«الهوس
بالسينما» فى كتاب جديد للغيطانى عن دار فضاءات
ايهاب
مصطفى
صدر مُؤخرا عن دار فضاءات للنشر والتوزيع، في العاصمة
الأردنية عمّان، كتاب بحثي جديد للناقد المصري محمود
الغيطاني بعنوان
Cinephilia
الهوس بالسينما: لارس فون ترير" يركز فيه الكاتب على
السينما الاسكندنافية من خلال السيناريست، والمُخرج،
والمُنتج الدانماركي لارس فون ترير، الذي أثار ثورة في
عالم الصناعة السينمائية من حول العالم، حينما أطلق
بيانه الثوري ضد السينما Dogme 95
دوجما 95، وهو البيان الذي اتبعه فيه الكثيرون من
المُخرجين من حول العالم مُلتزمين بما أعلنه لارس فون
ترير من أجل تقديم سينما جديدة ومُختلفة عما هو سائد
في صناعة السينما.
يتناول الغيطاني في كتابه النقدي حياة المُخرج مُنذ
طفولته، لا سيما أن ترير قد بدأ في صناعة الأفلام
السينمائية مُنذ أن كان طفلا في الحادية عشرة من عمره،
حينما قام بتقديم فيلمه
The Trip to Squash Land
رحلة إلى أرض اليقطين عام 1967م، وهو ما يُدلل على هوس
المُخرج بالصناعة مُنذ صغره، ما قد يُفسر لنا ثورته
الأسلوبية، والفنية، والتقنية على ما هو سائد ومُستقر
وتقليدي في صناعة السينما الأمر الذي جعله يُطلق بيانه
الثوري الذي تم وصفه بأنه بيان سينمائي ضد السينما،
وأن ترير يرغب في تقديم سينما مُضادة للسينما؛ مما
جعله رائدًا سينمائيًا، وصاحب اتجاه يتبعه فيه
الكثيرون من مُخرجي العالم- رغم أن ترير نفسه لم يلتزم
بما أعلنه في بيانه الثوري، لا سيما النقاط العشر التي
أعلنها لتكون بمثابة مانفيستو لصناعة السينما، والتي
أطلق عليها اسم "نُذر العفة" Vow of Chastity
حيث لا يكون المُخرج من مُخرجي الدوجما إلا إذا ما
التزم بهذه الشروط.
يُقسم الغيطاني كتابه إلى 5 أبواب حرص فيه على التعمق
في عالم المُخرج مُنذ طفولته حتى اليوم، حيث خصص الباب
الأول للقسم البحثي عن السينما التي قدمها ترير،
وحياته الشخصية، والظروف والعوامل التي شكلت ثقافته،
ونظرته الخاصة والمُختلفة للسينما، فضلا عن مُعاناة
المُخرج مع الاكتئاب المُزمن، بالإضافة إلى إدمانه
الكحولي، وهو ما انعكس على ما يقدمه من أفلام سينمائية
ذات فرادة لا تتشابه سوى مع صانعها.
نُلاحظ أن الناقد قد أفرد مساحة كبيرة في الجزء البحثي
من أجل التعمق في عالم المُخرج السينمائي والشخصي،
بينما خصص الباب الثاني من الكتاب للنقد التطبيقي على
أفلامه الروائية الطويلة التي بلغت ثلاثة عشر فيلمًا،
واختص الباب الثالث بفيلمه الروائي الطويل الوحيد الذي
صنعه للتليفزيون الدانماركي Medea
ميديا 1988 بينما جاء الباب الرابع للاهتمام بما قدمه
المُخرج في مجال السينما التسجيلية والذي كان عبارة عن
فيلم The Five
Obstructions
المعوقات الخمسة 2003م، وهو الفيلم التسجيلي الوحيد
الذي اهتم ترير بصناعته، وقد كان عن صديقه المُقرب
المُخرج السينمائي، والشاعر
jørgen leth
يورجن ليث، ليخصص الغيطاني الباب الخامس والأخير
للأفلام الروائية القصيرة التي قام المُخرج بصناعتها
مُنذ أن كان طفلا في الحادية عشرة حتى آخر فيلم له Dimension
البُعد 2010م، بما فيهم فيلم تخرجه في المدرسة الوطنية
للسينما في الدانمارك National Film School of Denmark
عام 1982م- Images of
Liberation
صور التحرير 1982م، وهي الأفلام التي بلغ عددها أربعة
عشر فيلما، كان الغيطاني حريصا على التطبيق بالنقد
والتحليل والدراسة لها، كجزء نقدي مُقابل للجزء البحثي
الذي بدأ به كتابه.
يقول الغيطاني مُتحدثا عن سينما المُخرج الدانماركي:
إن الدخول في عالم المُخرج، والسيناريست، والمُنتج،
والمُنظر السينمائي الدانماركي Lars Von Trier
لارس فون ترير لا يعني في حقيقته سوى الدخول في متاهة
من الأفكار والثقافات، والأيديولوجيات الموسوعية التي
تدور في ذهنه. الغوص في عالم من الهواجس، والقلق،
والخوف، والكآبة، وغيرها من المُفردات التي تُشكل
عالمه النفسي والسينمائي. الانسياق خلف تأمل المُجتمع
من حولنا بتناقضاته، وكذبه، وتدليسه، وساديته،
وشكلانيته، وادعاءاته حتى لكأننا نقف أمام المرآة
الكاشفة لحقيقتنا، والتي نحاول التغاضي عنها، أو
تناسيها، وإخفائها. الضياع داخل النفس البشرية
بتشابكاتها، وغرائبيتها، وتناقضاتها، وإيمانها،
وإلحادها، وعهرها، وطهرانيتها، ومثاليتها. إنه يعني في
نهاية الأمر الرغبة في الولوج إلى عالم قاسٍ، وصارم،
شديد الإنهاك للمُتلقي سواء على المستوى الفكري، أو
على المستوى الفني والأسلوبي- لاحظ أسلوبيته في مسرحة
السينما مثلا في فيلميه Dogville
دوجفيل 2003م، وManderlay
ماندرلاي 2005م، وهما الفيلمان اللذان يمثلان الجزئين
الأول والثاني من ثلاثيته غير المُكتملةUSA:The Land of
Opportunity Trilogy ثلاثية
أمريكا: أرض الفرص- حتى إن المُشاهد لا بد له أن يخرج
من أفلامه وقد شعر بالكثير من الإنهاك على المستويين
النفسي، والفكري، غير قادر على استيعاب ما شاهده إلا
بعد مرور فترة من الوقت يكون فيها قد استطاع إعادة
ترتيب أفكاره، واستعادة صحته، واتزانه النفسي اللتين
سيعمل المُخرج- عن عمد- على تخريبهما تماما، وإحالتهما
إلى عالم من الفوضى الكاملة!
إذن، فنحن أمام مُخرج يحيل الحياة بأكملها إلى تجربة
ذهنية قاسية وحادة، يستطيع من خلالها طرح أفكاره،
وتساؤلاته، وتأملاته حول المُجتمع مُدينا إياه،
مُهاجما له بقسوة، من خلال إشاعة الفوضى فيه، وتحطيم
كل المُفردات المُتفق عليها اجتماعيا! إنه المُخرج
الأكثر مهارة في هدم كل شيء من حوله كي يعيد بناءه مرة
أخرى بتؤدة وتمهل من خلال أفكاره الفلسفية، والوجودية
التي يفكر فيها، أي أن صناعة الأفلام بالنسبة إليه
ليست سوى فائض أفكاره العاصفة التي تعتمل داخل ذهنه
محاولا التخلص منها؛ كي يفرغ المزيد من المساحة لغيرها
من الأفكار، في حين أنه يترك مُتلقي هذه الأفلام في
حالة من حالات الفوضى الفكرية المُقابلة والتي لا
يتخلص منها بسهولة؛ حيث تُسبب له الكثير من الصدمة غير
المُنتظرة.
صدر الكتاب في 550 صفحة من القطع الكبير، وهو الكتاب
الثامن للمُؤلف مع دار فضاءات الأردنية، ويكتب
الغيطاني في العديد من المجالات الثقافية المُختلفة،
حيث صدر له من قبل روايتين هما "كائن العزلة" 2006م،
و"كادرات بصرية" 2011م، وقد حصدت الرواية الأخيرة
جائزة ساويرس الأدبية في 2012م، كما صدرت له مجموعتين
قصصيتين هما "لحظات صالحة للقتل" 2008م، و"اللامنتمي"
2018م، وكتابين في النقد الأدبي هما: "زيف النقد ونقد
الزيف: احتضار النقد العربي" 2017م، و"الفساد السياسي
في الرواية المغاربية" 2018م، بينما صدر له كتاب واحد
في الحوارات الثقافية مع مجموعة كبيرة من الروائيين
العرب بعنوان "جنة الممسوسين" 2018م، ليصدر له في
النقد السينمائي سبعة كتب منها كتاب واحد مُشترك مع
الناقد السوري صلاح سرميني بعنوان "سينما الطريق:نماذج
من السينما العربية" 2007، و"السينما النظيفة" 2010
و"غسان عبد الخالق: سيرة سينمائية" 2014م، والجزء
الأول والثاني من مشروعه النقدي الضخم الذي لم يكتمل
بعد "صناعة الصخب: ستون عاما من تاريخ السينما المصرية
1959- 2019م" وقد صدر الجزآن في 2021م، وكتابه "سينما
المشاعر المُنتهية الصلاحية: وونج كار واي" 2022. |