قطاع السينما في تونس
يعيش حالة موت بطيء
شيماء رحومة
الغرفة النقابية الوطنية لمنتجي السينما والسمعي البصري
تكشف عن إلغاء دورة 2023 من أيام قرطاج السينمائية.
كشفت الغرفة النقابية الوطنية لمنتجي السينما والسمعي
البصري في تونس، الأربعاء، أن قطاع السينما يعيش "تخريبا ممنهجا"، داعية
الجهات المعنية وخاصة وزارة الشؤون الثقافية إلى الاهتمام الجدي بالقطاع
الذي ساهمت جائحة كورونا في تدهوره.
ولم تتوان الغرفة النقابية عن دق ناقوس الخطر بواسطة تمرير
العديد من الرسائل الموجهة إلى المسؤولين عن هذه الوضعية المتأزمة التي
طالت القطاع خلال العشرية الأخيرة في ظل غياب شبه كلي لأي مشروع إصلاحي أو
حتى موقف سياسي خاصة من قبل وزارة الثقافة.
وعلى الرغم من نجاح الأفلام التونسية في معانقة العالمية من
خلال فرض حضورها في أشهر المهرجانات وأهمها على غرار مهرجان كان والأوسكار
وفوزها بجوائز مرموقة، فإن القطاع يعاني من عدة مشكلات يترجمها إغلاق قاعات
سينمائية وإلغاء دورة "أيام قرطاج السينمائية" لعام 2023 والتي وصفها رئيس
الغرفة النقابية الوطنية لمنتجي السينما والسمعي البصري رمسيس محفوظ بأنها
"منصة ثقافية فعالة في خدمة تونس تعطي للبلاد إشعاعا إقليميا ودوليا".
وأضاف رمسيس محفوظ خلال ندوة صحفية انتظمت بحضور ممثلين عن
قطاعات الإنتاج والتوزيع والاستغلال السينمائي وكان لموقع "ميدل إيست
أونلاين" اطلاع عليها "أيام قرطاج السينمائية موعد يجعل من تونس مركزا
للسينما الأفريقية والعربية والتونسية ووجهة لمحبي السينما وخاصة ملتقى
لمحترفي السينما وصانعي الأفلام من جميع أنحاء العالم".
ويواجه قطاع السينما في تونس ما يشبه حالة موت بطيء نتيجة
عدة عراقيل منها تشريعات قانونية قديمة لا تنظم العلاقة بين المنتجين
والموزعين والتمويل، حيث عبر المشاركون في الندوة عن الاستياء العام جراء
وضعية السينما من الإنتاج إلى الاستغلال التي تتدهور باستمرار منذ اندلاع
الثورة التونسية.
إلا أن رمسيس محفوظ يرى أن الوضعية المتأزمة للقطاع هي نتاج
لعشرين سنة من التراكمات.
وأوضح المنتج السينمائي الحبيب بلهادي أن "وضعية السينما
التونسية اليوم هي نتيجة لتشتت العائلة السينمائية وتشتت مصالحها وأجيالها
المختلفة، فالسلطة وجدت نفسها أمام عائلة مهترئة وضعيفة لا تعرف كيف تدافع
عن حقوقها ومكاسبها"، معتبرا أن أول تجربة في المس بالمكاسب كان من خلال
أيام قرطاج السينمائية".
وتمثل أيام قرطاج السينمائية التي تأسست قبل أكثر من 50
عاما نافذة للسينما التونسية على السينما العالمية والقارة الأفريقية بشكل
خاص، وكانت تقام سابقا كل عامين قبل أن تتحول إلى حدث سنوي.
وأكد الموزع ومستغل قاعات الأفلام محمد الفريني خلال الندوة
أن "العودة إلى سياسة تنظيم هذا الحدث الهام كل عامين تخريب ممنهج يقود هذه
المناسبة التي تعرف منافسة عربية شديدة إلى الاندثار".
وشدد على أن "ضرب أيام قرطاج يضر بالصالات والموزعين
والمنتجين والجمعيات والمدارس السينمائية".
وقال رمسيس محفوظ إن "إلغاء دورة لا يساعد في حل أي مشكل،
فأيام قرطاج السينمائية تعاني من صعوبات هيكلية في حاجة لإصلاحات عميقة، إذ
تعاني من مشاكل في التنظيم والتمويل والتسويق والتواصل وهشاشة في هياكل
التسيير مما يفضي إلى استحالة تطوير الأداء".
ويحتاج هذا المهرجان السينمائي إلى ما لا يقل عن ست سنوات
ليعاود الوقوف على قدميه من جديد، بحسب المنتج والمخرج معز كمون.
ودعا محمد الفريني إلى التفاتة عاجلة لإنقاذ القطاع من
الغرق، لافتا إلى أن "السينما التونسية حققت بعد الثورة قفزة غير مسبوقة،
وصفها "بالمعجزة في ظل التهميش الممنهج الذي يعشيه القطاع".
وأوضح أنه "بعد أن كانت تونس تشارك بمجموعة قليلة من
الأفلام تظل لمدة طويلة محل درس وتمحيص بوصفها تمثل تجارب مهمة أصبحت بعد
الثورة تقدم ما لا يقل عن ثلاثة أفلام في العام يكون واحدا منها أو أكثر قد
مثل تونس في أحد أهم المهرجانات ولنا أن نذكر مشاركة أفلام تونسية سنتين
على التوالي في الأوسكار (2020-2021) وكذلك مشاركتها في مهرجان كان".
'إهمال
المسؤولين لأهمية سوق الأفلام الأجنبية يثقل كاهل القطاع المتأزم'
وشاركت تونس في الأوسكار في العام 2021 من خلال فيلم "الرجل
الذي باع ظهره" للمخرجة التونسية كوثر بن هنية.
وحققت السينما التونسية الانتشار عالميا ليس فقط عبر
مشاركتها في المهرجانات، بل ومن خلال منصة نتفليكس للبث التدفقي التي عرضت
في العام 2020 أفلاما تونسية أنتجت خلال السنوات الأخيرة.
لكن هذا الانتشار والزيادة في عدد الأفلام التي قدرها محمد
الفريني بنحو مئة فيلم روائي طويل تم إنتاجها بعد الثورة لم تساعد بعض
قاعات السينما في تونس على الصمود، لاسيما بعد المصاعب التي تعرضت لها بسبب
قيود جائحة كورونا.
وشهدت القاعات تراجعا في عددها بعد إفلاس بعضها على غرار
"سيني جميل" و"سينما أميلكار" وغيرهما.
وكانت "سينما أميلكار" كتبت عبر صفحتها على فيسبوك في
الخامس من مارس/آذار الحالي "بعد مغامرة رائعة بدأت في أكتوبر/تشرين الأول
2015 سنغلق أبوابنا.. شكرا لرواد السينما الذين كانوا حاضرين دائما.. ندعو
الجهات المختصة وخاصة وزارة الثقافة إلى النظر بجدية في أوضاع دور السينما،
يستمر هذا القطاع في الوجود بفضل شجاعة العارضين وشغفهم، لكن يجب على
الدولة أن تتحمل مسؤولياتها للحفاظ على هذا القطاع الأساسي للحياة الثقافية
في تونس والنهوض به".
وتسأل محمد فريني وهو عضو في إدارة سينما أميلكار عن
الأسباب الكامنة وراء قرار تقليص دعم الإنتاج إلى 20 في المئة ورفع دعم
الاستثمار عن القاعات السينمائية في العام 2023، وعن سبب عودة لجنة إعطاء
التأشيرات (لجنة إدارية وصاية وأخلاق حميدة) في مقابل التخلي عن الصندوق
الوطني لتأهيل قاعات السينما، لاسيما بعد النجاح في إعادة الجمهور إلى
القاعات، مؤكدا أنه لا يوجد تشخيص للوضع ما بعد كورونا.
وأشار إلى أن الحكاية تتجاوز غلق قاعة أو اثنتين، فالقاعات
كانت قبل الثورة تعاني من حالة سيئة ومع ذلك نجحت وفقا للمعهد الوطني
للإحصاء في استقطاب 2900 متفرج من محبي الفن السابع في العام 2019، إلى
جانب تخصيص نحو 120 فضاء تقدم فيها مئات العروض على طول العام.
في حين يرى معز كمون أن ما أثقل كاهل القطاع المتأزم إهمال
المسؤولين لأهمية سوق الأفلام الأجنبية على غرار أعمال سابقة تم تصويرها أو
أجزاء منها في تونس مثل "حرب النجوم" للمخرج الأميركي جورج لوكاس.
وشرح أن "الأفلام الأجنبية التي تجعل من تونس وجهة لها إلى
جانب أنها تخلق حركية، فإنها تُكسب التقنيين التونسيين معرفة يعكسونها في
أفلام تونسية"، لافتا إلى أغلب المخرجين القدامى كانوا مساعدين في تصوير
الأفلام الأجنبية.
'تخريب
ممنهج'
وتمتلك تونس خاصة في منطقتها الجنوبية خصائص طبيعية وفرت
أستوديو مفتوح لتصوير عدة أعمال أجنبية وكانت في الآن ذاته فرصة للتعريف
بالبلاد والنهوض بقطاع السياحة.
لكن بعد الثورة والعمليتين الإرهابيتين اللتين عاشت كل من
باردو وسوسة على وقعهما تم إهمال هذه السوق ونسيانها، وفقا لمعز كمون.
وأشار إلى أن "تقصير الدولة في توفير امتيازات للأفلام
الأجنبية فتح المجال أمام دول عربية أخرى منافسة بينها الأردن لاستقطاب هذه
السوق".
وترجع بدايات السينما في تونس إلى عام 1896 تاريخ تصوير
الأخوين لوميار لمشاهد حية لأنهج تونس العاصمة، وفي سنة 1908 افتتحت "أمنية
باتي" كأول قاعة سينما في البلاد وتعد أيام قرطاج السينمائية أهم فعالية
سينمائية وأقدمها تم تأسيسها في العام 1966.
ويأمل الممثلون للقطاع الذين حاضروا الندوة الصحفية التي
نظمتها الغرفة النقابية الوطنية لمنتجي السينما والسمعي البصري في استعادة
القطاع لتوهجه.
وقال رمسيس محفوظ إنهم يطمحون إلى أن "تدرج كل من وزارة
الثقافة ووزارة الاقتصاد والتخطيط إصلاحات القطاع السينمائي.. لما لا في
مجلة الاستثمار".
ولفت إلى أن "تراجع التمويل العمومي الذي يقدم في شكل منح
في العام 2022 إلى 20 في المئة من الميزانية المرصودة أثر بشكل كبير على
طاقة استيعاب المشاريع التي يتم تقديمها وهو ما ينجر عنه عدة تبعات".
ودعا لاستغلال قدرات هذا القطاع كاملة بوصفه ذا صبغة
اقتصادية بامتياز ويشكل قاطرة لمجالات أخرى كالسياحة والخدمات لذلك يقترح
إعطاء نفس جديد للسينما الوطنية ووضع قوانين تحفيزية وتسهيلات من خلال
الشباك الموحد والحصول على رخص تصوير وبطاقة احتراف. |