زياد الخزاعي

 
سيرة كتابة
 
 
 

كتابة

 

"لا ردوتابل" (المريع) للفرنسي ميشيل أزانفيسيوز...

كائن الفوضى والغرابات

بقلم: زياد الخزاعي

أذاع شريط "الفنان"(2011) صّيت المخرج الفرنسي ميشيل أزانفيسيوز، وعدّه الجميع إيقونة أوروبية كاسحة، بسبب جرأته في إستعادة حقبة هوليوودية ذهبيّة، عبر سّيرة حياة ممثل يجاهد في الحفاظ على نجومية تتبدّل مع دخول الصوت وإندحار السينما الصامتة وقاماتها. خطف هذا النصّ الإهتمام بسبب كوميديا باهرة وإداءات مدهشة أسبغت على بنائه المشهدي سحرية لا مثيل بمتعتها وطرافاتها. جديده "لا ردوتابل"(المريع) قارب السينما من زاوية أكثر راديكالية لكن من دون إبتكارية سابقه، رغم إختياره ـ مرّة أخرى ـ سّيرة ذاتية مجتزأة لمخرج فذّ وإنقلابي وأحد أكثر منظريّ السينما الحداثية ثوروية وثقافة وضميراً. حصانة شريط أزانفيسيوز الوحيدة، انه أفلمة حرّة لما يُشبه الرواية الوثائقية كتبتها آن فيازمسكي عنوانها "عام واحد" عن ملابسات سنة واحدة قضتها زوجة لعراب "الموجة الجديدة" الفرنسية المعلّم جان ـ لوك غودار الذي تلّبس شخصيته بحماسة لافتة الممثل الشاب لوي غاريل.

الهاجس الأساسي هنا ليس تصفية حساب مع مقاتل سينمائي ذا كاريزما ضاغطة وأفكاره خلال حقبته الماوية بل إيراد أكبر قدر من الكيفيات اليومية التي صاغت ردود أفعاله، وإنعكاساتها تباعا على شخصيته وأشرطته على حد سواء. عليه، يتوجب على مشاهد "لا ردوتابل" أن يتبصّر بكل مزحة يطلقها(منها عنوان الشريط المستعار من نكتة وصف فيها غودار وزوجته نفسيهما كبحارين في بارجة بحرية فرنسية تحمل الأسم ذاته) أو أسماء أعلام ترد على لسانه أو إقتباسات سياسية/ فنية أو نداءات أيديولوجية يطلقها تحريضاً وإتهاماً. إن غودار هنا حسب إعتراف أزانفيسيوز الذي ولد في باريس عام1967 لأبوين هاجرا من ليتوانيا. عمل، ما بين 1988 وحتى 1996، في التلفزيون وإنتاج الإعلانات التجارية خصوصا شبكة "كنال بلوس"، وأخرج لصالحها أول أعماله الطويلة "الدرس الأميركي"(1993). وأنجز باكورته الروائية "أصدقائي" عام 1999، وتبعها بعملين كوميديين حول الجاسوسية تحت عنوان "OSS 117 “. عرض فيلمه الرابع "الفنان" في مهرجان "كانّ"(جائزة أفضل ممثل لجان دوجردان)، قبل ان يصبح لاحقا أول فيلم فرنسي يفوز بـ"أوسكار" أفضل فيلم (2011)، بقوله في كتيب الفيلم "هو موضوع معقد بشكل خاص. إلا ان واحدة من الأشياء التي تهمني، وساعدتني على الايمان بأن إنجاز هذا الفيلم كان ممكناً، هو أن غودار ـ بإعتباره فناناً كبيراً ذي سمعة مدوية، وأنا أشير الى أفلامه وشخصيته معا ـ يمكن النظر إليه، وبيسر بالغ، على أنه أيقونة "ثقافة البوب”(الشعبية). انه واحد من الرموز الرئيسية في حقبة الستينات، مثل أندي وارهول ومحمد علي كلاي وألفيس بريسلي أو جون لينون. انه ينتمي إلى الخيال الشعبي. من خلاله يمكننا أن نقترب من موضوعات ومواضيع مشتركة بيننا جميعا. كالحب، الإبداع، والسياسة، والفخر، والغيرة، وغيرها"

ان غودار/أزانفيسيوز كائن مرتهن الى دوغمائية شرسة تحوله الى عناد متجول ينثر الفوضى والغرابات في كل مكان، أما سينماه وكتاباته الثريّة فليست في حساب أحد. أو على الأقل أن أزانفيسيوز غير ملزم بتفكيكها، فما يصّر عليه هو ان مقاربته ليست سوى كوميديا لا تسعى الى إمتحان هواة السينما في إكتشاف الإستعارات من أفلامه أو موضوعاته او غمزاته. بالمقابل، رَتَب مخرج "البحث"(2014) عمله الأخير كمتن سينمائي مزدحم بسجالات وأحداث وترميزات وإستعارات ومواجهات ومناظرات صاخبة، غير معنية بإنصاف إرث صاحب "بلا نفس"(1960) و"وداعا للغة"(2014).

سينماتك في ـ  27 يونيو 2017

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)