لا يُجمِع النقاد والمتخصصون في الحقل السينمائي على طول الفلم الروائي
القصير، لكن "أكاديمية فنون وعلوم الصور البصَرية" في بفرلي هيلز
بكاليفورنيا تحصر مدة الفلم الروائي القصير بـ "40" دقيقة أو أقل، آخذين
بنظر الاعتبار اصطلاحات وتسميات أخرى تدور في هذا الفلك، لكن مدتها الزمنية
أقصر بكثير من الفلم القصير القياسي مثل الـ
"Short subject"
الذي يُعرض غالباً قبل الفلم الروائي الطويل في
المهرجانات وحتى في صالات السينما الاعتيادية، والـ
" featurette"،
وهو الفلم القصير، بحسب اصطلاح السينما الأميركية، الذي تتراوح مدته بين
"20" و "44" دقيقة، وهو أطول من الـ
"Short subject"
وأقصر من الفلم الروائي الطويل. أما المركز الوطني
للتصوير السينمائي بفرنسا فيعتبر مدة الفلم القصير "59" دقيقة، وهناك
بطبيعة الحال أفلام قصيرة قد تصل مدتها إلى دقيقة واحدة كالأفلام التي
تُعرض في مهرجان الـ "Filminute"
وتوصف بالأفلام القصيرة جداً، ولعل القرّاء الكرام يتذكرون بأنّ أقصر فلم
هو " soldier body"
للمخرج الأميركي ليز شولز ومدته "7" ثوانٍ لا غير، لكنه يروي قصة زوجين
اضطرا إلى الافتراق عن بعضهما حينما سيق الرجل إلى محرقة الحرب العالمية
الثانية. وفي أوروبا يخوض هذا الرجل غمار معركة شرسة، لكنه ينجو من الموت
ويعود إلى زوجته التي تلتقيه في حافلة. ثمة أفلام روائية متوسطة الطول
تتراوح مددها بين "25" و "35" دقيقة وهي رائجة في المهرجانات العربية على
وجه التحديد، وربما تكون المهرجانات الثلاثة في الإمارات العربية المتحدة
"الخليج، دبي وأبو ظبي" هي خير حاضنة لهذا النمط من الأفلام الروائية
القصيرة.
هاجس الموت في بنت النوخذة
سنتوقف في هذا المقال عند فلمين روائيين قصيرين وهما "بنت النوخذة"
للمخرج الإماراتي خالد المحمود، قصة وسيناريو أحمد سالمين، وتصوير عبد الله
حسن أحمد، و "بنت مريم" للمخرج سعيد سالمين المري، سيناريو وحوار محمد حسن
أحمد وذلك لثلاثة أسباب أولها أن الفلمين يعالجان موضوع الموت، وهو أخطر
فكرة في الوجود على الإطلاق، كما أن القصة السينمائية في الفلم الأول
تتناول أسطورة شعبية معروفة تتحول فيها بنت النوخذة إلى سمكة، فيما يستمد
الفلم الثاني فكرته الرئيسية من الموروث الشعبي، أما السبب الثالث والأخير
فهو المناخ المحلي الذي ينجح كاتبا السيناريو ومخرجا الفلمين معاً في خلقه
وتقديمه للمتلقي كخطاب بصري يتوفر على معظم اشتراطاته الفنية الناجحة على
الرغم من غياب اللمسة الاحترافية في تصوير الفلم الأول وحضورها بقوة في
الفلم الثاني.
عروس الأسماك
قبل أن نلج في تفاصيل هذا الفلم القصير "مدته سبع عشرة دقيقة" لابد
لنا أن نتوقف عند معنى "النوخذة" وهي كلمة مشتقة من الفارسية "ناخذا" وتعني
قبطان أو قائد السفينة الشراعية الكبيرة. أما بنت النوخذة أو "الفسكر" فهي
إحدى الأنواع الجميلة من السمك الذي يُنعَت بـ "عروس الأسماك" وذلك لجمال
ألوانها، فلاغرابة إذاً حينما يربط البحّارة بين جمال السمكة من جهة، وجمال
بنات نواخذهم من جهة أخرى، إذ تبدو هذه السمكة وكأنها حنّت زعانفها، ووضعت
الكحل حول عينيها المستديرتين.
يبدأ المشهد الافتتاحي للفلم بالطفل محمد الذي نراه نائماً، بينما
تنهمك أمه في إيقاظه بغية غسل وجهه، وارتداء ملابسه، وحينما يسألها عن
السبب تخبره بأن أعمامه وأخواله سيأتون بعد لحظات قليلة، ثم يستفسر عن سبب
مجيئهم فتحضنه وتنخرط بالبكاء فنعرف أن حدثاً مفجعاَ قد ألمّ بهذه العائلة.
كانت المرحومة متعلّقة بالبحر وتحبه كثيراً، بل أنها كانت تأخذ
أطفالها إلى البحر كي يحبّوه أيضاً ويصبحوا نواخذة مثل أبيها. لم يستطيعوا
دفنها ذلك النهار لأن الغروب حلّ سريعاً لذلك قرروا أن يواروها التراب
صبيحة اليوم التالي بعد أن يصلّوا عليها صلاة الفجر. وفي مشهد آخر لافت
للنظر يطلبون من أحمد أن يبحث لهم عن حصاة كبيرة لكي يضعوها على بطن الميتة
في إحالة واضحة إلى الموروث الأسطوري الإماراتي الذي يجد قناعة ما في هذا
الإجراء حتى وإن كان خرافياً. وتواصلاً مع فكرة الأحجار أو الحصى يدور حوار
عميق بين الجدة والطفل تتحدث فيه عن بنت النوخذة المتوفاة التي تملأ جيوبها
بالحصى وتنزل إلى البحر حينما يجن الليل، لا لتموت، وإنما لكي تتحول إلى
سمكة، وثمة هاتف يقول لها: "كلما تمرّ موجة فوق رأسك أسقِطي حصاة من جيبكِ
حتى تظهر لكِ زعنفة!". وحينما يحتدم النقاش بين الطرفين نفهم أن أبا
النوخذة قد ظلم نواخذة البحر كلهم، فلكي تكفِّر عن هذا الظلم لابد أن تصبح
سمكة في البحر بحيث يصطادها كل يوم صيّاد فقير يضعها في التنّور كي يشفي
غليله من أبي النواخذة كلهم.
طقوس وشعائر
يتوفر الفلم على جانب طقسي، ففضلاً عن طقسي الغسل والتكفين اللذين لم
نرهما لأن المتوفاة امرأة، إلاّ أننا نشاهد طقس الدفن وما ينطوي عليه من
شعائر وصلوات دينية معروفة لتثبيت الميتة على قول الحق، والرجاء من الله،
جلّ في علاه، أن يجعل قبرها روضة من رياض الجنة، ولا يجعله حفرة من حفر
النار، وأن يباعد بينها وبين جهنم كما باعد بين المشرق والمغرب، وأن يتجاوز
سيئاتها، ويكفِّر عن ذنوبها، فهو الحي القيّوم الذي لا تأخذه سِنةٌ ولا نوم.
ربما يكون الطفل محمد هو الشخص المعني بكل الأحداث التي جرت مثل تحوّل
بنت النوخذة إلى سمكة تتعذب بسبب ظلم أبيها للآخرين، أو موت الأم الذي هزّه
من الأعماق، وأراد أن يقلِّد الموت أو يتخيله في الأقل حينما وضع حجرة
كبيرة على بطنه ونام بينما كانت الدموع تسيل على خديه. أما ظهور السمكة في
المشهد النهائي من الفلم فهو ضربة فنية بحق أكملت السياق الفني للحدث جملة
وتفصيلاً لتنغلق دائرة القصة السينمائية التي تمثل في خاتمة المطاف الرؤية
الإخراجية المبدعة لخالد المحمود الذي يعِد بالكثير مستقبلاً إن هو واظب
على هذا الزخم الذي يتوفر عليه في حُب الفن السابع والانقطاع إليه.
بنت مريم . . لوعة الروح وعذاب الجسد
إذا كانت "بنت النوخذة" قد ماتت في الفلم الأول، فإن زوج بنت مريم
سيموت، كما سيفارق عمّها معتوق الحياة تاركاً إياها لوحدها تواجه ضنك
الحياة في مجتمع محافظ يحضّ على الالتزام بالعادات والتقاليد الاجتماعية
المُتعارف عليها، وأكثر من ذلك فإن أم أحمد سوف تموت هي الأخرى تاركة ولدها
المتعلّق بهذه الشجرة الأسطورية التي لا تكبر ولا تموت. لا يقتصر الموت في
فلم "بنت مريم" على الإنسان، وإنما يتعداه إلى النبات، فشجيرة الليمون التي
يحملها أحمد بين ذراعيه طوال مدة الفلم "27" دقيقة مُقتلعة من جذورها،
لكنها ملفوفة بقطعة جنفاص فيها كمية من التربة المبللة بالماء، فهي بين
الموت والحياة، إن صحّ التعبير، لكنها تنطوي على خيط من الأمل يعتمد على
قراءة العم معتوق بعض الآيات القرآنية عليها لكي يمدّ فيها أسباب الحياة،
ويجعلها نضِرة مثمرة.
الأرواح العطشى
أشرنا آنفاً إلى أنّ هذا الفلم يحيل إلى المناخ المحلي الإماراتي خاصة
والخليجي عامة، ولهذا يستهل المخرج فلمه بقصيدة محكية تقول:''ثوب العطش جدا
أرضك قاصف/ شال الحزن بإيدك طفل خايف/ زاد العوق ودعواي بين النصايف/ نبا
غيمة فيها المطر واقف''. إذاً، ثمة عطش روحي وجسدي يقابله مطر مُرتَقب
تحمله الغيوم الشتوية لتروي الأراضي والأجساد العطشى معاً، فالدلالة
المجازية تتجاوز الأرض التي شقّقها العطش إلى الأرواح الجافة التي تدهمها
الحاجة العاطفية وتضعها في دائرة اللوعة والعذاب. ينتقد الفلم منذ مطلعه
فكرة تزويج الفتيات الصغيرات اللواتي لم يبلغنَ سن الزواج، فهذه الفتاة
الصغيرة أخذوها بينما كانت تلعب مع الصغار في الحي "الفريج"، وغسلوا شعرها
وجسدها، وكذّبوا عليها قائلين لها أن العيد سيأتي غداً، فحنّوا يديها،
وألبسوها ثوباً أخضرَ مليئاً بالزّرّد، وتركوها تواجه موقفاً لم تألفه من
قبل. لم يدم زواجها طويلاً، فسرعان ما مات هذا الزوج الطاعن في السن، فحملت
حقيبتها المعدنية وعادت إلى بيت العم معتوق، هذا الرجل الأعمى الطيب الذي
يقرأ الآيات القرآنية على رؤوس المرضى فيتماثلون إلى الشفاء. في مقابل هذه
الفتاة التي تزوجت زيجة غير موفقة، وعادت بخفي حُنين نجد الفتى أحمد الذي
يحمل شجرة الليمون التي لا تكبر ولا تموت، لكن الموروث الشعبي يقول بأنّ
أمه سوف تشفى من مرضها إن قرأ العم معتوق على هذ الشجيرة التي لم تفارق
الفتى أحمد، لكن العم معتوق يرفض أن يقرأ على هذه الشجيرة "الملعونة" التي
يعرفها من كثب، فهي لم تدخل داراً إلاّ وجلبت له النحس والشؤم. وما أن يعود
أحمد إلى البيت حتى يجد شخصاً يهمس في أذنه مُخبراً إياه بأن أمه قد ماتت،
ولابد أن يتبادر إلى أذهان الجميع بأن العم معتوق كان بإمكانه أن ينقذ هذه
الأم المريضة لو أنه قرأ على شجرة الليمون بعض الآيات القرآنية، ولأنه لم
يفعل فقد فارقت الحياة إلى غير رجعة.
القصة المحبوكة
لقد أحسن كاتب السيناريو محمد حسن أحمد صنعاً حينما أنهى قصة الفلم
بذات البداية التي استهل بها فلمه فقال: "إنّ كل الذين سألوا عنها عرفوا
أنها ذهبت بعيداً، ولكن ستطلع في "الفريج" بنت جديدة مثل بنت مريم، وسوف
تروي قصتها للأجيال القادمة" ثمة نواة لقصة حُب كان يمكن أن تنمو وتتطور
بين أحمد الذي خاطب الفتاة قائلاً لها أن شعرها جميل، لكنها أجابته بأنها
تقصّه كلما طال، ومع ذلك فثمة تعاطف واضح بين الطرفين، ومودة لا يمكن
إغفالها. الفتاة المحبوسة كان تحيل إلى إدانة كاتب السيناريو والمخرج معاً
إلى بعض أنماط القمع الأسري الذي تتعرض له المرأة بسبب العادات والتقاليد
الاجتماعية. وفي الختام لابد من الإشادة بالفنانة السورية الشابة نيفين
ماضي التي جسّدت هذا الدور وتألقت فيه مُعززة الرؤية الإخراجية الواعدة
للمخرج سعيد سالمين المري. وفي السياق ذاته لابد من التونيه بدور طه العجمي
سواء في الموسيقى التصويرية التي اختارها أو في المؤثرات الصوتية المعبرة
التي انتقاها، أو في اللمسات المونتاجية التي تدلل على قدرته الاحترافية
الواضحة. وفي الختام لابد من القول بأنّ الفلم الإماراتي القصير يسير بخطى
حثيثة وواثقة نحو الفضاء الإبداعي الذي يتعزز بهذه النجاحات المتلاحقة التي
تعِد بسينما إماراتية واضحة المعالم في السنوات القليلة القادمة.
الجزيرة الوثائقية في
10/01/2013
وثائقي عن فتيات أفغانيات بمظهر الصبيان
"باشا
بوشي: ستصبحين ولداً.. يا إبنتي"
قيس قاسم ـ السويد
لا تشي الصورة الأولى الثابتة التي يظهر فيها أطفالاً أفغان يلعبون في أحد
أحياء كابول بإستثناء. الأطفال مثل غيرهم، صبيان يلعبون ببراءة خارج
بيوتهم، لكن التعليق الذي نسمعه حولهم سرعان ما يحفز الفضول عندنا للتدقيق
في اللقطات التي تليها، والتي ستحيلنا بدورها الى وقائع لا تتسواق مع
الظاهر في المشهد الأول/ الصورة من الوثائقي الفرنسي "باشا بوشي: ستصبحين
ولداً.. يا إبنتي"، فبعض الصبيان فيها ليس هم بصبيان بل فتيات غَيَّر
أهاليهن شيئاً من هيئتهن وألبسوهن ملابس الذكور حتى يتم لهم ما يريدون: أن
يحولوا بناتهم الى صبيان. أن يصبح عندهم ذكور! وعنوان الفيلم يوضح فحوى
التحول الجاري، الظاهري في نوع الجنس، ف"باشا بوشي" يعني بها أهل البلاد:
"البنت التي ترتدي ملابس الذكور". حالما تحركت الصورة تغير فيها الكثير،
خلقت واقعاً جديداً أظهرت شوارع كابول العادية، مختلفة عن بقية شوارع
الدنيا، فيها العجب، والتقاطة المخرج ستيفن ليبران، على بساطتها، قادتنا
الى خفايا الحياة في مجتمع ذكوري الى درجة الخديعة. خديعة مخيفة للذات
ومراضاة لتقاليد وأعراف بالية وأيضاً تنازلاً أمام واقع اقتصادي يدفع الناس
دفعاَ للقبول في تغيير هئية الكائن البريء الى أخرى دون مراعاة الى ما
سيتركه فيه هذا التحول من آثار نفسية وجسدية سلبية.
خلاصة القصص الأربع التي يروها الفيلم على لسان أربع فتيات تحولن في
مرحلة معينة من حياتهن الى ذكور، تقدم صورة مقربة لحال المرأة الافغانية
ومجالاً بحثياً في علوم الإجتماع والانثروبولجي والنفس، وتقود موضوعياً الى
عرض واقع البلاد السياسي وشكل الصراع الجاري فيه خارج العسكري الطاغ في
وسائل الإعلام. فيما تتجنب الحكايات الخوض في تأثيرتها على الميول الجنسية
عند الأطفال في سن لاحقة من حياتهم. فالوثائقي أراد التركيز على العينات
المتوفرة دون الخوض في تفاصيل بحث يحتاج الى مادة وخامات بصرية مكرسة لهذا
الجانب، مع أن مجال التحليل النقدي يسمح بإسقاط ظلالاً من الشك في درجة
تأثير هذا التحول الظاهري (دون الجسماني) على تلك الميول.
على المستوى الاجتماعي تسمح التقاليد الأفغانية للوالدين اللذين لم
ينجبا ذكورا بإلباس احدى بناتهم ملابس الوَلَد، والتصرف كذَكر خارج البيت
على أساس هذا التغيير، ومعناه في عمق الموروث الاجتماعي تعويض مؤقت عن
الحرمان من نعمة انجاب الصبيان، لكنه سيتعارض مع الإجتهاد الشرعي الذي حدد
مدة التحول أو "التنكر" حسب تفسير الملالي الأفغان بفترة زمنية لا تتجاوز
سن المراهقة والرشد على أقصى حد، وقتها يتوجب على الفتاة العودة الى
طبيعتها كأم مؤهلة للزواج والإنجاب وخدمة الرجل، والخروج عليه مرفوض
ومتعارض مع تفسيرهم للحالة. في مستوى ما يفرزه التمييز الحاد بين الولد
والبنت في مجتمع ذكوري بإمتياز تستهوي فكرة التحول الفتيات لما توفره لهن
من حرية شبه كاملة مقارنة مع وجودهن كفتيات، عليهن البقاء في المنزل أو
الذهاب الى المدرسة بشروط وضوابط مشددة، في حين تسمح لهن "ذكوريتهن"
المؤقتة باللعب والخروج الى الشارع بحرية ومخالطة الصبيان وفعل كل ما يُمنع
على الفتيات فعله. بإخصار يمنح التنكر للفتاة حريتها المفقودة ويساويها
بدرجة معينة بالصبي الأفغاني وهذا ما لا يتوفر في مجتمعها المحافظ.
البعد الاقتصادي والحاجة لمُعيل يقوي اقتصاد العائلة الفقيرة عنصر
محرك لكثير من العوائل المحرومة الوَلّد، وقصة الصبي زاهد (الفتاة) شابينا،
في الأصل، يَظهر فيها هذا العنصر جلياً فيما يبقى سبب تحول "جنسها" سياسي
في العمق، فالسياسة والاقتصاد عاملان قويان في هذة المعادلة المعقدة. لم
يأتِ قرار والدها إلباسها زَيّ الذكور من فراغ لقد أجبرته اعاقته الجسدية،
بسبب إصابته بقذيفة أثناء اشتراكه في الحرب ضد الجنود السوفيت، الى طلب
المساعدة من إبنته في تدبير شؤون دكانه الصغير والعمل خارجه في جمع الأكياس
والورق من الشوارع والمزابل لبيعها بأسعار بسيطة تعينهم على توفير لقمة
عيشهم. شابينا ذات السنوات الست لا تحب هذا العمل، قالت ذلك أكثر من مرة
أمام الكاميرا ولكنها مجبرة عليه كما هي مجبرة على التنكر في زي الصبي
"زاهد"، وحيرة والدها وحزنه يكفيان لإداخلنا دوامة التفكير في سلوكه
والموقف منه. فالرجل يخاف أن يتقدم أحد أقاربه ويطلب يدها حينها سيخسر كل
شيء. في نفس الوقت يشعر بثقل حمل إبنته، فهي تقوم بأعمال المنزل وخارجه
تعمل عمل الولد الغائب.
في تجربة آخريات تبدو الصورة مختلفة والميل الى البقاء في الصف
الذكوري كاسح لما فيه من امتيازات، تكرسها تجربة مريم التي صارت منذ سنتها
الرابعة "باشا بوشي" ومع الوقت صار أحسن لاعب تنس في البلاد. امتياز لا
تريد التضحية به من أجل العودة الى جنس العبودية حسب وصفها، ولهذا هي شديدة
الحرص على عدم كشف حقيقة جنسها. وعلى العكس منها عادت ناهيد الى جنسها
الأصلي بعدما خسرت امتياز لعبها كرة القدم. اليوم تشعر بتناقض صارخ داخلها
فمن جهة تحب أن تكون فتاة ولكن خسارتها "الذكر" المتنكرة فيه يعني خسارة
لعبة أحبتها، وحتى تبقى قريبة منها تعمل اليوم كمحررة في جريدة خاصة بإتحاد
كرة القدم. عمل في الاتحاد علناً كأنثى وفي السر تلعب مع زميلاتها السابقات
كرة القدم بعيداً عن الانظار بوصفها ولداً. حالات عصية الفهم وتراكيب
اجتماعية وجنسية مبطنة ومتداخلة يقدمها لنا فيلم انتظر حتى نهايته ليفجر
تنقاضات موضوعه في فصل خاص بالفتى "جاك"، الذي ظل طوال الوقت، يوحي لنا
بعمق ايمانه بخياره وتشبثه بذكورية أعطته مجالاً رحباً ونجاحاً مهنياً
وأيضاً اصطفافاً ضمنياً مع بنات جنسه بإعتباره يوفر لهن فرصة، عِبْر قبوله
الذكورية الخارجية، للدفاع عن حقوقهن وذلك بالكشف عن حجم الامتيازات
المتوفرة للذكر دون الأنثى. سلوك اعتبرته بعض النساء الأفغانيات المدافعات
عن حقوقهن شكلاً من أشكال الاعتراض على واقعهن المعاش، ولهذا اقترحن
اشراكه معهن في الدورة التدريبية الخاصة التي وفرتها لهن بعض الدول
الأوربية لتعليمن مفاهيم الديمقراطية ويعرضن بدورهن حال المرأة الأفغانية
ومشاكلها. المفاجئة جاءت من "جاك" دون غيره في باريس، فقد ترك الفندق
هارباً دون اشعارهن أو إعلامهن بخطته. لماذا فعل جاك ذلك. هل اكتشف حقيقته
حين رأي حجم الحرية التي تتمتع بها المرأة الفرنسية، وأراد تذوق طعمها؟ هل
أعطت له الزيارة الأوربية فرصة مكاشفة داخلية، ومصارحة مع الذات، لم يجد
بعدها معنى لإخفاء حقيقة جنسه، وهل كان كل ما يدعيه في أفغانستان من قبوله
التحول الذكوري وبالكامل محض كذب على الذات؟ أسئلة لم تعد تخصه وحده بل
تشمل كل الصبايا المتنكرات ذكوراً دون ارادتهن، يحيلها علينا وثائقي عميق
أخذ موضوعاً غامضاً وبحثه بإسلوب شيق وبمضمون غني، أما أسئلته الكثيرة
فتركها مفتوحة، لا أحد يقدر على الإجابة عنها غير المعنيين الحقيقيين بها.
الجزيرة الوثائقية في
10/01/2013
مهرجان ترومسو السينمائي الدولي
اعداد نضال حمد
مدينة ترومسو النرويجية الشمالية التي لا تبعد عن القطب المتجمد الشمالي
سوى 350 كيلو متراً ، تشهد بعد أيام قليلة في الرابع عشر من الشهر الجاري
يناير - كانون الثاني انطلاق أعمال النسخة الثالثة والعشرون من مهرجان
ترومسو السينمائي العالمي.
هذا المهرجان عالمي يحظى بشعبية كبيرة في عاصمة الشمال النرويجي.
وتشارك فيه أفلام عالمية من جميع القارات. ويعتبر من أكبر الفعاليات
الثقافية والفنية التي تشهدها البلاد. وهو من المهرجانات الهامة للسينما
المحلية والعالمية.
يقام المهرجان في مثل هذه الأيام من السنة حيث تكون المدينة الشمالية
مظلمة بحكم طبيعتها الجغرافية ، فالشمس لا تشرق فيها لأكثر من ساعتين طوال
اليوم. ويقول المنظمون أنهم اختاروا هذا التوقيت ليتسنى للمشاهدين مشاهدة
عددا من الأفلام في العراء وليس فقط في الصالات المغلقة. وفي هذا الصدد وعن
المهرجان كتب الناقد الفلسطيني نجوان درويش الذي شارك في إحدى دورات
المهرجان :" يبدو مهرجان ترومسو مثالياً في توظيف البيئة المحلية والخصوصية
الحضرية للمكان، لإنتاج شخصية للمهرجان السينمائي، والتخلص من ظاهرة مهرجان
كان السينمائي ـ (المهرجان/ العقدة) الذي تعاني منه مهرجانات السينما، التي
صار من المألوف أن تتوقع منها الميديا والجمهور أيضاً شيئاً كانياً ، كأن
كان هو النموذج وكأن الاقتراب من ظاهرته هو اقتراب من كمال مهرجان السينما.".
بدأ مهرجان ترومسو مشواره في سنة 1991 وشهده في المرة الأولى
5200 زائر ومشاهد. وتطور خلال السنوات التالية بشكل كبير ليصل تعداد زواره
في النسخة الأخيرة من المهرجان سنة 2012 الى نحو 54 ألفا من المشاهدين.
وكما جرت العادة سوف تكون أيام المهرجان مليئة بالعروض وورشات العمل
والندوات التي يلتقي خلالها الجمهور مع المخرجين والممثلين والنقاد. ومن
الصعب على المشاركين متابعة كافة الأفلام والورش لكثرتها.
هناك خمسة جوائز في هذا المهرجان والجائزة الأولى هي جائزة " أورورا"
و تقدر قيمتها بمائة ألف كراونة نرويجية ، توزع الجوائز عند اختتام أيام
المهرجان.وهناك هيئة او لجنة مختصة تشرف على ذلك. في دورة المهرجان العام
الفائت 2012 فاز الفيلم الروسي " ألينا" للمخرج اندريه زفياغنيتسيف
بجائزتين الأولى والثانية وهما
:
Auroraprisen "Elena" av Andrej Zvjagintsev, Russland
FIPRESCI-prisen "Elena" av Andrej Zvjagintsev, Russland
وجدير بالذكر ان فيلم المخرجة النرويجية لينا هلفرسون بعنوان " أمريكا
ضد العريان" عن قصة البروفسور الفلسطيني العريان المعتقل في الولايات
المتحدة الأمريكية كان في دورة سنة 2007 فاز بجائزة الجمهور في المهرجان.
هذا العام هناك أفلاما عديدة من دول كثيرة منها : النرويج ، السويد،
الولايات المتحدة الأمريكية ، روسيا ، فلسطين ، السعودية، ألمانيا ، فرنسا
، بلجيكا ، باراغواي ، كوريا الشمالية ، كوريا الجنوبية ، " إسرائيل" ,
الهند ، الصين ، تشيكيا ،فنلندا , استونيا ، الدنمارك ،هولندا، لاتفيا
،كوبا ، كولومبيا ، روسيا البيضاء ، المكسيك ، كندا ، بريطانيا ، النمسا ،
تشيلي ، اليابان ، ايرلندا، استراليا ، بلجيكا ، لبنان ، مصر ، قطر ،
البرازيل ، البرتغال .
من الأفلام العربية هناك فيلم وجدة للمخرجة السعودية هيفاء المنصور
والذي يعتبر أول فيلم سعودي يتم تصويره بالكامل داخل الأراضي السعودية و
بطاقم سعودي كامل.وهو إنتاج سعودي ألماني مشترك ، حيث اشتركت في إنتاجه
شركة ريزر فيلم الألمانية . شاركت في الفيلم الممثلة السعودية المشهورة ريم
عبد الله، الى جانب الطفلة وعد محمد .يقدم الفيلم حكاية بسيطة عن فتاة
صغيرة اسمها وجدة تطمح بركوب دراجة هوائية فتصطدم بمحظورات المجتمع
التقليدي المعروف في السعودية. هذا الفيلم " وجدة" حاولت عبره المخرجة
هيفاء المنصور تناول موضوعة المرأة وإعطاءها بعدا إنسانيا . إذا لا بد
لمشاهدي الفيلم أن يتعاطفوا مع هذه الفتاة وأن يحسوا بأحلامها وطموحاتها .
ومعروف ان الفيلم فاز في مهرجان البندقية السينمائي بايطاليا في دورته ال69
بثلاث جوائز عالمية. هي جائزة سينما فناير
CinemAvvenire Award،
وجائزة الاتحاد الدولي لفن السينما
CICAE Art Cinema Award،
وجائزة انترفيلم Interfilm Award
هناك أيضا عدد من الأفلام العربية الأخرى المشاركة في مهرجان ترومسو،
منها بعض الأفلام الفلسطينية القصيرة والوثائقية لمخرجين شباب. مع ملاحظة
غياب للأفلام الأخرى عن هذه الدورة. إذ أن الأفلام التسجيلية والروائية
الفلسطينية كانت تشارك دائما في المهرجان.
يشارك أيضا فيلم "الصدمة" المثير للجدل ، للمخرج اللبناني زياد دويري.
الفيلم يتحدث عن التعايش الصهيوني العربي في فلسطين المحتلة.وهو قصة جراح
فلسطيني ناجح يعمل في مستشفى "إسرائيلي" كان يعتقد انه بإمكانه التعايش مع
المجتمع هناك بعكس زوجته التي لا ترى ما نفس يراه. وتقوم بعد مذبحة مخيم
جنين بتنفيذ عملية استشهادية.
يبدأ الفيلم بمشهد تكريم بطل الفيلم في عمله في احتفال يلقى فيه كلمة
عن التعايش العربي - اليهودي. وفي اليوم التالي يجد نفسه معتقلا من قبل
الأمن "الإسرائيلي" للاشتباه في أنه زوج "إرهابية". نفذت عملية انتحارية في
حفل عيد ميلاد أسفرت عن قتل عدد كبير من الأطفال اليهود.
في معرض حديثه عن الفيلم يقول المخرج دويري"أدركت حساسية
الفيلم وكنت أعرف من البداية أن الطريق أمامه مليء بالألغام، كنا نعلم أنه
سيكون هناك من يعارضونه من الجانب العربي ومن الجانب اليهودي". جدير بالذكر
أن معظم الحوار في الفيلم يتم باللغة العبرية وليس العربية.
الكيان "الإسرائيلي" يشارك بخمسة أفلام في المهرجان منها ثلاثة أفلام
تسجيلية واثنان روائيان. وقد تحدث عن ذلك سكرتير البرامج في المهرجان هيننغ
روزنلوند وقال انه في ترومسو هناك اهتمام كبير بما يحدث في الشرق الأوسط.
وأضاف "روزنلوند" اعتقد أن الناس المهتمين بما يحدث في فلسطين وغزة سيهمهم
التعرف بشكل أفضل على ديناميكية ما يحدث في الجارة " إسرائيل". الأفلام
اختيرت بعناية عن الواقع "الإسرائيلي" لكي يتعرف الجمهور على "إسرائيل" من
الداخل. والقصد هو أن يتم التعرف أكثر على كيان إسرائيل". ولهذا اختيرت هذه
الأفلام الخمسة ومنها فيلم يتحدث عن الجنود بعد انتهاء الخدمة العسكرية
,وآخر عن الزواج الأرثوذوكسي
اليهودي. وبمناسبة عرض الأفلام الخمسة" سوف يكون هناك ورشات
سياسية وندوات سيتم فيها الحديث عن الصراع في الشرق الأوسط ، فيما دعت
إدارة المهرجان جيف هلبر من منظمة "إسرائيلية" معادية لسياسة هدم البيوت في
فلسطين المحتلة وآخرين للتحدث في الورش بعد عرض تلك الأفلام. ومعروف ان
هلبر كان شارك في أساطيل سفن فك الحصار عن غزة. وجدير بالذكر أن مدينة
ترومسو التي يقام فيها المهرجان ويحمل اسمها هي مدينة توأم لمدينة غزة في
فلسطين.
الجزيرة الوثائقية في
10/01/2013
من صحافة آخر السنة:
إنجازات وانكسارات وأوهام!
فيكي حبيب تكتب في "الحياة" استطلع أو تسترجع صورة ما يسمى بالسينما
العربية والربيع العربي، ومن ضمن ما تقوله نقتبس التالي:
لم يقف السينمائي العربي متفرجاً على ما يدور حوله من أحداث سياسية
عاصفة. امتشق كاميرته. صوّر ما وقعت عليه عيناه. حلم بالتغيير... ويا حبذا
لو أمسك بيديه الثورة. لكنّ الثورة هنا... فأين السينما؟
في كل مكان. في الميادين والشوارع والساحات. في مصنع الأحداث والأزقة
والباحات. سينما وثائقية. سينما روائية... لا يهمّ. المهم أن السينما هنا
والثورة هنا. ولكن هل حقاً هذه هي السينما؟ ثم، لماذا يُقال إن الثورة
مثلما لم تستطع أن تفرز قائداً يليق بها كذلك لم تستطع أن توجد عملاً فنياً
يليق بها؟
قد يكون مثل هذا الكلام مجحفاً. وقد يكون فيه كثير من الحقيقة. وفي
الحالتين لا بد من أن يحيلنا إلى سؤال: هل خسرت السينما أمام السياسة للعام
الثاني على التوالي بعد اندلاع حركات ما سُميّ بـ "الربيع العربي"؟
للوهلة الأولى يبدو الجواب حاسماً: كمّ الأفلام التي أفرزتها الثورة
طغى على النوعية. أفلام حُكي أنها نفّذت تحت الطلب لتشارك في مهرجانات
دولية مهتمة بدول الربيع العربي. وأخرى آثر أصحابها أن يركبوا الموجة رغبة
في شهرة.
وثالثة نُفذت على عجل وإن بنيّة طيبة، انطلاقاً من قناعات أصحابها
الثورية.
وفي الأحوال كافة، خسرت السينما وربحت السياسة. ولكن هل هذا كل شيء؟
وهل ننعى السينما المحققة على أبواب التغيرات السياسية الكبيرة التي تشهدها
المنطقة؟ ربما يبدو الأمر كذلك في دول المشرق العربي حيث غلبت السياسة كل
ما عداها من عناصر فنية يُشترط أن تقترن بأي فيلم سينمائي، فجاء الخطاب
أولاً والفن أخيراً انطلاقاً من حراجة الواقع وسخونة الأحداث.
الاتجاه إلى المغرب
لكنّ الأمر قد يبدو مختلفاً في دول المغرب العربي حيث برزت شرائط
عبقت بالسياسة، ولكن من دون أن تغيب عنها السينما. وهكذا، منذ مهرجان برلين
الذي يعقد مطلع كل سنة، مروراً بمهرجان كان الذي يعقد في الربيع، ومهرجاني
كارلوفيفاري والبندقية وتورونتو في الصيف وصولاً إلى مهرجانات العرب في
الخريف (أبو ظبي والقاهرة والدوحة ومراكش ودبي) والأفلام المغربية تثير
إعجاب أهل السينما وتطرح مخاوف شعوبها من شبح الأصولية المتطرفة... من دون
أن تتلوّن بألوان الفصول التي تعرض فيها.
"موت للبيع"(للمغربي فوزي بن سعيدي)، "يا خيل الله"(للمغربي نبيل عيوش)،
"المغضوب عليهم"(للمغربي محسن لبصري)، "التائب"(للجزائري مرزاق علواش)، "مانموتش"(للتونسي
نوري بو زيد)... أفلام سينمائية آتية من المغرب العربي عكست هماً واحداً
وإن تفاوتت درجات فنيتها: الخوف من التيارات السلفية. خوف على الحريات
الفنية... ولكن أيضاً خوف على الأمل الذي نُسف ما إن أطل برأسه.
ولكن في كل حال، يمكن القول إن الحصاد السينمائي الفلسطيني في العام
2012، كان وفيراً، ليس فقط على صعيد الجوائز التي نالتها الأفلام
الفلسطينية، روائية كانت أم وثائقية، بل كذلك على مستوى الكمّ الإنتاجي،
والتنوع في المواضيع والأشكال، وأيضاً على صعيد المساهمة الفاعلة لكثير من
السينمائيين الفلسطينيين الذين حضروا في محافل سينمائية عالمية متميزة، كأن
تكون الممثلة هيام عباس عضو لجنة تحكيم في مهرجان كان السينمائي، وأن
تتولّى المخرجة مي المصري، رئاسة لجنة تحكيم مسابقة "المهر الآسيوي
الأفريقي للأفلام الوثائقية"في "مهرجان دبي السينمائي الدولي".
كل الأفلام الفلسطينية عبقرية
وعن الأفلام الفلسطينية في 2012 التي يمنحها قيمة عظمى مهما تباينت
مستوياتها الفنية يكتب بشار ابراهيم في "الحياة" أيضا:
ليس من المغالاة في شيء القول إن فيلم "عالم ليس لنا"، إخراج مهدي
فليفل، سيكون أحد أهم إنجازات السينما الفلسطينية في العام 2012، لأنه يشكل
محاولة متميزة على صعيد تقديم الموضوع الفلسطيني وثائقياً، اتكاء على
شخصيات فلسطينية من لحم ودم، لها قدرتها على التعبير عن قاع الواقع
الفلسطيني في مخيم عين الحلوة، إلى درجة نال بسببها أبو إياد محبة كل من
قُيّض له مشاهدة الفيلم. يغوص الفيلم في الحال الفلسطينية، ويمارس أنواعاً
مدهشة من الجرأة في قول كثير من المسكوت عنه، بأسلوب فني رائق، وبمحبة تليق
بهذا الفتى المخرج ابن المخيم نفسه، والذي لا يخفي محبته للمخيم وناسه.
من ناحيتها، ترصد المخرجة باري القلقيلي فيلمها "السلحفاة التي فقدت
درعها"، للتعرّف إلى والدها، هذا الفلسطيني الذي هاجر إلى ألمانيا، ولم
يكفّ على رغم زواجه من امرأة ألمانية عن العودة بين الفينة والأخرى إلى
فلسطين، مؤمناً بالكفاح والنضال، لينوس بين مكانين وزمنين، ولكن في سبيل
انتماء واحد لفلسطين لا غير. هذه الفتاة المولودة لأبيها من أمّ ألمانية
تعقد ببراعة جلسات طويلة مع والدها، متجاهلة أمها الألمانية إلى حدّ كبير،
راغبة في فض سرّ هذا الانتماء الفلسطيني الذي لا يستكين.
وفي أول إطلاله له يتمكّن المخرج خالد جرّار من تقديم وثائقيه
"المتسللون". خالد جرار القادم من عالم الفن التشكيلي، والفيديو آرت، يرصد
فيلمه لمتابعة المحاولات المستمرة التي يقوم بها الفلسطينيون للتسلل عبر
الجدار العازل، سواء من أجل العلاج أو الصلاة في الأقصى، أو من أجل شؤون
اجتماعية أو اقتصادية... متابعة عبر كاميرا حيوية، ومونتاج متدفق، ومادة
غنية التقطها المخرج عبر سنوات من التصوير، والتواجد في عين الأمكنة التي
يتسلل منها الفلسطينيون إلى وطنهم.
أفلام مهرجانات
أما طارق الشناوي فيكتب في "التحرير" عن العام السينمائي في مصر
ودلالاته:
عشنا عاما من القحط السينمائى، لم تكن الحصيلة تليق بتاريخ السينما
المصرية. البعض يقول هل هذه السينما التى ننتظرها بعد الثورة، وكأن الثورات
فى العالم تمنع الفن الردىء، والحقيقة أن الفن سواء جاء بعد هزيمة أو
انتصار لا يمكن أن يخلو من رداءة، 25 يناير لا تتحمل مسؤولية التردى الفنى.
أهم ما أنجزناه سينمائيا لم يكن فى الأفلام الـ27 التى عرضت هذا
العام، ولكن الأفلام التى شاركت فى المهرجانات السينمائية، واستطاعت أن
تحقق لمصر قيمة تليق بها. كانت هالة لطفى بفيلمها "الخروج للنهار"قد شاركت
فى مهرجان أبو ظبى أكتوبر الماضى وحصدت جائزتين الفيبرسى للنقاد كأفضل فيلم
عربى ومن لجنة التحكيم جائزة أفضل مخرجة عربية ثم برونزية قرطاج، بعد ذلك
اقتنصت قبل ثلاثة أيام جائزة الوهر الذهبى من وهران السينمائى.
نادين خان قبل عشرة أيام حصلت بكل جدارة على جائزة لجنة التحكيم من
أبو ظبى عن فيلم "هرج ومرج"، بينما شاركت ماجى مورجان بفيلم "عشم"فى مهرجان
الدوحة، ولم تحصل على أى جائزة، ورغم ذلك فإنها قدمت قيمة إبداعية على
الشريط السينمائى.
المخرج إبراهيم البطوط وعمرو واكد بطل فيلم "الشتا اللى فات"حققا
جوائز من مهرجانى القاهرة ودبى. الأفلام الأربعة تنتمى إلى ما يعرف
بالسينما المستقلة، ورغم أن التوصيف نفسه يحتاج إلى توصيف، ولكن هذه قصة
أخرى.
كانت تلك هى أفلامنا فى المهرجانات، ولكن أفلامنا فى دور العرض تجد
أفضلها "ساعة ونص"لوائل إحسان، أما على مستوى جودة الصنعة فإن الأفضل هو
«المصلحة» لساندرا نشأت الذى جمع بين أحمد السقا وأحمد عز لأول مرة. ونتوقف
أمام أحمد السقا مرة أخرى فى فيلم "بابا"لعلى إدريس، حيث رأينا الممثل
السقا وهى حالة لم نألفها للسقا الذى لعب بطولة فيلمين. أحمد عز فعلها أيضا
فى "حلم عزيز"لعمرو عرفة، فكرة مغايرة للسائد، كانت بحاجة إلى نفس أطول
للتأمل والتفكير. تامر حسنى قدم الجزء الثالث من فيلمه "عمرو سلمى"، فكان
فى أضعف حالاته، عاد محمد هنيدى فى "تيتة رهيبة"لسامح عبد العزيز بعد غياب
عامين، ولكنه فى الحقيقة لم يعد إلى مكانته الرقمية التى تعود عليها.
إلا أن حالة هنيدى أفضل بكثير من فيفى عبده التى شاهدناها مجددا بعد
عشر سنوات غياب بفيلم "مهمة فى فيلم قديم"، فكانت تبدو مثل عربة كارو شاركت
فى سباق سيارات الدفع الرباعى. ياسمين عبد العزيز خيبت التوقعات فى "الآنسة
مامى"، كانت الدراما تصطدم بجدار يحول دون تدفقها، كما أن ياسمين عندما لم
تجد شيئا يضحك قررت الافتعال. "عبده موتة"هو المفاجأة الرقمية فى هذا
العام. الفيلم صنعه أحمد السبكى على مقاس الجمهور، شخصية البلطجى أحدثت مع
المشاهدين قدرا من التماهى، فتحققت إيرادات فاقت التوقعات، صَدق الكثير من
الشباب شخصية عبده موتة، ودخلوا إلى دار العرض وهم يحملون السنج والمطاوى.
عين على السينما في
10/01/2013
الفيلم الأجنبى يتصدر المشهد فى ظل تراجع السينما المصرية
وقلة الإنتاج
كتب على الكشوطى
·
ــ عمرو سلامة: الأوضاع السياسية والاقتصادية وراء احتلال الفيلم الأجنبى
لدور العرض
·
ــ لا يوجد نص درامى أو سينمائى يضاهى دراما الأخبار التى نشاهدها ونقرأها
كل يوم
يبدو أن الفيلم الأجنبى سوف يحتل صدارة المشهد السينمائى فى الفترة
المقبلة، فحالة الركود التى تعيشها السينما المصرية حاليا وتخوف المنتجين
من الخسائر جعل الموزعين يعتمدون على إغراق السوق وملء دور العرض بالأفلام
الاجنبية مثل فيلم Life of Pi
للمخرج انج لى، وفيلم The Silver Linings Playbook
بطولة برادلى كوبر وروبرت دينيرو، وفيلم
Alex Cross
بطولة جان رينو، وفيلم
Les Miserables
بطولة أماندا سيفريد وراسل كرو وآن هاثاواى، وفيلم Jack Reacher
بطولة توم كروز وغيرها من الأفلام.
الناقدة ماجدة موريس أكدت أن الأوضاع السياسية وراء تخوف المنتجين
الكبار من إنتاج الأعمال السينمائية الكبيرة فلم ينتج فيلم بإنتاج كبير سوى
فيلم «بعد الموقعة»، وهو ما يكشف مدى هشاشة صناعة السينما فى مصر، ويجب أن
نشهد للسبكية بالجرأة لأنهم قدموا عددا كبيرا من الأفلام بعضها تجارى، لكن
الآخر جيد مثل فيلم «ساعة ونص»، ولكن فى النهاية يكشف الأمر عن مسؤولية
الدولة التى تركت الأعمال الفنية لذوق المنتجين ممن تحكمهم قواعد التجارة،
وعدم وقفوها بجانب أصحاب الأفلام المستقلة مثل فيلم «الخروج للنهار» و«هرج
ومرج» وفيلم «عشم» وفيلم «الشتا اللى فات»، مشيرة إلى أن الدولة يجب أن
تعرف أنها أمام أجيال من المبدعين وأن السينما مصدر للفخر وللعملة الصعبة،
ومخاوف المبدعين من الحكام الجدد هى التى تساعد أكثر وأكثر على احتلال
الفيلم الأجنبى لدور العرض السينمائية مرة أخرى بعد 25 عاما. الناقد الكبير
رفيق الصبان يرى أن عودة الإنتاج السينمائى المصرى مرهونة باستقرار الأوضاع
السياسية، وهو الأمر الذى فرض على أصحاب دور العرض اللجوء إلى الفيلم
الأجنبى، خاصة أن أصحاب دور العرض لديهم مسؤوليات مالية تجاه العاملين بدور
العرض وتجاه أنفسهم، ومن حقهم أن يبحثوا عن مصدر رزق فى ظل تراجع الفيلم
المصرى، مضيفا أن الدولة لم ولن تفكر فى دعم صناعة السينما حاليا، خاصة فى
ظل توتر الأوضاع السياسية والاقتصادية.
فيما تقول الناقدة ماجدة خيرالله إنه على المنتجين المصريين ألا
يخافوا فلا يوجد مبرر لذلك الخوف لأن المواطن الذى يذهب لمشاهدة المباريات
هو نفسه الذى يشاهد السينما وحياته مستمرة وغير متوقفة وكان يذهب لدور
العرض فى وقت حظر التجوال، وبالتالى لا يوجد تخوف وهذا ما يفعله أحمد حلمى
الذى قرر طرح فيلمه حاليا.
بينما يؤكد المخرج عمرو سلامة أن الأوضاع السياسية والاقتصادية وراء
احتلال الفيلم الأجنبى لدور العرض، وهو فى حد ذاته أمر جيد، وأفضل من أن
تظل دور العرض خاوية بلا أفلام، مشيرا إلى أنه لا ينتظر من الدولة أن تحل
أزمة السينما فى مصر، مطالبا أجهزة الدولة بترك السينما فى حالها وعدم
التضييق عليها مع تقليل القيود الرقابية على الأعمال الفنية.
أما المخرج سعد هنداوى فيقول إن الوضع الحالى غير مستقر لتقديم أى
أعمال فنية، خاصة فى ظل اقتراب ذكرى ثورة 25 يناير، وما قد يصاحبها من
أحداث، ويضيف لا يوجد نص درامى أو سينمائى يضاهى دراما الأخبار التى
نشاهدها ونقرؤها كل يوم.
آل باتشينو ونجوم الأوسكار فى
Stand Up Guys
بدور العرض المصرية
كتب - محمود التركى
يعرض حاليا فى دور العرض المصرية الفيلم الأجنبى الجديد Stand Up Guys «انهضوا
يا رجال»، وهو من نوعية الأكشن والكوميدى، ويضم مجموعة من أبرز نجوم
هوليوود الحاصلين على جوائز الأوسكار، وهم آل باتشينو الفائز بأوسكار أفضل
ممثل عام 1993 عن فيلمه Scent of a Woman،
وكريستوفر والكين الذى سبق أن فاز بجائزة أفضل ممثل مساعد عام 1978 عن
فيلمه «The Deer Hunter»، ويشارك فى الفيلم أيضا آلان أركين الفائز بأوسكار أفضل ممثل مساعد
عام 2006 عن فيلمه
Little Miss Sunshine،
كما أن الفيلم من إخراج فيشر ستيفن الحاصل على الأوسكار عن الفيلم الوثائقى The Cove
فى عام 2009. تدور الأحداث حول فال أو «آل باتشينو»، الذى يتم إطلاق سراحه
من السجن بعد 28 عاماً رفض خلالها أن يشى بواحد من أقرب أصدقائه فى عالم
الجريمة، ويأتى صديقه دوك أو «كريستوفر والكين» لتوصيله ثم يلتقيان
بصديقهما القديم هيرش، وعلاقتهم مازالت بنفس القوة، والثلاثة يعكسون حالة
الحرية التى فُقدت واكتسبوها مرة أخرى.
ورغم تقدمهم فى العمر فإن قدرتهم على إثارة الفوضى لا تزال مستمرة،
وبعد تعويض أنفسهم عن الجريمة والمخدرات والجنس الذى يفتقدونه منذ زمن،
يتورطون فى مأزق خطير ضد زعيم عصابة شوارع، والوقت يجرى لإيجاد حل بديل
للخروج من هذا المأزق، لتشرق الشمس على الأصدقاء الأسطوريين، ويصبح موقفهم
أكثر يأساً ويضطرون لمواجهة ماضيهم مرة أخرى فى نهاية المطاف.
بينما تجسد جوليانا مارجوليس دور ممرضة تساعد أعز أصدقاء والدها
النصاب المتقاعد، وتوليه عناية خاصة حتى يسترد صحته بسرعة، وذلك دون أن
تدرى بأنها تساعد الرجل الذى تعاقد مع عصابة على قتل والدها.
فيلم Stand Up Guys
حصل على ترشيح لجائزة الجولدن جلوب هذا العام لأفضل أغنية
Not Running Anymore
للمطرب جون بون جوفى، الذى رشح لجائزة الأوسكار من قبل وحصل
على جائزة الجولدن جلوب عن أغنية
Blazy of Glory
فى فيلم
Young Guns II.
وسبق للفيلم أن عرض فى افتتاح الدورة الـ48 لمهرجان شيكاغو
السينمائى الدولى، وتم تصوير مشاهد العمل فى لوس أنجلوس، وكاليفورنيا.
ويقوم بتوزيع الفيلم فى مصر شركة يونايتد موشن بيكتشرز كبرى شركات
التوزيع السينمائى فى العالم العربى، والوكيل الرسمى لأفلام شركتى وارنر
بروس وفوكس للقرن العشرين الأمريكيتين فى مصر.
اليوم السابع المصرية في
11/01/2013 |