(أجرى الحوار علي نور- موسوي، ونشر في
Film International Quarterly،
خريف 2009، أثناء تواجده في أبو ظبي رئيساً للجنة تحكيم مهرجان الشرق
الأوسط الدولي)
·
هذه ليست المرة الأولى التي ترأس فيها لجنة التحكيم
في مهرجان سينمائي. ما هي النصيحة التي توجهها عادةً إلى أعضاء لجنة
التحكيم؟
- نعم، هي ليست المرة الأولى..
مع أنني دوماً أتمنى أن تكون المشاركة الأخيرة. إنها مهمة مركّبة وشاقة
جداً. أول مشاركة لي في لجنة التحكيم كانت في مهرجان لوكارنو سنة 1993، وفي
العامين الأخيرين لم أوافق على المشاركة في أي لجنة تحكيم، حتى دعاني
الصديق بيتر سكارليت لأكون رئيساً للجنة تحكيم مهرجان الشرق الأوسط.
عادةً أنا أتجنب إعطاء حكم ما
على عمل فني. وفي كل مرة أتوصل إلى استنتاج بأنها مهمة صعبة جداً. وهي صعبة
خصوصاً للجنة يأتي أفرادها من أجزاء متعددة ومتباينة من العالم، كل منهم
يحمل ثقافة ولغة ورؤية مختلفة. ومع أننا جميعاً ننتمي إلى عائلة واحدة هي
السينما، إلا أن لدى كل واحد منا نظرة ورؤية مختلفة، وأنها لمهمة صعبة
ومعقدة جداً التوصل إلى قرار نهائي عادل نسبياً.
في كل مرة، بعد أن ننجز عملنا،
أشعر بضيق شديد وتعاسة بالغة. وهذا ليس شعوري الخاص، بل ينطبق على كل عضو
في اللجنة. اختياراتنا المفضلة لا تكون دائماً ضمن النتيجة النهائية. بدلاً
من ذلك فإن ما يقرّر مصير كل فيلم هو نوع من الاتفاق الجماعي. لو أنك غيّرت
تركيبة اللجنة، وجلبت أعضاءً آخرين، فإن مصير الأفلام أيضاً سوف يتغيّر.
إذاً، كيف نستطيع الزعم بأن فيلماً ما هو اختيار المهرجان؟ لهذا السبب رفضت
مراراً ولفترة طويلة أن أشارك في لجان التحكيم.
ما قلته لأعضاء لجنة التحكيم في
لقائنا الأول، وهذا ما أقوله دوماً، هو أننا نشارك في عمل جائر، غير منصف،
وغير حقيقي. لقد باشرنا عملاً والذي يمكن أن يشمل الكثير من الأخطاء. لذا
لا ينبغي أن نصر على أخطائنا، بل عوضاً عن ذلك، علينا أن ننشد الاتفاق
والفهم.
في تجربتي الثانية كعضو في لجنة
تحكيم المهرجان، كان هناك الكثير من الجدال والنزاع حول أفضل أول فيلم
وثاني فيلم. تناقشنا في هذا الأمر حتى طلوع الفجر دون أن نتوصل إلى اتفاق.
وكنتيجة لهذا الصراع بين ذواتٍ شخصيةٍ، الفيلم الذي ما كان من المفترض أن
يفوز بجائزة، حاز على جائزة أفضل فيلم، بينما تم – ببساطة - تجاهل الفيلمين
المرشحين للجائزتين الأولى والثانية. عندما أعلنت النتيجة، كل واحد من لجنة
التحكيم شعر بالخجل وأراد أن يختبئ في مكان ما. هكذا أحياناً يتقرّر مصير
فيلم ما في المسابقة الرسمية.
لا أعتقد أن الجائزة أو النقاد
أو شباك التذاكر هم الذين يقررون جودة الفيلم. التاريخ هو الذي يحدد ويقرر.
ينبغي أن يمرّ على عرض الفيلم حوالي ثلاثين سنة للتيقّن مما إذا نحن لا
نزال نرغب في مشاهدة هذا الفيلم كعمل فني حي ومناسب. لكن من يستطيع
الانتظار ثلاثين سنة حتى يكتشف جودة فيلمه أو ضعفه؟
·
كيف تعمل لجنة
التحكيم؟ هل تناقش كل فيلم بعد مشاهدته؟
- لا. كلما قلّ كلامنا عن الفيلم
حصل على فرصة أفضل للوصول إلى النتيجة النهائية دون فرض آرائنا الشخصية.
عندما أكون رئيساً للجنة التحكيم فإنني أقترح أن ندوّن أسماء الأفلام التي
تعجبنا بلا أي نقاشات. إذا توصلنا إلى اتفاق جماعي، فسوف يكون ذلك منصفاً.
سوف نناقش الأفلام إذا لم نتوصل إلى اتفاق، ذلك لأن مناقشة الأفلام سوف لن
توصلنا إلى اتفاق نهائي. في هذه الحالة، نحن لا نمنح الجائزة بسبب قيمة
الفيلم، إنما بسبب قيمة المحكّم أو الناقد الذي يدافع عن الفيلم بشكل أفضل
من الآخرين. وهذا لا يعني أن الفيلم أفضل من الأفلام الأخرى. الفيلم هنا
يفوز بالجائزة لأسباب لا علاقة لها بجودته ونوعيته بل لمجرد أنه حصل على
محامٍ جيد وبارع في الدفاع. لذلك أحاول تجنب النقاش بين أعضاء اللجنة في
سبيل تجنب المجابهة بين محكمّين لديهم قدرات مختلفة ومتفاوتة.
حتى المحكّم المعروف جيداً يمكن
له أن يربك ويقهر الآخرين. هذا لا ينبغي أن يغيّر مصير الفيلم. لذلك أفضّل
أن يدوّن كل عضو أسماء الأفلام التي يرشحها. في نهاية اليوم، نختار الأفلام
انطلاقاً من أذواقنا وميولنا. النقاشات تولج سلسلة من العناصر الجديدة بما
فيها الطريقة التي تدافع بها عن فيلم ما. هذا يمكن أن يؤدي إلى الارتياب في
شرعية الفيلم.
عندما أكون عضواً في لجنة
التحكيم، ويطلب مني رئيس اللجنة أن أبدي رأيي، أخبره بأن الفيلم لم يستجب
لذوقي. لا أستطيع أن أخبره بأن الفيلم جيد أو سيء.. ذلك لأن لكل شخص مقاييس
معتمَدة تختلف عن الآخر.
ذات مرة أعجبني فيلم ما إلى حد
بعيد. عندما سألت ناقداً في باريس عن رأيه في هذا الفيلم، أبدى عدم إعجابه
به. سألته عن السبب، فقال لي: "هو مصنوع بشكل جيد، أكثر مما ينبغي". لاحظ
مدى الاختلاف بين مقاييسه والمعايير الإيرانية؟ لقد فهمت ما يعنيه. كل شيء
في ذلك الفيلم كان مدروساً ومحسوباً، وهو لم يعجبه ذلك. نحن نراه فيلماً لا
خلل أو عيب فيه، بحيث لا يمكنك أن تمسّ كادراً منه. ما نحسبه ميزة وحسنة،
يراه غيرنا كشيء ضار ومؤذٍ.
لهذا السبب أتجنب المناقشة لأنها
يمكن أن تفضي إلى الجدل الذي قد يغيّر مصير الجوائز. من الأفضل النظر إلى
العمل الفني من بعيد، وفي النهاية نقرر ما إذا هو يستجيب إلى ذوقنا.
على سبيل المثال، أنا أحتاج أن
أصدّق الفيلم. هذا هو معياري في إطلاق حكم قيمة. إني أفقد اتصالي بالفيلم
الذي لا أصدّقه. عندئذ لا أستطيع أن أستمر في مشاهدته. حتى لو ظللت جالساً،
محدقاً فيه، فإن ذهني سوف ينطلق بعيداً ولن أقدر أن أتابع الفيلم. بعد أن
أصدّق الفيلم، أحتاج أن أرى إذا كان من النوع الذي أفضّله.
ما هو ذوقي الآن؟ سوف أعطي
الجائزة، أو أرشّح، الفيلم الذي كنت أرغب لو حققته بنفسي. هكذا أنظر إلى
الأفلام، ولا يوجد لدي معيار آخر. في اختياراتنا، نواجه مشكلة مع الأفلام
التي هي مبنية بشكل جيد لكنها لا تستجيب بالضرورة إلى رؤيتنا للسينما.
الوطن البحرينية
ـ 09 يونيو
2010
|