* السينما الروائية المصرية وقضية فلسطين
إحقاقا للحق يمكننا أن نقر ونعترف بأن السينما المصرية
(الوثائقية و الروائية الطويلة)، لم تقدم المأمول منها، فيما
يتعلق بالقضية الفلسطينية، وإن كانت السابقة علي كل السينمات
العربية، في مجال الفيلم الروائي الطويل، إذ أنها السينما
العربية الوحيدة ذات التاريخ الطويل، الذي تعدي المائة عام،
وبما تملكه من عناصر صناعة السينما وإمكانات تقنية وبشرية
هائلة، حيث كانت تكني بـ "هوليوود الشرق" كان المرجو منها
تقديم عدد من الأفلام يتناسب مع حجم هذه القضية، وحجم الإنتاج
السينمائي في مصر، مسندة وانتصارا للحق الفلسطيني، في العودة
واسترداد أرضه، وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف..
ويقول البعض "لكن ذلك يمكن قبوله في ظل وجود كثير من العوائق
والعقبات التي حالت دون إنتاج أفلام تعبر بصدق عن قضية فلسطين،
وعمق الصراع العربي الصهيوني، وما زال الأمل يحدونا في مزيد من
الأعمال التي تنتصر لقضيتنا المركزية"
وفيما يلي نستعرض أهم الأفلام في السينما المصرية، ذات العلاقة
المباشرة بالقضية الفلسطينية، تشجيعا لإنتاج هذه النوعية من
الأفلام:
فيلم "فتاة من فلسطين"
جاء إنتاج هذا الفيلم في عام 1948، علي يد المنتجة "عزيزة
أمير"، والذي يعد أول فيلم على المستوي العربي عن حرب فلسطين..
كان الفيلم من بطولة وإخراج "محمود ذو الفقار"، حيث قامت "سعاد
محمد: الفنانة السورية بدور البطولة النسائية. وعلي الرغم من
أنه حقق قسطا وافرا من النجاح، إلا إننا نري أن صناع الفيلم،
لم يتعاملوا مع القضية الفلسطينية بالشكل اللائق، حيث أغرقوا
كثيرا في تناول الجانب العاطفي، على حساب الجانب السياسي
والنضالي لها.
ويري البعض "أن الفيلم أكد من خلال قصته البسيطة على عدة معان
غاية في الأهمية، منها وحدة المصير بين مصر وفلسطين، وحقارة
العدو الصهيوني وغدره الذي لا حدود له، وقد امتلأ الفيلم
بالأناشيد الحماسية والأغاني الوطنية، وهو أمر شديد الإيجابية
في وقت سادت فيه أدوار الخلاعة والمجون".
فيلم "نادية"
في تجربتها الإنتاجية الثانية وفي العام التالي 1949، تقدم
المنتجة الكبيرة "عزيزة أمير"، فيلم "نادية"، بطولتها ومن
إخراج "فطين عبد الوهاب" (أول إخراج له)، وتدور أحداث الفيلم
حول تضحيات الأخت الكبرى التي توهب حياتها من أجل تربية إخوتها
(منير وثريا)، إلى أن يتحقق أملها في التحاق شقيقها بالكلية
الحربية، وفور تخرجه يلتحق بالقوات المصرية ويذهب إلى فلسطين،
ليشارك في معركة التحرير، إلا أنه ينال شرف الشهادة على هذه
الأرض الطاهرة.
فيلم "أرض الأبطال"
ظهر فيلم "أرض الأبطال" عقب ثورة يوليو 52، المجيدة للمخرج
"نيازي مصطفي، حيث تم تصويره في مدينة "العريش" بإذن خاص من
"جمال عبد الناصر" وزير الداخلية آنذاك. وقد تناول الفيلم قضية
الأسلحة الفاسدة، التي أدت إلى فشل حرب 48، ولكن قياسا للأفلام
السابقة عليه، لم يكتب لهذا الفيلم النجاح المرجو.
وحول موضوع الفيلم، يقول الناقد "محمود قاسم "في أجواء حرب
فلسطين 1948، يُصدم أحد الشباب عندما يعلم أن والده الثري قرر
أن يتزوج الفتاة التي يُغرم بها، فيتطوع في الجيش، ويشترك في
الحرب. وفي مدينة غزة يلتقي بفتاةٍ فلسطينية، ويتحابان ويقرران
الزواج، فيقوم الأب بتوريد أسلحة فاسدة إلى الجيش، تكون سببًا
في فقدان الابن لبصره في خلال إحدى العمليات".
فيلم "الله معنا"
قبل أن ينصرم عام 1955، يقدم المخرج "أحمد بدر خان" فيلمه "الله
معنا"، عن قصة الكاتب
الكبير "إحسان عبد القدوس.. وظني أن هذا الفيلم قد حقق درجة
متميزة فيما يتعلق بالتقنية الفنية، وتكاملت إي حد ما عناصر
نجاحه، والذي تناول ملف الأسلحة الفاسدة، الذي كان سببا مباشرا
من أسباب قيام حركة ": الضباط الأحرار" في مصر، واندلاع ثورة
يوليو 52 ضد الحكم الملكي البائد.
وتدور الأحداث، كما يقول "محمود قاسم": "يذهب الضابط عماد
للمشاركة في حرب فلسطين بعد أن يودع خطيبته ابنة عمه التاجر
الثري، يصاب عماد ويبتر ذراعه، يعود مع عدد من الجرحى
والمشوهين، وهذا يؤدي إلى حركة تذمر بين رجال الجيش وأن هناك
رجالًا وراء توريد الأسلحة الفاسدة للجيش منهم والد نادية،
يتكون مجموعة من الضابط الأحرار الذين أخذوا على عاتقهم أن
ينتقموا لوطنهم، يطلب عماد من نادية البحث في أوراق والدها على
دليل يؤيدهم".
فيلم "أرض السلام"
وبعد عامين وفي عام 1957، يظهر فيلم "أرض السلام" للمخرج
الكبير "كمال الشيخ"، حيث يقدم واحدا من أهم الأفلام (حتى
تاريخه)، المعنية بالقضية الفلسطينية، حيث تدور أحداثه حول
العمليات الفدائية، التي يقوم بها الفدائيون المصريون، ضد
العدو الصهيوني داخل فلسطين المحتلة، واضطرار أحدهم، إلى
اللجوء في إحدى القري الفلسطينية، بعد إصابته في إحدى
العمليات.
وهناك في القرية، يتعرف على فتاة فلسطينية، ويشتركان معا في
عدة عمليات ضد قوات العدو، وتكلل قصتهما بالزواج (نهاية سعيدة
ينتظرها دائما مشاهدو السينما عندنا).
فيلم "
الظلال في
الجانب الآخر"
في عام 1973 تم إنتاج هذا الفيلم، للمخرج الفلسطيني "غالب
شعث"، والذي منع من العرض حتى عام 1975، وهو عن قصة للكاتب
محمود دياب، ويري النقاد (ومنهم كاتب هذه السطور)، أنه يعتبر
من أفضل الأفلام التي تعالج القضية الفلسطينية في السينما
المصرية، حيث يبدأ "شعث" التعرض لأسباب نكسة 67، وتشريح أسباب
الهزيمة في يونيو1967، والبحث حول مدى مسئولية الشعوب العربية
قبل جيوشها عن هذه النكسة، وطرح فكرة المقاومة كحل للصراع
العربي الصهيوني. ومن أسباب منع عرض الفيلم، أن نظام
"السادات"، كان قد وقع على "اتفاقية فك الارتباط الثاني"،
الأمر الذي أدي إلى منع العرض، نظرا النظام لرفض فكرة
المقاومة.. وكان هذا في عهد وزير ثقافة "السلدات" نفسه "الكاتب
"يوسف السباعي"، الأمر الذي أدي إلى أن يغادر "غالب شعث" مصر.
فيلم "باب الشمس"
منذ خمسة عشر عاما، وبالتحديد من عام 2005، لم تشهد السينما
المصرية، إنتاجا سينمائيا، يعني بشكل مباشر بالقضية
الفلسطينية.. ولا وجود لمبررات حقيقية لحدوث هذا ، وقد نعزو
ذلك العزوف لأسباب نعرضها من وجهة نظرنا: فطور الإحساس بقيمة
القضية الفلسطينية ، في ظل التهافت علي التطبيع بين الكيان
الصهيوني والدول العربية ، تحت مظلة الإدارة الأمريكية ، تحتاج
مثل هذه النوعية من الأفلام لوجود أنظمة حكم عربية وطنية ، لا
تخشي المواجهة ولو بوسائل الضغط علي الكيان الصهيوني الناعمة
كالسينما ، قد يحتاج إنتاج مثل هذه الأفلام لميزانيات ، تفوق
دعم هذه الدولة أو تلك ، والتي تشكل عائقا أمام منتجي القطاع
الخاص ، توقف تفكير وإبداع بعض السينمائيين من أنصاف المثقفين
، عند المواجهة ضد إسرائيل بالحروب والمعارك المباشرة ، وعدم
إدراكهم لطرق التناول الأخرى ، كما تفعل السينما الصهيونية
الهوليوودية.
وكما ذكرنا جاء عام 2005، بظهور فيلم "باب
الشمس" في جزئيه: "الرحيل"
و"العودة"
من إخراج يسري نصر الله، كعمل سينمائي ملحمي، يرصد تاريخ
القضية الفلسطينية في شقيها: الرحيل والعودة التي يعيشها
الفلسطيني.
* أفلام حول حرب الجاسوسية بين مصر وإسرائيل
ولعل الأفلام التي تتناول حرب الجاسوسية بين مصر تحديدا، وبين
الكيان الصهيوني، تعد ضمن الأفلام التي تعبر عن مدي حرفية
وقيادة جهاز المخابرات الحربية في مصر، نحو كشف كل الحيل
الإسرائيلية لتجنيد بعض من ضعاف النفوس، للحصول منهم على
معلومات مخابراتية، يمكن استغلالها، في تحقيق مكاسب حربية،
لصالح هذا الكيان، لكن هيهات أن تحقق ذلك، بفضل مكر ودهاء قوي
المخابرات المصرية الحربية، وإفشال مثل هذه المخططات. ولعل
أبرز الأفلام المصرية، التي تناولت هذه القضية: "الصعود إلى
الهاوية" إخراج "كمال الشيخ" عام 1978، "إعدام ميت" إخراج "علي
عبد الخالق" عام 1985، "مهمة في تل أبيب" إخراج "نادر جلال"
1992، "48 ساعة في إسرائيل إخراج "نادر جلال" 1998.. ويمكن
إضافة فيلم "ناجي العلي" إخراج "عاطف الطيب" عام 1991، إلى
نوعية أفلام المقاومة، التي تكشف عدم اكتراث بعض الأنظمة
العربية بالقضية الفلسطينية، أو السكوت والتراخي والاستسلام
لأمر يعتبرونه واقعا، ويا للخزي والعار.
* أفلام تعزف على هامش القضية الفلسطينية
بقي أن نشير إلى أن هناك بعض الأفلام، التي اقتربت على
استحياء، من تناول القضية الفلسطينية، في بضع مشاهد لا تغني
ولا تسمن من جوع، لمجرد إثبات الحضور، في قضية مساندة القضية
الفلسطينية، وفضح سلوكيات الكيان الصهيوني، تعبيرا عن القضية،
ولكن تمخض جبلهم، فولد فأرا.
ويمكن أن نذكر نماذج من هذه الأفلام، التي يغلب عليها الطابع
التجاري الصرف: "صعيدي في الجامعة الأمريكية" إخراج السوداني
"سعيد حامد" عام 1998، "همام في أمستردام" إخراج "سعيد حامد
أيضا عام 1999، "أصحاب ولاّ بيزنس" إخراج "علي إدريس" عام
2001، وفيلم "السفارة في العمارة" إخراج "عمرو عرفة" عام 2005.
بقي لنا أن نشير إلى عدم الرضا والارتياح، لما تم إنتاجه من
أفلام تساند وتعالج القضية الفلسطينية، في السينما المصرية،
وعلى المستويين: الكمي والكيفي.. في الوقت التي استطاعت
السينما الإسرائيلية إنتاج عشرات، بل مئات الأفلام (على كافة
أشكالها وأنواعها) سواء كانت: روائية طويلة، أو تسجيلية، أو
أفلام تحريك، وسواء كانت إنتاجا إسرائيليا خالصا، أو أفلاما
أمريكية صهيونية، موجها لكل الناس في أصقاع الأرض، وتحقق
بالفعل تعاطفا كبيرا، وبشكل خاص في المجتمعات الغربية
وأمريكا.. اللوبي الصهيوني لم يدخر وسعا في تثبيت أركان الدولة
الصهيونية، ويمده بسخاء بكل عوامل الإنتاج السينمائي الضخم،
والعمل على انتشار هذه الأفلام، في جميع أرجاء دول العالم،
ونحن غافلون أو متغافلون، لا نملك غير الولولة والزعيق، وبث
روح الفرقة بين شعوبنا العربية، بل يصل الأمر في أحيان كثيرة،
لتخوين كل منا للآخر.. فهل آن الأوان لنفيق؟ اتمني.