زياد الخزاعي

 
سيرة كتابة
 
 
 

كتابة

 

"ضيِّق" للقوقازي كانتيمر بالاغوف...

تعاظم القسوات

بقلم: زياد الخزاعي

ناكفت هذه الباكورة السينمائية الجارحة والصادمة التي أشرف على إنتاجها صاحب "الفُلك الروسي"(2002) و"فاوست"(2011) المعلّم ألكسندر سوكوروف، موضوعاً عصّياً وجسيماُ دار حول التعايش الدينيّ والعرقيّ في منطقة نالت منها حروب الطوائف تدميراً وقتلاً وتشتيتاً. ولا بد من تحذير مشاهد شريط الشاب كانتمير بالاغوف ان ما سيتابعه هو أكثر من قصة حب وأقرب الى فاجعة إغريقية جعلت من الشابة اليهودية إيلانا(تمثيل لافت من داريا جوفنير) ذبيحة علنية لتطرفات متداخلة، تبدأ من روحها الحرّة التي جعلتها خارج عنوان عام لملّتها الواعية لحدودها وأعرافها ومواقعها الإجتماعية وحصاناتها، وتنتهي بصفقة مذّلة حولتها الى فدية بشرية من أجل إطلاق سراح شقيق وحيد خطفته عصابة إجرامية محلية طلبت رشوة مالية

نلتقي إيلانا العاملة مع والدها في مشغل تصليح السيارات في حي هامشي بمدينة ناتشيك شمال القوقاز، لتشي لنا طلّتها الذكورية بخصوصية شخصيتها وصلابتها. انها امرأة مصنوعة من شراسة مضمرة لن تتفجر حتى يضيق وقت الخناق حولها وعائلتها وهويتها، وحينما تتهدد لاحقا علاقتها غير المتكافئة بحبيبها المسلم سليم، تعي أن الأمر قُضي نحو إقصاء قهريّ يقوده حقد عارم ونزعة تدميرية وغلّ شخصي ودموية جامحة لن تستثني أحداً. أن جيلان عائلتها لتوفير مال الفدية وإحباطها عند كل باب، يعلن بقسوة عن أنانيات متعاظمة ولا أبالية بين أفراد كيان أسري قديم الموطن والعشرة، تجد البطلة نفسها ضمن تداعياته وهي مجبرة على زيجة مرّتبة كمقابل لمبلغ الدناسة.

يصبح سقوط إيلانا إستكمالاً درامياً مظلماً لجيلها الذين يبدون كتجمع شبابي بلا دوافع أومهارات أوإيمان حقيقي، قبل ان تنقلب أحوالهم فجأة، بفعل قوّة قاهرة خارجة وملّتبسة، الى جحيم يخترق بوحشية هائلة تطامناتهم الهشّة، الأمر الذي يعرض الكلّ الى خيانة جماعية، يتجسّد هلعها وعنفها عبر مشهد طويل صاعق للفتية السكارى وهم يتابعون شريط فيديو يعرض نحر رقاب جنود روس أسرى على يد متشدديّين إسلاميين خلال حرب الشيشان. يعكس عنوان الشريط "ضيِّق"، وكذلك حجم عرضه الأكاديمي الضيق (الفورمات) بسعة 4:3 الذي أشتهر خلال الحقبة الذهبية لهوليوود الكلاسيكية، وعاد اليوم ليصبح موضة، تورية درامية لعسر عام ونكبات متوالية ووبال سياسي تتعاظم قسواتها، وتتراكم تباعاً في غياب رمز سلطوي حاسم. تخسر بطلة بالاغوف، الذي ولد في مدينة نالتشيك عاصمة جمهورية قبردينو – بلقاريا في القفقاس عام1991. درس الاقتصاد. بدأ إهتماماته بالسينما بعد ان اشترى له والده كاميرا، قاده حماسه الإبداعي الى "اخراج" مسلسلات بما يصوره يعرضها على شبكة الإنترنت. في خريف عام 2011، إنضم الى معهد سينمائي أسسه وأشرف عليه المخرج الروسي ألكسندر سوكوروف، منهياً الدراسة فيه عام 2015 بإخراجه "ضيّق". سبق لبالاغوف أن أنجز فيلمين قصيرين هما "ما زالوا يافعين”(2013، 40 د) و"أول1”(2015، 15 د)، وشريط ثالث وثائقي عام 2014، حريتها لأن ثمن البغض لا حدود له، صوّر أرتيم يميليانوف ذلك البغض بلقطات مقرّبة إستفزازية، وكاميرا محمولة عصابية، وأجواء قطبية كالحة، عكست بتراتبها التشكيلي الخاطف صفات وملامح بشر مهزومين بلا هوادة.

سينماتك في ـ  03 يوليو 2017

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)