في عالم تار السينمائي نحن لسنا أمام موقف أخلاقي-
فتار ليس أخلاقيا- بل هو موقف فلسفي في المقام الأول،
موقف يشعر بوطأة تواجد الإنسان في الحياة، يتأمل العبء
الوجودي الضاغط في عالم من دون إله يمكن اللجوء إليه،
أو الاستناد عليه- فالكائنات جميعا في فراغ كامل لا
معنى له- ومن ثم فعلى كل كائن أن يتحمل مأزقه الوجودي،
وعليه أن يتعامل معه بأسلوبيته الخاصة من أجل الخلاص،
وهو الخلاص الذي لا يصل إليه أحد في نهاية الأمر.
سينما بيلا تار من السينمات التي لا يمكن التعاطي معها
بسهولة، فهي في حاجة إلى مُشاهد خاص، مُشاهد قادر على
احتمال مشاهده الطويلة الأبدية، تلاعبه بالوقت الذي لا
ينتهي، وهو الوقت الذي يتم تشييئه حتى إنه يكاد أن
يجثم على صدور الجميع.
الوقت لدى تار هو كائن مُستقل بذاته، له كثافة وثقل لا
يمكن احتمالهما، قادر على تغيير حياة البشر إلى ما هو
أسوأ في غالب الأمر، دافع للجنون، صانع لمجموعة من
السلوكيات غير الطبيعية بسبب وطأته، لذا فجميع
الشخصيات تحت سطوة الوقت القاسي، الراسخ، الثابت،
المُتشيئ، الكثيف وكأنه ذو ثقل، تحاول الدفع بالوقت
إلى الأمام بكافة الطرق، رغم أنه لا يتحرك بسهولة مع
كل محاولاتهم؛ مما يشعرهم بالكثير من الاختناق،
والإحباط، الأمر الذي يصيبهم بالجنون ومُمارسة الكثير
من الأفعال التافهة التي لا معنى لها، وإعادة تكرارها
بشكل أبدي رغم عدم جدواها لمُجرد تمرير الوقت، أو
محاولة دفعه للأمام خطوات قليلة؛ لذا فشخصياته
الفيلمية في مُعظمها تتناول الكحول طوال الوقت- ربما
لنسيان وطأة الوقت- كما أن البارات من أهم مُفردات
العالم الفيلمي لدى تار رغم البؤس المُبالغ فيه الذي
يحيطها من جميع الجهات، والفقر الشديد.
محمود الغيطاني