سو عبيدي: نطمح أن يكون المسلمون جزءا من نسيج صناعة
الأفلام
حسام عاصي/ لوس أنجليس – «القدس العربي»:
منذ تأسيسها، رشحت أكاديمية علوم وفنون الصور المتحركة
الأمريكية عشرات المسلمين لجوائز الأوسكار في عدة فئات، أولهم كان الأفغاني
أحمد عبدالله، الذي هاجر إلى الولايات المتحدة عام 1912 ورُشح في فئة أفضل
سيناريو مقتبس عام 1935. وهذا العام رُشح ثلاثة من المسلمين وهم:
البريطانية الفلسطينية فرح نابلسي، في فئة أفضل فيلم روائي قصير، والتونسية
كوثر بن هنية، في فئة أفضل فيلم عالمي، والبريطاني الباكستاني ريز أحمد،
الذي أصبح أول مسلم يرشح لإحدى أهم الفئات وهي أفضل ممثل.
ترشيح أحمد أثار اهتمام الإعلام الأمريكي والعالمي، واحتفى
به مكتب هوليوود لمجلس شؤون المسلمين العامة في الولايات المتحدة، الذي
يعمل من أجل خلق تمثيل عادل للمسلمين في مدينة الأحلام. «إنه مهم للغاية»
تقول مديرة المكتب سو عبيدي. «إنه محسن للمعنويات ودفعة معنوية تبين للفتية
الذين أُخبروا أن المسلمين مختلفون وغير مقبولين، وأن الصناعة هي للآخرين
وليست لهم، بأن هذه صناعة ينتمون إليها ويمكنهم المساهمة فيها بشدة.»
لكن أحمد وغالبية المرشحين المسلمين من قبله ليسوا أمريكيين
ولم يرشحوا عن أفلام أمريكية، وهو ما يعكس ضعف أو غياب تمثيل المسلمين في
صناعة الأفلام في أمريكا، بالرغم من جهود عبيدي، التي وظفها مجلس شؤون
المسلمين العامة عام 2001 للتواصل مع استوديوهات هوليوود وحثها على توظيف
مسلمين في مشاريعها وطرح شخصياتهم بمصداقية في أفلامها.
«الغاية لم تكن تضميننا لمجرد أن يتم تضميننا» تقول
عبيدي.»فقد قاموا بإشراكنا في الأفلام ولكن بشكل سلبي. بل أردنا أن نكون
جزءاً من نسيج الصناعة وأن تتاح لنا الفرصة من أجل تقديم طرح أصيل ودقيق.»
ولدت عبيدي في القدس، وهاجرت مع أهلها في السبعينيات إلى الولايات المتحدة،
بينما كانت طفلة، واستقرت في منطقة لوس أنجليس، حيث ترعرعت على مشاهدة
التلفزيون والأفلام الأمريكية، التي كانت تقدم طرحاً نمطياً سلبياً عن
الإسلام والمسلمين. فقررت أن تشق مسيرتها المهنية في صناعة الأفلام كممثلة،
لكن شح الفرص لامرأة مثلها، عربية ومسلمة، حالت دون ذلك، فانخرطت في مجال
الاقتصاد وأصبحت لاحقاً مديرة بنك.
لكنها سرعان ما شعرت بالفراغ، فاستقالت من وظيفتها، وبعد
تسعة أشهر من انضمامها لمجلس شؤون المسلمين العامة، تعرضت الولايات المتحدة
لضربات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، التي نفذتها مجموعة من المسلمين.
«فجأة تغيرت الحياة كلياً» تقول عبيدي. «كان هناك الكثير من
الكره تجاه المسلمين. أصبح الوضع أكثر من أن تقوم بتوعية الناس عن المسلمين
بل تحول إلى صراع على البقاء بالنسبة لمجتمعنا.»
وسرعان ما انهال سيل عارم من الشخصيات المسلمة على أفلام هوليوود و
مسلسلاتها التلفزيونية، لكن تلك الشخصيات كانت إما أرهابية أو ضحية أو
عميلة للحكومة الأمريكية. فشرعت عبيدي باتصالات مكثفة مع استوديوهات
هوليوود لتلفت انتباهها للأخطاء التي كانت تقدمها في أعمالها عن الإسلام
والمسلمين. «على الرغم من أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول شكّلت أسوأ
وقت في حياتنا، لكنها خلقت الفرص لتثقيف هوليوود» تعلق عبيدي.
مجلس شؤون المسلمين مكتب هوليوود
وفي عام 2001 أسس مجلس شؤون المسلمين مكتب هوليوود تحت
إدارة عبيدي، لكن المكتب لم يحقق تأثيراً فعلياً على نهج طرح المسلمين في
الأعمال الهوليوودية إلا بعد تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة عام
2016، حيث صار يحرض ضد المسلمين ويصفهم بالخطر على الولايات المتحدة.
وعندما أصدر قراراً بمنع مواطنين ينتمون لسبع دول ذات أغلبية مسلمة من دخول
الولايات المتحدة، أشعل غضب اليسار الأمريكي، الذي قام بحملات قانونية
وشعبية ودعائية ضد القرار، وذلك ما دفع هوليوود الليبرالية إلى تسخير قوتها
الناعمة، أي الأفلام والتلفزيون، للتصدي لترامب والدفاع عن المسلمين.
«بدأنا نلاحظ تغيراً في الموجة، حيث أصبح من في صناعة
الترفيه يتصلون بنا ويقولون: نريد أن نخلق قصصاً تحسن من صورة مجتمعكم.
وأصبحنا المنظمة الإسلامية التي يستشيرونها من أجل تقديم طرح أصلي
للمسلمين.»
لكن الإسلام هو مظلة لعدة أعراق ذات تجارب وخلفيات مختلفة.
فالغالبية، ونسبتهم 26 في المئة، هم من ذوي البشرة البيضاء، الذين يواجهون
العنصرية في الولايات المتحدة وتحديات الأعراق الأخرى، مثل الأفارقة (9 في
المئة) والآسيويين (18 في المئة) والعرب (18 في المئة) واللاتينيين (6 في
المئة). فالمسلمون الأفارقة هم أول من وصلوا الولايات المتحدة عنوة في
القرن الـ 17 كعبيد، ومارسوا شعائر الإسلام خفية، وأجبر الكثير منهم على
اعتناق المسيحية تحت التعذيب. وفي بداية القرن العشرين، ظهرت حركات ومنظمات
إفريقية إسلامية كرست فعاليتها للمناضلة من أجل حصول السود على حقوقهم
المدنية، وما زالت فعالة حتى اليوم.
أما المسلمون العرب فقد جاءوا الى الولايات المتحدة في
موجات هجرة أولها كانت نهاية القرن التاسع عشر في الزمن العثماني، ثم
ستينيات وثمانينيات القرن العشرين هرباً من أزمات الشرق الأوسط، وبحثاً عن
حياة أفضل. وخلافاً للمسلمين السود، فإن مصدر العداء لهم في الولايات
المتحدة كان ينبع من تفاقم الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط ما جعلهم
مشبوهين في نظر أجهزة الأمن الأمريكية.
كما أن إثنيات المسلمين المختلفة كالإيرانيين والهنود
والبوسنيين والعرب والأتراك وغيرهم يعيشون في أحياء خاصة بهم، وتمثلهم
جمعيات مكونة من أبناء مجتمعاتهم للترويج لحضاراتهم، والدفاع عن حقوقهم،
وتقديم الخدمات لذويهم، والاحتفاء بمناسباتهم الوطنية والتقليدية. كما يقوم
أبناؤها بصنع أفلام تعكس حضاراتهم وتعالج قضاياهم وليس انتماءهم الديني
بالتحديد. فكيف يمكن لمجلس واحد أن يمثلهم جميعا؟ «نحن نحاول أن نربط
الجميع» تقول عبيدي. «عندما نرى روايات تحتاج إلى الارتقاء كروايات المجتمع
المسلم الأسود بسبب الظلم الاجتماعي، الذي استمر لقرون، نحاول رفع تلك
الأصوات من خلال ورشة عمل لكتابة السيناريو، أو من خلال ندوة حول تلك
الروايات.»
فضلاً عن التنوع العرقي هناك أيضاً العديد من المنظمات
الإسلامية في الولايات المتحدة، التي تمثل اتجاهات سياسية ومذاهب ومبادئ
تختلف عن بعضها البعض. وبعضها قد يرفض أو لا يتفق مع رؤية مجلس شؤون
المسلمين العامة تجاه الإسلام والحضارة الأمريكية.
«نحن نمثل المسلمين ذوي التفكير المماثل» تقول عبيدي. «نحن
لا ندعي بأي شكل من الأشكال تمثيل المسلمين ولا ينبغي لأي منظمة أن تفعل
ذلك. فلا يوجد في الإسلام حبر أعظم ولا توجد سلطة دينية. فأئمة المساجد
يمثلون فقط ترجمتهم الخاصة للإسلام وينضم إليهم من يرغب بذلك.»
ومع ذلك، واجه مجلس شؤون المسلمين العامة انتقادات
واستنكارا من قبل منظمات إسلامية أخرى بسبب دعمه لحقوق مجتمع الميم، وهم
مثليو الجنس ومزودجو التوجه الجنسي والمتحولون جنسياً في الولايات المتحدة
وتأييده قضاياهم أمام المحاكم الأمريكية، وتشبيهه التمييز ضدهم بالتمييز ضد
المسلمين.
«لا يمكنك أن تجبر الناس على تقبل أمور قد تكون غير مقبولة
تاريخياً» تقول عبيدي.»هناك مسلمون ينتمون إلى مجتمع الميم، وهم مثلي ومثلك
تماماً. بعضهم يمارس الشعائر الإسلامية وبعضهم لا يمارسها. إنكار وجود هذا
المجتمع في المجتمع الإسلامي أمر سخيف.»
لكن تلك الأفكار لا تعكس وجهة نظر المسلمين، إذ أن غالبيتهم
داخل الولايات المتحدة وخارجها يرفضونها ويعتبرونها نشازاً ومخالفة
للإسلام، ما وسع الفجوة بين المسلمين وهوليوود بدلاً من بناء جسر تفاهم بين
الجهتين.
«نحن نحرص أن نخبر هوليوود بأن هذا تفسيرنا الخاص وهذه تجربتنا الخاصة من
وجهة نظرنا» ترد عبيدي. «هذا ما نعرفه. نحن لا ندعي بأن هذا هو الإسلام وأن
الأمور تسير بهذا الشكل. الكثير من الناس خارج المجتمع الإسلامي وداخله
حرفوا الإسلام وشوهوا صورته. لذلك علينا أن نتأكد من أننا نأخذ على عاتقنا
إدراك ما نتكلم به، وأن نستخدم كلمات تتيح المجال أمام تفسيرات أخرى.»
أول مسلسل أمريكي مسلم
انتقادات لاذعة مماثلة من بعض المسلمين طالت أيضاً أول
مسلسل أمريكي مسلم وهو رامي ومؤلفه المصري رامي يوسف، وذلك لأنه طرح شخصية
مسلم مثلي في موسمه الثاني، وعالج قضايا جنسية محرجة مثل الإدمان على
مشاهدة الأفلام الإباحية في المجتمع المسلم.
تلك الانتقادات صدمت هوليوود، التي كانت تتوقع ترحيباً من
الجمهور المسلم بالمسلسل، فهل ستتردد استوديوهاتها في صنع أفلام ومسلسلات
تلفزيونية عن المسلمين لتفادي إثارة مثل هذا الجدل؟ «لا أعتقد ذلك،» ترد
عبيدي. «لأن صناعة الأفلام تجارة، ورامي قدم عملاً يتسم بالجودة الراقية.
وأريد أن أشير إلى أن المسلمين السعداء كانوا أكثر. حقيقة أن هناك مسلمين
ليسوا مستعدين للتعامل مع هذا المحتوى ليست مشكلة رامي أو مشكلة صناعة
الأفلام. هذه مشكلتنا كمجتمع. فعلينا التعامل مع حقيقة أننا 1.8 مليار مسلم
ولا نعيش جميعنا الحياة نفسها. بالنسبة لأولئك الذي غضبوا: هذا ما يحدث في
الواقع.»
التحديات التي تواجهها عبيدي لا تقتصر على اختلافها في
الرأي مع المجتمع المسلم، الذي تسعى لتحسين صورته في صناعة الأفلام
والتلفزيون، بل أيضاً في تعامل المسلمين مع المواهب المسلمة، التي تروّج
لها. فبينما احتفت صناعة الأفلام بفوز الممثل ماهر شالا علي بإحدى أهم
جوائز الأوسكار عام 2017 وهي أفضل ممثل مساعد، ليصبح أول مسلم يفوز بها،
اتهمه بعض المسلمين بأنه ليس مسلماً بسبب انتمائه للطائفة الأحمدية.
«لن أكذب عليك، هذا أمر مخز» تعلق عبيدي. «هذا يكشف للعالم مدى انقسامنا
كمسلمين. أنه محرج للغاية أن الأمريكيين متحمسون لفوز مسلم بجائزة أوسكار
مهمة ونحن نرفضه.»
بغض النظر عن اختلافاتهم العرقية والمذهبية والمبدئية
والسياسية فإن المسلمين يواجهون التحدي نفسه وهو إساءة فهم الإسلام، الذي
ما زالت الطريق لتحسين سمعته في الولايات المتحدة شائكة وطويلة.
فالكثير من الأمريكيين ما زالوا يحملون أفكاراً نمطية
وسلبية وأحياناً عدائية عنه، وما يقارب خمسين في المئة منهم يعتبرونه غير
متطابق مع حضارتهم. كما كشفت إحصائيات عام 2019 أن المسلمين يواجهون
تمييزاً في المعاملة أكثر من كل الأقليات العرقية والدينية الأخرى في
الولايات المتحدة. وذلك ما دفع هوليوود لتغيير نهجها في طرحها لهم في
مشاريعها السينمائية والتلفزيونية والاحتفاء بترشيح مسلمين لجوائز
الأوسكار. لكن هل سيرضى المسلمون عن نهج هوليــوود الجديد ويتــقبلونه؟ |