أثارت قضية دعم الدولة لصناعة السينما في المغرب، جدلاً
واسعاً داخل الوسط الفني، بعد تراجعه خلال العامين الماضيين، بالتزامن مع
انتشار فيروس كورونا، إذ تقلّص عدد المشاريع المدعومة مقارنة بالفترة ما
قبل الجائحة.
وتباينت آراء صُنّاع السينما ومُمثلي الغرف المهنية
السينمائية، إذ يرى البعض أن النظام الحالي للدعم السينمائي يحتاج للمراجعة
والتحديث، وآخرون يرون أن الدعم عمل على إنعاش السينما وتطويرها، طوال الـ4
عقود الماضية.
ويدعم المغرب، السينما المحلية منذ بداية الثمانينيات من
القرن الماضي، وظل الحال على هذا الشكل المباشر في منح الدعم إلى حلول
الألفية الجديدة، حتى تغيرت منظومة الدعم لتصبح ما أطلق عليه بـ"التسبيق
على المداخيل"، وهكذا ارتفعت المبالغ التي تُمنح لمشاريع الأفلام مع شرط أن
تسترجعها الدولة إذا حققت الأفلام المدعمة أرباحاً في الصالات السينمائية
التجارية، الأمر الذي لا يحدث إلا نادراً.
وتضم اللجنة، التي تمنح دعماً موزعاً على 3 دورات في السنة،
11 عضواً، من بينهم أعضاء ممثلون لوزارات الاتصال والثقافة والمالية
والمركز السينمائي، إضافة لرئيس وأعضاء مستقلين قد يكونون منتمين في أغلب
الأحيان للميدان السينمائي وميادين إبداعية أخرى، كالأدب وبعض الفنون
الأخرى.
وتدعم هذه اللجنة مشاريع أفلام قبل الإنتاج، وأخرى ما بعد
الإنتاج، وكذلك مرحلة تطوير السيناريو للفيلم الروائي الطويل، والقصير
والوثائقي، بجانب تقديم دعم لتحديث الصالات السينمائية، ودعم للمهرجانات
السينمائية تم استحداثهما مؤخراً.
وأبدى البعض، اعتراضه مؤخراً على طريقة وأسلوب توزيع الدعم،
خصوصاً بعد حرمان كل أفلام ما بعد الإنتاج التي قُدمت للجنة من الدعم في
الدورة الأخيرة.
إحصائيات رسمية
وفقاً لإحصائيات رسمية صادرة من المركز السينمائي المغربي،
بلغ عدد الأفلام الروائية الطويلة المُنتجة عام 2020، 13 فيلماً، بينهم 3
أعمال مدعومة فقط، بقيمة 16.3 مليون درهم مغربي (1.5 مليون دولار تقريباً)،
أما عدد الأفلام الوثائقية وصل إلى 16 مشروعاً، منهم 15 عملاً مدعوماً
بإجمالي 19.4 مليون درهم مغربي (1.8 مليون دولار)، فيما أنتج 83 فيلماً
قصيراً بالعام ذاته.
وفي عام 2021، عاد الدعم السينمائي للزيادة قليلاً، إذ أنتج
30 فيلماً روائياً طويلاً، منهم 19 عملاً مدعوماً بقيمة 70.4 مليون درهم
مغربي (6.6 مليون دولار تقريباً)، فيما وصل عدد الأفلام الوثائقية المنتجة
لـ17 فيلماً، دُعّم منها 15 فقط بمبلغ قدره 10.6 مليون درهم مغربي (مليون
دولار)، أما الأفلام القصيرة فبلغ عددها 107 فيلماً.
وكشفت إحصائيات المركز السينمائي المغربي، عن حجم دعم المشاريع السينمائية،
ما قبل الجائحة، حيث أنتج 22 فيلماً روائياً طويلاً، منهم 13 عملاً تلقى
دعماً في مرحلة ما قبل الإنتاج، بقيمة 50.9 مليون درهم مغربي (4.8 مليون
دولار)، فيما أنتج 18 فيلماً وثائقياً طويلاً، دُعم منها 15 فقط بمبلغ قدره
13.4 مليون درهم مغربي (1.2 مليون دولار)، فيما بلغ عدد الأفلام القصيرة
المنتجة 115 فيلماً قصيراً بالعام ذاته.
كما استعرض المركز السينمائي المغربي، حجم إيرادات الأفلام
المنتتجة من طرف الدولة، في السنوات الأخيرة، حيث تصدّر فيلم "الحنش"
لإدريس المريني، شباك التذاكر، عام 2017، بـ96 ألف تذكرة، تلاه فيلمان
مغربيان آخران هما "بلاد العجائب" بـ94 ألف تذكرة، و"الحاجات" لمحمد أشاور
بـ68 ألف تذكرة.
كما تصدر فيلم "زيرو" للمخرج نور الدين الخماري، شباك
التذاكر، عام 2013، بحوالي 132.5 ألف تذكرة، إذ أنه كان مدعوماً من الدولة،
بعدما سبق وحظى فيلمه المدعوم أيضاً "كازا نيكرا"، عام 2009، بإقبال
جماهيري، ووصل عدد التذاكر لـ214 ألف تذكرة.
وبدأت الأفلام السينمائية ذات الإنتاج الذاتي، تدخل في
منافسة حادة مع الأعمال المدعومة من قبل الدولة، مثلما حدث عام 2019، حيث
تصدر فيلم "مسعود وسعيدة وسعدان" للمخرج إبراهيم شكيري، شباك التذاكر بنحو
170 ألف تذكرة، وفي العام التالي تصدر فيلم "30 مليون" شباك التذاكر بـ250
ألف تذكرة، وهما فيلمان كوميديان أنتجا بشكل ذاتي.
وعي سينمائي
ومن جهته، قال المخرج محمد عبد الرحمن التازي، رئيس الغرفة
الوطنية للمنتجين لـ"الشرق": "لو لم يكن الدعم للإنتاج السينمائي لما كانت
هناك سينما في المغرب، كما هو الحال في كثير من البلدان الإفريقية"، مضيفاً
أن "حجم الإنتاج السينمائي في البلاد بلغ 25 فيلماً سنوياً تقريباً، إذ أن
الدولة فهمت أن السينما محور ثقافي مهم ويجب تشجيعه".
وتابع: "إذا تم التفكير فقط في الربح المادي، فلدينا نموذج
من الأفلام منتجة بشكل ذاتي وتحقق أرباحاً مادية لكنها عبارة عن أفلام
كوميدية هزيلة تتناول مواضيع تافهة".
وأوضح أن "الصناعة السينمائية تتكون من 3 عناصر ضرورية، هي:
الإنتاج والتوزيع والصالات السينمائية، والأخيرة تشكو حالياً من نقص كبير،
حيث لا يوجد سوى نحو 60 صالة فقط، لذلك لا يمكن الحديث عن صناعة في ظل
الوضع الحالي للسينما المغربية"، مُشدداً على ضرورة الاهتمام بالوعي
السينمائي.
زيادة الدعم المادي
المخرج والمنتج السينمائي جمال السويسي، رئيس "الغرفة
المغربية لمنتجي الأفلام"، يرى أن "دعم الدولة للسينما يجب أن يظل، وألا
يكون عبارة عن تسبيق على المداخيل يجب إعادته عند تحقيق الربح، كما هو
الحال الآن، بل دعماً حقيقياً، إذ بالنسبة له الدولة الآن، وكأنها لا تساهم
حقيقة بل تُعطي قدراً من المال لترده بعد ذلك".
وناشد السويسي، الدولة المغربية، بتشجيع الموزعين
السينمائيين وحثهم على توزيع الأفلام الوطنية، من خلال دعمهم مادياً وتخفيض
الضرائب عليهم.
أما بخصوص الإنتاج، أكد لـ"الشرق"، أنه "إذا كانت هناك
تحفيزات ضريبية وتسهيلات من طرف البنوك، فإن الخواص سوف يدخلون للميدان
السينمائي في المغرب وسيحققون أرباحاً، إذ جرت العادة أن الفيلم المغربي
يحظي بإقبالٍ جماهيري هام، حينما يُعرض في الصالات التجارية، وهذا يعني أن
الجمهور المغربي متعطش للسينما".
ورأى أن "الشكل الحالي للدعم يجب إعادة النظر فيه، وذلك
بزيادة المبالغ المالية المخصصة له، والتي ظلت على حالها لأكثر من 20
عاماً، في ظل تزايد عدد الأفلام، إذ تُقدم حوالي 80 مشروع فيلم في كل دورة،
وهذا يعني أن بالإمكان خلق سوق سينمائية، إذا ساعدت الدولة واهتمت أكثر
بالميدان".
الأولوية للإنتاج الذاتي
المخرج السينمائي عبد الإله الجوهري، رئيس "غرفة المنتجين
والمؤلفين السينمائيين المغاربة"، قال لـ"الشرق"، إنّ"العملية الإنتاجية
السينمائية المغربية تشهد تطوراً ملحوظاً، منذ انطلاق سياسة الدعم في
الثمانينيات، فيما ازداد هذا التطور بمرور السنوات، حيث أصبحت الدولة
تَضُخُّ في صندوق الدعم مبالغ محترمة".
وأكد أن "ذلك الدعم، أسهم في زيادة حجم الإنتاج سنوياً إلى
15 فيلماً روائياً طويلاً، وعدد مهم من الأفلام القصيرة وأيضاً الوثائقية،
إذ أن الصندوق كان له أثراً إيجابياً من الناحية الثقافية وترويج اسم
المغرب كبلد ينافس في المهرجانات العربية والإفريقية والدولية".
وفي المقابل، يرى الجوهري، أنّ "القائمين على الصندوق، لا
يستطيعون فهم الكيفية التي تجعل السينما المغربية تصير صناعة حقيقية، ومنح
الأولوية للأفلام المُنتَجة بالإمكانيات الذاتية".
ولفت إلى أنّ "سوق التوزيع بالمغرب ضعيف للغاية، خاصة في ظل
عدم وجود صالات سينما كافية، وكذلك عدم وجود جمهور يتَردَّد بشكل متواتر
على دور العرض، إذ أنّ الثقافة السينمائية لا تحتل أي مكانة في المشهد
الثقافي المغربي، وفي المجتمع المغربي عموماً".
واستطرد أنّ "هناك ضرورة الآن لإعادة النظر في الكيفية التي
يعمل بها الأعضاء داخل لجنة الدعم، من خلال تحديث القوانين ومحاولة إعطاء
الأسبقية بالأساس للأفلام المنتجة بالإمكانيات الذاتية والخاصة، وكذلك
ضرورة التحام السينمائيين والمجتمع المدني في محاولة للتحفيز على نشر
الثقافة السينمائية، والتأكيد على أهميتها وجعل الثقافة بشكل عام أولوية،
والثقافة الفنية والسينمائية من ضمنها بشكل خاص".
سلاح ذو حدين
خالد العثماني، الكاتب العام "للغرفة المغربية للتقنيين
والمبدعين السينمائيين"، يعتبر أنّ "دعم الدولة للسينما بمثابة سلاح ذو
حدين"، مُشيراً إلى "الدعم الذي مُنح للمسرح بعد أن كان هناك رواج مسرحي في
الثمانينيات والتسعينيات، ثم جاء الدعم ونقص هذا الرواج".
وتابع لـ"الشرق": "السينما لم يكن لها وجود أو رواج أو
صناعة أبداً من دون دعم الدولة لها، وذلك منذ أن كان يُنتج في المغرب فيلم
أو فيلمان في السنة، وحتى الآن الذي تجاوز فيه عدد الأفلام 20 فيلماً
سنوياً".
وأوضح أنّ "الجيل القديم لن يقتحم الإنتاج الذاتي أبداً،
لأنه راضٍ عن المنظومة الحالية ومستفيد منها ولا يهمه تغييرها، لكن هناك
جيل جديد من المنتجين، قد يذهبون في اتجاه خلق بوادر سوق سينمائي مغربي،
هؤلاء الذين لا يكتفون بالدعم الذي تقدمه الدولة، بل يبحثون عن جهات أخرى
تُعزز إنتاجهم وتجعل من أفلامهم منتوجاً أفضل".