بتناول عاطف الطيب في فيلمه (ليلة ساخنة ـ 1995)،
مفهوم الطريق بطريقة مباشرة.. الطريق كظاهرة حياتية للكشف عن
متناقضات المجتمع بكافة طبقاته.. الطريق بزخمه وعنفوانه.
فيلم (ليلة ساخنة ـ 1995)، يقدم أحداثاً تدور في
زمن قصير جداً، وهي ليلة رأس السنة واليوم السابق لها،
اليوم الذي تتم فيه الترتيبات للاحتفال بهذه
الليلة، فهي بالطبع ليلة غير تقليدية للجميع.. وتعد مصدر فرح وبهجة
للكثيرين من جهة، ومن جهة أخرى تمثل مصدر رزق
للآخرين.
أما شخصيات الطيب في هذا الفيلم،
فتدور في فلك شخصيتين محوريتين فقط، الأولى شخصية
سيد (نور الشريف) المواطن البسيط
الذي يعمل سائق تاكسي يكسب منه لتربية وتعليم ابنه
المعاق ذهنياً بعد أن توفيت
زوجته وتركت له هذا الحمل، فبالإضافة إلى الطفل،
هناك أمها المريضة يتحمل أعباء
مرضها، حيث تصاب بجلطة في المخ، ويكون عليه أن يدبر
مبلغ 200 جنيه تكلفة العملية
التي قررتها الممرضة. لذلك فهو يطمح في أن يجمع هذا
المبلغ من خلال عمله في ليلة
رأس السنة.
الشخصية الثانية هي حورية
(لبلبة)،
فتاة الليل التائبة، والتي تعمل كخادمة في البيوت لتربية أختها
الصغيرة،
وتطمح لجمع مبلغ 300 جنيه لتدفع حصتها في ترميم
البيت المتضرر من الزلزال. وتدفعها
ظروفها هذه لطريق الفحشاء مرة أخرى وأخيرة. حيث
توافق على قضاء ليلة مع أحد
الأثرياء في مقابل مبلغ كبير هي في أمس
الحاجة إليه.
يلتقي سيد مع حورية مصادفة في
ليلة ساخنة كهذه، هو كسائق تاكسي وهي كزبونة. تركب
حورية التاكسي وهي في حالة غضب
بعد أن تتعرض للسرقة من قبل بعض البلطجية، والذين
يأخذون منها المبلغ التي حصلت علية
من الثري بعد ليلة ساخنة. ونرى كيف أن سيد يتعاطف
معها ويقبل أن يشترك معها في مطاردتهم، بعد أن تعود عن نيتها في
التبليغ عنهم في قسم الشرطة، تحاشياً لأي بهدلة.
وتبدأ رحلة حورية مع سيد في البحث عن هذه الشلة في
الملاهي الليلية.
وفي هذه الرحلة غير العادية، يقدم
عاطف الطيب رصداً جريئاً لأبرز ظواهر الواقع
المعاصر. ففي واحد من أبرز المشاهد في
الفيلم، ترصد الكاميرا ظاهرة التيار الديني المتطرف
ومدى ميل أفراده إلى التعنت والعنف. حيث يغلقون الشارع عقب صلاة
العشاء للاستماع إلى خطبة أحدهم، غير مراعين
بأنهم بذلك يعطلون أعمال الآخرين. إلا أن سيد يقرر
التحدي ومواجهة هذا التعنت وعدم
الخضوع لهم. فيتجه نحو الحشد بسيارته مخترقاً تجمع
هؤلاء في مشهد بالغ التعبير، غير
آبه بما سيحدث له، ضارباً بالخوف عرض الحائط،
ومؤمناً بأن الخوف منهم يزيدهم قوة
وبطشاً. كما يرصد الفيلم ظاهرة الشباب الطائش
المتوجه للسهر في الملاهي والكباريهات
في تلك الليلة بالذات، وذلك عندما يهم حفنة منهم
للاعتداء على حورية. ويستمر الفيلم
في رصده للكثير من الظواهر، حيث نرى خريجي الجامعة
يعملون كمناوبين للسيارات أمام
الملاهي الليلية. تعبيراً عن عدم رغبتهم في البقاء
عاطلين عن العمل.
وهناك الكثير من التفاصيل الصغيرة
التي حرص السيناريو على وجودها، لتزيد المشاهد قوة
وتأثير، حيث تتسم بها سينما عاطف
الطيب. إضافة إلى التصوير الحي والسريع واللافت في
الشوارع والأزقة الذي عودنا عليه
في غالبية أفلامه. |