ملفات خاصة

 
 
 

«لا أرض أخرى»

صوت للسينما الحرة رغم أنف إسرائيل

خالد محمود

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 97)

   
 
 
 
 
 
 

كثير من الأفلام العالمية التى تنتمى إنتاجيًا وفكريًا للكيان الصهيونى فازت بجوائز الأوسكار، وهللت إسرائيل لها، ومعها آلتها الإعلامية، وكما تعلمون فإن معظم وسائل الإعلام ذات السطوة يسيطر عليها رأس المال اليهودى، ونماذج تلك الأعمال كثيرة، ومن أشهرها فيلم «قائمة شندلر» لستيفن سبيلبيرج، وآخرها «الوحشى» الذى توج بطله الممثل أدريان برودى بجائزة الأوسكار لأفضل ممثل، بعد أدائه دور مهندس معمارى مجرى يهاجر إلى الولايات المتحدة عقب نجاته من الهولوكوست، وهو الفوز الثانى له بهذه الجائزة المرموقة، والتى نالها للمرة الأولى قبل 22 عاما عن تجسيده شخصية أحد الناجين من الهولوكوست فى فيلم «عازف البيانو»، وهو ما يستدعى للأذهان مسألة متاجرة اليهود بقضية الهولوكوست المزعومة.

هنا تحيى إسرائيل السينما وتثنى على دورها طالما تساهم فى تبنى قضايا تزييف الوعى والتاريخ لصالحها، وعندما فاز مؤخرا الفيلم الفلسطينى «لا أرض أخرى» بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقى طويل فى نسخته الـ97، وهو الفيلم الكاشف لمجازر لا إنسانية لدولة الاحتلال؛ انقلب فكر ونظرة الحكومة الإسرائيلية للسينما وهاجمت منح الجائزة للفيلم.

وهنا أتوقف عند انتقاد وزير الثقافة الإسرائيلى ميكى زوهار، قرار منح «لا أرض أخرى» جائزة الأوسكار قائلا إن ذلك «لحظة حزينة لعالم السينما».!!

ندد «زوهار» بالقرار فى تدوينة على منصة إكس معتبرا أن الفيلم يشوه صورة إسرائيل.

وقال الوزير الإسرائيلى بكل فجاجة «بدلاً من تقديم تعقيدات الواقع الإسرائيلى، اختار صناع الفيلم تعزيز السرديات التى تشوه صورة إسرائيل أمام الجمهور الدولى، وفى الوقت الذى اعتبر فيه أنه حرية التعبير هى قيمة مهمة، اعتبر تحويل التشهير بإسرائيل إلى أداة للترويج الدولى ليس فنًا، بل تخريب ضد دولة إسرائيل، خاصة فى أعقاب مذبحة 7 أكتوبر والحرب المستمرة!!».

الوزير الإسرائيلى لم يتحمل فيلما كاشفا لعنصرية بلاده أمام العالم، وقلب موازين المعادلة فى المذابح والمجازر التى ارتكبوها فى حق الشعب الفلسطينى بل وحق الإنسانية كلها، وأراد أن تصمت السينما، وألا تبوح بقصص الجريمة الكبرى، وأن تكون موجهة لرؤية طرف واحد.

كشف الوزير الإسرائيلى عن هذا الفكر الصهيونى عندما قال: «لهذا السبب بالذات مررنا إصلاحًا فى السينما الممولة من الدولة ــ لضمان توجيه أموال دافعى الضرائب نحو الأعمال الفنية التى تخاطب الجمهور الإسرائيلى، بدلاً من صناعة سينما تبنى مسيرتها على تشويه إسرائيل أمام الساحة العالمية».

فيلم «لا أرض أخرى» ـ الذى أخرجه الرباعى الفلسطينيان باسل عدرا، وحمدان بلال، والإسرائيليان يوفال أبراهام، وراشيل سزور، وهم ناشطون داعمون لقضية فلسطين ـ يعرض قصة أسرة فلسطينية تهجِّرها الحكومة الإسرائيلية من منزلها فى قرية «مسافر يطا» بالضفة الغربية، ويسلط الضوء على جوانب من الوضع هناك من وجهة نظر صناعه، وهو يوثق إجلاء الفلسطينيين من منازلهم فى الأراضى المحتلة، وهدم السلطات الإسرائيلية المتواصل للمكان.

وبينما يحاول المجتمع الفلسطينى البقاء على قيد الحياة يتتبع الفيلم الوثائقى محاولة الحكومة الإسرائيلية إخلاء القرويين بالقوة، بعد أن ادعت ملكيتها للأرض لإقامة منشأة تدريب عسكرية وميدان رماية.

ويرى المشاهدون هدم الملعب المحلى، ومقتل شقيق المخرج باسل عدرا على يد جنود الاحتلال، وهجمات أخرى من قبل المستوطنين اليهود.

يظهر الفيلم أيضًا العلاقة الإنسانية بين عدرا وشريكه فى إخراج الفيلم، الصحفى الإسرائيلى يوفال أبراهام على الرغم من أن تصوير «لا أرض أخرى» انتهى قبل أن تهاجم حماس إسرائيل فى أكتوبر 2023، مما دفع إسرائيل إلى شن حربها على غزة، فإن موضوعات الفيلم الوثائقى ذات صلة بشكل خاص خلال وقت من الصراع المتصاعد فى الشرق الأوسط؛ حيث يواجه الفلسطينيون فى الضفة الغربية عمليات الإخلاء والاعتداء من قبل المستوطنين اليهود منذ عقود من الزمن.

قبل ساعات من فوز الفيلم بجائزة الأوسكار، تعرض سكان منطقة الضفة الغربية التى ظهرت فى مشاهد الفيلم الوثائقى لاعتداءات من قبل مستوطنين إسرائيليين بحماية من قوات إسرائيلية.

استخدم صناع الفيلم خطابات عاطفية لحظة قبولهم الجائزة لتسليط الضوء على آثار الحملات العسكرية الإسرائيلية فى غزة والضفة الغربية المحتلة.

وقال عدرا إن الفيلم «يعكس الواقع القاسى الذى نعانى منه منذ عقود، وهو واقع مستمر حتى اليوم، وندعو العالم إلى اتخاذ خطوات ملموسة لإنهاء هذا الظلم».

ودعا إلى إنهاء «التدمير الرهيب فى غزة» وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين.

وأضاف: «لقد صنعنا هذا الفيلم معًا، فلسطينيون وإسرائيليون، لأن أصواتنا معًا أقوى».

حصد الفيلم العديد من الجوائز فى العام الماضى، ولكن على الرغم من الإشادة التى حظى بها الفيلم من جانب النقاد، فقد تعرض صانعوه لانتقادات شديدة بسبب تعليقاتهم على الحرب فى غزة.

وانتقد مسئولون إسرائيليون إبراهيم عدرا بعد أن دعا إلى وقف إطلاق النار عند تسلمه جائزة أفضل فيلم وثائقى فى مهرجان برلين السينمائى الدولى فى فبراير الماضى، وتلقى إبراهيم بعدها تهديدات بالقتل.

وقال عدرا، وهو أب جديد، فى خطاب قبوله لجائزة الأوسكار، إنه يأمل ألا تضطر ابنته إلى عيش الحياة التى يعيشها الآن.. القلق الدائم، والخوف من هدم المنازل، وعنف المستوطنين، وتهديد التهجير القسرى الذى نواجهه نحن فى «مسافر يطا» كل يوم فى ظل الاحتلال الإسرائيلى.

«لا أرض أخرى» صوت للسينما الحرة والعدالة على الشاشة التى لم تتحقق بعد فى الواقع.. وليس كما يدعى الوزير الإسرائيلى خرابًا للسينما.

 

الشروق المصرية في

05.03.2025

 
 
 
 
 

ماجدة موريس تكتب:

لا أرض أخرى

توجت جائزة الأوسكار منذ أيام قليلة فيلم (لا أرض أخرى) كأفضل فيلم وثائقي عن العام ٢٠٢٤، ليؤكد الفن للمرة المليون أنه أفضل وسيلة  تعبير عن الحياة والواقع، وهو ما قدمه هذا الفيلم الفلسطيني من خلال طرح هموم مخرجه (باسل العدرا) ومعاناته منذ طفولته من التهجير القسري هو وعائلته من مكان لمكان، وهو ما تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلية مع أهله في منطقة يطا التي تقع في الضفة الغربية وتضم ١٩ قرية، وحيث أعلنت إسرائيل فجأة استقطاعها للمنطقة بكاملها وتخصيصها للتدريبات العسكرية لجيشها، وعلى سكانها تركها إلى مناطق أخرى للعيش فيها، وهي كارثة حلت بآلاف العائلات والسكان، وتهجير قسري حرم العائلات والأفراد من البقاء الآمن في أرضهم، وهو ما يقدمه الفيلم الذي شارك في إخراجه للنور آخرين مع (باسل العدرا) هم حمدان بلال، يوفال إبراهيم، وراحيل تسور وهو شاب إسرائيلي داعم للقضية الفلسطينية، والأربعة عملوا علي الفيلم منذ سنوات (أي قبل ٧ أكتوبر) في محاولة لتسجيل  الاعتداءات المستمرة علي الشعب الفلسطيني من قوات الاحتلال ومن المستوطنين الإسرائيليين والتي لم تتوقف عن محاولات إخراجه من أرضه وتطهيرها منه، الفيلم الذي صور على مدى خمس سنوات (٢٠١٩-٢٠٢٣) عرض للمرة الأولي في مهرجان برلين السينمائي الدولي في ١٢ فبراير من العام الماضي، وحصل علي جائزتين هما جائزة برلين لأفضل فيلم وثائقي وجائزة (الفيلم الأوروبي) لأفضل وثائقي، وفي يناير من العام الحالي رشح  لجوائز الأوسكار الأمريكية السابعة والتسعين  ليحصل علي الجائزة، وليدفع وزير الثقافة الإسرائيلي إلى إطلاق تصريحات غاضبة  في القناة الرابعة عشرة الإسرائيلية من نوع (أنه يوم حزين لإسرائيل) وأن صناع الفيلم اختاروا رواية حكايات ملفقة بدلا من عرض تعقيدات الواقع، وهكذا جاءت التصريحات الغاضبة  لحكومة احتلال متوحشة لم تتوقف عن ضرب الفلسطينيين ومحاولات تهجيرهم منذ سبعين عاما، وحتي اليوم، لكنها لن تستطيع أن توقفهم عن التعبير عن آلامهم بصناعة الأفلام التي تقدم للعالم ما يحدث لهم كل يوم.

من المكان صفر

لم يكن فيلم (لا أرض أخرى) الذي تبلغ مدته ٩٥ دقيقة هو الفيلم الفلسطيني الأول الذي يصل الي أبواب جوائز الأوسكار، ففي نفس هذا العام ٢٠٢٤، وصلت إليه مجموعة من الأفلام الفلسطينية القصيرة رأيناها في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في نوفمبر الماضي بعنوان (من المكان صفر) أخرجها مجموعة من صناع الأفلام الشباب عن كل ما يتعلق بغزة، وصوروها أثناء الحرب، أفلام عن التضييق علي حياة الغزاويين في بيوتهم، وشوارعهم، وحتي علي البحر والصيد، ومداهمات تطول المواطن في أي لحظة ولأي سبب، وقد اشرف علي هذه المجموعة (تضمنت ٢٢ فيلما قصيرا، وقصيرا جدا) المخرج الفلسطيني الكبير رشيد المشهراوي، الذي قدم أيضا فيلما جديدا عن ما يحدث في وطنه المحتل بعنوان (أحلام عابرة) ليضيفه إلي أعماله السابقة المهمة والتي رأيناها في مصر وحصل بعضها علي جوائز مهرجان القاهرة السينمائي الدولي مثل فيلم (حتي إشعار آخر)، ولا أظن محبي السينما في مصر ينسون الأفلام الفلسطينية المهمة والرائعة التي رأيناها عبر مهرجاناتنا، وعرفنا خلالها أسماء مبدعين ومبدعات كبار من فلسطين أمثال مصطفي ابو علي في البدايات ثم ميشيل خليفي، وايليا سليمان وكمال الجعفري وهاني أبو أسعد وغيرهم، ومن المخرجات المبدعات نبيهة لطفي، وعلياء ارصوغلي، وآن ماري جاسر وعرب لطفي ومي المصري ونجوي نجار وغيرهم، ليثبتوا أنهم حراس التاريخ والأرض التي يسعي المحتل لمحوها.

وهذا هو الفن حين يكون جزءا من المقاومة للظلم والعنف والاحتلال، وحين يقدم للعالم الأدلة علي التاريخ الطويل للوطن ضد الدعوات الي تهجير أهله من أرضهم وبيوتهم ليأخذ مكانهم آخرون.

 

الأهالي المصرية في

05.03.2025

 
 
 
 
 

الوثائقي "لا أرض أخرى" يفوز بأوسكار ويثير جدلا واسعا

الفيلم يتتبع الناشط الفلسطيني باسل عدرا وهو يخاطر بالاعتقال لتوثيق تدمير مسقط رأسه في الطرف الجنوبي للضفة الغربية.

القدس – فاز فيلم “نو أذر لاند” أو ما يعرف بالعربية “لا أرض أخرى” الذي تعاون على إخراجه مخرجون إسرائليون وفلسطينيون، بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي طويل التي أعلن عليها الاثنين، وتسلم الجائزة في مسرح دولبي في هوليوود الفلسطيني باسل عدرا، المولود عام 1996، والصحافي يوفال أبراهام، المولود في إسرائيل عام 1995.

وصور الفيلم في مسافر يطا في جنوب الضفة الغربية بالقرب من مدينة الخليل، حيث يوثق معاناة الفلسطينيين في تلك البلدات من خلال شاب يقاوم التهجير القسري لعائلات فلسطينية بعدما يعمد الجيش الإسرائيلي إلى هدم منازلها بشكل جماعي لإقامة مناطق عسكرية.

ويتتبع الفيلم الناشط الفلسطيني باسل عدرا وهو يخاطر بالاعتقال لتوثيق تدمير مسقط رأسه في الطرف الجنوبي للضفة الغربية، التي يقوم الجنود الإسرائيليون بهدمها لاستخدامها كمنطقة تدريب عسكرية. وتصطدم توسلات عدرا بصمت حتى يصبح صديقاً لصحافي إسرائيلي يهودي يساعده في نشر قصته.

ويظهر الفيلم جنودا إسرائيليين وهم يهدمون المنازل ويطردون السكان لإنشاء منطقة تدريب عسكرية، ورغم أن عدرا يصبح صديقا لأبراهام، إلا أن علاقتهما تواجه تحديات بسبب الفجوة بين ظروف معيشتهما، حيث أظهر الفيلم خلال الأحداث، توفر عوامل الأمان ومقومات الحياة للمستوطنات الموجودة في المنطقة في مقابل هدم المنازل الفلسطينية بالجرّافات وقطع مواسير المياه وخطوط الكهرباء التي تغذي المساكن الفلسطينية المتواضعة.

وأثار خبر فوز الفيلم جدلا في إسرائيل حيث ندد وزير الثقافة الإسرائيلي ميكي زوهار، بفوز الفيلم واصفا الفوز بأنه “لحظة حزينة للسينما.”

وقال الوزير في منشور له على منصة إكس “بدلا من عرض تعقيدات واقعنا، اختار صانعو الفيلم تكرار السرديات التي تشوه صورة إسرائيل في العالم.” وأضاف “حرية التعبير قيمة مهمة، لكن تحويل تشويه سمعة إسرائيل إلى أداة للترويج الدولي ليس إبداعا، إنه تخريب ضد دولة إسرائيل.”

وسبق أن فاز الفيلم الذي أنتج بميزانية متدنية، بجائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان برلين السينمائي، كما فاز بـ«جائزة الجمهور» في برنامج «البانوراما» لأفضل فيلم وثائقي، ضمن المهرجان لكنه لم ينجح حتى الساعة في التعاقد مع جهة للتوزيع في الولايات المتحدة.

ودعا الفلسطيني باسل عدرا الذي شارك في كتابة وإخراج الوثائقي، في كلمة أثناء تسلّم الجائزة، إلى إنهاء “التطهير العرقي” للفلسطينيين. وقال “أتمنى ألا تُضطر ابنتي أبدا إلى عيش الحياة التي أعيشها، مع كل هذا العنف وتدمير المنازل.”

أما زميله الإسرائيلي يوفال أبراهام المشارك أيضا في إخراج العمل، فقال “لقد صنعنا هذا الفيلم، فلسطينيون وإسرائيليون، لأن أصواتنا معا أقوى.” وأضاف “عندما أنظر إلى باسل أرى أخا، لكننا لسنا متساويين” في الحقوق.

 

العرب اللندنية في

05.03.2025

 
 
 
 
 

أوسكار "لا أرض أخرى" يستفز إسرائيل...وتهديدات لصنّاعه

محمد صبحي

فاز فيلم "لا أرض أخرى"، للفلسطيني باسل عدرا والإسرائيلي يوفال أبراهام، بالتعاون مع الفلسطيني حمدان بلال، والإسرائيلية راشيل سزور، بجائزة أوسكار أفضل فيلم وثائقي. لكن ليس الجميع في إسرائيل سعداء بهذا الفوز لأنه يعيد التذكير بأصل وفصل القضية: حكاية شعب وسكّان أصليين بمواجهة قوة استعمارية تحاول اقتلاعهم من أرضهم.

الفارق لا يمكن أن يكون أكبر، فعندما دعا الصحافي والمخرج الإسرائيلي الحائز جائزة الأوسكار مؤخراً، يوفال أبراهام، من خشبة مسرح حفلة توزيع الأوسكارات هذا العام، إلى تغيير المسار في فلسطين ووقف التطهير العرقي بحقّ الشعب الفلسطيني، صفّق الجمهور بحماسة. لكن في إسرائيل كان استقبال الجائزة متواضعاً.

ردود الأفعال بدأت سريعاً في أعقاب الفوز المهمّ وغير المتوقّع لفيلمٍ لم يجد إلى الآن موزّعاً أميركياً ليتسنّى للجمهور في الدولة الداعمة لإسرائيل مشاهدة الواقع القاسي الذي يعانيه الفلسطينيون منذ عقود. وقال وزير الثقافة الإسرائيلي مخلوف (ميكي) زوهار، إن الجائزة "لحظة حزينة في عالم السينما". وأضاف الوزير - المنتمي لحزب الليكود والمتحمّس لإعادة استيطان غزة - أن الوثائقي، الذي يوثق الطرد المنهجي للمزارعين الفلسطينيين من قراهم في الضفة الغربية، وسيلة "لتخريب دولة إسرائيل". واعتبر زوهار إن "حرية التعبير قيمة مهمّة"، لكن في هذه الحالة يتعلّق الأمر أكثر بكسب الاعتراف الدولي من بوابة "تشويه سمعة إسرائيل"!
في إسرائيل، ربما يساعد هذا التتويج المرموق في جعل الفيلم معروفاً لجمهور أكبر، على الأقل بالاسم. فرغم تتويج "لا أرض أخرى" بجوائز في العديد من المهرجانات، بما في ذلك جائزة مهرجان برلين لأفضل فيلم وثائقي العام الماضي، لم يجد إلى الآن طريقاً لعرضه في دولة الاحتلال، التي لا توفّر سلطاتها جهداً في التعتيم عليه وسدّ المنافذ أمام عرضه للجمهور. وعلى الأغلب لن يتمكّن نصف طاقمه الإخراجي (فلسطينيان وإسرائيليان) من السفر حتى لو عُرض الفيلم في دور السينما في القدس أو تل أبيب. واضطر صنّاع الفيلم إلى السفر إلى حفلة توزيع جوائز الأوسكار عبر طرق مختلفة، فطار يوفال أبراهام وراشيل سزور من تل أبيب، في حين اضطر الفلسطينيان باسل عدرا وحمدان بلال إلى اتخاذ طريق بديل عبر عمّان في الأردن.

الفيلم، وهو إنتاج مشترك بين فلسطين والنروج، ساهم في إخراجه رباعي مكوّن من الثنائي الفلسطيني باسل عدرا، وحمدان بلال، والثنائي الإسرائيلي يوفال أبراهام، وراشيل تسور، يتتبع قصة مخاطرة عدرا بالاعتقال أثناء محاولته توثيق تدمير الجنود الإسرائيليين لمسقط رأسه في قرية مسافر يطا، في الطرف الجنوبي بالضفة الغربية، ليلتقي بصحافي إسرائيلي يساعده في نشر قصّته ونقل معاناة الفلسطينيين في مواجهة ممارسات الاحتلال الإسرائيلي.

حالياً، يعيش حوالى ألف فلسطيني في مسافر يطا في مجتمعات صغيرة، يربّون الأغنام ويزرعون الخضروات والزيتون. لكن الجيش الإسرائيلي قرّر إقامة منطقة تدريب عسكرية هنا في ثمانينيات القرن العشرين لأن المشهد الجبلي يشبه في تضاريسه جنوب لبنان. لكن لم تُجر أي تدريبات. والآن أصبح سكّان مسافر يطا تحت التهديد المستمر - إما من جانب جيش الاحتلال الذي يهدم المنازل والمدارس والإسطبلات، أو من جانب عصابات المستوطنين العنيفة التي تجوب القرى. يوثّق "لا أرض أخرى" هذا المصير وتلك الوقائع الحيّة، على مدى سنوات، رافداً إياها بنهجٍ إسرائيلي في التدمير والتهجير والتغييب والنهب، سابق لحرب إبادة جديدة في غزة في أعقاب "طوفان الأقصى" (السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023).

قبل يومين من مغادرتهما إلى الولايات المتحدة، تواصلت "المدن" مع عدرا وأبراهام للإجابة على بعض الأسئلة، استكمالاً لحديثٍ ممتد منذ عرض الفيلم للمرة الأولى عالمياً في مهرجان برلين أوائل العام الماضي. وعند سؤالهما عمّا إذا كان الفيلم قد غيّر أي شيء بشأن عمليات الطرد والتهجير لعائلات مسافر يطا، قال الثنائي "أن الوضع لم يتحسّن. في الواقع، إنه أسوأ بكثير مما كان عليه في ذلك الوقت".

لكنه أيضاً فيلم عن الصداقة والتمسّك بالحياة والحفاظ على الإنسانية في أوقات الشدّة. يتحدث أبراهام وعدرا عن كيف أن واقع الضفة الغربية المحتلة يفرض أيضاً ضغوطًا على علاقتهما. ففي حين يستطيع أبراهام العودة إلى منزله إلى سرير دافئ بعد يوم من انتهاكات حقوق الإنسان الموثَّقة؛ في المقلب الآخر، عدرا مسلوب الهوية، تُنتهك حقوقه يومياً، وبجانب سريره ترقد كاميرته التي قد يضطر إلى الخروج بها في الليلة التالية لتصوير جرّافات مقتربة لهدم بيته أو بيت جيرانه.

يقول عدرا: "التصوير والتوثيق والتظاهر.. هذه هي الأدوات المتبقية لدينا للدفاع عن أنفسنا". ويضيف زميله الإسرائيلي "أنهم إن لم يفعلوا سيجدون أنفسهم جالسين هناك لإحصاء المنازل المُهدّمة". وعند سؤاله عمّا إذا كان هو نفسه عرضة للقمع الإسرائيلي، أجاب أبراهام: "إنني أدفع ثمناً أكبر في بيئتي الاجتماعية". لم يعد بعض أصدقائه يتحدثون معه. وبعد الجائزة في برلين، اضطرت والدة أبراهام إلى الفرار من منزلها لبضعة أيام لأنها تعرّضت للتهديد من قبل متطرّفين يمينيين. حتى أبراهام نفسه تلقّى تهديدات بالقتل، فقط لأنه جاهر بالوقوف إلى جانب الحقّ الفلسطيني بمواجهة ظلم وإجرام ترتكبهما دولته يومياً على مرأى ومسمع العالم.

 

المدن الإلكترونية في

06.03.2025

 
 
 
 
 

فيلم «لا أرض أخرى»… الوثائقي بوصفه حدثاً مستمراً

سليم البيك

لا قيمة أعلى لفيلم وثائقي من استمراريةٍ للحالة الموثَّقة إثر خروج الفيلم، ومن راهنيةٍ دائمة لموضوع الفيلم، ومستجدّة لسنوات لاحقة لحدث الفيلم. هذا أبرز ما يميز الوثائقي «لا أرض أخرى» (No Other Land)، ولعل ذلك آتٍ من الخلفية الناشطيّة لصنّاع الفيلم: باسل عدرا ويوفال أبرهام، وحمدان بلال وراشيل تسور.

أمام الكاميرا نرى باسل ويوفال، صديقين يمضيان الوقت في تتبع عمليات الهدم والاعتداء والتهجير، التي يقوم بها كل من الجيش الإسرائيلي والمستوطنين في قرية مسافر يطا، قرب مدينة الخليل. العمليات الاستعمارية هذه سابقة للفيلم ولاحقة له. هذه الاستمرارية واضحة إما من خلال لقطات أرشيفية (كاميرا منزلية تحديداً) أو أخرى حدثيّة (كاميرا موبايل تحديداً)، الأولى تسبق الفيلم والأخيرة تلحقه، ما يعطي معنى محلياً لمسافر يطا، يكون مثالاً عينيّاً وبيّناً على «استمرارية النكبة».

هذه الاستمرارية استطاعت أن تكون من خلال «لا أرض أخرى»، تقنيةً سينمائية. فالسياق الأرشيفي الذي تخلّلَ مَشاهد الفيلم، أوصلنا، من بعد متن الفيلم وموضوعه وهو العمليات الاستعمارية خلال التصوير، المزامنة له، أوصلنا إلى نهاية الفيلم من الناحية السردية، لتَظهر إشارة بأن اللقطات التالية صوّرها باسل ما بعد الانتهاء من العمل على الفيلم، وهي صور أمكن لها أن تكون سابقة لتصوير الفيلم أو مزامنة، أي أمكن لها أن تكون أرشيفية أو حدثيّة راهنة، لتمدّ الفيلم، غير المنتهي، إلى ما بعد لقطته الأخيرة، إلى استمرارية تجعل من المأساة الفلسطينية في سياقها هنا، مسافر يطا، مستمرةً منذ ما قبل الفيلم وزمانه (أرشيفاً) إلى ما بعده (حدثاً). فلا نقطة استهلال ولا ختام للفيلم. هو حالة مستمرة، نبدأ بالمشاهدة كأننا في منتصفه، ننتهي من المشاهدة كأننا ما زلنا في منتصف آخر له. يمكن أن ننتهي من الفيلم فنفتح قناة أخبار لنجد «عاجلاً» من مسافر يطا (أو غيرها بطبيعة الحال) يؤكد تلك الاستمرارية للفيلم.

هذا كله في حلقة مفرغة تتكرّر فيها المَشاهد ذاتها، كأنّ الزمن لا يتقدّم، تماماً كما قال واحد من أهالي القرية في الفيلم، إن الجيش يهدم بيته وهو يبنيه من جديد، هم يهدمون وهو يبني، إنه يمضي حياته كلّها في بناء بيوت بعد تهدّم أخرى.

يتساءل باسل ويوفال في الفيلم حول كيفية إيصال ما يحدث في قرية الأول، إلى العالم، وإيجاد طريقة غير رفع الفيديوهات على وسائل التواصل، ومراقبة عدد المشاهدات. كأن الفيلم كله، أخيراً، كان لهذه الغاية، بأن اشهدوا ما تفعله إسرائيل، وبالتصوير في واقعية قصوى، كأنها مادة خام، من دون التفذلك فنياً وإظهار مهارات اللعب في برامج غرافيكية، تقتل عفوية الوثائقي ومصداقيته. هي عقلية الناشط الحقوقي والمهموم بإيصال القصة، مضمونها من دون شكليات فنّية، لا باللعب فيها شكلاً ولا التلاعب بها موضوعاً، هي العفوية المطلوبة في الوثائقيات. ولعل هذه العفوية وما تحمله من مصداقية تجاه موضوع الفيلم وناسه ومكانه، والانتماء إليها كلها، منحت الفيلم مساحات استحقها، منحته قبل أيام جائزة أوسكار أفضل فيلم وثائقي، في لحظة تاريخية، سياسية وسينمائية، للفلسطينيين.

في الفيلم كلام وصور لا يخبو صدقها، فاستحق مكانةً استثنائية، منذ جائزة الفيلم الوثائقي في مهرجان برلين السينمائي العام الماضي، رغم موضوعه ومعالجته، حتى جائزة الأوسكار أخيراً، مروراً بترشيحات وجوائز لم يسبقه إليها، على الأرجح، وثائقي آخر لفلسطيني أو بموضوع فلسطيني، ومشاركاتٍ مهرجاناتية شاسعة، آخرها هذه الأيام في مهرجان السينما الفلسطينية في مدينة تولوز جنوبي فرنسا.

تحوّلَ الخبر الفلسطيني إلى عالميٍّ أوّلَ أو باهتماماتٍ أولى، بشكل غير مسبوق، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، مرفقاً بوحشية الإسرائيليين، دولةً وجيشاً ومستوطنين، في قطاع غزة وكذلك الضفة الغربية وفيها مسافر يطا، إضافة إلى المهزلة الألمانية التي اتهمت المهرجان والفيلم شاملاً مخرجَه الإسرائيلي، بمعاداة السامية، وتبرير وزيرة الثقافية آنذاك بتصفيقها إثر الإعلان عن الجائزة بأنه، التصفيق، كان للإسرائيلي مستثنياً المخرجَ الفلسطيني، وغيرها مما كان عاملاً موضوعياً لا أقول ساعد الفيلم على الانتشار، بل كشفَ الحاجة لدى العالم والمشاهدين، لتعريض أنفسهم مباشرة إلى فيلم نَقل كأنه بثٌّ حي، عيّنةً من المآسي الفلسطينية التي أظهرت، أكثر، لمن لم يرَ بعينيه بعد، أن الحرب الإبادية في قطاع غزة اليوم هي حالة ضمن غيرها، من سياسة الإبادة، تهجيراً وقتلاً وتدميراً، سابقة لزمان تلك الحرب وخارجة عن مكانها، أنها متعلّقة بالوطن الفلسطيني بمعزل عن اسم المدينة والقرية والمخيم، وبالدولة الإسرائيلية بمعزل عن أي اسم فيها. وأنها، دائماً، مستمرة. هو حال النكبة، مكاناً وزماناً.

 

القدس العربي اللندنية في

07.03.2025

 
 
 
 
 

Companion... الوحوش لا تأتي من الخارج

لبنى صويلح

أصبح الحديث عن العلاقة بين البشر والتكنولوجيا أكثر من مجرد تساؤل فلسفي أو هاجس مستقبلي، إذ تحول إلى واقع يومي يفرض نفسه. لم يعد السؤال: هل بإمكاننا التأقلم مع هذا الواقع؟ بل متى يخرج عن السيطرة؟ في فيلم الخيال العلمي Companion للمخرج درو هانكوك، تأخذ هذه التساؤلات بعداً أكثر قتامة وتكشف كيف يمكن للتطور التقني أن يؤجّج أسوأ النزعات في الإنسان. في أجواء من الرعب النفسي، يعكس الفيلم واقعاً أقسى مما نود الاعتراف به، فلا تأتي الوحوش من المستقبل، بل من دواخل النفس البشرية.

تبدو إيريس (صوفي تاتشر) للوهلة الأولى غارقة في سعادتها مع جوش (جاك كويد). تسترجع ذكرى لقائهما الأول الذي يبدو كأنه مشهد مألوف من أحد الأفلام الرومانسية: صدفة في السوبر ماركت، وارتباك، وضحكات متبادلة، وانجذاب واضح. لكن هذه الصورة الحالمة سرعان ما تبدأ بالتلاشي حين ترافقه لقضاء عطلة نهاية الأسبوع مع أصدقائه في منزل ريفي منعزل. إحساس غامض بعدم الأمان يتسلل إليها، بينما تعكس ملامحها قلقاً مكبوتاً، من دون تفسير واضح. "فقط ابتسمي وكوني على طبيعتك"، يقترح جوش ببساطة. لكن كلماته تترك أثراً معاكساً، وكأنها تذكيرغير مباشر بأنها لا تنتمي إلى المكان. إيريس متعلقة بجوش بطريقة شبه مرضية. تحاول تثبيت وجودها في عالم لا يمنحها الطمأنينة، يبدو واضحاً أن جوش لا يشاركها الاندفاع العاطفي نفسه وأن مسافة تفصل بينهما. في الخلفية، نجد مظاهر توحي بزمن الأحداث: تقنيات ذكية وواجهات رقمية تملأ المساحات، لمسات صغيرة ولكن واضحة، تشكّل ملامح عالم تفرض فيه التكنولوجيا نفسها في كل تفصيل.

للوهلة الأولى، قد يبدو فيلم Companion كأنه يتناول العلاقة بين البشر والذكاء الاصطناعي، لكنه في العمق استكشاف للعلاقات السامة وتشييء النساء وتحول الحب إلى سلعة. يقدّم نموذجاً للرجل الذي يسعى إلى تشكيل المرأة حسب رغباته، وفي لحظة تمرّدها على هذه السلطة، يصبح مستعداً لتدميرها بالكامل. هناك صورة واضحة لرجل غير واثق بنفسه، غير قادر على التعامل مع امرأة تمتلك ذكاءً واستقلالية، فيلجأ إلى الأنظمة الذكية أداةً للتحكم. هذه العلاقة تكشف عن نمط قديم متأصل، فكانت السلطة الذكورية تمارس الهيمنة على النساء بآليات مختلفة، وجاءت التكنولوجيا اليوم لتعزز هذا النمط بأدوات جديدة.

العلاقات في الفيلم طفيلية، تمثّل صورة مجازية لمستقبل ديستوبي، حيث الأنانية المطلقة والمصلحة الشخصية هما القوة الدافعة للشخصيات، المستعدة لفعل أي شيء لتحقيق رغباتها، من دون اكتراث بالأذى الذي قد تلحقه بالآخرين. هذا التجسيد يعكس مصير العلاقات الإنسانية في عالم يصبح فيه الانغماس في الأنا والمصلحة الذاتية هو الذي يحرّك الجميع، ما يفرغ العلاقات من جوهرها الإنساني لصالح منطق القوة والسيطرة.

إيقاع Companion سريع للغاية، فيبدأ الصراع مبكراً. ورغم أن هذا يساعد في جذب الانتباه، إلا أنه يأتي على حساب التعمق في بناء الشخصيات. لا يعطى المشاهد الوقت الكافي لفهم دوافع الشخصيات أو تكوين روابط عاطفية معها. وعندما يسعى الفيلم لاحقاً إلى إضفاء عمق على شخصية جوش، يكون الأوان قد فات.

الأداء التمثيلي لا يعوض هذا النقص، ما يجعل بعض اللحظات العاطفية في النهاية تبدو مفتعلة بدلاً من أن تكون مؤثرة. ومع ذلك، يحافظ الفيلم على عنصر التشويق، إذ يمزج بين الخيال العلمي والرعب بابتكار، ويطرح نقداً للعلاقات السامة في العصر الحديث. رغم المشاكل الواضحة في تطوير الشخصيات، يظل الفيلم قادراً على إبقاء المشاهد مشدوداً إلى أحداثه حتى النهاية. لا يمكن تجاهل أداء صوفي تاتشر في دور إيريس، إذ تتصارع البراءة مع رحلة البحث عن الذات. يبرز أداؤها خصوصاً في لحظات الصمت؛ فتنقل لنا، من خلال تعبيرات وجهها وإيماءاتها، كل ما يعتمل داخل إيريس. كل نظرة تحمل بين طياتها تساؤلات عن هوية شخصية قد تكون مجرّد محاكاة، وهم من صنع الآخر.

في هذا الفيلم، تتنافس التكنولوجيا مع الإنسانية، ويبقى العنصر الأكثر تأثيراً هو القدرة البشرية على التعبيرعن مشاعر حقيقية، تلك التي لا يمكن استبدالها بخوارزميات. في Companion، ليس الإنسان وحده من يُستبدل بالذكاء الاصطناعي، بل حتى العواطف البشرية تتحول إلى سلعة، قابلة للبرمجة وفقاً للرغبات. في عالم تحركه البيانات والأرقام، يتلاشى التفاعل الإنساني تدريجياً، ويختزل الإنسان إلى مجرد رقم قابل للتعديل. هذا ليس مجرد صراع مع الآلات، كما قد يظن بعضهم، بل صراع نفسي يعكس الأزمة الوجودية التي نعيشها، إذ تتسع الفجوة بين البشر وطموحاتهم. الأسئلة التي يطرحها

Companion حول الهوية والرغبات وتفكك الروابط العاطفية تعكس ما يعيشه الإنسان في سعيه المستمر إلى فهم ذاته في عصرنا شديد التعقيد. هذا التوغل التكنولوجي في الهوية البشرية قد يصبح واقعاً في المستقبل القريب، ما يثير تساؤلات حول الحدود بين الواقع والخيال العلمي.

 

العربي الجديد اللندنية في

08.03.2025

 
 
 
 
 

مخرجا الفيلم «نحن معا أقوى» فلسطينى وإسرائيلى

يحصدان أوسكار 2025 بفيلم «لا أرض أخرى» NO OTHER LAND

كتب فاتن الحديدى

حصد فيلم «لا أرض أخرى»، الذى يتناول تهجير إسرائيل لمجتمع فلسطينى،  جائزة الأوسكار للأفلام الوثائقية الطويلة  2025، ودعا اثنان من مخرجى الفيلم، الصحفى الفلسطينى باسل عدرا الذى أصبح أول صانع أفلام فلسطينى يفوز بجائزة الأوسكار، والصحفى الإسرائيلى يوفال إبراهام، العالم إلى إنهاء ما وصفاه بـ«التطهير العرقى للشعب الفلسطينى» وناشدا العالم المساعدة فى إنهاء الصراع واتهما الولايات المتحدة بعرقلة الحل.

صنع هذا الفيلم مجموعة فلسطينية - إسرائيلية مكونة من أربعة ناشطين شباب، كعمل من أعمال المقاومة الإبداعية لنظام الفصل العنصرى والبحث عن مسار نحو المساواة والعدالة.

انتهى تصوير فيلم «لا أرض أخرى» قبل هجوم حماس على إسرائيل فى أكتوبر 2023، مما دفع إسرائيل إلى شن حربها على غزة، وموضوعات الفيلم الوثائقى ذات صلة خاصة خلال فترة من الصراع المتصاعد فى الشرق الأوسط.

وقال باسل عدرا: «قبل شهرين تقريبًا، أصبحت أبًا، وأملى لابنتى ألا تضطر إلى العيش بنفس الحياة التى أعيشها الآن، حيث الخوف الدائم من المستوطنين والعنف وهدم المنازل والتهجير القسرى».

وأوضح يوفال إبراهام: «لقد صنعنا هذا الفيلم، فلسطينيون وإسرائيليون، لأننا معًا نكتسب أصواتنا قوة».

وتابع : «عندما أنظر إلى باسل، أرى أخى،  لكننا غير متساوين. نحن نعيش فى نظام حيث أنا حر بموجب القانون المدنى وباسل يخضع لقوانين عسكرية تدمر حياته ولا يستطيع السيطرة عليها. هناك طريق مختلف. حل سياسى،  دون تفوق عرقى،  مع حقوق وطنية لكلا شعبينا. ويجب أن أقول، وأنا هنا، إن السياسة الخارجية فى هذا البلد تساعد فى عرقلة هذا الطريق».

خمس سنوات

قضى المخرجان المشاركان، الناشط الفلسطينى باسل عدرا والصحفى الإسرائيلى يوفال إبراهام، خمس سنوات فى إنتاج الفيلم، الذى يوثق قيام الجنود الإسرائيليين بهدم المنازل وتهجير السكان قسرًا لإقامة منطقة تدريب عسكرية، إضافة إلى اعتداءات المستوطنين اليهود على المجتمع الفلسطينى.

يسلط الفيلم الوثائقى الذى بلغت مدته 95 دقيقة، الضوء على الواقعين المتوازيين  اللذين يعيش فيهما الصديقان - إبراهام بلوحة  أرقامه الإسرائيلية الصفراء التى تسمح له بالسفر إلى أى مكان، وعدرا محصور فى منطقة تضيق باستمرار بالنسبة  للفلسطينيين.

 وقال عدرا عند صعوده إلى المسرح: «لا أرض أخرى  يعكس الواقع القاسى الذى نتحمله منذ عقود وما زلنا نقاومه، بينما ندعو العالم إلى اتخاذ إجراءات جادة لوقف الظلم ووقف التطهير العرقى للشعب الفلسطينى». 

وأضاف إبراهام، وهو يقف بجانب المخرج المشارك: «لقد صنعنا هذا الفيلم، فلسطينيون وإسرائيليون، لأن أصواتنا معًا أقوى». 

وتابع: «نرى بعضنا البعض، والتدمير الوحشى لغزة وشعبها الذى يجب أن ينتهى،  والرهائن الإسرائيليين، عندما أنظر إلى باسل، أرى أخى ولكننا غير متساوين. نحن نعيش فى نظام حيث أنا حر بموجب القانون المدنى وباسل تحت القانون العسكرى الذى يدمر حياته ولا يستطيع السيطرة». 

وأوضح إبراهام «هناك طريق مختلف. حل سياسى دون تفوق عرقى،  مع حقوق وطنية لكلا شعبينا. ويجب أن أقول وأنا هنا، إن السياسة الخارجية فى هذا البلد تساعد فى عرقلة هذا المسار.. ولماذا؟ ألا ترى أننا متشابكون؟ إن شعبى يمكن أن يكون آمنًا حقًا إذا كان شعب باسل حرًا وآمنًا حقًا. هناك طريق آخر. لم يفت الأوان بعد على الحياة، وعلى الأحياء».

دعوة ترامب مرفوضة

انتقد مخرجا فيلم No Other Land، بعد فوزهما بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقى،  السياسة الخارجية الأمريكية التى تعوق تحقيق السلام. كما أعربا عن رفضهما لدعوة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، التى أطلقها الشهر الماضى،  لحث الفلسطينيين على الهجرة من غزة إلى دول مثل مصر والأردن، وهى دعوة قوبلت بإدانة واسعة فى الشرق الأوسط وخارجه، لما تحمله من تهديد خطير للاستقرار فى المنطقة.

إسرائيل غاضبة

وأعرب وزير الثقافة الإسرائيلى ميكى زوهار عن أسفه على فوز الفيلم ووصفه بأنه تخريب و«لحظة حزينة للسينما»، لأنه قدم ما وصفه برؤية مشوهة لإسرائيل، التى لا تزال تعانى من هجوم حماس على إسرائيل فى 7 أكتوبر 2023

وقال زوهار إن حرية التعبير قيمة مهمة، لكن استخدام التشهير بإسرائيل كأداة ترويجية دولية يضر بدولة إسرائيل، معتبرًا فوز الفيلم بالجائزة يوضح الحاجة إلى إصلاح مستمر يهدف إلى ضمان تخصيص الموارد العامة للأعمال التى تتحدث إلى الجمهور الإسرائيلى

وانتقد مسئولون ألمان وإسرائيليون رفيعو المستوى إبراهام بعد أن دعا إلى وقف إطلاق النار عند قبوله جائزة أفضل فيلم وثائقى فى مهرجان برلين السينمائى الدولى فى فبراير. وقال إبراهام إنه تلقى بعد ذلك تهديدات بالقتل.

أحداث الفيلم 

تدور أحداث الفيلم حول الناشط الفلسطينى باسل عدرا، الذى يوثق مجتمعه فى بلدة مسافر يطا أثناء تعرضها للتدمير على يد الاحتلال الإسرائيلى،  بينما يبنى تحالفًا غير متوقع مع صحفى من الجانب الآخر يشارك فى نضاله.  

يُسجل باسل عملية التدمير التدريجى لمسافر يطا منذ طفولته، ويقاوم الطرد الجماعى لمجتمعه، حيث يهدم الجنود منازل العائلات فى واحدة من أكبر عمليات التهجير القسرى التى ينفذها الاحتلال الإسرائيلى فى الضفة الغربية المحتلة.  

خلال رحلته، يلتقى باسل بالصحفى الإسرائيلى يوفال، الذى يسعى للانضمام إلى معركته، وعلى مدار أكثر من نصف عقد، يخوضان معًا نضالًا مستمرًا ضد الطرد، بينما تتوطد علاقتهما رغم التباينات العميقة بينهما، باسل، الذى يعانى من الاحتلال العسكرى الوحشى،  ويوفال، الذى يتمتع بالحرية المطلقة.  

يمثل فيلم «لا أرض أخرى» شكلًا من أشكال المقاومة الإبداعية ضد الفصل العنصرى،  وسعيًا نحو العدالة والمساواة.  

تم تصوير الفيلم فى مسافر يطا، الواقعة جنوب الضفة  الغربية،  وهى أرض فلسطينية تحتلها إسرائيل منذ عام 1967حيث يسلط الفيلم الضوء على نضال شاب فلسطينى ضد ما وصفته الأمم المتحدة بالتهجير القسرى لسكان القرى فى المنطقة.  

كانت إسرائيل قد أعلنت مسافر يطا منطقة عسكرية، وفى مايو 2022  أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية حكمًا لصالح الجيش، مما مهد الطريق لطرد سكان ثمانى قرى بهدف إنشاء ميدان رماية. وقد أدانت الأمم المتحدة مرارًا عمليات الاستيطان الإسرائيلى فى الضفة الغربية باعتبارها انتهاكًا للقانون الدولى.  

يروى «لا أرض أخرى» قصة الهدم المستمر لمسافر يطا، حيث يعيش المخرج باسل عدرا مع عائلته، حيث  يتتبع الفيلم محاولات الحكومة الإسرائيلية إخلاء القرويين بالقوة، بحجة تخصيص الأرض لمنشأة تدريب عسكرية منذ عام 1981، ويعرض مشاهد قاسية، مثل هدم الملعب المحلى،  ومقتل شقيق عدرا برصاص الجنود الإسرائيليين، وهجمات المستوطنين اليهود، بينما يصارع المجتمع للبقاء.  

ظلم وتنكيل

قبل ساعات من فوز الفيلم بجائزة الأوسكار، تعرض سكان المنطقة فى الضفة الغربية، التى وثقها الفيلم، لهجوم من قبل مستوطنين إسرائيليين برفقة القوات الإسرائيلية، وفقًا لوكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية «وفا».

ونقلت «وفا» عن جهاد نواجعة، رئيس مجلس قرية سوسيا، أن قوات الاحتلال احتجزت ثلاثة أشخاص فى المنطقة، بينما هاجم المستوطنون سكان قرية خربة عسفى فى مسافر يطا، حيث قاموا برشقهم بالحجارة، وتدمير الألواح الشمسية، وإلحاق أضرار بخزانات المياه.

 

مجلة روز اليوسف المصرية في

09.03.2025

 
 
 
 
 

هل نالت فلسطين أول جائزة أوسكار مع «لا أرض أخرى»؟

سليم البيك

لا يقتصر الموضوع على جائزة الأوسكار، فقد استهلّ فيلم «لا أرض أخرى» مشواره في مهرجان برلين السينمائي العام الماضي، خارجاً منه بجائزة أفضل فيلم وثائقي، وهذه سابقة فلسطينية، ماراً، الفيلم، بمهرجانات وجوائز، ليصل أخيراً، بعد أكثر من عام، إلى حفل الأكاديمية فيخرج منه بأوسكار أفضل فيلم وثائقي. الفيلم نال بالجائزتين العاليتين والعالميّتين، أفضل ما ناله وثائقي من أو عن فلسطين على الإطلاق. أما الأوسكار، فهي الجائزة الأعلى التي ينالها فيلم من وعن فلسطين، قطعاً، شاملاً كلامي هذا كافة الأعمال السينمائية، روائية ووثائقية. لنحكِ أكثر في ذلك.

كانت المقدمة أعلاه إجابة مستبِقة للنقاش أدناه، وهو في كون الفيلم فلسطينياً أصلاً. لنحدّد أولاً ما يمكن أن يجعله لا-فلسطينياً. مشاركة إسرائيلي في صناعه؟ لكن هذه المشاركة آتية من مشاركة أسبق له هي في تواجده مع أهالي مسافر يطا في نضالاتهم ضد التهجير، تواجدٌ وصل حدّ الشراكة أوصل إلى نتيجة أخيرة هي الفيلم الموثِّق لتلك النضالات. ليست الشراكة إذن من منطلق فني لكن تضامني على الأرض ممتد لسنوات، ومتموقع في أرض الحدث. هو ليس موقفاً سياسياً مطروحاً من موقع مريح وكفى، بل ممارسة تضامنية على الأرض بُني عليها الفيلم.

لكن حتى في موضوع المشاركة الفنية، فبعض من أبرز الأفلام في مسيرة السينما الفلسطينية كان بمشاركات إسرائيلية تقنية وفنية وتمثيلية وأحياناً إنتاجية (لظروف خاصة كحال الفيلم الأول لمخرجه). والتعقيد والتشابك في وضع فلسطينيي الداخل (في الـ ٤٨) يقحم اضطرارات قاسية كهذه. ليس مشاركة يوفال أبراهام إذن عائقاً في تصنيف الفيلم فلسطينياً.

والفيلم، بخلاف غيره، لم يمثّل دولة إسرائيل في المهرجانات، فلا جهة إنتاج إسرائيلية فيه. مثّل فقط فلسطين والنرويج. وخطأ صحافي مريع انتشر أخيراً، في أن الفيلم فلسطيني/إسرائيلي. لا. هو فلسطيني/نرويجي، وهو لفلسطيني وإسرائيلي. ويمكن لمن يبحث في عناصر خارج الفيلم ذاته، أن يجد في الهلع والسعار الإسرائيليين بالتهجّم على الفيلم، قيمةً معنوية مضافةً لفلسطينيّته، لا نرويجيّته.

أما فلسطين: الفيلم أولاً وثانياً وثالثاً يخدم السردية الفلسطينية، وهو بموضوع وشخصيات فلسطينية، وبنصف صناعة فلسطينية ونصف آخر إسرائيلي كان من موقع المشاركة مع أهالي مسافر يطا، أحداثاً وتوثيقاً. الأساس إذن كان أهالي مسافر يطا وما دونهم كان تابعاً.

أما النرويج: فجهة إنتاج أوروبية كما هو حال الأغلبية الساحقة من السينما الفلسطينية، والعربية والجنوب-عالمية المستقلة. ما الذي يكونه الفيلم إذن، نرويجي؟ هو نرويجي بقدر ما هو أي فيلم فلسطيني آخر فرنسي أو ألماني أو هولندي مثلاً. الشراكة في الإنتاج مسألة طبيعية بل ضرورية في الصناعة السينمائية، حتى في إنتاجات دول الغرب. الإخراج والموضوع ومعهما الإنتاج الأوّلي، تحدد هوية الفيلم، أي تصنيفه لدى المهرجانات حيث ينطلق بعروضه الأولى، هي الكلمات اللازمة عند خانة «الدولة». حتى لو تركنا الرغبة في التصنيف الفلسطيني للفيلم، واتجهنا للبحث في تصنيفات أخرى، فإن الفيلم ضيَّق على هذا التفادي في حصر «الدول» بفلسطين والنرويج، وليس في الفيلم ما هو نرويجي سوى الإنتاج، وهذا عرفٌ ممتد على عموم الصناعة السينمائية اليوم، إذ لا تُحدد الشراكة في الإنتاج هوية الفيلم. لم يبقَ إذن، تفادى أحدنا ذلك أم تقصّده، سوى «فلسطين» تصنيفاً لـ «دولة» الفيلم.

ولا ضرر إن ذهب أحدنا أبعد وصنّفه فيلماً خليليّاً.

أما وقد نفينا الاحتمالات الأخرى، فلنبحث أدناه في «فلسطينية» الفيلم.

لكن لا حاجة فعلياً لنفي الاحتمالات الأخرى، وهي النرويج فقط، كي نمنح الفيلمَ تصنيفاً فلسطينياً، ولا ضرورة لجلد ذات في القول: فليبقَ الفيلم غير محدّد، في حالة انعدام الجنسية (Statelessness)، وهي حالة غير لطيفة عاشها صاحب هذه الأسطر لعشر سنوات في فرنسا. في الفيلم ما يرمي عنه غير ما هو فلسطيني، وفيه كذلك ما يرمي عليه انتماءً فلسطينياً أبعد من كلمة «فلسطين» أمام اسم «الدولة» في بطاقة الفيلم لدى هذا المهرجان أو ذاك.

«لا أرض أخرى» (No Other Land)، انطلق إلى العالم في البرليناله ضمن مسابقة «بانوراما»، وتتالت من بعده المشاركات والجوائز. هو من صناعة أربعة نشطاء لا خلفية سينمائية معروفة لديهم. فصناعة الفيلم أتت كعمل ناشطي في قرية مسافر يطا قرب الخليل في الضفة، وتحوّل هذا العمل إلى فيلم وقّع عليه إخراجاً ومونتاجاً كل من باسل العدرا ويوفال أبرهام، وحمدان بلال وراشيل تسور. اشتغل على الموسيقى أيسلندي، وتصميم الصوت نرويجي، وهو لشركة الإنتاج «أنتيبود»، يديرها نرويجي وفرنسي.

تقوم الأفلام المستقلة اليوم على شراكات في الإنتاج، وهوية الفيلم يحددها صانعه أولاً، أما في الحالة الفلسطينية حيث تتشابك القضية مع الانتماء مع الهوية، فنجد أفلاماً، وهي كثيرة وتحديداً الوثائقيات، فلسطينية بموضوعها وشخصياتها، وتكون بإخراج أوروبي وإنتاجات مشتركة، لكنها تبقى ضمن السينما الفلسطينية التي تتسع لما يصنعه غير فلسطينيين، بل كانت تتسع لأفلام يصنعها متضامنون منذ السبعينيات، ولا تزال. ومن دون الإنتاجات المشتركة أو التقنيين الأجانب، لما وجدت اليوم سينما فلسطينية. إذن لا يكون الفيلم الفلسطيني بمُخرج فلسطيني حصراً، وأصلاً لا يمكن أن يكون بحصرٍ فلسطينيٍّ للإنتاج أو التقنيين.
اعتباراً لما ذكرته أعلاه عن الشراكة الإسرائيلية في الإخراج والمونتاج لفيلمنا هذا، وهي متساوية بالنصف مع الفلسطينيّين، واعتباراً لموقع الإسرائيليين في الشراكة مع أهالي مسافر يطا في صناعة الحدث والموضوع قبل صناعة الفيلم، واعتباراً للتداخلات الإسرائيلية والتدخّلات في تاريخ السينما الفلسطينية، وإن تمنى أحدنا خلاف ذلك، واعتباراً لحال السينما المستقلة عالمياً وتشابك الاختصاصات التقنية والهويات الوطنية، وباعتبار المقالة أعلاه من سطرها الأول هي مقدِّمة، ستكون مقدمة لنتيجة أنّ «لا أرض أخرى» فيلم فلسطيني لا غبار عليه.

بالتالي، تعلن هذه الأسطر أننا أمام أول جائزة أوسكار فلسطينية. أول جائزة أوسكار لفلسطين. أول فلسطيني ينال جائزة أوسكار.

لهذه الجائزة الأمريكية أهميتها لأسباب يطول شرحها، لكن قبلها كان للفيلم مشوار لا يقل أهمية عن هذا التكريم، وهو تكريم ليس ختامياً، فالأوسكار فتح أمام الفيلم أبواباً جديدة، مجدِّداً مشواره. «لا أرض أخرى» الذي نال أكبر جائزة مهرجاناتية في تاريخ الوثائقيات الفلسطينية، هي أفضل وثائقي في مهرجان برلين السينمائي، نال ما قد لا يقل عن ذلك أهمية، فللمهرجان البرليني أهمية خاصة في كونه واحداً من أكبر ثلاثة مهرجانات سينمائية، مع مهرجانَي كانْ وفينيسيا. لكن الفيلم نال كذلك، في نوعه، الوثائقيات، جوائز تتفاوت في تسمياتها، في أهم المهرجانات المتخصصة بالوثائقي، منها: idfa، Visions du Réel، Sheffield DocFest، CPH:DOX. عدا عن المشاركات في مهرجانات أخرى خارج المسابقات، منها: Cinéma du Réel.

هذا كله يجعل من الفيلم منجَزاً غير محصور بالأوسكار، فقد وصله بجوائز كانت اعترافاً بجودته كوثائقي قبل أن تكون تكريماً لمضمونه وشكله، لقضيته ومعالجته هذه القضية. فإن تشكّى أحدنا وشكّك في ما تمنحه أكاديمية الأوسكار، بفعل تاريخ هوليوود البائس، لهذا الفيلم أو ذاك، فإن «لا أرض أخرى» وصل إلى أوسكاره باستحقاق، بعد طريق طويل ومتعثّر، فلم يجد حتى اليوم التالي من الجائزة، موزّعاً أمريكياً، مثلاً، وذلك تضييقاً على فرص الفيلم لنيل الأوسكار، لكنه نالها ومن دون توزيع في الصالات، ونال قبلها جوائزَ تثبت أهليّته ليكون وثائقياً عظيماً. هو مشوار بدأ من قمة عالية في برلين وواصل الفيلم علوَّه في مستوى آخر مع الأوسكار. اليوم، يبدأ الفيلم مشواراً جديداً متجدّداً ناقلاً قصةً لا يعرف بها الكثير من الفلسطينيين ومعظم العرب وكل العالم، هي محاولات التهجير والتدمير الممتدة لعقود في قرية مسافر يطا.

من الآخر: الجائزة الأولى الوحيدة لوثائقي من أو عن فلسطين، وهي الجائزة الأكبر التي ينالها وثائقي من أو عن فلسطين في أحد المهرجانات الكبرى الثلاثة (كان وفينيسيا وبرلين)، نالها «لا أرض أخرى»: أفضل وثائقي في مهرجان برلين السينمائي. كذلك، الجائزة الأكبر على الإطلاق لأي فيلم من أو عن فلسطين، روائي أو وثائقي، نالها «لا أرض أخرى»: أوسكار أفضل وثائقي. حدثان تاريخيان للسينما الفلسطينية أنجزهما عملٌ واحد.
نعم، هو فيلم فلسطيني تماماً. نعم، هي أول مرة ينال وثائقي فلسطيني جائزةَ أفضل وثائقي في مهرجان بحجم برلين السينمائي. نعم، هي أول مرة ينال وثائقي فلسطيني جائزةَ أوسكار. هي أول أوسكار فلسطينية.

كاتب فلسطيني/سوري

 

القدس العربي اللندنية في

11.03.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004