ملفات خاصة

 
 
 

مذكرات محمد شكري جميل..

حياة ارتهنت بالسينما

علاء المفرجي

عن رحيل شيخ المخرجين العراقيين

محمد شكري جميل

   
 
 
 
 
 
 

«اعتنوا بهذا الشاب وامنحوه فرصته فقد لمسنا فيه حساً سينمائياً وموهبة تحتاج الى عنايتكم».. هذا ما قالته الروائية الانكليزية الشهيرة آجاثا كريستي في افتتاح المتحف العراقي أواسط الخمسينيات في بغداد برفقة زوجها عالم الآثار مالوان. الشاب الذي كانت تعنيه كريستي هو محمد شكري جميل الذي ولج كل الأبواب من أجل الدخول الى السينما.

كتاب (مذكرات وذكريات محمد شكري جميل) الصادر عن دار الشؤون الثقافية بمراجعة وتقديم عبد العليم البناء، يتناول سيرة المخرج جميل، يشير المراجع عبد العليم البناء في مقدمته عن عنوان الكتاب: “ إذا كانت المذكرات الشخصية – كما هو معروف - نوعاً من أنواع الكتابة التاريخية وثيق الصلة بالسيرة الذاتية، فإن الفرق بين السيرة الذاتية والمذكرات هو أن الأولى تروي قصة حياة الكاتب وتسجل خبراته ومنجزاته في المقام الأول، في حين تعنى الأخرى (أي المذكرات)، قبل كل شيء، بوصف الأحداث وتعليلها، وبخاصة تلك التي لعب فيها كاتب المذكرات دوراً أو تلك التي عايشها أو شهدها من قريب أو بعيد، ومن هنا وقوعها في منزلة متوسطة بين (موضوعية) التاريخ و(ذاتية) السيرة الذاتية."

تستعرض المذكرات الجوانب الذاتية لتجاربه السينمائية وما واجهه من تحديات لم تكن هينة، إذ سيجد فيها القارئ جملة من الصعوبات والمعوقات التي تدفع عنه تهمة أنه كان بمثابة مخرج السلطة (السابقة) المدلل، حسب ادعاء البعض ممن حاول أن يلصق هذه الصفة به لأسباب لا تمت الى الحقيقة تماماً، هذا إذا علمنا – كما يعرف الجميع - كيف كان يتعامل رأس السلطة آنذاك مع كبار مبدعي ومثقفي ورموز العراق، فهذه (المذكرات والذكريات) ركزت على تفسيرات لكثير من التجارب والأحداث التي عاشها جميل ولازمته والتحمت به التحاماً حقيقياً دون تنصل منه أو تزويق أو تزييف أو تحريف أو إضافة أو حذف أياً منها، منذ عاشها (محمد شكري جميل) في مختلف العهود السياسية التي مرت على العراق..

جرّب محمد شكري جميل في بداية الخمسينيات الدخول الى معهد الفنون الجميلة حيث لم يكن هناك قسم للسينما، فيدخل الموسيقى ثم يغادر المعهد الى غير رجعة بعد سنة واحدة.

من الوحدة الخاصة بالإنتاج السينمائي كانت البداية، وكانت الفرصة التي تعرف فيها على كريستي ونبوءتها بحقه، مارس التصوير والمونتاج.. ثم الى انكلترا ليدرس السينما ويحصل على الدبلوم ليعود مونتيراً ثم مخرجاً.

قبل البداية الحقيقية مع السينما، كانت له بداية أخرى هي إخراجه أفلاماً بشكل غريب وطريف.. ففي طفولته أهداه والده آلة عرض سينمائية تعمل على الكهرباء.. وفيلماً لا يتجاوز الدقيقتين.. مع صديق يجمع قصاصات الأفلام المرمية والمتروكة في النفايات.. وحتى يخرج فيلمه الغريب كان يجمع هذه القصاصات ويلصق بعضها ببعض.. والنتيجة خليط عجيب من قصاصات دون رابط منطقي..

أكثر من ستة عقود من الزمن.. قضاها محمد شكري جميل مع السينما تبدأ بالدراسة في لندن حيث العمل في غرفة المونتاج وفي ستوديو (أمغول) الذي كان ينتج أفلام روبن هود ثم الى شركة (فيلم هاوس) ثم الى القاهرة في شركة الإنتاج العربي التي كان يديرها صلاح أبو سيف.

بدأ من دراسته في انكلترا ثم لقائه بأجاثا كريستي، ولنقل بعمر 17 عاماً، وهو يجلس قرب المخرج والمونتير جون شيرمان الذي قال له: إن الفيلم مثل عجينة من الطين التي يستخدمها النحات لصنع نموذج تمثال وعندما تضع السينما بين يديك بهذا الشكل ستدرك قيمة هذا الفنان.

ثم انتقل الى رئيس وحدة المونتاج في مصلحة السينما والمسرح والأفلام الوثائقية.. قبل أن يشارك يوسف جرجيس حمد في إخراج فيلم (أبو هيلة) الذي كتب له السيناريو أيضاً.. ثم التجربة غير الناجحة له في فيلم (شايف خير).

ثم ليخوض التجربة الثالثة (الظامئون) الذي كان فيلماً متماسكاً قوياً بكل تفاصيله ويتمتع بقيمة فنية وفكرية تجعل منه أثراً كبيراً والذي حصل على جائزة اتحاد النقاد السينمائيين السوفيت في مهرجان موسكو. ثم التجربة الرابعة (الأسوار) التي حصد بها الجائزة الذهبية لمهرجان دمشق الدولي عام 1980، وبعد الاسوار (المسألة الكبرى)، وقبل (الملك غازي)، (عرس عراقي) و(اللعبة).

في رأيي المتواضع، كان فيلم (الظامئون) -ويا للمصادفة -كان هذا رأي جميل أيضاً، افضل ما انتجته السينما العراقية حتى منتصف السبعينيات إضافة الى فيلم (الحارس) لخليل شوقي. وكان فيلم (المسألة الكبرى) هو الفيلم الأعلى إنتاجاً في تاريخ السينما العراقية.

 

المدى العراقية في

15.07.2024

 
 
 
 
 

انتقادات كبيرة بعد رؤيته..

إطلاق العرض الأول لفيلم المسرات والأوجاع لمحمد شكري جميل

عامر مؤيد

اُطلقت اعمال عرض الفيلم الروائي الطويل (المسرات والاوجاع)، للمخرج الكبير محمد شكري جميل، ﺗﺄﻟﻴﻒ: فؤاد التكرلي، سيناريو ثامر مهدي، مدة عرض الفيلم (120 دقيقة).

وقدم الفيلم على صالة سينما المسرح الوطني في بغداد العرض الاول للفيلم برعاية احمد فكاك البدراني وزير الثقافة والسياحة والآثار، وباشراف الوكيل الاقدم الدكتور نوفل ابو رغيف، وبحضور رسمي وفني وصحفي رفيع المستوى، وجمهور غفير من المتذوقين للعروض السينمائية. الحفل بدأ بكلمة ترحيبية من قبل د.احمد حسن موسى مدير عام دائرة السينما والمسرح للجمهور وكادر العمل الذي اعتلى خشبة المسرح للترحيب بهم من قبل وزارة الثقافة والجمهور، ثم ذكر د.نوفل ابو رغيف كلمة ثمن فيها جميع الجهود التي سعت من اجل عرض هذا الفيلم الذي طال انتظاره طوال 12 سنة، ومرحبا بفريق العمل اجمل الترحيب وبالحضور الكرام مع حفظ الالقاب والعناوين، ومن ثم تم تكريم فريق العمل بدرع الابداع وقد استلمه المخرج الكبير محمد شكري جميل، الذي قال في كلمته انه سعيد جدا ان اعطاه الله الصبر لمشاهدة فيلمه في عرضه الاول.

يتناول العمل قصة توفيق، وهو شاب يشهد العديد من التغيرات الاجتماعية والسياسية التي تكشف الفساد اللانهائي المنتشر في بلده العراق. تمثيل نخبة طيبة من الفنانين هم: محمد البصري، زهرة بدن، طارق شاكر، خليل عبدالقادر، فاطمة الربيعي، وكامل إبراهيم.

من جهته أكد الناقد السينمائي مهدي عباس أن "هذا الفيلم يعد من أفلام بغداد عاصمة الثقافة لعام 2013، وقد ترجم الى اللغة الانكليزية لعرضه خارج العراق".

بعد عرض الفيلم انتقد كثيرون، ما قدمه شكري جميل وبصريح العبارة، مؤكدين ان هذا العمل لايواكب ما وصلت له السينما في كل دول العالم.

فكتب المخرج والفنان بشير الماجد ان عرض "المسرات والاوجاع" سقوط مدو ولا يستحق ان يكتب عليه جملة مفيدة، لترد عليه عضو جمعية الفنانين التشكيليين ونقابة الفنانين كريمة هاشم "صدمة، كنت اتمنى ان لا يعرض لانه محمد شكري جميل هذا المبدع الكبير، هذا حدث في الفن التشكيلي في اخر اعمال النحات محمد غني حكمت".

وكتب المخرج اياس جهاد ان "اخر تجربة مميزة للمخرج كانت في الملك غازي قبل 30 عاماً وبعدها غاب عن التطور السينمائي"، حيث رد عليه الفنان وعضو نقابة الفنانين سامي نسيم "هناك قضية مرة أثارها أحد طلبتي ونهرته ولم أقبل بها منه، حين قال استاذ مؤلفاتك وبعض الشباب أهم من بعض الرواد رغم توفر ظروف افضل لهم، وراجعت كلامه وجدت فيه رأيا صائبا نوعاَ ما، ولكن الطالب المثابر الذي في داخلي يأبى ان يؤيد ذلك ولا يقره، لذا فإن كل حقبة تاريخية لها رموزها، ولكن يبقى الأثر الفني وكم الإبداع فيه الزمن كفيل به باستمراريته رغم هالته بوقته، وهذا يشمل كل الأعمال الفنية والأدبية، رغم اني انحاز للشباب والمستقبل سيكون افضل حتماَ".

وشكري جميل درس السينما في المعهد العالي للسينما في المملكة المتحدة، بدأ تجربته سنة 1953 بإنتاج أفلام وثائقية لوحدة الإنتاج السينمائي في شركة نفط العراق وعمل في الافلام السينمائية العالمية (اصطياد الفأر) لبول روثا، وفيلم (عين الثعلب في الصحراء)، وفيلم الرعب (التعويذة) الذي صور في مدينة الموصل شمالي العراق.

 

المدى العراقية في

05.03.2023

 
 
 
 
 

محمد شكري جميل: لم أنجز الفيلم الذي أحلم به والذي يتلاءم وعشقي للسينما

حاوره: علاء المفرجي

·        يرى أنه آن الاوان أن يقرأ الجمهور والنقاد أفلامي ليقيموها بعيداً عن الاشتراطات الشخصية

"اعتنوا بهذا الشاب وامنحوه فرصته فقد لمسنا فيه حساً سينمائياً وموهبة تحتاج الى عنايتكم".. هذا ما قالته الروائية الانكليزية الشهيرة آجاثا كريستي في افتتاح المتحف العراقي أواسط الخمسينيات في بغداد برفقة زوجها عالم الآثار مالوان.

الشاب الذي كانت تعنيه كريستي هو محمد شكري جميل الذي ولج كل الأبواب للدخول الى السينما.. جرّب في بداية الخمسينيات الدخول الى معهد الفنون الجميلة حيث لم يكن هناك قسم للسينما، فيدخل الموسيقى ثم يغادر المعهد الى غير رجعة بعد سنة واحدة.

من الوحدة الخاصة بالإنتاج السينمائي كانت البداية، وكانت الفرصة التي تعرف فيها على كريستي ونبوءتها بحقه، مارس التصوير والمونتاج.. ثم الى انكلترا ليدرس السينما ويحصل على الدبلوم ليعود مونتيراً ثم مخرجاً.

قبل البداية الحقيقية مع السينما، كانت له بداية أخرى هي إخراجه أفلاماً بشكل غريب وطريف.. ففي طفولته أهداه والده آلة عرض سينمائية تعمل بالكهرباء.. وفيلماً لا يتجاوز الدقيقتين.. مع صديق يجمع قصاصات الأفلام المرمية والمتروكة في النفايات.. وحتى يخرج فيلمه الغريب كان يجمع هذه القصاصات ويلصق بعضها ببعض.. والنتيجة خليط عجيب من قصاصات دون رابط منطقي..

أكثر من ستة عقود من الزمن.. قضاها محمد شكري جميل مع السينما تبدأ بالدراسة في لندن حيث العمل في غرفة المونتاج وفي ستوديو (أمغول) الذي كان ينتج أفلام روبن هود ثم الى شركة (فيلم هاوس) ثم الى القاهرة في شركة الإنتاج العربي التي كان يديرها صلاح أبو سيف.

محمد شكري جميل.. تعيش الفيلم معه فيحدثك عن موقف أو شخصية أو فكرة او حركة كأنك تعيش الفيلم مثله.. مَن ليس قريباً من محمد شكري جميل سيجده صعباً. تحتاج قبل أن تكتشفه أن تمارس رحلة معرفة به..

بدأ من دراسته في انكلترا ثم لقائه بأجاثا كريستي ،ولنقل بعمر 17 عاماً، وهو يجلس قرب المخرج والمونتير جون شيرمان الذي قال له: إن الفيلم مثل عجينة من الطين التي يستخدمها النحات لصنع نموذج تمثال وعندما تضع السينما بين يديك بهذا الشكل ستدرك قيمة هذا الفنان.

ثم انتقل الى رئيس وحدة المونتاج في مصلحة السينما والمسرح والأفلام الوثائقية.. قبل أن يشارك يوسف جرجيس حمد في إخراج فيلم (أبو هيلة) الذي كتب له السيناريو أيضاً.. ثم التجربة غير الناجحة له في فيلم (شايف خير).

ثم ليخوض التجربة الثالثة (الظامئون) الذي كان فيلماً متماسكاً قوياً بكل تفاصيله ويتمتع بقيمة فنية وفكرية تجعل منه أثراً كبيراً والذي حصل على جائزة اتحاد النقاد السينمائيين السوفيت في مهرجان موسكو . ثم التجربة الرابعة (الأسوار) التي حصد بها الجائزة الذهبية لمهرجان دمشق الدولي عام 1980 ، وبعد الاسوار (المسألة الكبرى)، وقبل (الملك غازي) ، (عرس عراقي) و(اللعبة).

في رأيي المتواضع ، كان فيلم (الظامئون) - ويا للمصادفة - كان هذا رأي جميل أيضاً، افضل ما انتجته السينما العراقية حتى منتصف السبعينيات إضافة الى فيلم (الحارس) لخليل شوقي .. وكان فيلم (المسألة الكبرى) هو الفيلم الأعلى إنتاجاً في تاريخ السينما العراقية.

محمد شكري جميل يتحدث بمرارة في كل مناسبة، عن المصاعب التي اكتنفت فيلمه الأخير (المسرات والأوجاع) الذي موّل ضمن مشروع بغداد عاصمة للثقافة العراقية.. حيث كان الفيلم مازال (مرهوناً) لدى شركة إيرانية للطبع والتحميض والتي ترفض اطلاق سراحه قبل دفع مستحقاتهم المالية.. والفيلم الذي رصدت له ميزانية هي الأكبر في المشروع وجد إنه لم يستطع تلبية حقوق هذه الشركة ..!!

وتناهى الى سمعي الآن أن المشكلة، حُلًت، وربما سنشاهد فيلماً يكفر عما اقترفته وزارة الثقافة في حق السينما العراقية من فساد كبير في هذا المشروع.

حاورته (المدى) لتقف عند أبرز محطاته في مسيرته مع السينما التي امتدت لأكثر من ستة عقود من الزمن

• أربعة عشر فيلماً روائياً فقط هو كل ما أنجزته، وبعض الافلام الوثائقية والقصيرة.. هل ترى ذلك كافياً لتكريس تجربتك وشخصيتك السينمائية؟

- فعلاً أنا انجزت هذا العدد من الأفلام، وعليك أن تعرف أنه ليس بعدد الأفلام يثبت المخرج حضوره، بل بنوعية الفيلم وقيمته الفنية والفكرية، حتى لو كانت ثلاثة أفلام .. كوبريك لم ينجز سوى اثنا عشر فيلماً وهذا كان كافياً لأن يضعه في مصاف أهم مخرجي العالم. الأفلام التي قدمتها غطت مرحلة تاريخية من تاريخ العراق فضلاً عن نوعها؛ نعم كانت هناك أفلام ليست بالمستوى المطلوب وشكلت حالة من النكوص في مسيرتي، وأنا بعد الثمانين من العمر، أقول انني لم انجز الفيلم الذي احلم به، الفيلم الذي يتلاءم وعشقي منذ الطفولة للسينما.

• لماذا اخترت رواية الأوجاع والمسرات، لتعالجها للسينما، من بين العديد من أعمال التكرلي، مثل (الرجع البعيد)؟

- فيما خص الرجع البعيد، بالنسبة لي أراها لا تصلح للسينما، ثم إن فكرتها لم تستهوني كثيراً، بينما المسرات والأوجاع، في الوقت الذي تتناول في قضية سياسية هي أيضا تبرع في رسم خط اجتماعي وهو رواية أفكار

• لم يتعرض فيلم الى مشاكل وإلتباس في الفهم، مثلما تعرض له فيلم المسرات والأوجاع.. كيف استطعت أن تتجاوز قضية الجنس، في الفيلم؟؟

- أنا أعرف ذلك في الرواية بعد قراءتها، وأيضا كاتب السيناريو الصديق ثامر مهدي، فكان الاتفاق بيني وبين السيناريست أن نستبدل المشاهد الجنسية التي اكتظت بها الرواية، والتي جاءت في سياق هذه الرواية التي اعتبرها أفضل روايات فؤاد التكرلي.. في فيلم (الأوجاع والمسرات) عملنا أنا وثامر مهدي على إنتاج رواية أخرى، أو قل نظرنا الى ثيمة الرواية من زاوية أخرى.. حيث استبدلنا قضية الجنس بعقم المرأة في الفيلم.. وبالتأكيد أصبحت قضية الجنس في الفيلم مجرد إيحاء وكان السبب بفراقها مع البطل، ليتناسب مع الظرف الاجتماعي الذي عادة ما يرفض مثل ذلك. الظامئون أكملت ربع الفيلم بلا سيناريو وقبل أن يكتب ثامر مهدي السيناريو حيث كنت مصراً على اصطحاب السيناريست الى موقع التصوير مع مدير التصوير حاتم حسين.. المنطقة كان اسمها سن الذبان.. الصخرتان يبرز بينهما القرية، فالقرية مصيرها كان معلقاً بين السماء والأرض،

• لماذا اخترت قرية في فيلم الظامئون، رواية عبد الرزاق المطلبي رغم إنك ابن للمدينة ؟ 

- حصلت على الرواية على مكتبة في الرصيف، واتفقت مع المطلبي على إخراجها ، اخترت القرية لأن المخرج يبحث عن الفكرة، ولاحظت أن فكرة الرواية تستحق أن تعالج سينمائياً، فاخترت شخوصاً من الرواية كان لهم أثر كبير في إغناء هذه الفكرة. والظامئون أول فيلم روائي لي وأنجزته بحريتي ولم يتدخل فيه أحد، واخترت الراحل حاتم حسين الذي رافقني بالعديد من أفلامي واستمرينا بالعمل سوية لوجود لغة مشتركة بيننا الى أن توفاه الله. وكان فيلم وكانت آخر تعاون بيننا هو فيلم (المسرات والأوجاع) فيلم الوداع فيما بيننا، وعندما كنت بالمونتاج بأربيل أنفذ مع المونتيرة الإيرانية أبلغوني بوفاته لم أتحمل ذلك فسقطت أرضاً فوراً.

• أرى إنك عملت فيلم الملك غازي بحب وبرغبة تصل حد الشغف ، هل لذلك أسباب تتعلق بك من ناحية كونك عاصرت هذه الأحداث، أم هناك أسباب أخرى؟

- أنا ولدت قبل عامين من مقتل الملك غازي في نيسان عام 1939، الذي مرت جنازته قريباً من دارنا فما زالت الأهازيج التي قيلت في هذه الجنازة ماثلة أمامي، وقبل هذا يجب أن تعرف أن أبي كان آمر الحرس الملكي، وأخي الأكبر كان ضابطاً كبيراً في هذا الحرس، واشير لك أن أخي كان مسؤولاً عن تجهيز عربة المدفع التي حملت جثمان الملك الراحل. فأنك تستطيع أن تعتبر إننا جزءٌ من البلاط الملكي.. لذلك فأنا احتفظ بسرد لتفاصيل هذه الفترة ابتداءً من ولادتي سنة 1937، وحتى عام 1958 في 14 تموز. من هنا اعتبر هذا الفيلم ليس فيلماً عادياً بل هو استعادة لذكرياتي عن هذه الفترة وخاصة مقتل الملك غازي الذي يعتبره الكثير من المؤرخين ملك وطني وأحب العراق بل إن ذلك حسب ما يذهب به البعض من هؤلاء كان سبباً رئيساً لاغتياله، فمواقفه من الانكليز كانت معروفة بمعارضته للكثير من توجهاتهم التي تعد ضد توجهات استقلال البلد بقراراته. فقد كنت حريصاً فيه بالتدخل في السيناريو والاعتناء بالشخصيات وتاريخ الواقعة بل وحتى اختيار أماكن التصوير.. ومن دون الكثير من الممثلين مثلا اخترت الممثل ستار خضير، وهذا له أسباب كثيرة أولها مظهره الخارجي حيث الشبه الكثير مع الملك، وثانياً هدوءه في التعبير وهي من سمات الملوك، وبقي أن يتعلم سلوك الملك وهذه كانت عدّتي أنا .. فأدخلت ستار خضير بوقت لتدريبه، فعلمته أن الملك كان يسمع أكثر مما يتكلم، وكان قلما يستعمل يديه بالحديث.. وغيرها من التفاصيل، والتي أرى أن ستار كان ملتزماً وأبدع بهذا الدور.

• بعد هذه المسيرة الطويلة مع السينما، ما الذي يعنيه الفن السابع لك؟ وكيف تدخل الدولة للخروج من هذه الأزمة، خاصة وأن البعض (يعيب ) عليك إنك أكثر من ساندته الدولة في عملها؟

- أنا درست طلبة كلية الفنون سنة واحدة ،حاولت أن أفهمهم أن السينما هي من الناحية التكنولوجية صور متحركة لكن لها وظيفة مهمة، فهي لغة أولاً وصور ينبغي أن تكون متحركة ومؤثرة، ولكي تكون مؤثرة ينبغي أن تكون فاعلة، لماذا لأنها موحية. هذه النقاط الثلاث المهمة هي مقومات الفعل السينمائي أي اللغة الصورية. المشكلة الأساسية التي عانيتها مازالت موجودة وهي أن السينما نشطت عندما تلقت الدعم من الحكومة أو الدولة، فالدولة منتج سيئ وجيد للإنتاج السينمائي ! ، لأن أول شيء تريده صنع دعاية لنظامها، وهذا يوقعها في مشكلة رئيسة مع الشعب، والشعب هو (الميزانسين) الذي يعني الموازنة بين إرضاء الحكومة وبين إرضاء الشعب. وإرضاء الشعب هو أكثر عمقاً في التأثير ولأجله، دائماً، ترى أن (المنتج الشعبي) الذي يطلع من الشعب هو أكثر نجاحاً من الدولة. السينما يا صديقي مجموعة فنون وليس فناً واحداً، هي (إنسكلوبيديا أوف آرت) أي دائرة معارف الفنون، فالفن السينمائي يتكون من كل الفنون بما فيها الهندسة والنجارة والتخطيط وغيرها ،فأنت عندما تربي هذا الكادر سيتكون لديك مجتمع كامل، والاستوديوهات التي تدخلها تشاهد فيها كل هذه الإختصاصات والبيئة الخاصة بها. الذي يعيقني هو التصوير في بيوت عامة، في حين المفروض بالدولة بناء ثلاث أو أربع استوديوهات لتكون معامل للإنتاج وهي التي تربي الصنّاع المهرة، بينما أنظر الى مصر فيها الاستوديوهات ومدينة السينما التي تدل على إدراك لقيمة الفن السينمائي كصناعة وكفن.

• وبمن تأثرت من رجالات السينما وتعده سبباً في عشقك للسينما؟

- الرجل الصامت الذي لا يعرفني ولا أعرفه، شاهد مشهداً واحداً صورته ، فقال: هذا تأتون به الى لندن هو (ستيوارت ليك ) المنتج الذي كان يدير وحدة أفلام شركة نفط العراق وكان سابقاً رئيس مجلس إدارة شركة الأفلام الوثائقية الكندية والحاصل على شهادة من أكاديمية ووورد في لندن بالفيلم الوثائقي، وأيضاً (جاك هيلد يارد) وهو أحد من كبار المصورين في العالم، وأدار تصوير فيلم (المسألة الكبرى)، وعندما سئل كيف رأيت (محمد شكري جميل) ، قال: شاهدت مخرجاً تعلمت منه الكثير، عنده لغة بالنسبة لي أعدها جديدة وتنقل كثيراً وعيونه حادة في الاختيار ولكنه لا يعجبني برفع صوته على من يعمل معه من الفنيين.

• ما زال حتى الآن يثار جدلٌ عن فيلمك المسألة الكبرى، إن كان بطبيعة اختياراتك للكادر الفني أو من ناحية المضمون الفكري للفيلم والذي يقال إنك رضخت لأوامر الدولة آنذاك في اعتماده؟

- عندما تكون غنياً في ثقافتك العامة تكون مؤثراً. العمل السينمائي من الناحية التكنولوجية لما يكون غنياً لابد أن يكون غنياً أيضا بالعلاقات الإنسانية والاجتماعية العراقية ،فأنا أعرف الأحياء الشعبية والنظام الاجتماعي في بلدي وطبقات المجتمع، ولهذا استغربوا مثلا أنني أعرف المفردات التي يلفظها البريطاني العايش خارج انكلترا، وعندما يأتي لإنكلترا تكتشف انه جاء من مستعمرات انكليزية ولهذا يسمونه بريتش وليس إنكليزي. أما فيما يخص مضمون الفيلم أقول: لم يفرض علي أحد المضمون أنا فقط نظرت لثورة العشرين من زاويتي، وهي غير زاوية فيلم (السلاح الأسود) وغير زاوية (نجم البقال) وكل هذه الأفلام عن ثورة العشرين، ثم إني لم أقدم الشيخ ضاري كثائر والذين شاهدوا الفيلم دون انطباع مسبق يستطيعون أن يقرروا ذلك.

• يتهمك البعض إنك كنت تحظى بمساعدة الدولة وتوفرت لك فرص كثيرة في التعلم والعلاقات لم تتوفر لغيرك.. ما هو ردك على ذلك؟

- لا أعرف ما الذي تعنيه بمساعدة الدولة، أنا مهنتي مخرج، وكانت الدولة هي المحتكرة للعمل السينمائي، فكان من الطبيعي أن أُكلف بإخراج أفلام، بسبب كوني مخرج، فأنا لم أذهب لكي استجدي عملاً سينمائياً تُفرض عليّ شروط فيه، أما شكل العمل ومحتواه فهذا بحث آخر. أما عن الفرص الكثيرة والعلاقات، فالجميع يعرف أنني من عائلة متيسرة ولم أذهب الى لندن للدراسة إلا بإرادتي وعلى نفقتي، ثم أني لم أمنع أحداً من إقامة علاقات مع الناس.. حقيقة تبدو هذه الاتهامات من السماجة بحيث لا أرد عليها. فقد اتهمت بالكثير، لكن آن الاوان أن يقرأ الناس أفلامي ولهم ما يقرروا من تقييم على أن لا يشترط الجوانب الشخصية في حياتي.

 

المدى العراقية في

04.01.2021

 
 
 
 
 

فيلم جميل اسمه.. محمد شكري جميل

علي حسين

لسنوات كنت أتجنب الاقتراب منه وحين نشرت في بداية الثمانينيات سلسلة من الحوارات مع مسرحيين وتشكيليين وسينمائيين ، لم يخطر في بالي يوماً أن أضع محمد شكري جميل ضمن القائمة ،

فقد كان أسهل علي أن اقتحم مرسم فائق حسن وأحاوره من أن اقترب من منضدة محمد شكري جميل في كافتريا دائرة السينما والمسرح ، حيث كان يبدو لمن ينظر إليه رجل عبوس ، عيناه تدوران في المكان ، وجهه يحمل معه الشرود.. شكله بدا لي ساخراً وجاداً في الوقت نفسه ، وتشاء الصدف ذات يوم أن التقي محمد شكري جميل في مدخل دائرة السينما والمسرح ، فقلت لنفسي لاتشجع وأطلب منه إجراء حوار ، وكان هذا اللقاء بداية لصداقة امتدت على مدى أربعين عاماً بنفس المحبة والتوهج استطعت من خلالها أن اكتشف عالم جميل اسمه محمد شكري جميل ، كان السؤال الأول الذي وجهته له آنذاك : من هو محمد شكري جميل ؟!

-وكانت إجابته هادئة وهو يقول : أنا إنسان أحيا داخل علب كبيرة من الشرائط التي صورتها وأحفظ لقطة صغيرة فيها ، حيث أودعت نفسي في كل الأفلام التي أخرجتها 

كان هذا الجواب مدخلاً لاتعرف على عالم فنان كبير يصر أن يقيم بشكل دائم في السينما حيث يختلط عنده الذاتي بالموضوعي.. الواقع بالوهم.. المرئي باللامرئي..الواضح بالغامض..الكذب بالحقيقة.. ، هذا الاختلاط العجيب الذي ينقيه الفنان برؤاه ليزيح عن أبصارنا غشاء ثقافة الظلام ويطلقنا برفرفة أحلامنا في عصب ثقافة العين..هذا الكائن المعذب، القلق، المسهد، العنيد، المكافح، المتمرد، الأريحي، يكفيه أنه لم يسع الى رفد أيامنا بافلامه العذبة فحسب بل إنه سعى الى أن يجمل لنا هذه الأيام.

ما يقرب من السبعين عاماً في السينما هو الزمن الممتد من سنة 1953 حين وضع محمد شكري جميل أولى خطواته في هذا العالم العجيب ليعمل مساعد مصور في الوحدة السينمائية التابعة لشركة نفط العراق..نصف قرن هو عمر تجربته الفنية وعمر أسلوبه وهي زمنه الخاص حين يمتزج الفن بالحياة وهذا ماتكشف عنه أعمال محمد شكري الذي يقيم في التاريخ كونه أحد أهم رموز السينما في العراق من خلال أفلامٍ استطاعت أن تقدم لنا الماضي باندفاعها الحر باتجاه المستقبل، وإذا كان الأسلوب وحده يمنح الفنان فرصة البقاء والخلود فأن محمد شكري جميل من أحرص فنانينا على أسلوبيته التي جعلت منه واحداً من صناع السينما العربية.

ليس سراً أن محمد شكري جميل سينمائي قبل أن يكون أي شيء آخر.. ويروي إنه شغف بالفن السابع منذ كان في سنواته الأولى فهو ينتمي عائلة تضم مترجماً ورساماً وقد علّمته هذه العائلة أن السينما هي أكثر الفنون تقدماً لانها لغة تعتمد على إعادة تركيب الصور الموجودة في الحياة..أحبّ الصور والرسم والالوان ودفعه حبه للتوجه صوب معهد الفنون الجميلة الذي لم يكن آنذاك قد فتح فرعاً للسينما ولان همه كان في التواجد بالمعهد فلم يجد مناصا من ان يدخل قسم الغناء والموسيقى وفي هذا القسم درس تقنيات الصوت لمدة عام ليغادر بعدها المعهد ليعمل في الوحدة السينمائية لشركة نفط العراق مساعد مصور وقد تحدث عن تلك البداية قائلاً: " كانت تجربة قاسية حين خرجت في اول يوم تصوير انتابني احساس بجسامة العمل وذلك لثقل ماكنت احمل من الات التصوير خصوصاً ان التصوير كان لأشياء بسيطة اعتيادية ولكنني سرعان ماشعرت بان العمل الحقيقي يبدأ من هنا" في عمله هذا يكتشف أن المونتاج هو الأقرب الى نفسه ومزاجه وهو أيضاً عصب الفيلم السينمائي فيقرر أن يدرس تقنيات هذا الفن وكل مايتعلق به فيسافر الى انكلترا ليلتحق في معهد التكنيك السينمائي..العام 1958 تبدأ مرحلة جديدة من حياته حين تتاح له الفرصة لإنجاز أول فيلم له..وكان فيلماً قصيراً صور فيه انطباعات طالب عراقي في لندن مدته عشرون دقيقة كتب له السيناريو وصوره..الفيلم دفع بإساتذة في المعهد لأن يرشحوه للعمل مونتيراً في ستوديوهات (امفيل وبايندو)..في العام 1961 ينهي دراسته في لندن ليعود الى بغداد ويلتحق بالعمل في مصلحة السينما والمسرح التي تشكلت حديثاً وكان يرأسها الفنان يوسف العاني الذي يرتبط معه والمخرج حمد جرجيس في تنفيذ أول أفلامه الروائية وهوفيلم " أبو هيلة " المعد عن مسرحية" تؤمر بيك" ليوسف العاني ، لكن الفيلم الذي عرض عام 1962 لم يرض طموحات محمد شكري جميل ولم تغره إطراءات الصحافة وإقبال الجمهور على الفيلم فقد كان يعتقد أن السيناريو الذي كتبه يوسف العاني يخلو من أية قيمة درامية.. الإحساس بالفشل يدفعه الى الانصراف الى إخراج مجموعة من الأفلام الوثائقية حتى يأتي عام1969 ليخوض تجربته الثانية وهي " فيلم شايف خير " الذي وضع له السيناريو عن قصة لجميل الجبوري وكسابقة لم يرق الفيلم لمحمد شكري وعدّه مرحلة فاشلة جديدة في حياته لم ينته منها إلا بعد أن قدم " الظامئون" عام 1972 والذي لاقى نجاحاً كبيراً وإقبالاً جماهيرياً ذكّر المتابعين للسينما باصداء فيلم سعيد افندي.. فالظامئون بصدقه وبساطته ترك أثراً لايمحى في النفس وقد حصد الفيلم جائزة النقاد في مهرجان موسكو الثاني..في الظامئون يستوفي محمد شكري جميل اقتداره كمخرج سينمائي فيسعى في السنوات التي بعدها لأن يصنع فيلماً عن الأحداث التي مرّت في العراق في مرحلة الخمسينيات ويجد ضالتة في سيناريو صبري موسى المعد عن رواية لعبد الرحمن مجيد الربيعي ليقدم عام 1979فيلمه الأسوار الذي منح الجائزة الذهبية في مهرجان دمشق السينمائي عام1979 وكانت لجنة التحكيم برئاسة الكاتب الشهير جنكيز ايتماتوف الذي وصف الفيلم بانه يبشر بولادة سينما عربية جديدة من خلال لغة سينمائية واعية..بعد الاسوار يبدأ محمد شكري مرحلة جديدة في أفلام كبيرة..المسألة الكبرى..الفارس والجبل..اللعبة..الملك غازي وانتهاء بالمسرات والأوجاع رائعة فؤاد التكرلي .

اصطبغت أفلام محمد شكري جميل بوعيه لأسئلة الواقع الاجتماعي والسياسي فتميز كواحد من صانعي الفيلم السياسي في السينما العربية.. " السياسة والواقع الاجتماعي تدخلان في تكويني السينمائي" هكذا يقول محمد شكري وهكذا نجد افلامه تحتوي على خطاب سياسي واضح دون تضحية بالجانب الفني لمصلحة الخطاب السياسي.. وتهتم افلامه بالواقع باعتباره مادة للدراما السينمائية وموضوعا سياسيا واجتماعيا وتستند هذه الافلام في بنائها الى البناء الفني المحكم ، فلا التضحية بالموضوع وقيمته ولامحاولة تجريبة شكلية فارغة.. ونجد ابطال افلامه يحققون ذواتهم من خلال ارتباطهم بالمجتمع ، فهم مدفوعون ومحرضون بسببه لذا فانهم يثيرون القضايا الاجتماعية من خلال خطاب مفتوح على التزام انساني في التعامل والتأكيد على التواصل والحميمية في طرح العلاقات بين الناس من جهة وبين الناس والحدث والقضية من جهة اخرى.. وهو يؤمن بان السينما هي تعبير عن المشاعر الجميلة وان المخرج السينمائي انما يصور روحه في افلامه ففي السينما نشم رائحة الاشياء وطعم الحياة وهو يدرك ان روعة السحر في السينما تكمن في اللعب بالزمن كعنصر اساسي ورئيسي في التركيب الدرامي ولهذا فهو بعد تجربة اكثر من ستين عاما يدرك انة كان محظوظا في انتقاء موضوعاته والتي شكل التاريخ جزءاً لايتجزأ منها فمن خلال التاريخ يبحر لاصطياد الحقائق..من بين أفلام محمد شكري العديدة سأتوقف عند فيلم (الظامئون) كونه أول فيلم عراقي يقدم شخصيات واقعية تواجه صراعاً مضاعفاً. فهي تقاوم الوقع الاجتماعي المتخلف من جانب ومن جانب آخر تواجه الطبيعة القاسية التي تعطلت بسبب الجفاف الذي أوقف كل شيء ولم يبق سوى الموت يقول محمد شكري إن الرواية أثرت فيه عند قراءتها " فالمرة الأولى التي اقرأ فيها رواية تصور صراع الإنسان مع الطبيعة وكان المطلوب مني أن أبحث عن كاتب للسيناريو يستطيع أن يعمم جو الرواية وشخصياتها بحيث تلمس واقع المتفرج أينما كان وفي الوقت نفسه يحافظ على محليتها وخصوصيتها" ويجد ضالته في ثامر مهدي فهذا الناقد والكاتب كان يخطو خطواته الأولى في السينما وكان الامتحان الأول الذي واجه ثامر مهدي كما أخبرني، هو أن رواية الظامئون عالم يموج بالحركة والحركة فيها ليست عشوائية بل هي صراع محدد يدور وفقاً لقوانين فكر محدد وهو لهذا صراع واقعي في الدرجة الأولى لاتحركه بطولات فردية زائفة أوحوادث مفتعلة ولهذا سعى كاتب السيناريو والمخرج الى أن يقدما فيلماً يجمع بين ذاتية الإنسان وبين الحدث المليء بالحركة والشخصيات.. فنحن في الفيلم أمام شخصيات تجمع بين البساطة والتعقيد، فهي شخصيات عادية الى درجة غير عادية.. ولم يقتصر عمل محمد شكري في الظامئون على ترجمة الرواية الى حركة مستمرة على الشاشة بل تعدى ذلك الى خلق حياة تشد المتفرج، وتعيش وتنمو في مشاعره وفكره معاً. 

 

المدى العراقية في

16.09.2020

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004