الوسط الفني يودع صلاح السعدني "عمدة الدراما المصرية"
السعدني فنان تميز بأدائه المحترف حيث جسد أدوارا كوميدية
ودرامية وتراجيدية ببراعة ونال العديد من الجوائز.
القاهرة
- رحل
عن عالمنا، الجمعة، الفنان المصري الكبير صلاح السعدني، الذي يعد أحد أهم
رواد الدراما المصرية والعربية، إذ امتلك موهبة فذة في التمثيل مكنته من أن
يحجز لنفسه مكانة خاصة في قلوب المشاهدين ليس في مصر فحسب بل في العالم
العربي.
استطاع الممثل الراحل خلال خمسة عقود من العمل بين المسرح
والسينما والتلفزيون، أن يصبح أيقونة فنية ونجما بين نجوم جيله. ورغم أنه
لم يكن ذا تكوين فني حيث تخرج في كلية الزراعة، إلا أنه قدم على مدار
مسيرته الفنية أكثر من 200 عمل فني، تنوعت بين المسلسلات والأفلام
والمسرحيات، وتميز بأدائه المحترف، حيث جسد أدوارا كوميدية ودرامية
وتراجيدية ببراعة.
أهلته تجربته لنيل العديد من الجوائز والتكريمات خلال
مسيرته الفنية، تقديرا لإسهاماته المتميزة في الفن المصري. ومن أشهر
الجوائز التي حصل عليها، جائزة جامعة الدول العربية عن فيلم “شياطين الليل”
1966 وكانت المرة الأولى التي تعطي الجامعة هذه الجائزة، وجائزة الصحافي
الكبير مصطفى أمين، التي كان أول فنان يحصل عليها مع الفنان يحيى الفخراني.
السعدني ولد في 23 أكتوبر عام 1943، في “حارة سمكة”
بالجيزة، وتعود أصوله إلى أرياف محافظة المنوفية. توفي والده وهو في سن
صغيرة ليعكف شقيقه الصحافي والكاتب الساخر الكبير محمود السعدني، على
تربيته وتأسيسه ثقافيا، إذ كان يصطحبه معه عندما يلتقي الأدباء والشعراء،
أشهرهم أمل دنقل وصلاح جاهين ونجيب محفوظ وغيرهم.
تلقى صلاح تعليمه بمدرسة السعيدية الثانوية، ثم التحق بكلية
الزراعة في جامعة القاهرة، وحصل منها على شهادة البكالوريوس، وهناك التقى
بصديق عمره الفنان عادل إمام، وجمعتهما خشبة مسرح الكلية بعد أن جمعتهما
الدراسة والحلم المشترك بالفن.
◙
تجربة السعدني أهلته لنيل العديد من الجوائز والتكريمات
خلال مسيرته الفنية تقديرا لإسهاماته المتميزة في الفن المصري
كانت بداية ممارسته للتمثيل مع مسرحية “ثورة الموتى” ثم
واكب انطلاق الدراما التلفزيونية في ستينات القرن الماضي، حيث انتقل إلى
مسرح التلفزيون بعد دعوة خريجي المعاهد والكليات، ليبدأ مشواره الفني مع
مسلسل “الضحية” وهو الجزء الأول من ثلاثية الأديب عبدالمنعم الصاوي، وتبعها
“الرحيل” و”الساقية” والتي أخرجها نور الدمرداش، والذي منحه بعد ذلك دورا
أكبر في مسلسل “لا تطفئ الشمس”.
واستمر لاحقا في تقديم المسلسلات التي شكلت الجزء الأبرز من
رصيده الفني، وصنع نجاحه التلفزيوني في مسلسلات منها “القاهرة والناس”
و”الأصدقاء”، “أبنائي الأعزاء.. شكرا” و”الزوجة أول من يعلم”، و”للثروة
حسابات أخرى”، لكن يظل مسلسل “ليالي الحلمية” بأجزائه المتتالية للمؤلف
أسامة أنور عكاشة هو أيقونة مشواره الفني حيث قدم فيه دور “العمدة سليمان
غانم” ليطلق عليه النقاد لاحقا لقب “عمدة الدراما المصرية”.
ومن أبرز أدواره التلفزيونية أيضا شخصية حسن النعماني في
مسلسل “أرابيسك” ونصر وهدان القط في مسلسل “حلم الجنوبي”. وفي السينما، ترك
السعدني بصمة مميزة من خلال عدد غير قليل من الأفلام منها “الغول” و”ملف في
الآداب” و”العملاق” و”صراع الأحفاد” و”درب الرهبة” و”العودة والعصفور”
و”المراكبي”، كما شارك في فيلم “الأرض” أيقونة المخرج الراحل يوسف شاهين.
كما قدم 5 عروض مسرحية، هي “الناصر صلاح الدين”، “زهرة
الصبار”، “الملك هو الملك”، “باللو باللو”، “ثورة الموتى”. وكانت أشهر
مسرحياته “الملك هو الملك” التي شاركه فيها المغني محمد منير عام 2006. وقد
غاب السعدني عن تقديم أي أعمال فنية منذ أكثر من عشر سنوات وابتعد عن
الظهور في وسائل الإعلام، حيث كانت آخر مشاركة له في مسلسل “القاصرات” عام
2013.
واعتبر الفنان الراحل، في تصريحات له، أن التلفزيون شكل له
إشباعا فنيا، وأن أعماله حققت نجاحا كبيرا، لاسيما مع كتاب كبار مثل أسامة
أنور عكاشة ومحسن زايد ووحيد حامد، ومخرجين مثل إسماعيل عبدالحافظ ومحمد
فاضل ومجدي أبوعميرة، وجمال عبدالحميد، ونور الدمرداش. ويصفه شقيقه الكاتب
الساخر الراحل محمود السعدني، في كتابه "المضحكون"، بأنه من ضمن "جيل
العيال" وهم "عادل إمام وسعيد صالح، ونبيل هجرس، وجمال إسماعيل، وماهر
تيخا، وفاروق فلوكس، وفاروق نجيب".
◙
الممثل الراحل استطاع خلال خمسة عقود من العمل بين المسرح
والسينما والتلفزيون، أن يصبح أيقونة فنية ونجما بين نجوم جيله
وقال الكاتب الراحل عن شقيقه ومن وصفهم بـ”جيل العيال” إن
“الفضل في ظهور هذا الجيل يرجع إلى مسرح التلفزيون، حيث سمح لهؤلاء
بالظهور، ولقد كان عادل إمام وصلاح السعدني طالبين في كلية الزراعة،
وبالطبع لو لم يظهر مسرح التلفزيون، لكان الاثنان معا يعملان الآن فى
سندبيس أو صحاري الوادي الجديد".
ووصف محمود شقيقه صلاح بأنه "ممثل موهوب وحساس لا بد أن يشق
طريقه إلى القمة يوما"، وهو ما حصل بالفعل. ونعت نقابة المهن التمثيلية في
مصر الممثل الكبير صلاح السعدني الذي توفي عن عمر ناهز 81 عاما، كما نعاه
عدد من النجوم المصريين والعرب عبر وسائل التواصل الاجتماعي منهم شريهان
وأحمد السقا ومنى زكي وماجد المصري ونهال عنبر وأحمد زاهر وسمية الخشاب
والممثل الكويتي طارق العلي والممثلة الأردنية صبا مبارك والممثلة
اللبنانية مادلين طبر.
كما نعاه الأب بطرس دانيال، رئيس المركز الكاثوليكي
للسينما، حيث نشر عددا من الصور التي جمعتهما سويا معلقا أن “الوسط الفني
فقد جوهرة خالدة وقيمة فنية نادرة لا تُعوّض…". وقالت وزيرة الثقافة
المصرية نيفين الكيلاني في بيان إن “الراحل لم يكن ممثلا موهوبا فقط، بل
كان فنانا مبدعا، صاحب رؤية ثاقبة، استطاع من خلال أدواره أن يلامس قلوب
الجماهير، ويجسد الواقع المصري بكل تفاصيله ببساطة وعمق في آن واحد".
وكان آخر ظهور للفنان الراحل، عبر مواقع التواصل الاجتماعي،
حيث نشر ابنه الفنان أحمد السعدني، صورة لوالده بمناسبة عيد ميلاده الحادي
والثمانين في أكتوبر الماضي، وهو يتصفح مقالا عنه في إحدى المجلات العربية. |