تكريم
جلالة الملك حفظه الله للأديب والمبدع أمين صالح ومنحه وسام الكفاءة من الدرجة
الأولى كان تكريماً للحركة الأدبية في البحرين، فحين شاهدت الوسام بيد أمين
اعترتني فرحة لا توصف، فأمين في تلك اللحظة كان يمثلنا جميعا، وهو أكثرنا
استحقاقاً لمثل هذا التكريم ولمثل هذا المقام، فمنذ السبعينيات من القرن
الماضي، منذ أعلن للعالم عن "هنا الوردة.. هنا نرقص" ، وأمين ينطلق بكل ثقة
وتألق إلى أفق إبداعي يتجاوز نطاق المحلية: أديباً، روائياً، سينمائياً،
مسرحياً، ومترجماً، مثيراً الاندهاش، بلغته الجديدة، ونصوصه المغايرة، الصادمة،
وفكره الحر الذي يرفض الوقوف عند محطة ما، أو في قالب ما، أو في أسر فكرة أو
نظرية أو منهج ما.
ولأن أمين
أستاذي، وأخي، وصديقي، فقد اعتبرت تكريمه تكريماً شخصياً لي، فأمين الذي ظل
طوال العقود الثلاثة الماضية يعمل بصمت وبثقة دون ضجيج، زاهداً عن ماكينة
الإعلام، والجري وراء بريق الأضواء، ومترفعاً عن الترويج لنفسه وكتاباته، كان
وفياً كل الوفاء، ومخلصاً كل الإخلاص، لنشاطه الدؤوب في أي عمل إبداعي كان يقوم
به بلا شرط ولا تحفظ، ومتجاهلاً النقد الذي لا يثق فيه كثيراً، وهذا أكثر ما
تعلمته منه، وهذا أكثر ما يمكن لأي كاتب أن يتعلمه، وكنت على يقين، كما يردد
شاعرنا الجميل قاسم حداد حكمته الأثيرة "الوقت كفيل بكل شيء".
فأمين الذي
اعتبر في وقت من الأوقات إبليس الغموض والحداثة والشكلانية والسريالية
والابتعاد عن قضايا الجماهير، وغير ذلك من النعوت غير المنصفة، والأحكام
الطائشة وغير المسؤولة، التي كانت تلصق به، جلس بهدوء، بروحه المرحة، وإنسانيته
الفائقة، ورؤيته الواثقة، يعمل دون توقف في مشاريع أدبية وفنية لا تنتهي ( رغم
الضرر الفادح الذي أصاب عينه نتيجة هذا الانغماس الهائل في الكتابة) ويكتب مئات
الصفحات من الأعمال الروائية والقصصية والدرامية والسينمائية، ويثري المكتبة
العربية بترجمة كتابين مهمين جداً هما "السينما التدميرية" لأموس فوجل، و"النحت
في الزمن " لأندريه تاركوفسكي.
تعامل أمين
مع الحياة بأسلوب خاص جداً، فهو يفضل العيش في عزلة جميلة مع نفسه، محافظاً على
موهبته المتميزة، مقدساً حريته دون سطوة رسمية أو أيديولوجية، ومحصناً نفسه من
أي انكسار محتمل. وهو واثق إلى حد اليقين أن "الوقت كفيل بكل شيء"، وهذه
المقولة تثبت، يوماً وراء يوم، صحتها.
سيظل أمين
صالح، كصديقه الحنون قاسم حداد، مثالاً لجيل بأكمله، ليس على المستوى الإبداعي
وحسب، بل على المستوى الأخلاقي أيضاً، وسنظل جميعنا ننظر إليهما بكل مشاعر الحب
والتقدير والاعتزاز
رؤى - عبدالقادر عقيل
الأيام البحرينية في 22
ديسمبر 2007