نبيل عيوش لـ"النهار": لم أنتظر "مي تو" كي أتحدث عن النساء
هوفيك حبشيان
كلّ جديد ل#نبيل
عيوش لا
بد ان يرتبط بجدال ونقاش. "الجميع يحبّ تودا"، أحدث أعماله المشارك في #مهرجان
كانّ السابع
والسبعين (14 - 25 أيار)، لن يشذّ عن هذه القاعدة. قصّة أمّ (نسرين الراضي)
تحاول ان تكون شيخة من شيخات موسيقى "العيطة" المغربية، تحملنا إلى جولة
جديدة من جولات النقد الاجتماعي اللاذع الذي يبرع فيه مخرج "علي زاوا"
ويعرف كيف يتناوله. في الآتي، مقابلة "النهار" معه من الـ"كروازيت".
·
هذا الفيلم الثاني لك، بعد "عليّ صوتك"، تتناول فيه الفنّ،
الموسيقى تحديداً، كعامل مساهم في تطوير العقليات التي تسيطر على المجتمع
المغربي. أنتَ من الفنّانين الذين يؤمنون في هذا.
- تماماً. بصراحة، لا أؤمن إلا بمساهمة الفنّ في إحداث صحوة
ضمير عند المُشاهد. أؤمن بهذا لأني آتي من هذا المكان. تعلّمتُ كلّ شيء في
مركز ثقافي في إحدى ضواحي باريس. هكذا تشكلّت نظرتي. تعلّمتُ ان أنظر إلى
العالم وان أتخذ موقفا سياسيا من خلال الفنون. هذا كله غيّر الصبي الذي
كنته، وأوصلني إلى إنجاز الأفلام. أؤمن بقوة التحوّل. نعم، توجد أوجه شبه
بين "عليّ صوتك" و"الجميع يحب تودا"، حتى لو كنا في الحالة الأولى نتحدّث
عن موسيقى عبرت القارات للوصول إلى العالم العربي لتصبح صوت الشباب، في حين
يتعلق الأمر في الحالة الثانية بتراث موسيقي عريق.
·
الموسيقى في الحالتين تأتي من خلفية مقاومة.
- بالضبط. تعبّر "العيطة" عن نضال المغربيات منذ القرن
التاسع عشر. في تلك الحقبة، قررن غناءها في الأماكن العامة، لأنها كانت قبل
ذلك التاريخ ممنوعة عليهن وكانت وقفا على "الشيوخ" فقط.
·
قرأتُ الملّف الصحافي بعد مشاهدتي الفيلم وهو حافل
بالمعلومات عن "العيطة"، مما أعطاني رغبة في معرفة المزيد عن هذا اللون
الغنائي. أشعر ان هناك ما يكفي من مادة لفيلم كامل عن الموسيقى من دون
اللجوء إلى أي حبكة…
- نعم، لكن تلك لم تكن رغبتي… (ابتسامة)
·
أدرك ذلك تماماً. أقصد ان ثمّة بُعدا وثائقيا في الفيلم
محوره موسيقى "العيطة"…
انها موسيقى مدهشة إلى حد كبير، لسبب أساسي هو ان الأغاني
لم يكتبها شعراء، بل هي أعمال مشتركة. كانوا يجتمعون في القرى مساءً، وكلّ
شخص يروي قصّته وتجربته. هكذا كانت "العيطة" في البداية: روايات ملحمية.
وبما ان الشيوخ والشيخات كانوا يتنقّلون لتقديم عروض غنائية، صارت النصوص
ثرية، وأصبحت الأغاني أطول، بعد "العيطات" تبلغ الـ45 دقيقة. ثم، بدءاً من
نهاية القرن التاسع عشر، بدأت النساء في غناء "العيوط"، للتحدّث عن الحبّ
والرغبة الجنسية والجسد الخ، وكان هذا شيئاً "انقلابياً" في هاتيك الأيام.
بعض الشيخات الشهيرات مثل الشيخة خربوشة، وجدن أنفسهن في صراع مع بعض
الزعماء، وعشن قصص حبّ. الشيخات كن في البداية بطلات، يخضن المعارك ويحملن
صوت الشعب المغربي وروحه في أصواتهن. عندما اضطررن للنزوح إلى المدن
الكبرى، أصبحن يغنين في الكباريهات، وطُلب منهن أغاني أخرى كـ"الشعبي"، لأن
"العيطة" لم تكن تهم أحداً في هذه الأماكن. فتبدّلت صورة هؤلاء النساء في
المجتمع، انتقلن من بطلات معبودات إلى "عاهرات" منبوذات. فيلمي إعادة
اعتبار إليهن. ودّدتُ ان أذكّر الناس مَن هن هؤلاء النساء ومن أين يأتين.
·
إنجاز بورتريه عن المرأة أصبح شيئاً رائجاً في أيامنا هذه.
ألا تخشى ان تصعد الى القافلة كما لو كان ذلك مجرد موضة؟
- بالنسبة لي، ليست موضة. انه موضوع متأصل في السينما التي
أنجزها منذ زمن بعيد. لم أنتظر "مي تو" كي أبداً الحديث عن المرأة. ثم انه
لا يهمّني الحديث عن المرأة بطريقة مجردة. أتعامل مع شخصيات. وكان للشيخات
مكان في أفلامي منذ "يا خيل الله"، حيث ان أم احدى الشخصيات شيخة ينعتها
الآخرون بـ"العاهرة"! اني معجب بالنساء القويات، كوني نشأتُ على يد واحدة
منهن: أمّي التي ربّتني وحدها. أعتقد انني بنيتُ رؤيتي على هذا النحو.
أفلامي مليئة بالنساء، وكنت وددتُ منذ "يا خيل الله" ان أخصص فيلماً لهن.
واللقاء مع الممثّلة نسرين الراضي هو الذي جعلني أرغب في هذا الفيلم.
لولاها لما أنجزته.
·
تودا "ضحية" ومثابرة في الآن نفسه، على غرار العديد من
المغربيات…
- يصعب عليّ الرد على تعميم، ولكن في حالة تودا، يمكن القول
انها قوية في رغبتها في الارتقاء من خلال فنّها، هذا مع العلم انها تعيش في
بيئة ترغمها على ان تكون مقاتلة ومقاومة. لكنها حتماً ليست بضحية. الضحية
شخص يترك الأشياء تحدث، أي بخلاف ما هي عليه.
·
لعلها مرّت في مراحل كانت فيها ضحيّة. وصف "الضحية" ليس
شيئاً حتمياً.
- أثناء الكتابة، التقيتُ الكثير من النساء وعلمتُ منهن إلى
أي درجة يتأرجحن بين الجمال والقبح. والفيلم شُيِّد على هذا المنطق: بين
الجمال والقبح. الجمال هو ابن تودا وفنّها، أما القبح فهو عالم الليل
والرجال الذين يرونها سلعة، والمال والخوف…
·
لفتني مشهد النهاية عندما تنزل تودا بالمصعد وعلى وجهها كلّ
المشاعر المختلطة.
- هذا النزول هو عبور لكلّ الانفعالات وتعقيداتها. انه
الأمل وتبدد الأوهام. يعبّر عن استرداد الكرامة. الرفض. ان يسعك أخيراً قول
كلمة "لا". لهذا السبب، وددتُ ان أصوّر المشهد بلقطة واحدة، وكانت عملية
معقّدة للغاية.
·
أفلامك تثير الجدال، لا سيما في المغرب. ألا يضايقك ان
يساهم النقاش الموتور في حرف خطاب الفيلم عن مساره الأساسي؟
- عندي خوف دائم من هذا. أخشى ان يراني الآخرون كمخرج
مواضيع. أفلامي أفلام شخصيات. لا يوجد موضوع واحد في "تودا". لكن الناس
يحبّون لصق مواضيع. لديهم مخاوف ويرغبون في ان نتحدّث عن هذا أو ذاك.
·
فيلمك الأخير، "علّي صوتك"، نافس على "السعفة" هنا في كانّ،
واليوم أنت تشارك في فقرة "كانّ بروميير" غير التنافسية. ما تعليقك؟
- إني سعيد بأن أكون في التشكيلة الرسمية لمهرجان كانّ.
خصوصاً ان الفيلم عُرض مساء الجمعة في أول ويك أند، خلافاً لـ"علّي صوتك"
الذي عُرض في آخر المهرجان. جوابي هو: هذا لا يزعلّني طبعاً. |