عن العائلة التى خطفت القلوب وأذهلت العقول: «آل غانم».. الحب وحده يكفى
كتب
آلاء شوقى
لطالما احتوى عالم الفن والسينما على فنانين وممثلين من أسرة واحدة، لكن
نادرًا ما يكون هناك عائلة كاملة موهوبة بالفطرة، ترسم الابتسامة على وجوه
المُشاهدين بشكل تلقائى، والأجمل هو تلك الضحكة التى تأتى من القلب، إن
اجتمعوا فى كادر واحد. ببساطة نتحدث عن عائلة الفنان الراحل «سمير غانم»،
الذين يُعتبرون من الفصيلة الفنية النادرة، التى تُشعر المُشاهد- فى الوقت
ذاته- بأنه فرد من أسرتهم، نتيجة لتلقائيتهم وتواضعهم وخفة ظلهم.
وتُعتبر أسرة «آل غانم» من الأسَر الناجحة على المستوى الفنّى والأسَرى، إذ
أظهروا طوال السنوات الماضية روح التماسُك والحب والإخلاص فيما بينهم،
ناهيك عن كونهم دائمى الابتسام والمرح والانفتاح على الفن من أوسع أبوابه،
لذلك خيّم الحزن على المصريين بعد رحيل نجم الكوميديا «سمير غانم»، عن عمر
ناهز 84 عامًا، بعد أن أصيب بفيروس كورونا.
يُعتبر الفنان الراحل «سمير غانم» أحد أبرز العلامات الفنية الكوميدية فى
السينما المصرية، فقد ميّز نفسَه بلون خاص من الكوميديا الكلامية والحركية،
كما التزم فى مسرحياته بفلسفة خاصة به فى الضحك وإطلاق النكات.
ولكن، خلف الكاميرات كان «سمير» رب أسرة فريدًا من نوعه، فطوال سنوات
حياته، لم تتوقف زوجته وابنتاه عن ذكر اسمه فى أى حديث، سواء كان رسميّا أو
غير رسمى، فكان الغائب الحاضر بين نسائه، اللاتى أظهرن كيف كان لهم الأب،
والأخ، والصديق، والحبيب، كيف كان كل الحياة بالنسبة إليهن، وهو ما ظهر
بوضوح فى ملامح ابنتيه، وعيونهما التى حكت الكثير أثناء تشييع جنازته،
وإقرارهن بعدم إبلاغ زوجته بأن رفيقها قد رحل.
التقى «سمير» برفيقة عمره «دلال عبدالعزيز»، بعد أن رشّحها «چورچ سيدهم»
للمشاركة فى مسرحية (أهلاً يا دكتور)، وقد شَعر- حينها- بإعجاب من جانبها،
فصار الـ(جينتل مان) الذى يحرص على توصيلها من وإلى المسرح، وجلب زهور
الفُل لها يوميّا عقب انتهاء العرض، وغير ذلك من علامات الاهتمام، أدت إلى
إصرارها على الزواج منه، رُغم فارق العمر الكبير بينهما.
وبالفعل، تزوج النجمان فى عام 1984، ليأخذ كل طرف بيد الآخر، من أجل
استكمال طريق النجاح. فقد أثرت «دلال» ذات الابتسامة والوجه البشوش فى
الجمهور سريعًا؛ خصوصًا مع مرور السنوات، إذ صار المُشاهد يشعر عند رؤيتها
على الشاشات الكبيرة، أو الصغيرة أنها أخته أو أمّه لحميميتها والطيبة
الظاهرة على ملامحها.
واستمر الزوجان- لسنوات- يتحدثان عن بعضهما باحترام شديد، إذ دائمًا ما
قالت «دلال» أن «سمير» هو مُلهمها، بينما وصف الأخير زوجته- مرّات- بأنها
أساس كل شىء، وإنصافًا لهذه العائلة، لم تتمكن منهم شائعات الانفصال، أو
أحاديث (مشاكل العائلة)، كالتى سمعها كثيرون عن بعض أسَر الفنانين الآخرين.
على كلّ، أثمر زواج «سمير غانم»، و«دلال عبدالعزيز» ابنتين موهوبتين «دنيا،
وإيمى» اللتين ورثتا جينات الفن والإبداع، وقبل أى شىء التواضع والتلقائية
والسَّير على درب النجاح، إذ دخلت الفتاتان الوسط الفنّى اعتمادًا على
موهبتهما، دون مساعدة والديهما، مثل بعض قرنائهما.
فوجد الجمهور أن «دنيا» تملك صوتًا جميلًا كمُغنية، وليست مجرد مؤدية، كما
فوجئ المشاهدون أيضًا ببراعتها فى التقليد، وتقمص شخصيات متنوعة، عبر
إتقانها للهجات عديدة، وطريقة كلام وإلقاء مختلفة، بداية من تجسيدها الطبقة
الفقيرة إلى الطبقة الغنية، والفتاة الشعبية، إلى الأرستقراطية. ولم تتوقف
عند هذا الحد؛ بل توجت براعتها بمسلسلات تليفزيونية كوميدية، حققت من
خلالها نجاحًا كبيرًا خلال السنوات القليلة الماضية.
أمّا «إيمى» فلم تكن بدايتها مرتبطة بسماتها الشكلية، كما وجدها الجمهور فى
أدوار بنت البلد بصورة أكبر، ولكنها أبرزت خفة ظل، وحركات مرحة، ورثتها عن
أبيها، مما لفت أنظار المنتجين والمخرجين إليها؛ لتصنع مجدها الخاص، وتبدأ
مرحلة البطولة فى المسلسلات والأفلام؛ لتخلق لونها الخاص من الكوميديا
مثلما فعل أبوها الراحل من قبل.
وخلال رحلة هذه الأسرة الفنية الطويلة، استعان «سمير غانم» بأفراد أسرته فى
بعض أعماله الفنية، كما استعانوا هم به أيضًا؛ ليستمدوا منه الدعم
والإلهام. وفى هذا الإطار يمكن الانتباه لما قامت به «دنيا» تحديدًا،
بإصرارها على ظهور «سمير» فى مسلسلاتها فى دور الأب، وكأنها ترفض أن يتم
استبداله، حتى وإن كان على مستوى التمثيل.
فنجد فى سلسلة مسلسلات (الكبير أوى)، التى بدأت عام 2010، من بطولة «أحمد
مكى»، و«دنيا»، أن الفنان الراحل «سمير غانم» قد قام بدور والد «هديّة -
دنيا»، كما ظهرت الفنانة «دلال عبدالعزيز» فى بعض أجزاء السلسلة كضيفة شرف.
وأيضًا مسلسل (لهفة)، الذى عُرض عام 2015، وتدور أحداثه حول فتاة تطمح طوال
حياتها بالعمل فى مجال التمثيل، ولا تريد أن تتحول فى النهاية إلى مجرد
كومبارس مثل والدها، وقد لعبت «دنيا» دور «لهفة»، فيما كان «سمير» يلعب دور
والدها «الحلوانى»، كما ظهرت أيضًا «إيمى»، و«دلال» كضيفتَى شرف فى المسلسل.
والأمر نفسه لمسلسل (بدل الحدوتة 3)، الذى عُرض فى رمضان 2019؛ حيث يدور
حول ثلاث شخصيات بقصص مختلفة، إذ لعب فيها «سمير غانم» دور الأب، فى حين
شاركت «دلال عبدالعزيز» كضيفة شرف بدور الأم.
أمّا مسلسل (نيللى وشريهان)، الذى عُرض فى رمضان 2016؛ فرُغم عدم تجسيد
النجم الراحل لدور الأب؛ فإنه قام بدور الجد، بشخصية «جدو ميكى»، فيما
جسّدت «دنيا» دور فتاة ثرية تدعى «نيللى»، وجسّدت شقيقتها «إيمى» شخصية
فتاة فقيرة تدعى «شريهان»، إلى جانب كونهما ابنتَى عم، كما شاركت «دلال
عبدالعزيز» أيضًا كضيفة شرف بشخصية «بطة».
ومن جانبها، لم تنسَ «إيمى» أن تستعين أيضًا بوالديها، وإن لم يكن بنفس قدر
أختها الكبرى.. ففى مسلسل (سوبر ميرو) الكوميدى، الذى عُرض فى رمضان 2019،
قام «سمير غانم» بتجسيد دور الأب فى شخصية «زكى طفطف»، والد «أميرة»، أو
«سوبر
ميرو»، كما شاركت أيضًا الفنانة «دلال عبدالعزيز» كضيفة شرف؛ حيث لعبت دور
«سوبر توحة»، والدة البطلة.
كما شارك والدها الراحل- قبلها بعام- فى بطولة مسلسلها الكوميدى (عزمى
وأشجان)، الذى عُرض عام 2018.
يُذكر أن هذه الأسرة اجتمعت سويّا لأول مرّة فى عمل واحد فى عام 2005، ولكن
ليس بصورتهم؛ بل بأصواتهم فقط فى مسلسل رسوم متحركة، عُرف باسم (عيلة أستاذ
أمين)، الذى يدور حول رب أسرة يواجه مشكلات يومية اقتصادية ومعيشية مع
عائلته، ويحاول طيلة الوقت التغلب على هذه المشكلات.
لقد أثبتت أسرة «آل غانم» كم كانوا متحابين، مترابطين، ومتماسكين، سواء
أمام الكاميرا أو خلفها، وقد تميزوا بالإبداع كأسرة فنية، مثلما تميزوا
بالسمعة الطيبة كأسرة مصرية.
رحل «سمير غانم» عن عالمنا بعد مشوار من العطاء الفنّى الجميل، لكنه باقٍ
بأعماله، وباقٍ فى روح وصورة ابنتيه.. فحقّا أثبت النجم الراحل حقيقة ما
يقال فى المَثل الشعبى، إن: «اللى خلّف مامتش». |