سمير غانم هو الكوميديا المصرية الخالصة.. على مدار أكثر من نصف القرن ظل
سمير غانم طائرًا متفردًا فى عالم الكوميديا، صاحب أسلوب خاص وقدرة هائلة
على السخرية وتفجير الضحكات العبثية فى أكثر اللحظات جدية.. بدأ حياته
الفنية فى مسرح الجامعة فى بداية الستينيات، أيام كانت الجامعات تحتضن
الفنون، خاصة المسرح، وتخرج سنويًا عددًا من الفنانين الذين تحول بعضهم إلى
نجوم كبار.. فى الجامعة كوّن سمير غانم فرقة «ثلاثى أضواء المسرح» مع جورج
سيدهم والضيف أحمد عام ١٩٦٤، وتحول الثلاثة إلى قنبلة ضحك غير موقوتة على
خشبة المسرح وشاشة السينما، لكن الرحيل المبكر للضيف أحمد غيّر مسار
الفرقة، فأصبحت تقتصر على اثنين مع وجود ممثلين آخرين يتغيرون، وبعد سنوات
من النجاح انفصل الثنائى سمير وجورج، ليشق كل منهما طريقه فى المسرح
والسينما بمفرده.
فى البداية لم يكن سمير غانم مضحك الفرقة الأول، فى الحقيقة كان يبدو شكله
غريبًا بنحافته وطوله الزائدين وصلعته الكبيرة، لكن مثل فريد شوقى استطاع
اختراع «الباروكة» أن ينقذ نجومية سمير غانم، ومثل فريد شوقى، أيضًا، اكتسب
سمير غانم بمرور السنوات وسامة وحضورًا وتمكنًا من صنعة الكوميديا، مما
جعله الكوميديان الأكثر استمرارية وغزارة فى تاريخ الفن المصرى.. يملك سمير
غانم، كما ذكرت، أسلوبًا خاصًا جدًا يعتمد على بث روح العبث فى أى جملة
يرددها، حتى جسده الذى لم يكن يعرف ماذا يفعل به فى بداءة حياته الفنية
تحول إلى أداة طيّعة معبرة، وعندما يرد ذكر اسم سمير غانم غالبًا ما يتبادر
إلى الذهن صورة جسده النحيف المتلوى دائمًا الذى يشبه شخصيات عبدالسميع
الكاريكاتيرية.
يجيد سمير غانم استخدام اللغة الإيمائية، متأثرًا بنجوم السينما الصامتة
مثل تشارلى شابلن، وبفن البانتومايم، وهو، مثل عبدالسلام النابلسى، من أبرع
الممثلين فى استخدام «الإكسسوارات» التى تعبّر عن الشخصية والموقف الدرامى
وتثير الضحك فى حد ذاتها، حتى قبل أن ينطق بكلمة: الملابس والنظارات وأغطية
الرأس وأدوات المطبخ.. أى شىء فى متناول اليد يستطيع سمير غانم أن يحوله
إلى «إكسسوار» كوميدى مكمل ومعبّر.
عادة ما يلقى سمير غانم بالإيفيه الضاحك بهدوء، لا يعلو صوته ولا يبالغ فى
الأداء الصوتى إلا نادرًا، وهذا التباين بين المظهر المتحرك المتوتر والصوت
الهادئ يسهم فى زيادة قوة الإيفيهات التى يطلقها.
نجح سمير غانم تقريبًا فى كل شىء يفعله: الاسكتشات الغنائية، المسرح،
السينما، المسلسلات التليفزيونية، الفوازير، الغناء، تقديم البرامج،
وأخيرًا، بعد أن تجاوز الثمانين، فى الإعلانات الرمضانية!
شارك سمير غانم خلال مسيرته الطويلة فيما يزيد على ١٥٠ فيلمًا، ما يقرب من
٧٥ مسلسلًا تليفزيونيًا، ما يقرب من ٤٠ مسرحية، أكثر من عشرة مسلسلات
إذاعية، بالإضافة إلى تسع سنوات فوازير.. بعض هذه الأعمال، مثل مسرحية
«موسيقى فى الحى الشرقى» و«المتزوجون» لا يُنسى.. المسرح هو ملعب سمير غانم
الأساسى، الذى يصول ويجول فيه كما يشاء، بينما يبدو فى السينما مقيدًا بعض
الشىء.. فى المسرح يلعب سمير غانم أدوار البطولة دائمًا، بينما يقبل الظهور
فى السينما كممثل ثانوى أو ضيف شرف.. للأسف كثير من أعمال سمير غانم
السينمائية متواضع المستوى جدًا، ونقطة ضعفه هى قبوله معظم ما يعرض عليه
مهما كان رديئًا، وفى فترة التسعينيات كان نجم أفلام المقاولات بلا منازع،
لكن القليل جدًا من هذه الأفلام جيد.
الفوازير أيضًا كانت من أنجح الأشكال الفنية التى برع فيها سمير غانم، ومن
المعروف أن فرقة أضواء المسرح كانت أول من قدم فوازير رمضان فى ١٩٦٨، ولكن
فوازير «فطوطة»، التى استمرت ثلاث سنوات متتالية من ١٩٨٢ حتى ١٩٨٤، تظل
علامة مميزة فى تاريخ الفوازير، وقد استطاع سمير غانم ببعض الحيل البسيطة
أن يجسد شخصية «فطوطة» بصوته الحاد الرفيع وملابسه الواسعة الغريبة، فعشقها
الصغار والكبار، ومن أسوأ ما ارتُكب من جرائم فى التليفزيون المصرى أنه لا
توجد نسخ جيدة من فوازير نيللى وشيريهان وسمير غانم.
خلال عملهما فى مسرحية «أهلًا يا دكتور» فى بداية الثمانينيات، تعرف سمير
غانم على زميلته دلال عبدالعزيز، وتزوج الاثنان رغم فارق العمر الكبير
بينهما، وأثبت سمير غانم أنه ناجح أيضًا فى الزواج، فهو ليس فقط الزواج
الأكثر استمرارًا واستقرارًا بين الفنانين، ولكنه أيضًا زواج يسوده الحب
والتفاهم، أسفر عن اثنتين من ألمع نجمات الكوميديا وأنجحهن.
شقت دلال عبدالعزيز طريقًا مختلفًا، فبعد عدد من الأدوار الكوميدية
والخفيفة أثبتت بمرور الوقت قدرتها على أداء أدوار درامية وتراجيدية صعبة،
وتميزت بشكل خاص فى أدوار الأم الحنون الراعية فى عدد كبير من الأفلام
والمسلسلات.. ربما لا تملك دلال عبدالعزيز القدرة على إطلاق الإيفيهات
الكوميدية مثل سمير غانم، ولكنها من أفضل الممثلات والممثلين فى رد الفعل
الكوميدى واستقبال النكتة بطبيعية، ومن المعروف أن الكوميديا، مثل
الموسيقى، لها قرار وجواب، وأن رد فعل الممثل الذى يتلقى النكتة بمثل أهمية
مطلق النكتة نفسها.. ويبدو أن أحد أسباب سعادة سمير غانم ودلال عبدالعزيز
هو أنهما يكملان بعضهما البعض من هذه الزاوية.
أنجب سمير غانم ودلال عبدالعزيز كلًا من دنيا وإيمى، والاثنتان دخلتا مجال
التمثيل منذ طفولتهما، ورغم الاختلاف فى شخصيتيهما ونوعية أدوارهما فإن
كلًا منهما حققت نجاحًا كبيرًا خاصة فى مجال المسلسلات التليفزيونية
الكوميدية، وأصبحت أعمالهما المنفردة، أو المشتركة، من علامات دراما رمضان
خلال السنوات الماضية.
تجيد دنيا الغناء ولعب أدوار الفتاة الجميلة البريئة الهادئة، ويمكنها، مثل
أمها، لعب الأدوار غير الكوميدية، فيما تبرع إيمى أكثر فى أدوار الفتاة
الشقية الصعلوكة العصبية، ولعل دوريهما فى مسلسل «نيللى وشيريهان» من أكثر
ما يبين الفروق بينهما، ولكن الاثنتين بشكل عام تتمتعان بكيمياء سحرية
عندما تعملان معًا.
بالرغم من أن أفراد العائلة الأربعة يمكنهم العمل بمفردهم، إلا أنهم يظهرون
معًا فى كثير من الأعمال، ويضفى هذا الظهور العائلى نوعًا من الألفة
والبهجة على العمل، وكثير ما تكون هناك إحالات لغوية أو بصرية إلى قرابتهم
خارج الشاشة.
عائلة سمير ودلال ودنيا وإيمى هى عائلة مصرية خالصة، فى زمن نرى فيه
العائلات تأكل بعضها بعضًا على صفحات الجرائد والسوشيال ميديا والدراما
التليفزيونية.
وبالإضافة إلى الكوميديا العائلية الراقية التى غالبًا ما يقدمها أفراد
عائلة غانم، فإن وجودهم نفسه أمر مطمئن ومريح لعائلات المشاهدين.
إنها حقًا عائلة البهجة! |