غانم الصالح: التلفزيون جهاز لقيط رغم أهميته (3 - 4)
رفض فكرة إعادة إحياء المسلسلات الناجحة وفضَّل تركها بصورتها التي خرجت
بها للجمهور
محمد جمعة
يقول الفنان غانم الصالح في أحد اللقاءات، عندما سئل عن تجربته مع
التلفزيون: "أعتبر التلفزيون، إذا جاز التعبير، جهازاً لقيطاً ما له أصل"،
مفسراً ذلك بأنه جاء في مرحلة متأخرة كوسيلة إعلام، أخذ من السينما الصورة،
ومن المسرح الحركة، ومن الإذاعة الصوت، وانصهرت تلك المكونات لتقدم لنا
جهازا حساسا وخطيرا يدخل كل المنازل دون استئذان اسمه التلفزيون، والذي فتح
الباب على مصراعيه للتنافس في تقدم محتوى يجذب المشاهدين، في ظل سعي كل
محطة لتكون لها الكلمة العليا.
ويتابع: "ورغم خطورة التلفزيون غير انه ناقل هام للأخبار، وشاشة متاحة لعرض
جميع الاعمال الدرامية والافلام السينمائية وتوثيق المشاريع المسرحية
والتأريخ لها وإعادة إحياء بعضها، لذلك يدين الممثل بالفضل للتلفزوين في
أرشفة أعماله الفنية والوصول بموهبته إلى دول اخرى ومجتمعات مختلفة،
ويمنحنا الفرصة لتلاقي الثقافات، وبالطبع الأمر ليس مقتصرا على الممثل، بل
كل من يملك موهبة ويسعى لتعريف الجمهور بها".
عقبات صناع الدراما
واستذكر الصالح العقبات التي كانت تواجه صناع الدراما قديما، وقال إن صناع
الدراما في فترة مبكرة كانوا يواجهون صعوبات عدة على مستوى التصوير
والمونتاج، إذ كان تمثيل مشهد واحد يستغرق يوماً كاملاً، ولو أخطأ الممثل
في جملة أو حركة ما نضطر إلى إعادة تصوير المشهد كاملا منذ البداية، خصوصا
أن عملية المونتاج كانت ما تزال في مراحلها الاولى، بينما اختلف الأمر
بمرور الزمن واكتشاف تقينات جديدة اختصرت الوقت والجهد، وسهلت من منظومة
الإنتاج الدرامي، مما أتاح الفرصة ايضا امامنا لتطوير القوالب الدرامية،
واصبحنا نشاهد اجزاء عدة من العمل الواحد والتصوير في العشرات من مواقع
اللوكيشنات.
قدم الصالح خلال مشواره الفني العديد من الأعمال الدرامية، التي تعاون
خلالها مع القديرتين حياة الفهد وسعاد عبدالله، وهو يعلق على تلك المشاركات
فيقول: "قدمت أنا وسعاد وحياة العديد من الأعمال الناجحة دراميا، مثل (خرج
ولم يعد) عام 1982، وكتب أحداثه طارق عثمان، بينما اخرجه حينها حمدي فريد،
ورغم أن المسلسل 13 حلقة إلا انه حقق نجاحا كبيرا، كذلك مسلسل (خالتي
قماشة)، والذي شهد مشاركة نخبة من النجوم".
وأكد الصالح أن طارق عثمان رغم أنه لم يكن ابن البيئة الكويتية إلا انه
استطاع ان يعبر عنها بقلمه، لأنه عاش في الكويت فترة، وكان يعمل مدرسا
ولديه احتكاك مع شرائح عدة من المجتمع الكويتي، مستطرداً: "خلال البروفات
أضفنا بعض الحوارات على العمل، ولكن لم يخل ذلك بالإطار العام الذي كتبه
عثمان".
إعادة الأعمال
ورفض الصالح فكرة إعادة أو استحداث أي من الأعمال الدرامية الناجحة، وقال:
"أرفض فكرة عمل جزء ثانٍ من (خالتي قماشة) وغيره، لأن تلك المسلسلات حققت
نجاحا كبيرا حينها، وأي محاولة لاستحداث اجزاء اخرى منها سوف تفقدها
بريقها، وأزعم ان اي جزء جديد لن يحدث الضجة نفسها، يفضل تركها كما هي
بنجاحها واخطائها وجميع تفاصيلها"، معتبرا ان "خالتي قماشة"، وإن كان ينطوي
على مبالغة تخدم السياق الدرامي، فإن الهدف منه كان التوعية بضرورة الحفاظ
على النسيج الاجتماعي وتماسك الأسرة، وقال: "كان الأب يرفض خروج أبنائه من
منزل الأسرة والاستقرار بحياتهم الخاصة، وكان يعتبر هذا الأمر جريمة، على
عكس ما اصبح يحدث في فترة لاحقة، حيث كان رب الأسرة يشجع الأبناء على
الاستقرار بحياتهم الخاصة، ليبث فيهم الثقة ويعزز لديهم أهمية الاعتماد على
النفس.
وقال في سياق حديثه عن المنظومة الاجتماعية، لاسيما الأسرة: "ثم جاء مسلسل
(خرج ولم يعد) ليكمل القصة، ها هو الابن قد خرج من منزل الأسرة، فماذا
سيحدث؟"، مؤكدا انه هكذا يتم استثمار نجاح الأعمال الدرامية خلال الحقبة
الزمنية نفسها.
وقد امتلك الصالح من الخبرة ما أهله للتعامل مع الشخصيات الصعبة، لاسيما
تلك المسماة بالشخصيات الكراكترية، وحول ذلك يقول: "أميل الى الشخصيات التي
تحتاج الى تمعن الممثل في مختلف أنماط المجتمع، لأكون صادقا في نقلها الى
الشاشة، كنت أتجول في المجمعات وأجالس بعض أصحاب المهن، لأنقل تفاصيل
حياتهم بأمانة، وأشاهد أسلوب تعاملهم مع من حولهم".
اللزمات
ويؤكد الصالح أن حرصه على التقرب من مختلف شرائح المجتمع أكسبه خبرة
استخلاص اللزمات، مثل "خلك طبيعي"، التي كانت دراجة لفترة، وقال: "كنت
أقولها بإيقاع معين يناسب الشخصية، تلك اللزمات استقيتها من مخالطة نماج
مختلفة من المجتمع أو كبار السن، لاسيما الشياب في الديوانيات، كنت أتأمل
تصرفاتهم وطريقة حديثهم مع حولهم، لدرجة أن أحدهم عندما يشاهد العمل يشعر
بأن شخوصه وأبطاله قريبون منه".
هل غانم الصالح المرح في الدراما والمسرح هو نفسه غانم الصالح الإنسان في
المنزل؟ سؤال واجهه الراحل في أحد اللقاءات بابتسامة عريضة، وخجل في الوقت
نفسه، ولكنه بصراحته المعهودة أجاب قائلا: "هناك بعض الناس في الحياة جاد
جدا، ولكن عندما يقف امام الكاميرا ينسى نفسه وينقلب الى شخصية أخرى، بينما
هناك شخص تجده على طبيعته لا يتغير، في الحياة هو ذلك الشخص الذي يقف امام
الكاميرات او فوق المسرح، وأنا أنتمى لهذه الفئة، في المنزل يتطلب الوضع في
بعض الحالات ان أكون حازما، ولكن اغلب الأوقات على سجيتي، أصدقك القول إنني
في بعض الأوقات أتمنى لو أحاكي تفكير الأطفال. نعم، وصلت لمرحلة من العمر
أميل الى الهدوء في غرفتي، ولكن حفيدي غانم يعرف هذا الأمر جيدا، وهو
الوحيد الذي يقتحم خلوتي ويحق له ما لا يحق لغيره".
عبدالحسين عبدالرضا
ارتبط غانم الصالح وعبدالحسين عبدالرضا بعلاقة وطيدة، لا على المستوى الفني
فقط بل على صعيد الصداقة أيضا، حيث تزاملا خلال مراحل الدراسة المختلفة
والمعسكرات الكشفية إلى أن انتسبا للمسرح العربي عام 1961، وقدما معا مع
سعد الفرج وخالد النفيسي أغلب الأعمال التي خرجت من عباءة فرقة العربي
حاليا، وقال الصالح: "كانت مجموعتنا تحرص على إنجاح أي عمل مسرحي".
ويعود الصالح بالذاكرة الى الخلف: "في الخمسينيات كنا نرتاد منطقة
(الخيران)، التي كانت حينها مرتعا للذئاب، وكنا نرتاد المكان ضمن النشاط
الكشفي، ونحرص على ان يتبادل كل منا نوبة حراسة ليلية، تحت الساري الضخم
الذي يحمل علم الكشافة، ويتم ترتيب نوبة الحراسة حسب السن، فيبدأ الكبار ثم
الصغار، ومن ضن المقالب التي اتذكرها حالات السطو المفبركة التي يختلقها
البعض، وفي أحد الأيام صادف أن نوبة حراستي انا وعبدالحسين كانت من الواحدة
حتى الثالثة صباحا، وكان الظلام حينها دامسا لا نشاهد اي أحد، وقبيل انتهاء
النوبة شاهدنا تحركات في الظلام، اعتقدنا في بادئ الأمر أنها الذئاب
ولازمنا أماكننا خوفا، ولكن في الصباح اكتشفنا انه احد المقالب".
مدينة إعلامية
بالتزامن مع تصوير دوره في مسلسل "لاهوب" عام 2008 من تأليف أحمد جوهر
وإخراج البيلي أحمد، أكد الفنان غانم الصالح أن الكويت هي الدولة الوحيدة
في منطقة الخليج، التي تنتج أعمالا درامية تراثية كثيرة، لما تملكه من
تاريخ طويل للأجداد مع السفر والغوص والتجارة، إلا أنها تفتقر في الوقت
الحالي إلى أماكن للتصوير تتناسب وأحداث الماضي.
وقال: "لقد آن الأوان أن يكون لدى الكويت مدينة إعلامية تُشيَّد بها أحياء
تراثية من أجل أن يقتنع الناس بما تقدمه هذه الأعمال من رسالة ذات أهمية
كبيرة للجيل الجديد".
واعتبر أن انتشار الدراما التراثية الكويتية وزيادة الإقبال عليها انتشار
جيد ومؤثر للتراث والثقافة الكويتية، مشيرا إلى أن الإنتاج في مثل هذه
الأعمال يلعب دورا مهما، لاسيما أنها تتحدث عن تاريخ وحقبة موثقة.
ودعا الصالح إلى ضرورة أن تتبني الدولة في كل عام دعم وإنتاج مجموعة من هذه
الأعمال، لتظل موجودة، من أجل أن يتعرف عليها هذا الجيل، لأنها تحمل
سلوكيات وعادات نحن في أمس الحاجة إليها.
وشدد على جودة الدراما الكويتية، وقال: "الدراما في الكويت ما زالت بألف
خير، ولا يمكن لسقوط عمل هنا أو هناك أن يؤثر عليها، لما تتمتع به الكويت
من كوادر فنية وبشرية وخبرة"، متمنيا أن يدرك الجميع أن الدراما تعد واجهة
ثقافية وفنية مهمة للكويت.
«باي باي لندن»
تحدث الفنان غانم الصالح في أحد اللقاءات عن كواليس مشاركته في مسرحية "باي
باي لندن"، التي عرضت عام 1981، للمخرج المنصف السويسي، وشارك في بطولتها
الى جانب الراحل عبدالحسين عبدالرضا والفنان داود حسين، فقال: "عندما
هاتفني عبدالحسين عبدالرضا للمشاركة في مسرحية (باي باي لندن) كان الدور
مكتوبا باسم نهاش فتي الجبل والبراري والقفار، والحوار هو نفسه باستثناء
بعض اللمسات التي أضفتها على الشخصية، خصوصا أنها تجسد الإنسان العربي من
المحيط الى الخليج، وحتى لا تتسبب الشخصية بأي حساسية استنطقنا الشخصية
بلهجة بدوية لا تعبر عن أي دولة أو جنسية محددة، وتسمى بـ(غريب الدار)، حتى
ان بعض الجمل مأخوذة من فيلم (عنتر وعبلة)، واستطعنا أن نحيد تلك الشخصية
تماما حتى لا تحسب على أي جنسية، وهذا العربي الساذج الذي يعيش في أوروبا
يمثل الشخصية العربية ببساطتها وبدواتها وأسلوبها وتصرفاتها، وكيف يعيش على
سجيته. أيضا الملابس كانت من واقع خيالنا".
وأكد غانم ان أجواء البروفات مختلفة تماما عن العروض الحية، موضحا: "في
البروفات ندور بفلك النص، ولكن عندما نواجه الجمهور على المسرح يتطور العرض
من خلال الحوارات وليدة اللحظة، والتي تكون نتاج تفاعل الجمهور، ولكننا كنا
نحرص على ألا يمس هذا الارتجال الانسان او كرامته، وأن يكون بعيدا عن
الإسفاف او التجريح، ارتجال يخدم الشخصية ولا يؤثر عليها".
·
اعتبر «خالتي قماشة» رغم مبالغته عملاً توعوياً يهدف للحفاظ على تماسك
الأسرة
·
شكّل ثنائياً ناجحاً مع عبدالحسين وحياة الفهد وسعاد عبدالله
·
شخصيته أمام الكاميرات وعلى المسرح لا تختلف عنها مع أسرته وأصحابه
·
حرصه على التقرب من مختلف شرائح المجتمع أكسبه خبرة استخلاص اللزمات |