في هذا الباب (من ذاكرة
السينما)، نحن لا نتحدث فقط عن أفلام تمثل علامة هامة ومشرقة
للسينما، وإنما نتحدث عن أفلام سابقة نالت من الشهرة والنجاح
الجماهيري، بغض النظر عن مدى أهميتها من عدمها. المهم أنها أساساً
أضحت في ذاكرة السينما..!!
فيلمنا اليوم يعد من بين
الأفلام التي يمكن اعتبارها قد أخفقت في الوصول إلى درجات عالية من
الجمال والكمال.. أي أنها لا تمثل النموذج الجيد للسينما التي نطمح
إليها.
فيلم (قفص الحريم) إنتاج
عام 1986، للمخرج حسين كمال. قام ببطولة الفيلم شيريهان وعزت
العلايلي وهياتم. وكتب السيناريو للفيلم السيناريست رفيق الصبان،
عن قصة "ريم تصبغ شعرها" للكاتب مجيد طوبيا، وهو كاتب الحوار أيضا.
يطرح الفيلم قضية مثيرة
ومتشعبة ويحمل في أحداثه مضموناً في غاية الأهمية والحساسية، إلا
أن هذا المضمون قد جاء برؤية اجتماعية متخلفة.
يقول الفيلم بان الرجل في
أي زمان ومكان، الأمي أو المتعلم.. المتزمت أو المتحرر، لا يقبل
مطلقاً للمرأة بان تأخذ دوره وتمارس حقه، ويرفض بشكل قاطع أن تمارس
حقها في اختيار حتى شريك حياتها.
ولتجسيد ذلك، يتناول
الفيلم ثلاثة نماذج للرجل للتدليل على ذلك، فالعمدة الصعيدي هذا
الرجل المزواج يمثل الجيل القديم والمتخلف في نظرته للمرأة، حيث
يعتبرها تابع ضعيف لابد أن تكون خاضعة له، ويلح على ابنته ريم
(شيريهان) بان تتزوج وتترك إصرارها باختيار عريسها. ولأنها بنت
متعلمة، فهي تصر على الاختيار المتبادل الذي يتم من قبل الطرفين.
والنموذج الثاني هو الفنان
المتعلم الذي نراه يطرح أفكاراً متحررة جداً لدرجة إعجاب ريم بهذه
الأفكار وبه شخصياً، إلا انه عندما يحين الوقت لتطبيق هذه الأفكار،
نراه يختار زوجة غير متعلمة من القرية.
أما النموذج الثالث، فهو
ذلك الشاب العصري طالب الجامعة الذي اختارته ريم ليكون زوجاً لها،
حيث تفاتحه هي بحبها ورغبتها بالزواج منه. وفي يوم الزفاف يتركها
في انتظاره ولا يأتي، فهو يفاجأ بجرأتها وجسارتها في إعلان حبها له
ومبادرتها بطلب الزواج منه.
قصة الفيلم تنتمي إلى
نوعية قصص إحسان عبدالقدوس، وذلك في مضمونها الذي يدور في إطار
تحرر المرأة واستقلاليتها وامتلاكها للمبادرة تجاه الرجل. وهي
بالطبع من القصص التي تستهوي مخرجنا حسين كمال، والذي سبق وأخرج
العديد من قصص وروايات إحسان عبدالقدوس.
سيناريو الفيلم رغم
تقليديته يبدو لأول وهلة بأنه فيلما متماسكاً، إلا انه على غير
ذلك. والسبب هو تناوله للعديد من المفاهيم المتفاوتة والمتناقضة
وليقدم بذلك توليفة لمجموعة من الأفكار المغرية في طرحها الرجالي
والنسائي.
والفيلم بكل ما أتيح له من
إمكانيات مادية وفنية، لم يصل إلى مستوى يتناسب وهذه الإمكانيات،
فهو لا يمكث منه شيء في الذاكرة.. فلا محاولة لاستغلال طاقات
أدائية كامنة لدى الممثلين.. ولا شروع في فهم طبيعة الصراع بين
القديم والجديد وبين المدينة والقرية.. ولا حتى الاستفادة من
حيثيات وجزئيات حياتية ومعيشية، كالتقاليد والعادات والمسكن
والملبس. هذا إضافة إلى الفكرة المتدنية والخطيرة عن نظرة الرجل
للمرأة، واعتبارها نظرة لا تتغير مهما كانت ثقافة هذا الرجل ووعيه
ودرجة تحضره وتحرره. لأجل كل هذا، تحول الفيلم من مرآة للحياة إلى
شيء زائف لا يحفل باهتمام المتفرج. |