بمناسبة مرور خمسين عاما على ذكرى وفاتها وتأكيدا على أهمية ما
قدمته في فن السينما، قدم مهرجانا أسوان الدولي لأفلام المرأة
في دورته التاسعة، احتفالا خاصا بها يتضمن مجموعة من الأغنيات
التي قدمتها في مجموعة أفلامها الستة. ومن المؤكد بحثيا، أنها
بدأت بالغناء في السينما من خلال صوتها بفيلم أبناء الذوات دون
أن تمثل فيه عام 1932 وكان أول فيلم مصري ناطق في تاريخ
السينما المصرية، وبعد واحد وثلاثين عاما غنت في فيلم رابعة
العدوية دون أن تمثل فيه، وبين التجربتين قدمت في السينما ستة
أفلام ممثلة ومغنية وهي: وداد ونشيد الأمل ودنانير وعايدة
وسَلامَة وآخرها فاطمة.
كانت السينما وسيلة فنية جديدة للانتشار، ولها تأثير كبير على
مسار حياة الفنان، وقد وعى أهل المشهد الفني المصري أهمية فن
السينما، وقدمت شخصيات هامة تجارب سينمائية مستفيدة من شيوعها
في تلك الفترة. وبناء على نصيحة المخرج أحمد بدرخان، بنى
الاقتصادي الشهير طلعت حرب استوديو مصر الذي كان مرحلة متقدمة
في صناعة الفن السينمائي في مصر والعالم العربي عموما. وكان
أول إنتاج له فيلم وداد، وهو من بطولة أم كلثوم. نجح الفيلم
جماهيريا وتجاريا وحقق مكاسب كبرى، فقدمت أم كلثوم بعده خمسة
أفلام، خلال أحد عشر عاما متتالية. ثم ابتعدت عن فن السينما
واتجهت لشكل جديد سارت عليه حتى آخر حياتها الفنية وهو الأغنية
الطربية المسرحية الطويلة التي بدأت مع قصيدة اذكريني ومن ثم
مونولوج فاكر لما كنت جنبي وكلاهما ظهرا عام 1939.
بداية متأخرة
عندما بدأت أم كلثوم في تقديم أفلام سينمائية من تمثيلها، كانت
في سن الثامنة والثلاثين تقريبا. وكان فيلم وداد أول أفلامها
للسينما، قدمت فيه شخصية جارية عربية تحب الغناء وتضحي بمالها
من أجل حبها لسيدها. وبعد مسيرة حياة سينمائية استمرت اثنا
عشرة عاما قدمت خلالها ستة أفلام اختارت أن تبتعد عن تقديم
السينما وكانت في سن تجاوزت فيها الستين عاما. وفي الإجابة عن
السبب الذي دفع بأم كلثوم لاعتزال الفن السينمائي بعد عام
1964. تكمن عدة احتمالات. الأول منها يكمن في شخصيتها، التي
تحمل روحا محافظة بحكم تربيتها الدينية، التي تجعل من إمكانية
تقديم بعض الشخصيات صعبا، وهذا ما صرحت به مرارا، بأنها تأخرت
في دخول عالم السينما لمرحلة ما بعد وفاة والدها الذي كان يرفض
عملها فيها. ويضاف لذلك طبيعة شخصيتها التي كانت تثقفت على يدي
الشاعر أحمد رامي، بحيث كانت لا تقبل أن يكون الغناء مقحماً
على حكاية الفيلم، وكانت تفضل أن يكون من نسيج حكاية الفيلم
ذاته، لذلك نجد أن خمسة من ستة أفلام قدمتها للسينما ترتبط
بأسماء شخصيات تاريخية كن يقدمن الغناء (وداد، عايدة، فاطمة،
دنانير، سلامة). وكانت ترفض أن يقتصر ظهورها على الشاشة على
شكل الجواري. وثمة سبب لا بد أنه يحتل مكانا في سبب الاعتزال
وهو عامل السن، فعندما ابتعدت أم كلثوم عن السينما كانت في سن
يجاوز الستين عاما، فهي لم تعد قادرة على تحمل أعباء التصوير
المجهدة والتنقل بين الأماكن والسهر والتسجيل. على أن السبب
الأهم الذي يبدو أنه الأكثر قرباً للواقع أنها منذ عام 1939
وظهور أغنية فاكر لما كنت جنبي ونجاحها الكبير في شكل الأغنية
الطربية المسرحية الطويلة الذي بدأ يترسخ حينها، قد شكل لديها
قناعة بأنه الأسلوب الصوتي الأنسب لفنها، فأم كلثوم بدأت
رحلتها مع الإذاعة المصرية منذ انطلاقتها، وكان لديها سهرات
شهرية تقدمُ فيها روائعها التي يسمعها كل العالم العربي من
المحيط إلى الخليج. والذي يبدو أنها فضلت الأسلوب الإذاعي
الأسهل والأسرع للوصول للجمهور كونه لا يتطلب من الناس الذهاب
لصالات السينما بل يمكن متابعته عبر الراديو، فكانت منذ ذلك
التاريخ المطربة العربية الأهم، ومن خلال الظهور الإذاعي
الصوتي بنت مجدا غنائيا هو الأهم عربيا، وقدمت روائع غنائية ما
زالت تعيش في وجدان كل العرب متعاملة مع كبار قامات مصر
حينذاك: أحمد رامي و بيرم التونسي وعبد الوهاب محمد وأحمد شفيق
كامل كما تعاملت مع عظماء الموسيقى المصرية والعربية:: رياض
السنباطي ومحمد القصبجي ومحمد عبد الوهاب و بليغ حمدي ومحمد
الموجي وسيد مكاوي). |