أقترح بأن يهتمّ أحد الطلبة بالبحث في تاريخ المخرج فيصل
الياسري الذي كانت له مساهماتٍ فعلية في السينما العراقية، السورية،
اللبنانية، والمصرية، ودراسة أعماله التي أتوقع بأنها مجهولة من الأجيال
الحالية المُنشغلة بالاتهامات المُستعجلة، والمُتهورّة، والنحيب على أطلال
أفلام "بغداد عاصمة للثقافة العربية"، وبالانعكاسات اللولبية في السرديات
اللونية، وبالمبررات الفيس بوكية في إظهار الشباب ضحية الأقلّ شباباً مع أن
ما هو متوفرٌ لهم حالياً من تسهيلاتٍ فنية، وتقنية، ومادية، هي أضعاف ما
كان متوفراً لأولئك الكبار .
من المفترض أن يُدرس تاريخ هذا المخرج، أو غيره بعيداً عن
حياته الشخصية، ومن وجهة نظرٍ سينمائية بحتة.
يُقال بأن عمله الأخير سيئٌ جداً، أنا لم أشاهده، ولكن، حتى
وإن كان من اسوأ ما قدمته السينما العربية، هو (مادة صالحة للدراسة)، لماذا
يهتمّ الدارسون في البلاد المتحضرة سينمائياً بأفلام الرعب، والهلع،...
ونحن نتعفف عن دراسة السينما الجماهيرية....
فيصل الياسري:
لم يقل أحدٌ أن فيلم "بغداد حلم ورديّ" سيءٌ جداً، وكانت
الآراء التي قيلت مدرسية، حيث تصدّت للحديث عن الفيلم مجموعة من المدرسين
في كلّية الفنون الجميلة وتعاملوا معه وكأنهم يناقشون أطروحةً لأحد الطلبة،
فتحدثوا عن ما سموها أخطاء إخراجية، ...ولم يتطرّق أحدٌ منهم للأفكار
المهمة التي تناولها الفيلم، وعلاقة الناس بمدينتهم، وكان همّهم الميزانية
التي لم أضعها بنفسي، وإنما وزارة الثقافة، وعن حقيقة الميزانية، واقتطاعات
الدائرة منها يطول الحديث.
أنا أصنع أفلامي للناس، وليس للمهرجانات، ومن المعيب أن
نقارن أفلامنا مع الانتاجات العالمية بإمكانياتها الهائلة.
أنا أسرد قصصي بسلاسةٍ، وبساطة، وقد تمّ عرض الفيلم أمام
جمهورٍ من العراقيين في لندن، وبرلين، وعمان، ومصر، واوسلو، الخ .. وحصلت
على ردود الفعل الايجابية التي أقصدها، ولم أعمل أبداً على تعمّد الفذلكات
التقنية.
صلاح سرميني
أتعامل مع أيّ فيلم انطلاقاً من المتعة التي يقدمها لي،
أعود إلى حالة المتفرج الأول للسينماتوغراف، وأضع نفسي مكانه، وأعيش حالةً من
الدهشة مع ما أشاهده.
السينما، ليست فقط جودار، وبرجمان، وتاركوفسكي، ... هي
أيضاً فيصل الياسري، وصاحب حداد، ومحمد شكري جميل، ومحمد الدراجي، وعلي
حنون، وقيس الزبيدي، وفطين عبد الوهاب، وحلمي رفلة، ونجدي حافظ، ومحمد
سلمان اللبناني، ويوسف شاهين، وشادي عبد السلام، ويسري نصر الله، كلّ
هؤلاء، وغيرهم من الأسماء يشكلّون تراث السينما العربية، وتاريخها، ونحن
تعلمنا منهم، ونتعلم، شئنا أم أبينا، من العيب أن يتحدث أحدٌ ما عن جيل
الشباب من السينمائيين، وجيل الأقلّ شباباً، ويكفي التذكير بأنه لولا
التقنيات الرقمية التي اخترعها الغرب لما تمكن أيّ مخرج شابّ من تصوير فيلم
واحد بطول 5 دقائق، إذاً، من الواجب احترام المخرجين من الجيل السابق،
وتقدير أعمالهم، ووضعها في مكانها الصحيح، ومن المؤسف أن لا يوجد سينماتك
في العراق تحفظ كلّ هذا التراث كي تتعرّف عليه الأجيال.
فيصل الياسري
اقتبس من الناقد السينمائي صلاح سرميني قوله:
(بالنسبة لي، أتعامل مع الفيلم، أيّ فيلم انطلاقاً من
المتعة التي يقدمها لي، بمعنى، أعود إلى حالة المتفرج الأول للسينماتوغراف،
وأضع نفسي مكانه، وأعيش حالةً من الدهشة مع كلّ فيلم أشاهده.
أُذكر الجميع، بأنه لولا التقنيات الرقمية التي اخترعها
الغرب لما تمكن أيّ مخرج شاب من تصوير فيلم واحد بطول 5 دقائق، إذاً، من
الواجب احترام المخرجين من الجيل السابق).
كان الحصول على علبة فيلم خام اضافية من4 دقائق معضلة في
زمن مخرجي الأمس، والآن، يكفي أن تستخدم جهاز الهاتف، أو كاميرا ببضعة
دولاراتٍ لتصوّر فكرتك، وتنتج فيلماً من دقائق تتباهى به، ومع ذلك يكتب
البعض:
ـ افسحوا المجال للشباب، الآن زمن الشباب..
أتساءل: هل قام أحدٌ بحجب فرص الشباب؟
صلاح سرميني
علمتني التجربة بأن لا أتعالى على فيلم، ولا أضع نفسي مكان
المخرج، وكأنني أرغب ضمنياً بأن أخرج الفيلم بدلاً عنه، ولا أتعامل مع
السينما انطلاقاً من النقد، ولكن، من التحليل، منذ حوالي سنة شاهدت فيلم
"عقد اللولو"، ووجدت فيه جوانب جميلة جداً، لن نجدها في الأفلام الحالية،
ومنذ أسابيع شاهدت في السينماتك الفرنسية فيلم "انت حبيبي" ليوسف شاهين، لا
تتصور المتعة التي منحني إياها، وليذهب النقد إلى الجحيم، أحياناً يكفي
العثور على لقطةٍ واحدة في فيلم ما تعفيني من الكتابة عن الفيلم، أو حتى
تغطي على كلّ عيوبه إن كان فيه عيوباً.
كيف يسمح ناقدٌ لنفسه الكتابة عن فيلم "عقد اللولو" وكأنه
يكتب عن آخر فيلم لجودار، وكيف يمكن الكتابة عن فيلم لبرجمان بنفس النظرة
النقدية في الكتابة عن فيلم لسيرجي ليوني، أو داريو أرجنتو، كلّ مخرج يمتلك
عالمه الخاص، وعلى الناقد السينمائي أن يكشف، ويحلل هذا العالم، ولا يضع
نفسه وصياً على السينما، والأفلام، والمخرجين، ويقيس الأفلام بالميزان.
فيصل الياسري
ما كتبتًه في هذه المُداخلة منهجٌ مهنيٌّ ناضجٌ جداً للنظر،
و(التقييم) للأفلام التي يتمّ انتاجها في بلداننا بإنصاف.
أتمنى أن تكتب دراسةً، او بحثاً عن هذا النهج المهنيّ في
تقييم الواقع السينمائي في بلداننا يرشد من يتحدثون عن الأفلام، وصانعيها.
صلاح سرميني
مهمتي مشاهدة الفيلم، وتحليله، وجوهر عملي هو التعامل مع
الأفلام، وليس الأشخاص/المخرجين، ولهذا، عندما أشاهد الأفلام التي أنجزت في
فترةٍ ماضية من تاريخ السينما العراقية،
أتعامل معها كأفلام بغضّ النظر عن كلّ الخلفيات التي أدّت إلى إنجازها.
أنا منفتحٌ على كلّ الأنواع الفيلمية، وكما أحتفي اليوم
بفيلم لبازوليني، فإنني في اليوم التالي أحتفي بفيلمٍ جماهيريّ من
إخراج اللبناني محمد سلمان، أو بفيلم لنجدي حافظ، ولكن، من المهم أن أضع
كلّ واحدٍ في مكانه.
منشورك عن كتابتك لسيناريو فيلم "مقلب من المكسيك" شجعني
على مشاهدته من جديد، وحتى الاستمتاع به، أشاهد الأفلام للمتعة، واللعنة
على النقد السينمائي، أما عن أفلامك، وجماهيريتها، فالمقارنة بينها وبين
أفلام حسن الإمام، أو أيّ مخرج مصري صعبة، ومن المفترض أننا أدركنا
جماهيرية السينما المصرية، وعلاقتها بالجمهور العربي، ولم تتمكن السينمات
العربية حتى اليوم من منافستها جماهيرياً.
فيصل الياسري
في البداية كان عنوان السيناريو (رسالة من سيدة غاضبة)،
وبقدر ما تغيّر العنوان الى "مقلب من المكسيك" بقدر ما تغيّرت التفاصيل
بإخراج سيف الدين شوكت كما فعل محمد سلمان في سيناريو "المزيفون" أيضاً
لدريد ونهاد، وقد قال لي (ما خلينا من السيناريو تبعك غير العنوان).
يا للمرح، والبهجة ان يستمر من يبدون حرصهم على السينما
العراقية ينوحون حتى بعد سبع سنواتٍ على ضياع ملايين "بغداد عاصمة الثقافة
العربية"، وهم لا يعرفون تفاصيل ميزانية تلك الأفلام، ولا كيف تمّ صرفها،
ولا يقولون كلمةً عن غيابها في سراديب السينما والمسرح، وحجبها على الناس،
ولا يقولون كلمةً عن مئات الآلاف التي صُرفت لأشخاصٍ لا علاقة لهم
بالسينما، والإخراج، والإنتاج، وهذه الـ 34 فيلماً التي تمّ انتاجها بين
طويلٍ، وقصير، ألا يوجد بينها واحدٌ على الأقلّ يستحق العرض، ألا يرتفع
صوتٌ واحدٌ بين الفنانين، والفنيين، ويصرخ: اعرضوا أفلامنا، ودعوا الناس
يحكمون، ألا يخجل بعض من كتبوا عن تلك الافلام "الوضيعة"، وذمّوها دون أن
يشاهدوها، هل المشكلة هي المبالغ المزعومة التي صُرفت على الافلام؟
اتمنى عقد جلسة نقاشٍ صريحة، وشفافة عن ميزانيات تلك
الأفلام، وكيف تمّ صرفها، وأستبق ذلك لأقول لكم مثلاً عن فيلمي "بغداد حلم
وردي".
وزارة الثقافة هي التي وضعت الميزانية تفصيلاً، وأُحيلت لي
كمنتج منفذ، ولكن، لا أحد منكم يعرف بأنني أنتجته بـ20 % من المبلغ
المُعتمد، حيث اقتطعت السينما والمسرح 10% ربحاً لها، و10 % أجوراً لبعض
موظفيها دون عملٍ محددٍ لبعضهم في الفيلم، وأجبروني على شراء المعدات
الهندسية، وإتمام نسخ العرض بنوعيّن سيلولويد، وديجيتل، وكلفتني 15% من
الميزانية لأنها أصلاً لم تُذكر في ميزانية الوزارة على اعتبار أن دائرة
السينما ستوفرها، ولم توفرها أبداً، ألا تجدون أنه من السخرية أن ينشغل
المهتمون بالحركة السينمائية بأمورٍ وكأنهم رقابة مالية، وليسوا فنانين،
ونقاد.
أتعلمون أن الوزارة أجبرتني على تقديم نسخةً اضافية تقليدية
بالسيلولويد لم تعدّ تُستعمل الآن مطلقاً، وقلت لهم ذلك، وكلفتني 20 ألف
دولار، وهي اليوم في المستودعات تقفز عليها الجرذان.
أخرجتُ في سوريا، ولبنان 14 فيلماً للقطاع العام، والخاص،
ولم يقم أحدٌ بمناقشة أيّ فيلم من هذه الجوانب، لأن العاملين هناك لديهم
الخبرة، والمعرفة بأمور الإنتاج، ومع ذلك أشكر الجميع لأنهم أبقوا على
معضلة افلام "بغداد عاصمة الثقافة العربية" قائمة، وطريفة لمن لا يعرف كيف
يتحدث عن كيفية النهوض بأحلام السينما العراقية.
صلاح سرميني
ماذا يستفيد القارئ من مشاهدة، ودراسة أفلام محمد شكري
جميل، وصاحب حداد، وعموم تاريخ السينما العراقية، وينطبق الأمر على أيّ
مخرج في أيّ بلدٍ مهما كان مستوى أفلامه.
وللتوضيح أكثر، ماذا يستفيد الباحث الأثريّ من دراسة قطعة
فخارية من صحنٍ، أو سكينٍ مصنوع من العظم الحيواني، أو حتى مخلفاتٍ بشرية
اكتشفها في منطقةٍ ما من العراق؟
عندما نعرف الإجابة، سوف نعرف ماهي الفائدة من دراسة أعمال
مخرج ما في بلدٍ ما مهما كان المستوى النوعي لأفلام هذا المخرج.
هناك من لا يفرّق بين القيمة التاريخية، والقيمة النوعية،
وهناك من يريد أن تكون السينما على ذوقه فقط، وهناك من يريد أن تكون
السينما مثل أفلام جودار، وبازوليني، وبرغمان...
هل يتوجب أن أظهر لكلّ هؤلاء كيف يفكر الغرب، وكيف يتعامل
مع سينماه، ومبدعيه، وهل يتوجب أن أظهر كيف يكتب باحثون، ونقاد فرنسيون عن
كلّ ما يتعلق بالسينما من أفضل فيلم إلى أسوأ فيلم.
السينما متنوعة الأذواق، والمستويات، والنوعيات، وكلّما
تطوّر الذوق، كلّما بدأ يستسيغ، ويستقبل كلّ أنواع السينما، ومستوياتها.
تمّت هذه الدردشة الفيسبوكية بتاريخ 6 يوليو 2019 |