسيطة، حتى تنشغل به الرقابة وتتناسى المحتوى الإشكالي الآخر والأهم
حصل وحيد حامد خلال مشواره على عدد من الجوائز، منها
الجائزة الفضية من مهرجان ميلانو في إيطاليا عن فيلم "الإرهاب والكباب"،
وجائزة أحسن فيلم من الصين عن "أضحك الصورة تطلع حلوة"، وجائزة أفضل
سيناريو من مهرجان فالنسيا السينمائي في إسبانيا عن فيلم "اللعب مع
الكبار". وكان آخر تكريم تلقاه خلال الدورة الـ 42 من مهرجان القاهرة
السينمائي الدولي برئاسة محمد حفظي الشهر الماضي، فحصل على جائزة "الهرم
الذهبي لإنجاز العمر" تقديراً لمسيرته الطويلة، وقد سلمه الجائزة المخرج
شريف عرفة.
كان متزوجاً من الإعلامية زينب سويدان، رئيسة التلفزيون
المصري سابقاً، وقد وصفها في أكثر من لقاء إعلامي بأنها كانت الوتد الذي
سنده طيلة حياته، ولهما ابن هو المخرج المصري مروان حامد.
ونتيجة لكل هذا التاريخ الطويل، خلّف رحيل السيناريست
المصري حزناً كبيراً على الساحة الفنية. "العربي الجديد" تواصلت مع عدد من
الفنانين المصريين الذين عبروا عن مشاعرهم تجاه حامد.
قالت الفنانة ليلى علوي إنها كانت تتمنى أنّ تمرّ أزمة حامد
الصحية على خير "ليعود للفن العربي كله وليس المصري فقط". وأضافت أنها حين
شاهدته في مهرجان القاهرة السينمائي وتوجّهت إليه بالحديث قائلةً: "أنا
أتمنى يا أستاذ وحيد ترجع للسينما السنة الجديدة". وتابعت: "لكن يشاء العام
الجديد أن يأتي ويرحل وحيد، وأنا شخصياً كنت محظوظة بأن شاركته في بعض
الأعمال منها فيلم "أضحك الصورة تطلع حلوة"، ومسلسل "العائلة"، فهو سيد
الحوار الفني، جريء بشياكة في اختيار الجمل. إذ كانت جمله غير متوقعة على
الإطلاق فكانت تحمل رائحة المصريين، لذا رغم عمق أعماله إلا أنها وصلت لكل
الفئات سواء الشخص البسيط أو الشخص المثقف".
أما الفنان عادل إمام فقال لـ"العربي الجديد" إن علاقته
الكاتب الراحل كانت قوية ومتينة للغاية و"كان وحيد يستشيرني في كل أعماله
فكان أخاً وصديقاً على المستوى الشخصي وعلى المستوى العملي أيضاً... لا
نملك الآن سوى الترحم عليه، أما هو فسيظل باقياً بأعماله". وكان إمام قد
قدم مع وحيد حامد عدداً كبيراً من الأعمال مثل "طيور الظلام"، والإرهاب
والكباب"، و"المتسول"، و"اللعب مع الكبار"، وغيرها من الإنتاجات التي ساهمت
في تكوين نجومية "الزعيم" مصرياً وعربياً.
عادل إمام لـ"العربي الجديد": "كان وحيد يستشيرني في كل
أعماله فكان أخاً وصديقاً على المستوى الشخصي وعلى المستوى العملي أيضاً"
من ناحيتها قالت الفنانة نيلّي كريم لـ"العربي الجديد" إنها
تعزي الوطن العربي كله ووصفت رحيله بـ"أصعب طريقة لاستقبال العام الجديد"،
مؤكدة أنها كانت سعيدة جداً بإشادته بمسلسلها
"100
وش"
الذي قدمته مع الفنان آسر ياسين في رمضان الماضي، وكان رأيه فيها مشجّعاً
على المغامرة في اختياراتها. وأوضحت أن كل الفنانين تربوا وتتلمذوا على لغة
الحوار التي كان يكتبها و"يكفي أننا نرددها دائماً في بعض المواقف في
حياتنا اليومية وهذا هو الفرق بين كاتب وآخر".
كذلك نعى حامد الناقد السينمائي طارق الشناوي قائلاً لـ
"العربي الجديد" إن الراحل لم يكن فقط كاتباً كبيراً "بل كان شخصاً عظيماً
ويكفي ما شاهده الجميع في ندوة تكريمه في مهرجان القاهرة"، موضحاً أنه سعيد
بأن التكريم جاء قبل رحيله مباشرة "لتكون خير نهاية للأستاذ فكانت ندوته
الأخيرة بمثابة ندوة الوداع الأخير بحضور تلاميذه وجمهوره". |