مكتبة سينماتك

 
 

               

 
 
 

جديد الكتاب

 
 
 

الصورة السينمائية

من السينما الصامتة إلى الرقمية

تأليف: سعيد شيمي

المحتويات

الباب الأول:

·        سنوات الإبتكار

الباب الثاني:

·        سنوات النضج

الباب الثالث:

·        سنوات الإستنارة

الباب الرابع:

·        سنوات التغيير

 

 

الصورة السينمائية

من السينما الصامتة إلى الرقمية

سعيد شيمي

 
 
 
 
 

عن الكتاب

     
 

 

حكاية الصورة السينمائية من البدايات إلى «البيكسلات»!

بقلم: محمود عبدالشكور 

يُقدّم مدير التصوير القدير «سعيد الشيمى» فى كتابه الجديد الذى يحمل عنوان الصورة السينمائية من السينما الصامتة إلى الرقمية، والصادر ضمن سلسلة «آفاق السينما» التى تطبعها هيئة قصور الثقافة، سياحة ممتعة ومثيرة عن تاريخ الصورة أو الأطياف التى تتحرك فوق الشاشة البيضاء، ورغم أنه يسجل فى الكتاب إعجابا مستحقا لإنجاز الصورة المطبوعة على أفلام السيلولويد التقليدية، التى اختطفت بالأعمال الفنية الكبرى لأشهر المخرجين والمصورين والممثلين فى زمن الأبيض والأسود والألوان، إلا أنه يؤكد على أن العصر القادم هو زمن الصورة الرقمية ،عصر البيكسلات وهى الشرائح الإكترونية الصغيرة التى تمسك بالصورة، والتى تكاثر عددها لتعطى نفس الجودة تقريبا التى كان يمنحها الفيلم السينمائى التقليدى
من خلال التوقف عند القفزات المتتالية التى حققتها الصورة السينمائية، من خلال عدد كبير من الصور التوضيحية للأفلام والمعدات، نكتشف بطريقة غير مباشرة أن تطور الصورة لم يكن إلا ترجمة للقفزات العلمية المدهشة التى حققها الإنسان، ولكن الكتاب لايعرض هذه الانتقالات الكبرى لذاتها، ولايحتفى بالتكونولوجيا إلا باعتبارها أداة تسهل على فنانى السينما وخصوصا المخرجين والمصورين، تحقيق أحلامهم الفنية لاشىء يمكن أن يكون بديلا عن عين الفنان أو رؤيته، بل لعلنى أعتقد أن تلك الثورة الإلكترونية التى اقتحمت عالم الصورة، وهذه الكاميرات الديجيتال الصغيرة التى جعلت كل إنسان قادرا على إنجاز فيلمه بنفسه، والتعبير ذاتيا عن أفكاره، كل ذلك يشكل تحديا لأصحاب المواهب الحقيقية فى الفرز والا نتقاء ، وفى توظيف إمكانيات هائلة جديدة، كلما توفرت القدرة على التصوير بالأجهزة العجيبة التى تقدم إمكانيات لانهائية من حركة الكاميرا، كلما احتجنا إلى عين مثقفة وخبيرة، حتى لايتحول فن التصوير السينمائى إلى مجرد استعراض مجانى، وكأن المصور يركب مرجيحة تصعد به وتهبط بلا أى معنى، مثلما شاهدنا ونشاهد فى أغنيات الفيديو كليب البائسة!
يؤرخ لظهور السينما بأول عرض فى باريس نظير تذاكر للأخوين لوميير يوم السبت 28 ديسمبر 1895، ابتكر الاثنان كاميرا سجلت بعض اللقطات القصيرة، كما ابتكرت آلة عرض بدائية بالطبع، ولكن التجارب المختلفة لتسجيل الصور المتحركة لم تكن ممكنة لولا اكتشاف بعض الخواص البصرية الهامة وأبرزها خاصة احتفاظ العين بالرؤية لفترة قصيرة جدا من الزمن، لولا هذه الخاصية لما أدركنا الصورة متحركة مع أنها فى الحقيقة ليست سوى كادرات يتوالى عرضها بسرعة معينة، ورغم أن الأخوين لوميير أتاحا للجمهور مشاهدة الأفلام مقابل تذاكر، إلا أنهما لم يؤمنا أبدا بأن اختراعهما يمكن أن يتحول إلى مشروع اقتصادى ناجح، ولكن الفن الجديد سرعان ما انطلق على يد حفنة من المبدعين ربما كان فى صدارتهم الفرنسى «جورج ميليس» الذى كان يعمل ساحرا مما انعكس على ابتكاراته الكثيرة فى عالم الخدع السينمائية، وقد نجح فى تقديم عشرات الأفلام القصيرة، وأنشأ استديو للتصوير السينمائى، ثم تطورت اللغة السينمائية باكتشاف المونتاج وإمكانياته على أيدى كبار المخرجين فى عصر السينما الصامتة مثل الأمريكى «جريفيت» والروسين «بودوفكين وإيزنشتين»، ظهر التأثير الرائع لأحجام اللقطات وخصوصا لقطة «الكلوز أب» كما فى فيلم «آلام جان دارك» وحققت المدرسة التعبيرية الألمانية انجازها الكبير فى فترة ما بين الحربين من خلال أفلام «عيادة الدكتور كاليمبارى» و «توسفيراتو» و «متروبوليس»، أصبحت لدينا الصورة الكلاسيكية الهوليودية بعد دخول أمريكا بقوة ساحة انتاج الفيلم الروائى، تطورت أيضا حساسية الأفلام التى كانت بطيئة للغاية مما فرض ذلك المكياج الأبيض الثقيل الذى يظهر به الممثلون فى أفلام الأبيض والأسود، ولكن الحساسية زادت تدريجيا مما أتاح امكانيات هائلة فى تحسين الصورة السينمائية، والتعبير عن الزمن التاريخى باستخدام أقل المصادر الضوئية المتاحة.

يتوقف سعيد الشيمى عند سنوات النضج للصورة السينمائية، فرغم ظهور الصوت، وتأثيره السلبى بوضع الكاميرا داخل حجرة تعزل صوتها، وبتحديد حركتها حتى لايظهر ميكرفون التسجيل داخل الاستوديو، إلا أن السينما سرعان مانجحت فى استعادة صورتها الساحرة بظهور الفيلم الاستعراضى، وبالإنتاج الضخم للأفلام التاريخية، والتجارب الواقعية الجديدة فى إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية، التى استفادت من تدمير الاستديوهات بالخروج للتصوير فى الشوارع، ومن غياب النجوم بالاعتماد على الهواة كما شاهدنا فى فيلم «تيتوريودى سيكا» الشهير «سارقو الدراجة» وحتى عندما ظهر التليفزيون كمنافس قوى للسينما وصورتها فى الخمسنيات، فإن السينما سرعان ما لجأت إلى الإبهار فى استخدام الألوان، كما ظهر التصوير بالشاشة العريضة، بل إن تجارب السينما المجسمة بدأت فى الخمسنيات أيضا، نافست السينما التليفزيون بالأفلام الضخمة التاريخية والدينية (فيلم الرداء هو أول فيلم سكوب)، وبالتصوير تحت الماء.

( فيلم 20 ألف فرسخ تحت الماء فى نسخه المتعددة)، وفى سندات الاستنارة كما يسميها سعيد شيمى استفادت السينما من ظهور الفيديو المساعد للكاميرا السينمائية والذى يتيح للمخرج مشاهدة ما تم تصويره أثناء القيام بذلك، بل لقد تطورت المعدات السينمائية بظهور الكاميرات المحمولة على رافعة عملاقة (sky corn) وكاميرات التصوير الجوى التى تقدم صورة ثابتة رغم اهتزاز طائرات الهليوكبتر التى تحملها، وقدمت اليابان تطويرا هائلا لصناعة الفيلم الملون على وجه الخصوص.
ولكن سنوات التغيير جاءت بالسينما الرقمية وكاميراتها وأجهزتها، ولأن الشريحة الإلكترونية تتيح إمكانيات هائلة غير مسبوقة، فقد حدثت ثورة كاملة غى مجال الخدع، فيلم مثل «300» الشهير تم تنفيذه بالكامل داخل استديو صغير، وعن طريق استخدام برامج متنوعة أضيفت الخلفيات، بل وتم تخليق الافيال والحيوانات الضخمة التى ظهرت فى الفيلم، هناك من يعتقد بضرورة استغلال هذه السينما الرقمية كما فعل مخرجو «وجما 95»، ولكن هناك من يصر على استخدام الفيلم فى التصوير مثل سبيلبرج، ورغم أن سعيد شيمى من أنصار تلك الثورة الرقمية، إلا أنه لاينسى سحر الفيلم التقليدى ولذلك يقدم فى قلب حديثه عن سنوات التغيير نماذج تحليلية من أعمال كبار مبدعى الصورة السينمائية مثل «برجمانة» و«كريرك» و «كيروسوا» و«كيشلوفسكى» و «شادى عبد السلام» فالبقاء دوما للفن مهما تغيرت وسائل التعبير والتصوير

أكتوبر المصرية في

16/ 06/ 2013

 

 

     
     
 

 

سعيد شيمى.. راهب التصوير السينمائى

على أبوشادى

«التصوير السينمائى من السينما الصامتة إلى السينما الرقمية» أحدث كتب مدير التصوير النابه والباحث المدقِّق سعيد شيمى، يضع فيه -شأن كتبه الخمسة عشر السابقة- خلاصة تجربته العلمية والعملية فى مجال التصوير السينمائى، بعد ما يقرب من إدارة تصوير أكثر من مائة فيلم روائى طويل والعديد من المسلسلات التليفزيونية وعشرات الأفلام التسجيلية، وهو أحد أهم المصورين الذين قَدِمُوا إلى السينما الروائية من عباءة السينما التسجيلية، ليساهموا فى تدشين واقعيةٍ مصريةٍ جديدة، تعبِّر عن الواقع المعاصر وتخرج بالكاميرا إلى الشارع بديلاً للديكورات والغرف المغلقة لتحقيق مزيد من الصدق الدرامى.

يُوجز الناقد والمؤرخ الكبير أحمد الحضرى هذا الإنجاز الهام فى تقديمه للكتاب بأنه يتناول «الصورة السينمائية من بدء مرحلة الصورة الفوتوغرافية ثم الوصول إلى الصورة السينمائية التى تدب فيها الحركة وما مرَّت به من مراحل صمت، ودور هذه الصورة فى الأساليب المختلفة من السرد الروائى بعد مرورها بالمرحلة التسجيلية الأولى ومرحلة ما هى قادرة عليه من تقديم الخدع المختلفة، إلى مرحلة السينما الناطقة وما يتبع ذلك من تطوير فى الصورة السينمائية ومرحلة الانتقال من الصورة باللونين الأبيض والأسود ودرجاتها المختلفة إلى الصورة السينمائية كاملة الألوان والأساليب المختلفة لاستخدام الألوان حسب اختلاف الفنانين واختلاف دولهم، ثم ما مرّت به الصورة السينمائية من اختلاف المقاس وطريقة العرض أمام الجمهور وصولاً إلى الصورة الرقمية».

والسينما الرقمية هى التعامل مع الصور على أنها إشارات كهربائية رقمية بدلاً من تحميضها وطبعها كيميائياً على ورق حساس، فلا يوجد شريط أو صورة ملموسة، كما تلتقط الصورة من أجهزة الكومبيوتر أو التليفون المحمول، فالكاميرات الرقمية Digital Camera تصور وتخزن المعلومات فى ذاكرة إلكترونية بداخلها بديلاً لبكرات الشرائط فى الكاميرات السينمائية التقليدية. ويرى سعيد شيمى أن هذه التقنية الجديدة سوف تعصف بكل ما فى الماضى من عراقة، خاصة أن الصورة الإلكترونية قد تبلغ قريباً درجة الاكتمال وتصبح مساوية لجودة شريط السينما (السليلويد Celluloid).. ربما يكون فى هذا الرأى قدر من المغالاة فى تقدير ما سيأتى به المستقبل فالتاريخ يعلمنا أنه لا شىء يزيح الآخر فقد سبق -على سبيل المثال- أن قيل ما يقترب من ذلك بالنسبة للسينما حين ظهور التليفزيون وقبله بالنسبة للمسرح حال اختراع السينما، وقال البعض بانتهاء عصر الأبيض والأسود مع ظهور الألوان وما زال بعض من كبار المخرجين يصورون أعمالهم بالأبيض والأسود حتى الآن، فمن الممكن أن تتجاور المستحدثات إلى جانب السائد وبهذا تفتح آفاقاً جديدة للإبداع.

يتابع الكتاب، الذى تقترب صفحاته من ٤٥٠ صفحة، تلك المراحل بدقة وتفصيل ولغة سهلة وشيقة عبر تناول الأساليب الجمالية لكبار المخرجين الذين أثْرَوْا تاريخ السينما وأثَّروا فى مسيرتها، ليصل إلى أمتع فصول الكتاب بعنوان «سنوات التغيير» الذى يواصل فيه المؤلف تحليل أساليب كبار المصورين السينمائيين وعلاقتهم بمخرجى أفلامهم وبيان تطور تلك الأساليب ومدى التوافق بين المصوِّر والمخرج، فكلاهما مُبدع، فيشرح شيمى ويحلل أهمية اللون فى أعمال أنتونيونى وفللينى (إيطاليا) وإنجماربر جمان (السويد) وكلود ليلوش (فرنسا) وباراد جانوف وأندريه تاركوڤسكى (روسيا) وستانلى كوبريك (أمريكا) وأكيرا كيروساوا (اليابان) والمصرى شادى عبدالسلام الذى يقول عنه، بعد تحليل وافٍ وممتع لدور اللون فى فيلمه الكبير «المومياء»: «إن الفنان المبدع شادى عبدالسلام جعل اللون شكلاً خالصاً فى فيلمه مستمداً قوته وعظمته من ألوان مصر القديمة.. كان اللون مع عنصر التكوين والحركة البطيئة وباقى عناصر اللغة السينمائية من أهم مميزات أسلوبه الفريد الذى لم يَجُدْ بمثله الزمن على أحد غيره حتى الآن».

بنظرة فاحصة متعمقة، مسلحاً بخبرة عملية طويلة ومدججاً بسعة فى العلم ورحابة فى الأفق وعقلٍ يقظ يحمل قدراً كبيراً من الإعجاب والاحترام، يتابع سعيد شيمى -راصداً ومحللاً - أعمال نظرائه من كبار المصورين فى تاريخ السينما، جوردون ويليس (الأب الروحى الجزء الأول والثانى لكوبولا) ومتصوف الألوان الإيطالى ڤيوتوريو ستورارو (مصور أعمال بيرتولوتشى «التانجو الأخير فى باريس» و«١٩٠٠» و«القمر» وفيلم ستانلى كوبريك «سفر الرؤيا الآن») والإسبانى نيستور ألميندروس (أيام السماء لتيرانس ماليك) وغيرهم من الكبار شارحاً الخصائص الجمالية فى أسلوب كل منهم.

قدّم سعيد شيمى جهداً ملحوظاً فى متابعة وتحليل أساليب أساطين التصوير فى العالم، لكنه غفل -أو تغافل- عن ذكر اسم أى مصوّر سينمائى مصرى أو عربى، وبرغم إشادته بأسلوب التصوير فى «المومياء» للراحل مصطفى إمام فإنه نسب كل الفضل للفنان شادى عبدالسلام، كما تناسى أسماء كثيرة وكبيرة فى تاريخ التصوير المصرى، بداية من الأساتذة العظام عبدالعزيز فهمى وحسن التلمسانى ووديد سرى وخورشيد، والجيل التالى المثقف الدارس مثل طارق التلمسانى ومحسن نصر وماهر راضى ومحمود عبدالسميع ومحسن أحمد، على سبيل المثال لا الحصر، بل وسعيد شيمى نفسه وذلك غير جيل الشباب الحالى المجتهد.. ربما يرى المؤلف أن أعمال بعض هؤلاء لا ترقى إلى مستوى من ذكرهم، أو تعلل بسابق الإشارة إليهم فى كتبه السابقة، لكنى أعتقد أنه كان من الضرورى الإشارة إليهم والإشادة بمن أجاد أو تميز بأسلوب خاص أو -على الأقل- التطرق إلى دور مصطفى إمام مع شادى عام ١٩٦٩ مع مراعاة فارق الإمكانات هنا.. وهناك.

اقترب سعيد شيمى، من خلال ستة عشر كتاباً عن التصوير السينمائى، من عالم لم يسبق لغيره أن تعامل معه، فى اللغة العربية، بهذه الدقة والعمق، ويكاد يشكل وحده موسوعة متكاملة للتصوير السينمائى يمتزج فيها العلم بالعمل، والتجربة بالخبرة ليفتح لعشاق السينما، هواة ومحترفين، باباً جديداً للتذوق والمعرفة.

الوطن المصرية في

19/ 05/ 2013

 

 

     
     
 

 

أسامة عبد الفتاح يكتب:

سعيد شيمي.. راهب الثقافة البصرية

** كتابه رقم 16 يجعله أهم باحث في تاريخ وفنون الصورة السينمائية على الإطلاق

** شيمي: "لا يشغلني الآن سوى نشر الثقافة البصرية ليرفض الناس القبح ويسعوا للجمال"

يمثِّل الفنان الكبير سعيد شيمي حالة فريدة بين جميع مبدعي السينما المصريين والعرب، ليس فقط لضخامة منجزه الفني، حيث تولى تصوير 108 أفلام روائية طويلة وأكثر من سبعين فيلما تسجيليا، ولكن أيضا لما قدمه للمكتبة السينمائية العربية من كتب قيِّمة في مجال الثقافة البصرية جعلته أهم باحث عربي على الإطلاق في تاريخ وفنون الصورة السينمائية.

والمعروف أن بعض الفنيين الكبار في تاريخ السينما المصرية، قاموا بتأليف كتب في مجالات تخصصاتهم، أو نشروا الرسائل التي حصلوا بها على درجات الماجستير أو الدكتوراه في نفس التخصصات، مثل المونتير الكبير الراحل عادل منير، الذي أصدر كتابا عن إيقاع ومونتاج الفيلم في مصر، والمخرج سمير سيف، الذي قدَّم كتابا عن أفلام الحركة، وغيرهما.. لكن حالة سعيد شيمي تختلف، فقد أصدر منذ أيام كتابه رقم 16 في مجال التصوير السينمائي وفروعه المختلفة، مما يحوله إلى باحث حقيقي في مجاله وليس مجرد فنان اختار أن يكتب تجربته أو مذكراته أو قرر أن يطبع رسالته العلمية.

صدر الكتاب بعنوان "الصورة السينمائية من السينما الصامتة إلى الرقمية"، في 446 صفحة من القطع المتوسط (16,5 * 23,5 سم)، وهو يحمل الرقم 72 ضمن سلسلة "آفاق السينما" التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة، الجهة المفضلة لدى شيمي في طباعة كتبه، حيث أصدر من خلالها سبعة كتب قبل هذا الكتاب، أهمها العمل الأدبي والفني القيِّم "سحر الألوان من اللوحة إلى الشاشة"، الذي صدر عام 2008 في عدد خاص من "آفاق السينما" بمناسبة مرور عشر سنوات على إطلاقها و100 عام على ميلاد السينما المصرية.

أسلوب شيِّق

الكتاب الجديد مطبوع بالأبيض والأسود، ما عدا الغلاف الذي تحتله صورة معبرة للغاية للنجمة السينمائية القديمة مارلين ديتريش، يظهر فيها بوضوح تأثير ودور الإضاءة في الصورة السينمائية.. ولا يعني ذلك أنني أنتقد غياب الألوان عن الكتاب، لأن معظم الصور تنتمي إلى عصر السينما الصامتة أو الناطقة غير الملونة، أي أنها بالأبيض والأسود بطبيعتها، بالإضافة للكثير من الرسوم والأشكال التوضيحية غير الملونة بطبيعتها هي الأخرى.

وكان الفنان الكبير قد أهداني الكتاب نهاية الأسبوع الماضي، فقلت له على الفور إنني سأكتب عن صدوره - وليس عنه - كحدث أدبي وسينمائي مهم يستحق الاحتفاء والاحتفال في أسرع وقت، وقبل حتى أن أتم قراءته.. لكن ما حدث أنني قرأته كاملا في يوم واحد، بل في عدة ساعات، بفضل أسلوبه الشيِّق، وطريقة بنائه التي تشبه رحلة يصطحب خلالها شيمي القراء عبر تاريخ الصورة السينمائية، ليس فقط من الناحية التاريخية التي يعشقها ويجيدها باعتباره دارسا للتاريخ بجامعة القاهرة قبل دراسته التصوير السينمائي، ولكن أيضا من الناحية الفنية، وهي الأهم، مستعرضا تطورات تلك الحزم الساحرة من الضوء منذ أن كانت ثابتة وحتى أصبحت تُصنع بأحدث برامج الكمبيوتر وفق آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا الرقمية.

أكثر ما يلفت النظر في "رحلة شيمي" الثرية والدسمة، رصده الدقيق وتحليله الممتع للتطورات والأحداث الكبرى التي وقفت وراء التحولات الجذرية التي طرأت على الصورة السينمائية خلال تاريخها القصير نسبيا بالمقارنة بالفنون الأخرى، حيث لا يتجاوز 120 عاما، وأهم هذه التطورات: نجاح جهود إضافة الصوت على الشريط السينمائي الصامت، والذي وصفه المؤلف بـ"الضربة القاضية" التي تعرضت لها كاميرات التصوير، واستمر تأثيرها لمدة عقد من الزمان تقريبا.

خطر التليفزيون

ويشرح شيمي ذلك قائلا إن صناع السينما اضطروا لوضع الكاميرا فيما يشبه الغرفة محكمة الغلق لمنع الضجيج التي تحدثه أثناء التشغيل، وضمان تسجيل الصوت بنقاء، على أن يتم التصوير من فتحة زجاجية أمام العدسة، مما جعل الكاميرا "جثة هامدة" - وفق تعبير المؤلف - لا تتحرك إلا في حدود الفتحة الزجاجية الصغيرة في ذلك "السجن" الكاتم للصوت!

وألغى ذلك ما كانت الكاميرا قد حققته من تقدم على مستوى الحركة في السنوات السابقة على دخول الصوت، ومنه حركتها بواسطة الشاريوه والكرين وغيرهما، وأعادها إلى المرحلة الأولى من اختراع السينماتوجراف حين كانت تسجل ما أمامها من دون حركة.. وبدأت محاولات حل المشكلة بتركيب عجلات لغرف الكاميرات محكمة الغلق، لكن ذلك لم يكن كافيا، ولم يكن يصمد للمقارنة مع حركتها النشطة السابقة، فتم اختراع عازل للصوت يسمى "بلمب" بدأ ضخما وثقيلا ثم أصبح بمرور الوقت أصغر حجما وأخف وزنا.

ومن أهم التطورات والأحداث التي وقفت وراء تحولات الصورة السينمائية كما يوضح الكتاب، ظهور التليفزيون كمنافس خطير للسينما يهدد بسحب مشاهديها وإغرائهم بالبقاء في البيوت للاستمتاع بالسينما المنزلية الجديدة. وأدرك صناع السينما خطورة الاختراع الجديد على الفور، ووضعوا خطة عاجلة لاستعادة مشاهديهم تقوم على استخدام ثلاثة أسلحة: الإنتاج الضخم المبهر، والشاشة العريضة المتسعة، وتصوير الأفلام بالألوان، حيث لم تكن التليفزيونات الملونة قد اخترعت بعد.

خطة سينمائية

باختصار، قامت خطة استعادة مشاهدي السينما على تقديم ما يصعب، بل يستحيل، على التليفزيون تقديمه. وأعجبني أن المؤلف لم يكتف بذكر عناصر الخطة، بل توقف أمام كل منها بالشرح والتحليل.. فقد تم اللجوء للموضوعات التاريخية والاستعراضية المبهرة لأنها تحتاج إلى ديكورات ضخمة ومجاميع كبيرة يعجز جهاز التليفزيون عن عرضها بجودة، حيث لم تكن شاشته تزيد وقتها - منتصف القرن العشرين - عن 14 بوصة، كما لم يكن نظام عرض الأفلام متداولا في بدايات التليفزيون.

وفيما يخص الشاشة العريضة المتسعة، التي تكفي لتكرِّس لدى المشاهد الفرق الشاسع بين السينما والتليفزيون، فقد استعرض شيمي تطورها عبر سبعة أنظمة، من السينما سكوب إلى الشاشة المجسمة.. أما آخر سلاح تم استخدامه لإعادة الجمهور إلى دور العرض السينمائية، فكان تصوير الأفلام بالألوان، والذي استعرض المؤلف أيضا تطوره وأنظمته المختلفة، قبل أن يؤكد نجاح الخطة وعودة الجمهور للإقبال على السينما، وبمعدلات تفوق ما كان سائدا قبل اختراع الشاشة الصغيرة.

على هذه الوتيرة وبذلك الأسلوب الذي يتميز بأنه علمي من دون أن يكون جافا، يسير الكتاب حتى آخر صفحة منه.. وبعد الانتهاء من القراءة، سيسيطر عليك الإحساس بأن سعيد شيمي تحول إلى راهب للثقافة البصرية، التي قال لـ"القاهرة" إن نشرها هو أهم ما يشغله حاليا حتى يرفض الناس القبح والعشوائيات والقمامة، وحتى يحبوا الجمال ويسعوا إليه، وإلى كل ما فيه تقدم الوطن.

ولابد من تحية الهيئة ـ خاصة سلسلة آفاق السينما التابعة لها ـ على إصدار مثل هذه الكتب القيمة التي تثري المكتبة السينمائية العربية‏،‏ وعلي بيعها بهذا السعر الزهيد الذي أعتبره مدعما‏،‏ فلا شك أن كتابا من ‏446‏ صفحة، بهذا المستوى من الطباعة الجيدة، يتكلف أكثر من ثلاثة جنيهات‏، لكن بيعه بهذا السعر يعد  توجها محمودا من شأنه تحقيق ما يحلم به فناننا الكبير، وهو نشر الثقافة بشكل عام، والثقافة البصرية بشكل خاص، فهو مرجع مهم يجب أن يكون في مكتبة كل متخصص أو باحث أو دارس أو عاشق للسينما‏.

القاهرة اليوم في

14/ 05/ 2013

 

 

     
     

 

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)