بول شرادر بدأ مسيرته الفنية
ناقداً وكاتباً في السينما، ثم كتب عدة سيناريوهات متميزة من بينها: سائق
التاكسي، الثور الهائج، الإغواء الأخير للمسيح. بعد ذلك اتجه إلى الإخراج
وحقق عدداً من الأفلام البارزة. وهو هنا يحاور المخرج الكسندر سوكوروف عن
فيلمه "الأم والابن" وعن رؤيته السينمائية.
سوكوروف من مواليد 1951، في بلدة
بودورفيخا السيبيرية، التي لم تعد موجودة منذ سنوات طويلة بعد أن غمرتها
المياه بفعل محطة توليد الكهرباء من الطاقة المائية.
والده كان عسكرياً، مهمته تقتضي
التنقل عبر مراكز أو نقاط الحدود داخل المناطق السوفيتية الشاسعة، ومعه كان
سوكوروف والعائلة تتنقّل.
نال شهادة جامعية في التاريخ في
مدينة جوركي. ثم عمل في شبكة التلفزيون المحلي هناك. في 1973 التحق بمعهد
السينما
VGIK بموسكو، لكنه كان في حالة تضارب وتصادم متواصلة
مع المناخ الرسمي السائد في المعهد.
أول أفلامه "الصوت الوحيد
لإنسان" (1978)، المهدى إلى تاركوفسكي، كان مشروع التخرج من معهد السينما،
لم يعرض إلا في 1986 حيث فاز بجائزة في مهرجان لوكارنو.
من أفلامه:
Anaesthesia (تخدير) 1987، صفحات هامسة
Whispering Pages (1993). Save and Protect (1989) أيام الخسوف
Days of Eclipse (1988)
Stone (1992) الاعتراف
Confession (1998) الدائرة الثانية
Second Circle (1990) الأم والابن (1996)
Moloch (1999)
Taurus (2001) الفلك الروسي
Russian Ark (2002)
منذ 1985 حقق سلسلة من الأعمال
الوثائقية التي تندرج ضمن المراثي السينمائية/ الشعرية لأشخاص أو أماكن،
بدأها بفيلم "مرثية"
Elegy وهو إحياء لذكرى مغني روسي يدعى شاليابن، مرثية موسكو (1986) وهو
إحياء لذكرى تاركوفسكي، مرثية السوفييت (1989) عبارة عن بورتريه للروسي
بوريس يلتسن قبل انتخابه رئيساً. أمثولة للأداء (1991) عبارة عن حوار يتعذر
سماعه بين يلتسن والمخرج سوكوروف. مرثية بسيطة (1990) عن الرئيس الليتواني.
* * *
أفلام سوكوروف تعيّن شكلاً
جديداً من السينما الروحية. وفيلمه "الأم والابن" يتحرى، بالقليل من
الحوار، اليوم الأخير لأم تحتضر وابن عطوف: 73 دقيقة متلألئة، موجعة، من
السينما الخالصة، النقية.
سوكوروف معلّم. معه أجريت هذا
الحوار في سبتمبر 1997، في مكتبي الكائن في تايمز سكوير. الحديث معه متعة،
ومعه استعدت حماستي الأولى تجاه السينما. سوكوروف رجل جاد، واضح، مهذب.
يتحدث بانفعال شخص يعرف أن هناك أموراً جديرة بأن تُقال.
* * *
·
حدّثنا عن
خلفيتك، تربيتك، وكيف أصبحت مخرجاً سينمائياً؟
- كنت شغوفاً بالأدب منذ الصغر، وكنت مولعاً أيضاً
بالدراما الإذاعية. أذكر ذلك الأداء العظيم، في تلك الدراما، والذي يقدّمه
ممثلون كبار. كنت أغمض عينيّ ثم أشيّد عالمي المتخيّل داخل العمل الدرامي.
لم أتخيّل أبداً أنني سوف أصبح مخرجاً. في عائلتي، لم تكن لأحد من أفرادها
علاقة مباشرة بالفن، لم يشتغل أحدهم بالفن. لقد ولدت في قرية صغيرة في
سيبيريا، والتي لم تعد موجودة، فقد شيّدوا هناك محطة طاقة تعمل على توليد
الكهرباء من الطاقة المائية، وأدى ذلك إلى دفن قريتي الصغيرة تحت الماء.
إذا رغبت الآن في زيارة المكان الذي ولدت فيه، يتعيّن عليّ أن أستأجر
قارباً وأذهب إلى حيث المياه وأنظر إلى قاع البحر.
·
تلك صورة
رائعة..
- كنت دائماً أشعر بأن الانتقال إلى الإخراج
وتحقيق الأفلام هو طريق طويل جداً، ولم أحسب أبداً أنني سأكون قادراً على
اجتيازه. بوجه عام، لكي تصبح فناناً يتعيّن عليك أن تحصل على التربية
الأساسية، هكذا كنت أفكر. لهذا السبب كان منطقياً بالنسبة لي أن أتخرّج
حاملاً شهادة في التاريخ.
·
أين كان ذلك..
في موسكو؟
- لا، في جوركي، على نهر الفولغا، البلدة التي
جاءت منها أمي. بعد الكلية، شرعت في ممارسة بعض الأعمال لصالح محطة
التلفزيون المحلية. كل المهارات التي اكتسبتها تعلمتها من اشتغالي في
التلفزيون ومن معلمي الأول يوري بيسبولوف. طريقي إلى الفيلم والفن البصري
كان طويلاً جداً. خلالها التحقت بأكاديمية الفيلم بموسكو، في قسم الإخراج.
بعدها كل شيء حدث بالنظام المعتاد للأحداث.
·
كيف تنامى
وتطور عملك السينمائي؟
- ولدت ونشأت، إضافة إلى اكتسابي هويتي الذاتية،
في ظل نظام شمولي استبدادي. بالنسبة لأفراد ذوي شخصية وخلفية سيكولوجية،
كان هذا يعني أن تبدأ بملاحظة الواقع والأشياء بجدية تامة. كنت على الدوام
أقرأ الكلاسيكيات الروسية، التي لها تأثير هائل فيّ. وقتها لم أستمع أبداً
إلى البيتلز أو أي موسيقى معاصرة غير روسية. تأثرت بفاجنر وسكارلوتي. ذلك
كان شأني.. أركّز أكثر على الأشياء الجادة.
·
أعلم أنك، قبل
تفكك الاتحاد السوفيتي، عانيت من بعض المشاكل مع الرقابة. هل تعتقد أنك كنت
ستواجه صعوبة أكبر مع الحكومة لو حققت أفلاماً سردية أكثر.. أفلاماً يمكن
تأويلها سياسياً؟
- هذا سؤال مثير للإعجاب. لم يطرح علي أحد مثل هذا
السؤال من قبل. إنه مهم لأنك حتى عندما لا تحصل على تفسير كامل من السلطات،
فإن بإمكانك أن تقرأ بين السطور. المشاكل التي واجهتها مع المؤسسات
السينمائية الحكومية لم تكن مبنية على أرضية سياسية، إذ لم أكن مهتماً
باستجواب ومساءلة النظام السوفيتي، بالتالي لم أكلّف نفسي عناء انتقاده.
كنت دائماً مدفوعاً بجماليات بصرية، جمالية مرتبطة بروحانية الإنسان والتي
تقرّر قيماً أخلاقية معينة. واقع أنني كنت مستغرقاً في الجانب البصري من
الفن جعل السلطات تميل إلى الريبة. طبيعة أفلامي مختلفة عن أفلام الآخرين.
وهم – رجال السلطة – لم يعرفوا حقاً لأي سبب يعاقبونني، وذلك التشوش سبّب
لهم سخطاً كبيراً. بالطبع هذا جعل الأمور أكثر صعوبة بالنسبة لي، لكن أيضاً
أكثر سهولة. عندما ألتفت الآن إلى الوراء، أدرك كم كان الأمر متناقضاً
ظاهرياً: من جهة، الأفلام التي حققتها منعت من العرض على الجمهور.. من جهة
أخرى، أفكاري الجديدة كانت دوماً تلقى القبول والتصديق. بإمكاني القول أن
هذا هو التناقض الظاهري لأي نظام شمولي (توتاليتاري).
·
من هم
الفنانون، وليس السينمائيون بالضرورة، الذين ساعدوك في تحديد نفسك؟
- تعلمت الكثير من العالم الحقيقي المحيط بي.
تعلمت أحياناً من أناس لا علاقة لهم بالفن على الإطلاق. هم مجرد أفراد
يتسمون بالعطف والصدق والكرم. كائنات بشرية جميلة ومتعلمة بشكل جيد. لكن من
أهم المعالم، بالطبع، هو تشيخوف.
·
أنا جئت من
خلفية دينية. كنيستنا لم تكن تؤمن بالصور. كانت ضد الأيقنة (صنع
الأيقونات).. إذا لديك شيء لتقوله، فعليك أن تستخدم الكلمات. الأمر الهام
جداً، الذي تعلمته وأنا في العشرين من عمري، هو أن الصور أفكارٌ أيضاً.
احتجت إلى وقت لأفهم ذلك. أنت ذكرت الأدب والدراما الإذاعية.. كيف توصلت
إلى تحقيق اللغة الفكرية للأفكار؟
- خلفيتي مختلفة تماماً. أغلب الأشياء التي أفعلها
تأتي من خلال الحدس. أبداً لم ألتق بأي شخص ساعدني على تنمية نفسي وقيمي
الروحية. بتعبير آخر: لم يكن هناك قسيس لأدلي أمامه باعترافاتي.
·
أسمك غالباً ما
يرتبط بتاركوفسكي.. هل دخل حياتك في وقت متأخر، أم كان ذا تأثير مبكر؟
- ذلك عرَضي جداً. نحن الاثنان مختلفان تماماً
كأفراد، وهو كرّر هذا أكثر من مرة. شاهدت عمله للمرة الأولى عندما كنت على
وشك الانتهاء من دراستي في أكاديمية السينما. جمالياته لم تكن اكتشافاً
بالنسبة لي. بالأحرى كانت توكيداً لرؤيتي الخاصة. بصراحة، هذا سؤال صعب
الإجابة عليه بالنسبة لي. يمكنني القول أن صداقةً حميمة جداً نشأت بيننا
أكثر مما هو تعاون إبداعي. ولا أعرف لماذا هو أحب ما حققته.
·
شعرت دوماً
بشيء من الإحساس بالذنب لأنني اعتقدت أن علي أن أحب تاركوفسكي أكثر مما
أحببته. عقلي كان يطلب مني أن أعجب به أكثر، لكن قلبي لم يكن موافقاً.
عندما شاهدت أفلامك، قلت لنفسي هذا ما أردت أن أراه عند تاركوفسكي.
- هذا رائع. ما تقوله شيء رائع. إنه يثبت لي مرة
أخرى أن كل واحد منا هو مجرد درَجة واحدة من درجات السلّم. وما نفعله
جميعاً، أنا وأنت وتاركوفسكي، هو واقع كائن، على الرغم من الاختلافات
بيننا.
·
لنغيّر الموضوع
قليلاً، ونتحدث عن الأوجه التقنية والمادية. إنه يبدو، بسبب نجاحك في
المهرجانات الدولية، أنك قادر الآن على الحصول على التمويل الأوروبي. هل
تشعر بالثقة في قدرتك على تحقيق أفلامك؟
- لازلت قلقاً جداً بشأن التمويل. أنا أعتمد على
قاعدة ثابتة، وهي أن أعمل مع أفراد معينين طوال الوقت: مصور، مهندس صوت،
مونتير، مصمم مناظر، الخ. أعتقد أننا عندما نعمل معاً لخمسة عشر سنة أو
عشرين، فعندئذ سوف نشعر بروح الفريق ويمكن أن ننجز عملاً عظيماً. نحن
قادرون على إحراز أشياء لأننا نعمل بميزانية قليلة. من الصعب أن أتخيّل
نفسي أعمل بميزانية كبيرة.
·
عندما عرض
فيلمك "الأم والابن" في مهرجان تيلورايد، شاهده صديق لي، وهو مصور سينمائي،
وتحدث إلى مصورك عن الجانب التقني، لكن مصورك لم يؤكد له فرضيته، لذلك
أسألك: كيف أنجزت تلك المؤثرات البصرية الفذّة؟
- سأخبرك، إنه أبسط وأسهل مما تظن. ثمة قاعدة
واحدة فحسب، وأظن أنها هامة جداً. لقد توقفت عن التظاهر بأن الصورة على
الشاشة هي منسوبة إلى بُعد من الأبعاد. هدفي الأول هو وجوب أن تكون الصور
مسطحة، وأفقية أيضاً. ثانياً، عليها أن تكون قراءة شاملة للتقاليد الفنية
والجمالية.. أنا لا ألتقط صورة واقعية وملموسة للطبيعة، بل أخلقها. في
فيلمي "الأم والابن" استخدمت عدداً من المرايا البسيطة، وألواحاً كبيرة من
الزجاج، إضافة إلى فرشاة وصبغ.
·
هل وضعت الزجاج
أمام العدسات؟
- نعم، أمام العدسات وخلفها وجانبياً، واضعاً
إياها على تراكيب داعمة مختلفة. كانت عملية طويلة ودقيقة وشاقة جداً. لقد
هدمت الطبيعة الواقعية وخلقت طبيعتي الخاصة.
·
هل رششت الصبغ
على تلك القطع من الزجاج والمرايا؟
- لا، لم نلجأ إلى الرش. فعلنا ذلك بفرشاة تلوين
رفيعة ورقيقة جداً. إنها تشبه الفرشاة المستخدمة في التلوين الصيني
التقليدي.
·
مصوري اعتقد
أنك استخدمت الرش..
- لا، مستحيل. لو كان رشاً لأعطى مظهراً خشناً
وغير سائغ جمالياً.
·
عندما تجعل
اللقطة تستمر لفترة طويلة فإن العين تمتلك الوقت الكافي لأن تتنقّل كما
تشاء، بينما في السينما التقليدية ذات الإيقاع السريع، الصور تمرّ سريعة
بحيث لا تتمكن من سبرها واستكشافها. من المتع العظيمة التي يوفرها فيلمك
"الأم والابن" هو أنك تصبح مطوقاً فيما تتنقّل هنا وهناك.
- هذه ليست حسنة الأفلام ذاتها بقدر ما هي قدرة
المتفرج على التخيّل، وتطوره الروحي أيضاً. إنه يعني الكثير بالنسبة لي أن
تهتم أنت خصوصاً بأفلامي، لأنني أعرف الأفلام التي شاركت فيها، وأدرك أنها
ذات طبيعة إبداعية مختلفة تماماً، وأحياناً هي نقيض أفلامي، مع ذلك هو هام
جداً بالنسبة لي أن تشعر بهذا تجاه أعمالي الفنية.. مهنياً وشخصياً.
·
أنا، مثل معظم
المخرجين، ملتزم بتقاليد الواقعية السيكولوجية. فيلمي الذي عُرض في مهرجان
تيلورايد "Affliction" هو سبر للشخصية. لكنني دوماً أحببت الأفلام التي
تعمل ضد التماهي السيكولوجي وتحاول أن تأخذ المتفرج إلى مكان آخر. لم أشعر
أبداً أن لدي الصبر أو الموهبة لتحقيق مثل هذه الأفلام. أنت تتحدث عن
الجمالية، لكن هناك أيضاً ثيمات اعتيادية غنية جداً: العلاقة بين الوالدين
والطفل، الموت والحب الإنساني. هل تفكر في الفيلم موضوعاتياً أو بصرياً
سلفاً؟ أين يبدأ الفيلم؟
- ليس من واحدة منهما. أنا أنطلق من المشاعر، وأظن
أن ما يثير اهتمامي دائماً هي تلك المشاعر التي لا يمكن أن يختبرها إلا
الفرد الروحاني: مشاعر الوداع والفراق أو الانفصال. أعتقد أن دراما الموت
هي دراما الانفصال.
·
في الفن
الياباني هناك مفهوم الحزن العذب، لذة النهايات، الخريف ورؤية أوراق الشجر
الجافة..
- لكن في روسيا، الحزن العذب والوداع السار غير
ممكن. على العكس، بالمعنى الروسي للمرثاة، إنه إحساس عمودي، عميق جداً،
وليس مبهجاً. إنه يصيبك بعمق، بحدة، بوجع. إنه خطير.
·
بالنسبة لك، ما
هو الاختلاف بين الفيلم الدرامي والفيلم الوثائقي؟
- أنا لا أتعامل مع المجالين بطريقة مختلفة.
الفارق الوحيد الذي أراه بين الدرامي والوثائقي هو أن الفنان يستخدم أدوات
ووسائل مختلفة لخلق الصورة، أو لنقل، لبناء بيتٍ ما. في العمل الدرامي،
يستخدم المخرج كتلاً أو قوالب أكبر في البناء الفعلي، يستخدم أحجاراً كبيرة
الحجم. في الوثائقي، البيت عادةً ذو بناء شبيه بالزجاج، أكثر هشاشة
وشفافية.
·
لم أفهم ما
تعنيه..
- أنا لا أحاول أن أحقق الأعمال الوثائقية بوصفها
نموذجاً واقعياً من الفن. لست مهتماً بالصدق الواقعي. ولا أظن أنني قادر
على فهم الواقع جيداً.
في كل أفلامي أحاول فحسب أن أخلق نوعاً مغايراً من
الحياة الواقعية، مختلفاً عن ذلك الذي يوجد. هذا ينطبق حتى على أعمالي
الوثائقية.
·
إذا أنت تحقق
عملاً وثائقياً وتريد للأشياء أن تبدو مختلفة عما تكونه، فهل توجّه
الموضوعات أو تغيّر الأشياء؟
- أنا لا أعطي توجيهات. إنه مجرد هام بالنسبة لي،
في الدرامي والوثائقي معاً، أن لا يندم الناس على المشاركة في ذلك. لهذا
السبب أنا لا أصور أبداً أناساً لا أفهمهم ولا أحبهم.
·
ذات مرة أخبرني
أستاذي أن كل ما يوجد داخل الكادر أو الإطار هو عمل فني. عندما يوضع هذا
الكأس داخل إطار، فإنه لا يعود كأساً بل عملاً فنياً.
- أنا لا أتفق مع هذا. الفن هو العمل الشاق الذي
تؤديه روحك. والكأس مجرد كأس. إن تاريخ روح الفنان تاريخ حزين جداً. إنه
عمل شاق جداً، وغير سار أحياناً. إنه عمل شاق للجميع.
·
أحد الأشياء
التي غالباً ما تخطر لنا حين يتحدث الآخرون عن أفلامك هو تقاليد اللوحات
العظيمة. هل هناك رسامون مارسوا، بشكل خاص، تأثيراً قوياً عليك؟
- بشكل عام، عندما يطرح شخص ما مثل هذا السؤال،
فإن أول ما يتبادر إلى ذهني هو تلك المتاهة التي يسافر فيها المرء طوال
الوقت. أقدر أن أقول، هم الرسامون الروس الذين برزوا في القرن 19. أيضاً
اللوحات الرومانتيكية الألمانية في القرن 19، وبالطبع رمبرانت. أحب الرسام
الأمريكي أندرو وايث. أحب الرسامين القدامى لأنهم بارعون على نحو لا
يُصدّق. أظن أن التدرّب على الصنعة هو مكوّن هام جداً لأن يصبح المرء
فناناً حقيقياً. لهذا السبب، في رأيي، لا يوجد في السينما الكثير من
المعلمين.
·
أدوار الرسم
والفيلم تبدأ الآن في الاندماج عن طريق الكومبيوتر. هناك رسامون الآن
يعملون مع صور مصوّرة فوتوغرافياً على الكومبيوتر. هل يروق لك هذا، أم أنك
مثلي: لم نعد شباناً لكي نبدأ من جديد؟
- لا. لا أريد أن أدع التكنولوجيا تقهرني، أو تنفذ
إلى داخلي، مع أننا عندما نجتاز الدائرة الثانية من المونتاج فإننا نفعل
ذلك بمساعدة الكومبيوتر. إذا الرسم وُلد كرسم بأدوات معينة كانت تُستخدم،
فإنني أظن أنه ينبغي أن يبقى كما هو. وفن الكومبيوتر هو نوع مختلف تماماً
من الفن البصري. نحن لم نعد نتكلم عن السينما الخالصة النقية، نحن نتكلم عن
شيء آخر.
·
أي تلاعب
بالصورة تفعله يحدث في الوقت الذي تصوره، وليس في ما بعد، في مرحلة ما بعد
الإنتاج..
- بالطبع. إنه دوماً خلال صنع الفيلم. كمخرج أنا
دوماً لدي رؤية واضحة عن ما أخلقه. أنا عادةً أغيّر الأساس الأدبي بالإضافة
إلى الكثير من السيناريو أثناء الإنتاج. بل أني أحياناً أغيّر كلياً معنى
حوار معين. ومعنى العمل يتغيّر معه. أنا أحاول أن أخلق وأعيد الخلق المرة
تلو المرة. من المهم أن تكون باستمرار في حالة تنقّل من مكان إلى آخر. يمكن
للفيلم الفعلي أن يبدو ساكناً تماماً، لكن الطاقة الموضوعة في صنع الفيلم
ينبغي أن تكون ديناميكية جداً.
المصدر:
Film Comment, Nov. / Dec. 1997
الوطن البحرينية
ـ أغسطس/ سبتمبر
2010
|