تحديات صناعة الفيلم التسجيلى ومستقبل السينما والمهرجانات
بمناقشات وندوات «الأقصر الإفريقى»
كتب: سعيد
خالد
تتواصل فعاليات الدورة 13 لمهرجان الأقصر للسينما
الإفريقية، بعروض للأفلام وإجراء حلقات نقاشية وندوات لصناع الأفلام، وشهدت
فعاليات المهرجان ندوة نقاشية بعنوان «الفيلم التسجيلى الإبداعى.. كيف تصنع
فيلمًا إبداعيا»، بحضور المنتجة عزة الحسينى مدير المهرجان، المخرج تامر
عشرى، المنتج معتز عبدالوهاب.
وتحدثت المخرجة عزة الحسينى: «الدورة 13 من مهرجان الأقصر
تهتم بالفيلم التسجيلى، سواء الطويل أو القصير، لأنه يواجه تهميشًا كبيرًا،
رغم أهميته فى المهرجانات والمحافل الدولية، وتخصيص مسابقات مستقلة لمثل
هذا النوع من الإنتاج السينمائى».
وأضافت «الحسينى»: «الدورة 13 تضم 7 مشروعات فى مرحلة
التحضير لدخول مرحلة الإنتاج ضمن مبادرة فاكتورى، وبعضها تم البدء فى
تصويره بالفعل، الاهتمام بالفيلم التسجيلى بات محل اهتمام النجوم بدليل أن
البعض يتبرع بأجره فى سبيل خروج الفيلم للنور، وهناك قنوات متخصصة خرجت من
أجل هذا النوع فقط».
وأكد المخرج تامر عشرى قائلا: «أول فيلم وثائقى قدمته
بتكلفه 2000 جنيه، صورته بكاميرا متواضعة للغاية، لكن قررت أن أقدم تجربة
مختلفة امتدت لساعة وأكثر، حاليًا مع التطور التكنولوجى أصبحت الأمور أسهل،
خاصة فى الكاميرات وأصبحت الأفلام التسجيلية والوثائقية، لكن هذا ليس كل
المطلوب لعمل عمل وثائقى جيد، إذ يجب أن يملك الشخص فكرة مؤثرة وصالحة
لتقديم عمل ناجح، وأنصح من يعمل فى هذا المجال أن يستمر ويقدم ما يتعلق
به».
وعلق «عشرى» على سبب طول المدة الزمنية للأفلام التسجيلية:
«هناك أعمال كثيرة عملت فيها ولم تكن ظروفها ومعطياتها سهلة، وهناك أفلام
كثيرة قدمت بالموبايل وأصبح هذا يعطينا مساحة أكبر للإنتاج، وحينما قررت أن
أقدم فيلما فى البداية أردت أن أقول للناس جميعا إننى قادر على صناعة فيلم
تسجيلى لأنطلق فى مجالى».
وتحدث المنتج معتز عبدالوهاب، عن تجربته قائلا: «حصلت على
جائزة أحسن فيلم من جمعية النقاد عن الفيلم التسجيلى- رمسيس راح فين؟،
وكانت هذه الجائزة سببا فى حماس كبير ولد فى نفوس كل من يحب هذا المجال».
وأكد معتز عبدالوهاب أن وضع الأعمال التسجيلية تغير
وتحديدًا بعد كورونا، قائلًا: «هناك منصات تشترى الأفلام التسجيلية حاليًا،
ولكن ما تدفعه تلك المنصات لا يتناسب مع حجم الإنتاج المصروف عليها، لكن
أرى أن هذه المنصات قد تكون مناسبة لمن يبدأ مشواره فى هذا المجال».
من ناحية أخرى، كرم مهرجان الأقصر المنتج الكبير جابى خورى،
بحضور السيناريست سيد فؤاد، رئيس المهرجان، وأدار المؤتمر الصحفى له المخرج
شريف مندور، وقال السيناريست سيد فؤاد، إن تكريم المنتج الكبير جابى خورى
فى مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، جاء لدوره المؤثر فى الصناعة، فضلا عن
رحلته المهمة مع يوسف شاهين، ثم توجه بسؤال للمنتج جابر خورى، عن كيف
اختلفت العملية الإنتاجية حاليا عما فى عصر يوسف شاهين.
وقال المنتج جابى خورى إنه حاليا اتجه لدور العرض، حيث بدأ
يستثمر فى دور العرض السينمائى، ويشترك معها، سواء فى الإدارة أو الاقتناء
«لأن الصناعة حاليا تختلف عن زمان، وأن اهتمامات الجيل الجديد أصبحت تختلف،
والمقارنة بزمن الأستاذ يوسف شاهين ظالمة».
وأضاف «خورى»: «نحن أهملنا الإنتاج بعد يوسف شاهين، كما أن
اختيارات الجمهور تغيرت، وحاليا توجهت أكثر إلى مشاركة منتجين آخرين، وكنا
نتدخل فى السيناريو بما يتناسب مع الناحية التجارية، وحاليا أنتجنا فيلمى
(مقسوم) و(آل شنب) وأصبحنا أيضا نغير فى النظرة الإنتاجية لمواكبة ذوق
الجمهور».
وتساءل المخرج شريف مندور: ماذا حدث فى السينما سواء كان
تطورا أو تدهورا فى الساحة السينمائية؟ ورد عليه «خورى»: قديما كانت هناك
طريقة إنتاج واضحة وصريحة، والتصوير نفسه كان فى عصر شاهين له منهجية
معينة، بينما اليوم أصبح نمط التصوير مختلفا والآليات مختلفة.
وتابع «خورى»: «إن بعض الصناع اليوم أصبحوا يعملون على
المدى البعيد وأصبحنا نعانى فى جمع الممثلين فى وقت واحد، ولابد أن نقوم
بتغيير طريقة العمل فى الساحة الإنتاجية حاليا».
وعن رأيه حول الوضع الإنتاجى حاليا وهل النجم هو من يدير
الصناعة أم المخرج هو من يتحكم فى العمل؟ أوضح «خورى» أن «الممثل لا يقبل
أى فيلم حاليا إلا بعد أن يعلم من هو المخرج».
وأشار «خورى» إلى أن أول فيلم قام بتوزيعه كان «وقفة
رجالة»، وهو الذى قدم للناس بطريقة «لايت»، وهو ما جعله يحقق إيرادات كبيرة
فى السوق المحلية والعربية، مشددًا على أن السوق أصبحت لديها معايير معينة
فى النجاح سواء محليا أو خارجيا.
لافتا إلى فيلم «الحريفة» والذى يحقق أرقاما كبيرة فى
إيرادات شباك التذاكر فى مصر، لم يحقق إيرادات بالخارج، لأن فكرته مصرية
تماما، مؤكدا أن الأفلام التى تقوم بعمل إيرادات خارج مصر هى الاجتماعية
مثل من «أجل زيكو»، بينما مثلا «كيرة والجن» لم يحقق إيرادات كبيرة قياسا
بإيراداته فى مصر، لأنه أيضا يتحدث عن جزء تاريخى مصرى.
واستطرد المنتج جابى خورى: «إن السينما الأمريكية الآن
أصبحت تعمل على جذب النجوم الأجانب من كل العالم، ليشاركوا فى الأعمال
الفنية هناك، نظرا لاهتمامهم أيضا بالخارج»، موضحا أن «هناك حالة من
الانتقائية حاليا فى اختيار الأعمال فى سوق الصناعة فى الخارج».
وأوضح «خورى» أنه لا يوجد حل، والأفضل الآن مواكبة التطور
التكنولوجى، خاصة مع انتشار المنصات وظاهرة تسريب الأفلام، قائلا: «أنا لو
فشلت خارج مصر ليس بالضرورة أن أفشل داخل مصر، لكن متطلبات السوق أصبحت
تختلف، ولابد أن نتأقلم مع متطلبات السوق حاليا».
ولفت إلى أن هناك أجزاء كبيرة من الوطن العربى أصبحت تهتم
بالصناعة الغربية، كما أن هناك منصات رقمية عديدة تتيح المشاهدة دون الخروج
إلى السينما، ولابد أن نضع فى اعتبارنا جميع هذه المتغيرات.
وقال المخرج شريف مندور إن قوة الفيلم المصرى قديما كانت فى
حجم الإيرادات فى الداخل، بينما الآن أصبحنا نقيس نجاح الفيلم المصرى
بإيراداته بالخارج، مشيرا إلى أنه لا يعلم ما هى معايير النجاح حاليا، وهل
ستتوقف الصناعة المصرية، لأن تكلفة الفيلم المصرى أصبحت تقاس بمعايير البيع
خارج مصر، وما هو الحل لنخرج من هذه الدائرة.
وعقدت أيضا ضمن فعاليات المهرجان حلقة نقاشية عن إدارة
المهرجانات السينمائية، شارك فيها المخرج والمنتج وسام لحود رئيس ومؤسس
مهرجان بيروت لسينما المرأة، والناقد عصام زكريا رئيس مهرجان الإسماعيلية
للأفلام القصيرة، والناقدة لمياء قيقة المدير الفنى لمهرجان قرطاج
السينمائى، وأدارت الجلسة المخرجة عزة الحسينى مدير مهرجان الأقصر.
وتساءلت عزة الحسينى عن التوجه لإلغاء المهرجانات بسبب
الأحداث، وأكدت أن المهرجان حدث غير ترفيهى، لكنه حدث مهم، فمهرجانات
السينما تتيح تبادل الثقافات بين شعوب العالم، وتابعت قائلة: «نحن لدينا
بيروقراطية تؤخرنا كثيرًا، ولابد لأى مهرجان فنى أن يكون له دعم من جهات
أخرى، بدلًا من المعوقات الخاصة التى تقابل صناعة المهرجانات، بسبب قلة
الدعم الحكومى».
وقالت الناقدة لمياء قيقة، المدير الفنى لمهرجان قرطاج
السينمائى، إن إلغاء المهرجانات السينمائية ومن بينها مهرجانا القاهرة
وقرطاج يكون بقرار سيادى ليس لمسؤوليه يد فيه، لأنه أحد مهرجانات الدولة
المنظمة، مشيرة إلى أنها كأحد المسؤولين عن مهرجان قرطاج كانت ترى أنه
بالإمكان تأجيله فقط، بسبب الأوضاع فى قطاع غزة، لكنّ إلغاءه جاء بقرار
سيادى من الدولة التونسية ليس لصناع السينما هناك يد فيه.
وأضافت «قيقة»: «إن مهرجان قرطاج السينمائى الدولى لديه
موروث ضخم، لأنه أول مهرجان عربى وإفريقى فى المنطقة وهو ما يُحمّل مسؤوليه
عبئا إضافيًا كبيرا»، وأشارت إلى أن «أيام قرطاج السينمائية» فعالية هامة،
لكن بالتأكيد الجمهور من الصعب أن يتفق على عمل أى إدارة، لذلك فإن الصراع
سيظل قائما بين الجمهور وبين مسؤولى المهرجانات، خاصة فيما يخص نوعية
الأفلام المعروضة فيها، ولفتت إلى أنه من أبرز المعوقات التى أصبحت تواجه
مهرجان قرطاج، رغم قدمه وأهميته بين المهرجانات الفنية الإفريقية، هو قلة
قاعات العرض فى المهرجان.
وقال المخرج سام لحود إن مهرجان بيروت لسينما المرأة الذى
يترأسه وعمل على تأسيسه منذ سنوات، لم يتم إلغاؤه رغم التحديات والظروف
لأنه تابع للقطاع الخاص، لافتا أن إلغاء أى مهرجان سينمائى خلال أحداث غزة
على سبيل المثال، هو خسارة إنسانية لغزة والقضية الفلسطينية بشكل عام،
لأننا من الممكن أن نصل رسالتنا للعالم من خلال السينما، وخسارة مهرجان، فى
ظل هذه الأحداث هو بمثابة خسارة لقضايا الإنسان جميعها.
وأوضح «لحود» أن الوضع فى بيروت مختلف إلى حد كبير، إذ إن
معظم الفعاليات الفنية ينظمها القطاع الخاص، لأن مؤسسات الدولة نفسها تحتاج
إلى الدعم، فى ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى تعيشها الدولة اللبنانية،
موضحا أن الفنانين فى لبنان يعملون بـ«صفر موارد»، وشدد على أن لبنان لا
تقوم بدور المشاهد فى الصراع الفلسطينى، لكنها متورطة فيها، بفعل التهديدات
اليومية من الطيران الإسرائيلى للأراضى اللبنانية، مؤكدا أن الشعب اللبنانى
تعود على المقاومة وأصبحت المقاومة جزءا أساسيا من حياته.
وتابع «لحود»: «نحن مستمرون فى العمل، لأن المهرجان صناعة
جادة وليست ترفيهية، ومن المفترض أن يكون هناك دور للإعلام لتسليط الضوء
على أهمية الفن، لكن الإعلام الممول يترك صراعا دائما بالعالم لتمويه الرأى
العام، بينما السينما تقوم بدور معاكس وتقوم بتقريب وجهات النظر وتنادى
بالسلام وحقوق الإنسان، وتقوى هذا الإخاء، لذلك هناك صراع دائم بين السينما
والإعلام»، وشدد: «كل إسكات لحدث سينمائى هو إسكات لصوت حق إنسانى، وهو ما
يوازى صوت الإعلام الذى من الممكن أن يتجاهل الحق الإنسانى».
وقال الناقد عصام زكريا رئيس مهرجان الإسماعيلية الدولى
للأفلام التسجيلية الطويلة، إن التفكير فى عمل مهرجان من عدمه يجعلنا نعيد
وجهة النظر فى معنى كلمة مهرجان سينمائى، ودور المهرجانات السينمائية أكبر
من كونها حدث ثقافى، بل يكون بمثابة حماس للناس ورغبتهم فى الالتقاء
والنقاش، وهذا يكون أكبر من التأثيرات العادية، ومهرجان الإسماعيلية التى
تقيمه وزارة الثقافة من الألف إلى الياء، وتخصص له ميزانية سنوية، فى إطار
الميزانية العامة للمركز القومى للسينما وهى مخصصة للمهرجان.
وأوضح أن ميزانية مهرجان الإسماعيلية أحيانا تكون معقدة،
لأنه يتم تقسيمها قدر الإمكان فى أركان مخصصة، وعندما يكون هناك وضع
اقتصادى صعب فى الدولة نحاول تخطى تلك الظروف بالحصول على استثناءات فى كل
بند من بنود المهرجان.
وأشار «زكريا» إلى أنه عندما تم تأسيس مهرجان الإسماعيلية
كان نصيب الأفلام التسجيلية والقصيرة قليلا جدا، وكانت هذه النوعية غير
متواجدة فى المهرجانات الروائية الكبرى، وكان المهرجان هو النافذة الوحيدة
لعرض تلك النوعية، ولكن مع التطور أصبح المعروض كثيرا، وإقامة المسابقات
لهذه النوعية جعلت الجمهور يتعود عليها، وأوضح: ساهمت كثرة المهرجانات
بالتوعية وتدريب الذوق العام على هذه النوعية للأفلام، لكن يظل للمهرجانات
المتخصصة الدور والذوق الخاص، وهذه النوعيات يكون لها صداها وجمهورها الخاص
من كل أنحاء العالم وليس مقتصرا على قارة أو دول بعينها، وهو ما يجعل لدينا
تحديات واختيارات كثيرة جدا من كل مكان فى العالم. |