زياد الخزاعي

 
سيرة كتابة
 
 
 

كتابة

 

"كانّ" 2018:

برمجة لافتة لخانة "نظرة ما"..

تحتشد بشباب السينما

زياد الخزاعي/ كان/ خاص لـ"سينماتك":

 

 
   

وضعت خانة "نظرة ما"(Un Certain Regard)، وهي التالية في السطوة التنظيمية بعد المسابقة الرسمية، ثقتها في مواهب عالمية شابة، ضمن برمجتها للدورة الـ71(8 ـ 19 أيار/مايو 2018) لمهرجان "كانّ" السينمائي، والتي سيترأس لجنة تحكيمها الممثل البورتوريكي بنيسيو دل تورو. ويمكن للمتأمل في حكايات إشتغالاتهم الإبداعية، ان يعدّها وبسهولة، أكبر حشد حداثي، لم تشهده الكروازيت منذ سنوات طويلة. تميّز بحضور أوروبي كاسح، من بين عروضه 6 أفلام أولى من أصل 18 شّريطاً، وبمشاركة عملين لمخرجين من أصول عربية، وفي غياب مفاجيء للسينما الأميركية التي طالما تصدّرت قوائم العروض.

قارب هؤلاء المخرجون الجدد في نصوصهم، لحظات إنسانية متقلّبة وعصيّة وفاجعة. فعن فساد الذمّم، تسّرد المغربية مريم بنمبارك في باكورتها "صوفيا" حكاية شابة، من الدار البيضاء، لن تفلح من إخفاء حملها غير الشرعي عن عائلاتها. وحينما يأزف وقت الولادة، تحاول ابنة عمها لينا، وهي طالبة طب، إنقاذها من فضيحة وتصفية محتومة. وبإستخدام رحلة إلى صيدلية كذريعة ، تتوجه بها إلى المستشفى حيث تضع طفلها. عندما يعمّ الخبر الفاضح، ينطلق أولاد عمها، اللذان لا يتشابهان في دوافعهما ، في بحث يائس، خلال الليل، للعثور على الوالد المفترض، وإقناعه بالإعتراف بالوليد الجديد بشكل قانوني.

أما زميلتها السورية غاية جيجي، فترصد المهانة الشخصية، كعقاب غير مباشر لحرب غير أخلاقية، في نصّها الروائي الأول "قماشتي المفضلة" الذي تشاركت فرنسا وألمانيا وتركيا في إنتاجه. عندما تتعرض الشابة نهلة الطامحة للحرية، ومغادرة دمشق العام 2011، عبر زيجة مرتّبة مع شاب سوري مهاجر، الى خيبة قاسية، بسبب تغييره رأيه وقراره الإقتران بشقيقتها الصغرى مريام  بدلاً منها، تندفع برعونة الى مصاحبة جارة جديدة وغامضة النوايا. تكتشف ان الشقة التي إستأجرتها حديثاً، ليست سوى بيت دعارة. فيما يصوّب الإيراني علي عباسي، الذي حصد سمعة نقدية لافتة في "مهرجان برلين السينمائي عن فيلمه الأول "شيللي"(2016)، سهامه على سوء الظنّ وعواقب زلّاته، في عمله الروائي من إنتاج السويد "حدود"، حول شرطية حدود تدعى تانيا ، تشتهر بين زملائها بحاستها المدهشة في كشف المهربين ورصدهم. تخوّنها الخبرة والحصافة، حينما تتهم شاباً بذنب لم يقترفه، ليدخلا في محنة عداء وهوس شكوك. تكشف عن خسّة إنسانية، ولعنات إنتقام متبادل. تعود هذه الشكوك في باكورة البلجيكي لوكاس دونت "صبية"، عن مصيبة شخصية ليافعة في الـ15 من العمر، ولدت في جسد صبي ذكر. يقف الجميع ضد سعيها في تحقيق حلمها، لتتأهل كراقصة بالية.

وعلى منوال هذه المعاناة، تجد الطفلة إيلي(8أعوام) نفسها وحيدة، في باكورة المخرجة الفرنسية فانيسا فيلو "وجه ملائكي"، بعد ان تتركها والدتها(الممثلة ماريون كوتيار) في حضانة رجل تعرفت عليه للتو، في بلدة ساحلية في الريفيرا الفرنسية. يصبح خيارها الأساسي التحايل من أجل إستعادة أمها، وإنقاذها من شياطين رعونتها. فيما تتحول تفاصيل مرحلة طفولة البطلة أوديت، وتعرضها الى تحرشات الكبار، في عمل الثنائي الفرنسي أندريا بيسكو وإريك ميتييه "دغدغات صغيرة"، الى إعادتها النظر بقسوة، وهي اليوم في سن الثلاثين في ماضيها وتفاصيل أضراره، للحفاظ على كرامتها وتماسكها الأخلاقي. من جهة أخرى، يصبح تدنّي الأخلاق وإنحطاطها، هو ما يحاصر الفتاة ياسمين في شريط مواطنهم إنتوان دورزيير "شريط جنسي"، حينما يصوّر الفتى سالم، بسوء نية وغرض دنيء، ما يحدث لها على شريط فيديو، وهي برفقة مجموعة من الشباب في موقف سيارات مهجور، وفي غياب شقيقتها الكبرى ريم، لتتفجر فضيحة تُصيب الجميع، وتجرح ضمائرهم.

هذا الخزي، يتجلّى بصورة أكثر إقصائية في نصّ الكينية وانوري كاهيو "رافيكي" الذي شارك في إنتاجه اللبناني جورج شُقير، عبر شركته "أبّوط" للإنتاج، عن قصة صداقة مديدة بين الشابتين كينا وزيكي، وتطورها الى غرام مثلّي، يدفع عائلتيهما المتنافستين سياسياً الى مزيد من حقد متفجر. وبسبب مشاهد جريئة غير مسبوقة في السينما المحلية، أقدمت السلطات الكينية  على منع عرض الفيلم في البلاد، ما أشعل فتيل حرب أعلامية سّبقت عرضه "الكانّي".

من جنوب أفريقيا، يضيف شّريط "الحاصدون" لإيتيان كالوس، بعداً أخر الى الضغائن البشرية ومنطقها، يتمثل في مقاربتها أخلاقياً، وتبرير إرتكابها كشرط ديني تعميدي، يجعل من معاقبة مرتكبيها، حكماً لمَنْ يستسهلون خيانة محبة الرّب. حكاية الشاب جانو الذي يعيش مع والدته، في مستعمرة للأقلية البيضاء في "إقليم فري ستيت". تنقلب حياته، حينما تتبنى السيدة المُتَزَمّة دينياً شاباً يتيماً، وتطلب من الأول إتخاذه شقيقاً. ليشرعا فوراً في معارك غدر وغلاظات في ما بينهما، للإستحواذ على سلطة وإرث وقلب أم غافلة عن دنائتهما.

في ثاني مشاركة لها في خانة "نظرة ما"، بعد "ميلي"(2013). تقارب الممثلة والمخرجة الإيطالية فاليريا غولينو في "نشوة"، عالمين متناقضين لشقيقين، يعيشان في رابطة وثيقة بشكل مدهش. بيد ان تنافر شخصيتيهما، يجعل من إجماعهما على أمر ما أشبه بمعجزة. الأول رجل أعمال شاب ناجح ومنفتح، يتمتع بشخصية ساحرة وديناميكية، فيما الأخر "إيتوري" يحسب خطواته بدقة، ويعيش دائما خارج دائرة الضوء. كائنان، هما عنوان واحد باهر لدوامة بشرية من هشاشة ورقة وخوف ونشوة. هذه الدوامة ذاتها، تقود الشابة سلطانت بطلة فيلم "اللامبالاة الأليفة للعالم" للكازاخستاني أدليخان يرزانوف الى عوالم جشع وتآمر وإبتزازات غرباء. عندما يتوفى والدها فجأة، تستبدل الشابة حياة قرية بعوالم مدينة، بحثاً عن مورد تسدّد به ديونه، وتدفع بَلِيّة السجن عن والدتها العجوز. قبل ان يفرض عليها عمها زيجة مع رجل عابر، تكتشف لاحقا وضاعته. لن يكون أمام الشابة الريفية سوى الإستغاثة بحبيب صباها، ليترافقا معا في مصير، يواجهان فيه نذالات الأخرين. في حين، يؤفلم الأرجنتيني  لويس أورتيغا في "الملاك"، قصة حقيقية لمجرم شاب ذائع الصيت، يبلغ من العمر17 سنة. اشتهر بطلّة طفولية وشعر أشقر ووسامة لافتة، أجمع العامة ـ بسببها ـ على  تسميته بـ"ملاك الموت"!. أمضى كارلوس روبليدو بوتش أطول فترة إعتقال في تاريخ البلاد، مدتها 45 عاماً، قصاصاً لإرتكابه11 جريمة قتل، وإقترافه40 جريمة سرقة. الفيلم من إنتاج صاحب "كل شيء عن أمي"(1999) المعلّم الإسباني بيدرو المودفار.

يجتمع فيلما "في غرفتي" للألماني أولريخ كولر، المتوّج بجائزة أفضل مخرج في "مهرجان برلين السينمائي" عن فيلمه "مرض النّوم"(2011)، و"رحلة النهار الطويل خلال الليل" للصيني بي جان على غرابتهما. فالأول، يرصد عالماً سوريالياً لرجل يعيش سأماً مرضياً، قبل ان يتملكه رعب كاسح، حينما يكتشف ان الناس من حوله يختفون من دون أثر أو سبب. أما الثاني، فيتتبع عودة شاب صيني الى بلدة جبلية، بحثاً عن امرأة غامضة، قضى معها حكاية حب عابرة قبل 20 عاماً، بيد ان هوسه يقوده الى مصيبة أعظم.

على طرف أخر، تقتفي الممثلة والمخرجة الهندية نانديتا داس في "مانتو"، تراجيديا كاتب مرموق، يتهاوى عالمه الإبداعي مع تصاعد العداء بين المسلمين والهندوس قبيل أعلان الإنفصال بين الهند وباكستان. عرف الأديب سادات حسن مانتو أمجاداً متألقة، وإقبالاً واسع النطاق على مؤلفاته، بيد ان خضوعه لظروف حالة دموية، تجبره على الإنتقال من مومباي الى لاهور، حيث يجد صدوداً وإعراضاً لما يبدعه، ويصبح ضحية إدمان كحول، قبل ان يموت منسياً. كتبت داس عن فيلمها انه "حكاية دولتين ناشئتين، ومدينتين متعثرتين ، ورجل حاول ان يفهم كل شيء".

سينماتك في ـ  01 مايو 2018

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)