(1)
في العام 1974 انضممت إلى مجلة «بيروت المساء» التي
كانت في الأصل صحيفة يومية تم تحويلها إلى مجلة
أسبوعية بحجم مختلف عن المعتاد يتسع لعدد كلمات أكبر
ويستوجب غزارة في الصفحات والمواضيع.
القسم الثقافي احتل موقعاً متقدماً في المجلة والسينما
احتلت بدورها موقعاً متقدماً من هذا القسم الذي تولى
رئاسة تحريره الشاعر العراقي الراحل بلند الحيدري. هذا
كان مثقفاً وإنساناً محباً وخطط لأن يكون القسم
مختلفاً عن كل قسم مماثل في أي مجلة من مجلات لبنان
والعالم العربي.
بيروت، بدورها، كانت مرتعاً للصحافة العربية بكافة
إتجاهاتها. لم تكن هناك حرية صحافة في أي بلد عربي كما
كانت في بيروت. كذلك، كانت السينما واحدة من أهم
مقتنيات تلك المجلات. النقد السينمائي كان عبوراً
ضرورياً صوب الجدية في التعامل مع المواد السينمائية
والكثير من المجلات والصحف اليومية أفردت له فسحات نشر
جيدة، لكن لا أحد اهتم بالمادة السينمائية كاهتمام
بلند الحيدري و«بيروت المساء».
ذات يوم طُلب مني إجراء مقابلة مع مخرج عربي- أميركي
أسمه مصطفى العقاد. لم أكن سمعت به قبلاً ولم أسمع
كذلك بأن مشروعه المقبل سيتم تصويره في ليبيا. كان أحد
الزملاء رتّب الأمر على أن أقابل المخرج في أحد مقاهي
الحمراء. ذلك الشارع الذي كان محطة المثقفين
والصحافيين والإعلاميين مثل عمود فقري بالنسبة لأي
جسم. وصلت في الموعد المحدد ووجدته جالساً، مع شخص لا
أعرفه، فسلمت عليهما وجلست.
ابتسم المخرج والمنتج لي وهو يلحظ أنني لم أتجاوز
الثالثة والعشرين سنة. تلك الإبتسامة تذكرني بدهشة
الممثلة والمغنية الراحلة شادية عندما كنت ما زلت دون
السادسة عشر وتوجهت إليها لإجراء حديث معها. نادت
زميلها في البطولة (لا أذكر من هو) وقالت له: “تعال
الشوف البايبي ده جاي يعمل معايا مقابلة”. قالتها
بنعومة وبحب جال أوصالي على الرغم من ذلك السن المبكر.
في المقابلة أطلعني مصطفى العقاد على تاريخه: عمل في
التلفزيون الأميركي مساعد إخراج ومساعد إنتاج في حلقات
تلفزيونية. بعض المخرجين الذين عمل معهم العقاد كانوا
من بين الأحب إلى نفسي، وما زالوا، ألفرد هيتشكوك وسام
بكنباه.
شرح لي مشروعه. كان بعنوان «الرسالة» ويسرد فيه حياة
النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأكد منذ البداية أن
السيناريو حاز على موافقة الأزهر ودار الفتوى وكل من
كان من المهم والضروري أخذ موافقته علماً بأن الرسول
لن يظهر مطلقاً في الفيلم.
دُهشت عندما أخبرني العقاد أن ميزانية «الرسالة» ستبلغ
نحو 30 مليون دولار وطاف حول مشروعه بالتفاصيل التقنية
والفنية وكيف أن الفيلم سيكون عالمياً في أسلوبه وأنه
سيصور الفيلم بنسختين واحدة بالعربية مع ممثلين عرب
والأخرى بالإنكليزية مع ممثلين أجانب.
حين عدت إلى البيت وضعت كل ذلك الحوار على الورق
وسلّمته في اليوم التالي إلى التحرير. بعد أسبوع خرج
المقال بعنوان مستفز يثير الريبة من قدرة مخرج يحقق
فيلمه الأول بميزانية كبيرة وما إذا كانت خلفيته
السابقة، كمساعد مخرج، تخوّله ذلك.
لم يعجبني العنوان مطلقاً وحين مشيت في شارع الحمرا
وفي يدي العدد نظرت إلى حيث التقينا خشية أن أجده هناك
فيواجهني غاضباً، رغم أنه في الوقت ذاته كان أعلمني
بأنه سيترك بيروت إلى ليبيا بعد يومين من إجراء
الحديث.
مرّت بضعة أسابيع قبل أن يتصل بي شخص من طرف العقاد
يطلبني فيه إلى مكتبه. تراءئ لي أن العقاد بعث برسالة
غاضبة يطلب فيها من المتصل إخباري إياها شفهياً.
تواعدنا وذهبت في الموعد المحدد للمبنى المواجه للمقهى
الذي التقينا فيه.
كان المتحدث لبنانياً وكان باش الوجه عندما عرّفني
بنفسه: نبيل ضو. تصافحنا وجلسنا وأخبرني نبيل أن مصطفى
العقاد باشر التصوير وأنه قال لمساعده هذا بإحضار «هذا
الصحافي الذي تساءل كيف سيتسنى لمخرج جديد تحقيق فيلم
بثلاثين مليون دولار”.
يتبع….