رصد الناقد السينمائى البحرينى، حسن حداد، الاتجاه الذى سيطر على شباب
مخرجى الثمانينيات من التمرد على التقاليد الإنتاجية، وإحداث ثورة على
المفاهيم السينمائية التقليدية، وظهور تيار سينمائى جديد، أطلق عليه
"السينما المصرية الجديدة" فى كتابه الذى صدر مؤخرا عن سلسلة "آفاق
السينما" التى تصدرها هيئة قصور الثقافة، تحت عنوان "سينما الثمانينيات..
طريق مفتون بالواقع"، الذى يقدم رؤية عن مفهوم "سينما الطريق" من خلال
تناول 16 فيلما ارتبطت موضوعاتها بالطريق.
لماذا سينما الطريق؟.. سؤال يجيب عنه مخرجو أفلام الثمانينيات، ليس
بكلمات وخطب، بل بأعمالهم السينمائية التى قدمت الطريق كرمز لكثير من
المعانى كالبحث عن الذات والهدف من الحياة أو البحث عن الآخر الذى يهتم
لأمرنا، ويمكن أن نمشى طريقا للبحث عن عالم افتراضى مأمول يتمثل فى المدينة
الفاضلة غير الموجودة على أرض الواقع
.
يتناول الكتاب أهم وأبرز المخرجين الذين تركوا علامات فارقة فى تاريخ
السينما المصرية، ومنهم: محمد خان، وخيرى بشارة، وعاطف الطيب، وداود عبد
السيد، الذين شاركوا فى تقديم أعمال فنية تنتمى إلى مفهوم "سينما الطريق
الواسع"، التى تدعو إلى الثورة والتحرر من قيود المجتمع، وتدعو أيضا إلى
التغيير والبحث عن أسلوب آخر للحياة يتناسب مع الظروف الجديدة التى طرأت
على المجتمع.
وتميز ذلك التيار السينمائى بتقديم سينما شديدة الالتصاق بالقضايا
المجتمعية التى تهم الفرد، وتتمرد على السياسة الإنتاجية التجارية التى
سيطرت فى السابق لتثور بنفسها على التقاليد السينمائية، وتدعو المجتمع أجمع
إلى الثورة على قيوده والتحرر منها والبحث عن تحقيق الذات التى تتناسب
والتغيرات الحديثة.
ومن أشهر الأفلام التى عرض لها الكاتب البحرينى، التى تقدم الثورة
المجتمعية بمفهوم جديد فيلم "خرج ولم يعد" للمخرج محمد خان الذى تم إنتاجه
عام 1984 الذى قدم فيه الفنان يحيى الفخرانى دور الموظف الروتينى الذى فرض
عليه التطور الاجتماعى انقطاعه عن جذوره الريفية وانغماسه فى الحياة
المدنية التى كادت أن تقضى على الإنسان بداخله وتحوله إلى آلة لا يشغلها
سوى جمع الأموال التى سريعا ما تحترق بأضواء المدينة الملونة الزائفة، ثم
تجبره الظروف على العودة إلى الريف مجددا، فيجد حياته الحقيقية هناك فيما
يشبه المدينة الفاضلة التى يبحث عنها أى إنسان سوِى، فيقرر الهروب من
المدينة والعودة مرة أخرى إلى جذوره على عكس ما يحدث فى الواقع.
كما يعرض الكاتب الرؤية التى قدمها المخرج عاطف الطيب عام 1990 فى
فيلمه "الهروب"، التى تنادى بالمواجهة المباشرة كطريق حتمى للثورة على
الأوضاع المجتمعية المغلوطة، التى لا يقابلها سوى الهروب الذى يؤدى فى
النهاية إلى الموت.
ويختتم الناقد سيد حداد دراسته بتقديم رؤيته عن "سينما الطريق"
بالمفهوم الذى قدمه خلال صفحات كتابه بقوله: "فى حضرة الطريق تكون الأشياء
ذات معنى ووزن فى آن واحد، فمنذ اللحظة الأولى لكلمات هذه الدراسة، صرت
أسيرَ الطريق وأسيرُ فيه، بدأت أرى أفلاما قديمة بصورة جديدة بفعل مفهوم
الطريق، الذى كان جديدا ومباغتا بالنسبة لى، أضفى الطريق بمفهومه السينمائى
قيمة أدبية هائلة على جميع الأفلام التى تناولتها عبر الدراسة، لقد رأيت
أبطال الأفلام يعبرون الطريق تلو الطريق، يزرعون السيناريو باتجاه رؤية
المخرج الذى أسس طريقه بهم"