لم تكن رحلتي إلي سوريا للمشاركة في فعاليات «مهرجان دمشق
السينمائي الدولي» شيئًا عاديا، فقد طغت علي ذهني أطياف الوحدة بين مصر
وسوريا في
الستينيات والتحام المصائر في حرب أكتوبر 1973، ووقوف الشعبين
يدًا واحدة.. فالشعب
السوري في قلب كل مصري وأدركت منذ أن بدأت السير في شوارع دمشق أنه لا يمكن
أبدًا
أن تفرق السياسة ما وحدته الشعوب والأوطان، فرغم العزلة التي ضربت علي
الشعب
السوري، فإنه مازال ينبض بمشاعر الحب والتقارب بين الأشقاء،
حتي إنه يحتفظ بكل ما
يخص المصريين من رموز وذكريات، ويعتبرها شيئًا ثمينًا يحاول أن يبعده عن
الغبار.
ولكن شهدت سوريا انفتاحًا علي الثقافتين الإيرانية والتركية في
العامين
الماضيين. في سوريا لمست بنفسي كيف أن الإيرانيين فرضوا حضورهم الطاغي علي
الأسواق
التجارية، لدرجة أن لافتات المحلات تحولت من اللغة العربية إلي الفارسية،
وليس ذلك
فحسب، بل امتلأت المكتبات بالروايات الفارسية والتركية، ليعاد تشكيل وجدان
الشعب في
اتجاه آخر، بينما تراجعت الروايات المصرية لتترك الساحة الثقافية السورية
لبهلوانات
البحث عن دور في المنطقة، والأكثر غرابة من ذلك. أنك تشاهد في
شوارع دمشق صورًا
للرئيس بشار الأسد والخوميني وحسن نصرالله بطريقة تثير التعجب..فالتحالفات
السياسية
بين سوريا وإيران التي استمرت أكثر من 30 عامًا.. بدأت تصل إلي عصب الحياة
الثقافية
السورية.
وعلي نفس المضمار تسير خطي التعاون بين سوريا وتركيا، فبعد إلغاء
التأشيرات بين البلدين، بدأت جسور التواصل بين البلدين تفرض نفسها عبر قطار
سريع
يربط الحدود ببعضها، بالإضافة إلي لعب سوريا دورًا أساسيا في
أن تكون همزة الوصل
بين الثقافتين التركية والإيرانية والشعوب العربية، بل إن سوريا تعمل علي
تسويق
هاتين الثقافتين في العالم العربي بما يضمانه من أبعاد سياسية لا تخفي علي
أحد.
مدير المهرجان يبالغ في وصف حادث
«اسطول الحرية»
فإيران تريد أن تصدر الدولة الدينية لشعوب المنطقة وتفرض نفوذها
الإقليمي، وتركيا تريد أن تضمن لنفسها العمق الاستراتيجي والمكانة الدولية
من خلال
دور إقليمي في الشرق الأوسط، ولن يتم ذلك إلا من خلال بوابة
دمشق، لذلك كانت تركيا
هي ضيف شرف المهرجان وشاركت وحدها بعشرة أفلام، وقد جاءت كلمة مدير
المهرجان محمد
الأحمد لتلقي الضوء علي كل هذه الأجواء، حيث أكد أن استضافة السينما
التركية كضيف
شرف المهرجان لم يأت من فراغ، بل لارتباط الشعبين التركي
والسوري بروابط الجوار
والتفاعل الحضاري منذ قديم الزمان.
ومع أن التاريخ يؤكد توتر هذه العلاقة
سياسيا بخصوص الموارد المائية ولواء الإسكندرونة المتنازع عليه
بينهما، بالاضافة
إلي مشكلة الأكراد، وإذا كانت كل هذه المشكلات قد حلت، إلا أن رئيس
المهرجان أكد
شيئًا مهمًا.. هو الاشتراك في الهم العربي والفلسطيني، فقد قدمت تركيا
ثمانية شهداء
في «أسطول الحرية»، وهو الأمر الذي تم الاحتفاء به بشكل مبالغ فيه جدًا
خلال حفل
الافتتاح، حيث قدمت لوحة استعراضية علي المسرح لجثة شهيد
ملفوفة بالعلم التركي
وارتفعت حولها كل الأعلام التي شاركت في اسطول الحرية إلا العلمين المصري
والجزائري، مع أنه لا يوجد شعبان من الشعوب العربية قد ضحيا بالشهداء مثل
هذين
البلدين.
الجزائر قدمت مليوني شهيد.. وخاضت مصر خمس حروب من أجل القضية
الفلسطينية.. لكن وكما قلت.. اللعبة السياسية في سوريا تدار لصالح تركيا
وإيران،
وأثر ذلك علي فعاليات المهرجان، إذ عرض الفيلم التركي «عسل»
للمخرج كابلان أوغلو في
الافتتاح، وهو فيلم سياسي، وإن كان يخفي روح السياسة في داخله ويبتعد بها
عن
المباشرة، فقد كثف المهرجان استثمار عناصر الوفد التركي الذين وصل عدهم إلي
30
سينمائيا، إذ أسندت مهمة المشاركة في لجنة التحكيم الخاصة
بالأفلام الروائية
الطويلة لـ«كيريم إيان» المدير الفني لمهرجان أسطنبول السينمائي، ومن ناحية
أخري
كرم النجمة توركان شواري، بينما تم تقليص عدد أعضاء الوفد المصري، وإبعاد
أفلامه عن
دوائر الضوء في المهرجان.
خطة استبعاد السينما المصرية
فيلم «الوتر» تم قبوله كفيلم تجاري ليكون من السهل استبعاده من قائمة
الجوائز، مع أنه كان من الممكن أن تختار إدارة المهرجان فيلم «رسائل البحر»
أو
«الحاوي»
أو «الميكروفون» ولكن ذلك لم يحدث، بهدف أن يظل الفيلم المصري خارج
المنافسة، حتي لا تتعرض إدارة المهرجان للحرج الذي تعرضت له في العام
الماضي بعد
رفضها منح فيلم «واحد صفر» أية جائزة، علي الرغم من أن الفيلم
حظي بإشادة الجمهور
والنقاد وحصل علي 47 جائزة بمفرده في مهرجانات دولية وعالمية وفي العام قبل
الماضي
رفضت لجنة التحكيم منح فيلم «خلطة فوزية» أية جائزة رغم حصوله علي 17 جائزة
دولية
وعربية.
عاصفة في لجنة التحكيم ضد فيلم سوري
بطلها «انزور
وساندرا»
ولذلك تم توزيع جوائز مهرجان دمشق السينمائي بناء علي
الخريطة السياسية التي بدأ بها من حفل الافتتاح حتي الختام، فقد تم منح
الفيلم
الإيراني «الرجاء عدم الازعاج» الجائزة الفضية وجائزة المخرج
مصطفي العقاد للفيلم
التركي «كوزموس» بينما حصل فيلم «مطر أيلول» وهو للمخرج عبداللطيف
عبدالحميد علي
الجائزة البرونزية وهو فيلم سوري، كما أشادت إدارة المهرجان ولجنة التحكيم
بالفيلم
السوري أيضًا «حراس الصمت».
أدي الخلاف داخل لجنة التحكيم إلي تفجر مناورات
شد وجذب كان بطلها المخرج نجدت انزور الذي رفض ومعه ساندرا
نشأت التسليم بمنح
الفيلمين السوريين هذه الجوائز، وكشفت كواليس المهرجان عن تعرض لجنة
التحكيم إلي
ضغوط من قبل إدارة المهرجان، إلا أن أنزور أكد أن الفيلمين السوريين لا
يستحقان أية
جوائز للضعف في المستوي، بينما اعتبر البعض أنه يحاول أن يجامل المصريين
ليفتح له
أسواقًا جديدة للإخراج الفني في مصر، بعد أن أغلقت في وجهه
جميع أبواب الدراما
الخليجية والليبية، إلا أن نجدت أنزور أكد أن الأفلام «الفرنسي والإسباني
والألماني» كانت تستحق الجائزة بدلاً من الأفلام السورية.
عودة
السينما الجزائرية
مثّل فيلم «خارجون علي القانون» وهو الفيلم
الجزائري الفائز بالجائزة الذهبية للمهرجان، وكذلك جائزة أفضل
فيلم عربي.. عودة
التألق والتميز إلي السينما الجزائرية.. فهو فيلم عالمي بكل المقاييس،
وترتفع قامته
فوق جميع الأفلام لأنه يجمع بين عمق الفكرة والرؤية وإبداع المخرج رشيد
أبوشارب،
وقد أجمع النقاد المصريون علي جدارة الفيلم الجزائري بالفوز
بجائزة المهرجان..
واعتبروه عودة لإحياء مجد السينما الجزائرية في السبعينيات، وقد حاول البعض
أن يثير
الفتنة بين الوفدين المصري والجزائري بعد أن سرب شائعات يروج فيها لغضب
المصريين من
فوز الفيلم الجزائري، إلا أن الشائعات ماتت تحت أقدام الحفاوة التي لاقاها
الفيلم
الجزائري من قبل النقاد المصريين.
الفيلم يمثل قصة إحدي الثورات الجزائرية
ضد الاحتلال الفرنسي والتضحيات التي بذلتها المقاومة من أجل
الاستقلال.
الحضور المصري في الشارع السوري حضور غنائي في المقام الأول، لأن
نجوم الغناء يفرضون أنفسهم علي الساحة السورية، فعندما تسير في الشارع أو
تركب أية
وسيلة مواصلات تجد صوت أم كلثوم وعبدالحليم حافظ، وفي داخل الكافيهات ومحال
الاسطوانات تسمع أغاني عمرو دياب وتامر حسني، وداخل المكتبات
تلتقي بروايات نجيب
محفوظ وطه حسين والعقاد، أما السينما المصرية فمازالت تحتفظ بحضورها
القديم، لكن
جديدها لم يعد مطروحًا علي الساحة السورية.
أثارت ماجدة الصباحي نوعًا من
الجدل بكلمتها القصيرة التي ألقتها بعد تكريمها عندما أكدت
أنها مازالت وسط
السوريين ولم تتركهم منذ الوحدة بين مصر وسوريا فوقف الجميع وصفقوا تحية
احترام
وتقدير لها، وكلمات ماجدة لها معني كبير وهو أن مصر في قلب سوريا، وأن
انفصال
الوحدة هو انفصال سياسي شكلي ليست له أية علاقة بالروابط
الوجدانية، وهو الأمر الذي
جعل إدارة المهرجان حريصة علي أن تكرم رموز الفن. السينمائي المصري عامًا
بعد عام.
وهو ما أعاد إلي ذهني كلمات الأغنية التي
شدا بها عبدالحليم عن الوحدة بين مصر
وسوريا.
«غني يا قلبي وهني الدنيا.. وقول مبروك كبر البيت.. واتجمع شملك
أنت وأخوك.. قول للدنيا أجمل عيد.. مصر وسوريا اتخلقوا جديد.. شيلنا السور
من بين
جناينا - كبر البيت وهيكبر أكثر».
السوريون ينسجون محبتهم دائمًا في القلوب
والشعب السوري يعامل الجميع بطيب الاخلاق فلا تطلب منه شيئًا
إلا ويكون الجواب
واحدًا من أمرين أما «تكرم» أو علي «رأسي». ولكن تسويق السياسة التركية
والإيرانية
في مهرجان دمشق السينمائي بطريقة مباشرة.. شوش علي الروح الفنية للمهرجان،
لأنه أخذ
طابع الإعلام الموجه الذي يبدأ من قواعد مسلم بها ليصل إلي نتائج معروفة
سلفًا،
وهذا ما ظهر بوضوح من خلال جوائز المهرجان فمن بين 46 دولة
مشاركة في الفعاليات..
فقد ذهبت أهم الجوائز إلي مثلث التحالف «السوري - الإيراني - التركي» الذي
يفترض
أنه مهرجان دولي لا إقليمي.
مفاجأة جورج وسوف لـ«مي حريري»
كتب
مها متبولى
تألقت مي حريري كضيفة شرف في «مهرجان دمشق السينمائي»، وبدت في
منتهي التلقائية بدون غرور أوعنجهية أو بودي جاردات، حتي إنها خطفت قلوب
السوريين
في حفل الختام وانشغل الجميع بالالتفاف حولها في حفل الختام..
لدرجة أنهم أثاروا
فضول رجال الأمن في دار الأوبرا السورية بسبب التجمهر الشديد وكثرة الزحام
حتي
طلبوا منها أن تنصرف إلي الفندق ليعود المكان إلي هدوئه المعتاد.
وبروح
المطربة وخفة دم الفنانة.. داعبت مي حريري المحيطين بها وانصرفت إلي حفل
كبير في
كازينو «شيلو»، وغنت مي حريري في الحفل بنفس مفتوحة ومرح وانطلاق، وفجأة
توقفت
الموسيقي ليتم الإعلان عن قدوم سلطان الطرب «جورج وسوف» الذي
تم استقباله بصورة
تفوق الخيال وأحيط بمشاعر حب لا يمكن وصفها.
سبب زيارة وسوف لسوريا في هذا
التوقيت.. أنه جاء لإحياء حفل غنائي، ولا يمكن أن يتخيل أحد
التلقائية التي يتعامل
بها جورج وسوف مع الناس، فهو يصيح بأعلي صوته من مفاجأة الالتقاء بأصدقائه
القدامي
ويأخذ البعض الآخر بالأحضان ويجلس علي بعض الموائد يشارك المعجبين في تناول
الطعام،
ويرفض التقاط الصور مع البعض ويعوضهم بدلاً منها بقبلة علي الرأس.
الأهم من
ذلك كله أن جورج يتصرف مع جمهوره كأنهم أسرته الكبيرة، لدرجة أنه أخذ الميك
بيده
ليشارك مي حريري في الغناء، وغني أجمل أغنياته علي الإطلاق.
سر «رنا» و«لما» في كواليس المهرجان
كتب
مها متبولى
تضمنت فعاليات المهرجان.. فتاتان علي قدر كبير من الذكاء
والتفاني في التجاوب مع ضيوف المهرجان.. لدرجة أنهما كانتا تتدخلان لحل أية
مشكلة
تواجه الضيوف. ارتباط هاتين الفتاتين بالمهرجان تضمن عدة
مفاجآت..
أهمها أنهما شقيقتا مدير المهرجان وقد تطوعتا للمساعدة في إنجاح
الفعاليات دون أن تكون لهما أية صفة رسمية، فلا هما موظفتان تتقاضيان
راتبًا.. ولا
هما من المشرفات المعينات من قبل وزارة الثقافة السورية، بل
تتحركان بدافع الانتماء
للبلد والعلم السوري، وهذا ما لفت إليهما الأنظار.
أما آخر المفاجآت فانهما
ليستا فقط متشابهتين في الجمال وإنما أيضًا في الاسم فالأولي
«لما» والثانية «رنا»
وكاننا معًا مصدر بهجة للمهرجان.
سر «رنا» و«لما» في كواليس المهرجان
كتب
مها متبولى
تضمنت فعاليات المهرجان.. فتاتان علي قدر كبير من الذكاء
والتفاني في التجاوب مع ضيوف المهرجان.. لدرجة أنهما كانتا تتدخلان لحل أية
مشكلة
تواجه الضيوف. ارتباط هاتين الفتاتين بالمهرجان تضمن عدة
مفاجآت..
أهمها أنهما شقيقتا مدير المهرجان وقد تطوعتا للمساعدة في إنجاح
الفعاليات دون أن تكون لهما أية صفة رسمية، فلا هما موظفتان تتقاضيان
راتبًا.. ولا
هما من المشرفات المعينات من قبل وزارة الثقافة السورية، بل
تتحركان بدافع الانتماء
للبلد والعلم السوري، وهذا ما لفت إليهما الأنظار.
أما آخر المفاجآت فانهما
ليستا فقط متشابهتين في الجمال وإنما أيضًا في الاسم فالأولي
«لما» والثانية «رنا»
وكاننا معًا مصدر بهجة للمهرجان.
المصرية في
10/11/2010 |