زياد الخزاعي

 
سيرة كتابة
 
 
 

كتابة

 

"كائن رقيق"...

خرائب "بلاد القهر المخيف"

بقلم: زياد الخزاعي

ما الذي يجنيه مواطن عادي حينما يواجه بعناد قهره وقاهريه؟ أيفوز بكرامته أم يحوز شجاعته أم يؤكد إيمانه؟ حسب رؤية المخرج لوزنيتسا وبطلته الشابة يصبح النصر الشخصي ضد الحيف بمثابة إعلان حاسم لأمجاد الشهامة ضد التسلط وفظائعه والضيم ومهاناته. هذه هي ثيمة مؤوولة بثها الكاتب فيودور دوستويفسكي في قصة قصيرة نشرها عام 1876، أفلمها صاحب "الميدان" بروح حداثية وحرّة، لمح فيها الى كل حقبة توتاليتارية، وبالذات الستالينية، بظلاميتها وشياطينها. هذا هو الإقتباس السابع عالميا لهذه الحكاية، أشهرها ما أنجزه المعلّم الفرنسي روبرت بريسون عام1969. بيد ان فرادة لوزنيتسا هنا كمنت في جعل الضحية قوّة إحتجاج صامت، مؤلم وفاجع لكنه إستفزازي ومعارض في آن.

الزوجة الشابة (ولا نعرف أسمها بل يصفها الأخرون بانها "امرأة طيبة") أشبه بجثة حية. كتومة ومطيعة. رقيقة وهشة. لن نشاهد إبتسامة على شفاهها أو تعبير سعادة ما على محياها. حينما نصادفها في مشهد إفتتاحي ملحمي وصاعق لمجموعة الهامشيين السكارى، يغنون مآسيهم ويلعنون حظوظهم، نعرف ان ما سنتابعه في جيلاناتها اللاحقة هو جحيم متراكب من القسوة، قبل أن تصبح طرود رسائل وهدايا دأبت على إرسالها الى زوجها المعتقل، وعادت اليها بشكل مفاجىء، تبريراً درامياً لرحلة وحشية تطول، تلتقي فيها ببشر مخذولين، وعساكر نظام معقد ومخيف وفاسد، وتشهد وقائع تنتهك حقوق، قبل ان تصبح هي نفسها ضحية، تختزل إستعارة إيديولوجية لعسف سياسي ـ قانوني جحيمي وحيواني النزعة، تتأكد في رؤية لوزانيتسا وقوله: "بالنسبة ليّ، هذا الفيلم هو إستعارة لبلاد حيث ينتهك الناس بإستمرار من قبل بعضهم البعض. إن البلاد تنفجر بكل أشكال العنف. من ناحية، يكون النفاق الكلي، الأكاذيب الكبيرة والمعايير المزدوجة، ومن ناحية أخرى، لديك الأشياء الرهيبة التي لا تزال تحدث في كل يوم. بالنسبة ليّ، لا يزال هذا لغز ملّتبس وعدم إمكانية حله يصيب المرء بالإحباط والألم. فبدلا من العيش والقيام بالأفعال الحياتية على وجه طبيعي وودي في كل مرحلة من مراحل حياتنا، نرانا ونحن مضطرون إلى إتخاذ مسارات صعبة، غير شريفة وأحيانا رهيبة. هذا مفارقة مخيفة".   

إرتهنت كفاءة فيلم "كائن رقيق" المعروض في المسابقة الرسمية للدورة الـ 70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017) لمهرجان "كانّ" السينمائيّ) بالكامل الى خبرة لوزنيتسا، الذي ولد عام 1964 في مدينة بارانوفيتش بأوكرانيا، ودرس الرياضيات والهندسة بكييف. في العام 1991، دخل المعهد الوطني للسينما وتخرج منه عام 1997. بدأ نشاطه السينمائي بإنجاز أشرطة وثائقية لحساب أشهر إستوديوهات مدينة سانت بطرسبرغ، بلغ عددها 18 فيلماً. إستقر مع عائلته في المانيا منذ العام2001. عرض باكورته الروائية "يا مهجتي"(2010) و"في الضباب"(2012) في "مهرجان كانّ السينمائي"، وحصل الأخير على جائزة الـ"فبريسي" الدولية. أسس عام 2013 شركته للإنتاج والتوزيع "أتومز وفويد" ليضمن إستقلاليته. أشهر أعماله الوثائقية الطويلة "ميدان"(2014) عن إنتفاضة كييف، وآخرها "أوستيرليتز" (2016) حول معسكرات النازية، في صناعة الفيلم الوثائقي التي شعّت بمشهديات تعبيرية وتفصيلية باهرة، صورها أوليغ موتو بسيل لا يتوقف على مدى 143 دقيقية من "موتيفات" عدمية تتشبه برسوم أبوكالبتية، تسجل الخراب في كل زاوية من "بلاد القهر المخيف".

سينماتك في ـ  05 يوليو 2017

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)