ماكولاى كالكين هذا الطفل الجميل الذى شاهدناه قبل نحو ربع قرن فى
مجموعة أفلام «وحدى فى المنزل» فوجئت به بعد أن تخطى الثلاثين وقد أصبح
يحمل وجه رجل متهالك عجوز قضت عليه السنين!
ماكولاى هو نموذج لنجاح الطفل الذى يمتلك فى لحظة كل شىء، شهرة وفلوسا
وحضورا وتألقا ثم خفوتا تاما، وكأن الله منحه فى سنوات قليلة كل شىء ثم
حرمه بعد ذلك من كل شىء!!
المأزق هو، كيف تتعامل مع الواقع؟ كانت لكالكين محاولات سينمائية بعد
تخطيه مرحلة المراهقة، لكنها لم تسفر عن أى نجاح، وربما لهذا السبب كان
عرضة أكثر لكى يقع فريسة المخدرات.
نتذكر نجما كان واعدا وهو حاتم ذو الفقار انتهت حياته قبل نحو عامين
فى الظل دخل السجن أكثر من مرة وكانت فضائحه دائما تسبقه، كان حاتم واحدا
من أربعة أو خمسة فنانين تجمعهم دائرة الإدمان التى وحدتهم، كان هو صاحب
الحظ الأسوأ. كل مشكلة حاتم بعد أن يلقى القبض عليه متلبسا بحيازة الهيروين
اشمعنى فلان الفلانى حرا طليقا، لم تكن العدالة مطلبه فقط، كان يريد أن
يلحقه نجم آخر مدمن إلا أن هذا النجم كان وأظنه لا يزال على صلة وثيقة
بأجهزة الأمن تضمن له أن يظل بعيدا عن الملاحقة الأمنية!!
الإدمان لعنة معرَّض لها البشر جميعا، ولكن الفنان تزداد أكثر
احتمالات وقوعه فى براثنه. هل تتذكرون عماد عبد الحليم؟ عرف مبكرا النجاح
فى الغناء بعد أن دفع به عبد الحليم ومنحه اسمه. من عاصروا تلك السنوات
يدركون أن عبد الحليم لم يكن شغوفا بأن يقدم للساحة مطربا، ولكن ما حدث أنه
فى مطلع السبعينيات ظهر هانى شاكر وفوجئ عبد الحليم بأن الشارع يردد له
عددا من أغانيه وأشهرها «كده برضه يا قمر» التى كتبها صلاح فايز ولحنها
خالد الأمير.
عبد الحليم كانت دائما لديه تلك المخاوف. نعم نجاح عبد الحليم لا
يضاهيه مطرب آخر وربما أيضا لن، لأن الزمن تغير لم يعد من الممكن أن نكرر
ظاهرة النجم الأوحد، ولكن عبد الحليم كانت لديه هذه الهواجس أن يأتى مطرب
آخر ينازعه القمة ونصحه الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس قائلا «العيل ينافس
العيل» ولهذا تبنى عماد لتصبح المعركة بين عماد وهانى وليست بين هانى وعبد
الحليم.
ورحل عبد الحليم وظل عماد متقدما الصفوف، لأنه صاحب موهبة حقيقية إلا
أنه دخل سريعا بؤرة الإدمان ولم يُحِط هذه الموهبة بسياج يحميها وبدأت
الأضواء تنسحب عنه وامتزج الإدمان بعلاقة نسائية براقصة كادت تودى به إلى
السجن عندما أرادت الانتقام منه بإلقاء القبض عليه فى أثناء التعاطى متلبسا
فى شقة مطرب اشتهر بالغناء الدينى، ولكن الذى قبض عليه كان المطرب الدينى
وخرج من السجن، أقصد المطرب الدينى بعد قضاء مدة العقوبة، وقد تخلص تماما
من الإدمان، بينما عماد خارج جدران السجن كان قد اقترب أكثر من منطقة الخطر
لينتهى الأمر كعادة المدمنين بالعثور على جسده ملقى فى عرض الطريق ومعه
سرنجة وليمونة.
فى مسلسل «أهل الهوى» الذى من المنتظر عرضه فى رمضان يتعرض الكاتب
محفوظ عبد الرحمن لإدمان سيد درويش، وهل قتل بسبب جرعة زائدة كما تردد، أم
أنها مؤامرة ويرجح محفوظ احتمال أنها مكيدة نظرا لمواقفه الوطنية ضد
الاستعمار البريطانى، وإن كان لم ينكر أنه فى مرحلة ما من عمره وقع فريسة
الإدمان.
كيف تعرف الفنان المدمن؟ فى العادة أنت لن تشاهده فى أثناء التعاطى،
ولكن على الشاشة تراه وقد ماتت نظرة عينيه، أعرف نجما صار يقبل أى دور يعرض
عليه، لأنه يحتاج إلى سيولة مادية تتيح له شراء الجرعة بانتظام، لو دققت
النظر فى عينيه لوجدتها فقدت الحياة. عيناه ترى نعم، ولكنه يبدو على الشاشة
وكأنه يطل علينا من عالم آخر.
بطارية الإبداع تفقد رصيدها وتشعر أن النجم قد أفرغ الشحنة تماما ولم
يتبق شىء سوى تلك النظرات الفارغة.
نعم يحاول البعض أن يتخلص بين الحين والآخر من شبح الإدمان، ولكن ومع
الأسف حتى لو امتثل للعلاج إلا أنه وبعد أى هزة نفسية يجد نفسه يبحث مجددا
عن الجرعة!!
اختراع يا كوتش
طارق الشناوي
26/6/2013 2:20 ص
عندما سجل الموسيقار محمد عبد الوهاب مذكراته مع الكاتب الكبير سعد
الدين وهبة، والتى حملت عنوان «النهر الخالد» لم يتجاوز أجره نصف مليون
جنيه وكان يعد، بمقياس ذلك الزمن، رقما خرافيا يستحق أن يدخل به موسوعة «جينيس»
للأرقام القياسية.
لم نكن وقتها نهاية الثمانينيات قد بدأنا عصر الفضائيات التى تتهافت
على التسجيل مع الفنانين، بل فقط هناك عدد محدود من القنوات الأرضية،
وأتذكر أننى سألت الراحل سعد وهبة عن السؤال الذى حذفه عبد الوهاب من
«الإسكريبت» فقال لى الجانب الشخصى ما يتعلق بحياته الخاصة، وذلك حتى لا
يغضب زوجته السيدة نهلة القدسى، بالتأكيد كان عبد الوهاب حريصا على أن تظل
مشاعره العاطفية محاطة بسرية، وهو ما تكرر أيضا وبالصدفة مع سعد الدين وهبة
أيضا عندما شرع فى تسجيل قصة حياة أم كلثوم فى نهاية الستينيات لتقديم فيلم
«ثومة» الذى كان من المفترض أن يخرجه يوسف شاهين، وعندما وصل إلى شاطئ
الحياة الشخصية وجدها لا تسمح له بأن يطرق الباب، لجأ إلى وزير الثقافة
ثروت عكاشة باعتبار الوزارة هى الجهة التى سوف تنتج الفيلم لكى يساعده على
إقناعها، ولكنها قالت له «بعدما أموت افعلوا ما تريدونه» ورفضت أن تحكى
شيئا، والغريب أن المسلسل والفيلم اللذين تناولا قصة حياتها بعد رحيلها
حرصا على أن تظل أم كلثوم الملاك والقديسة.
الآن استطاعت الفضائيات تحطيم الكثير من تلك «التابوهات» كما أن
المشاهد بات يُقبِل بنهم على هذه النوعيات التى صارت تشكل مورد رزق
للفنانين، الأرقام التى يحصل عليها النجوم عندما يبيعون أسرارهم للفضائيات
هى الطعم لإقناعهم بالتسجيل، الكل الآن عرف سر هذه البرامج وهو إذاعة السر،
وإذا لم تجد فى حياتك سرا غامضا عليك أن تخترع سرًّا، فلم تعد الدنيا كما
قال يوسف بك وهبى مسرحا كبيرا ولكنها سر كبير!!
النجم الذى يقدم حلقة متحفظة أو منزوعة الأسرار يفقد مع الزمن جاذبيته
ولا يفكر أحد فى استضافته مجددا، لا يكفى أن تكون نجما كبيرا المهم أن تعلن
للمشاهدين سرا كبيرا.
وهكذا مثلا فى رمضان الماضى كان المذيع اللبنانى نيشان فى برنامجه
«أنا العسل» هو الذى استحوذ على القسط الوافر من هذه الأسرار.
النجم سواء أكان رجل سياسة أو فنانا يعتبر أن وقته يساوى الكثير، وفى
العالم نكتشف أن الشخصية العامة لا تحصل فقط على الأجر من خلال تلك
البرامج، ولكن عندما يحضر حفلا أو يشارك فى تظاهرة عامة، ويتفوق رجال الفن
على السياسيين فى هذا المجال، أشارت إحدى المواقع الإخبارية إلى أن عارضة
الأزياء البريطانية كيت موس تحصل فى الساعة على قرابة 4 آلاف إسترلينى
وجونى ديب على 11 ألفا بينما رئيس الوزراء البريطانى السابق تونى بلير لا
يتجاوز أجره 800 جنيه فقط. كلينتون الرئيس الأمريكى الأسبق يعزف على «الساكسفون»
ويشارك فى حفلات ويتقاضى أجرا ليس لأنه عازف ماهر، ولكن لأنه كان رئيسا
لأمريكا لم يشر الموقع إلى حقيقة أجره، ولكن المؤكد أن جونى ديب يتفوق عليه
فى هذا الشأن!
نجومنا لا يشاركون فى الحفلات مقابل أجر، ولكنهم وجدوا فى تلك البرامج
مساحة للظهور ولتحقيق أموال وأيضا أصحاب تلك البرامج يلعبون أحيانا ببعض
الأوراق بعض الوقت، هل تتذكرون مثلا شعبان عبد الرحيم الذى كان ورقة رابحة
فى مثل هذه البرامج، ثم بعد أن استنفدوه وعصروه حتى آخر قطرة وآخر، إيفيه،
بحثوا عن غيره، وهو ما تكرر أيضا مع مريم فخر الدين التى أذاعت الكثير من
الأسرار ووجهت الاتهامات والفضائح للجميع ولم يعد لديها متسع منها فأصبحت
فى السنوات الأخيرة خارج الأجندة البرامجية.
هناك نجوم بطبعهم لا يمكن أن تجدهم فى مثل هذه النوعيات مثل محمود عبد
العزيز ويحيى الفخرانى وفاتن حمامة لا يرحبون بأن يقفوا أمام مذيع ينتزع
اعترافاتهم أو خياناتهم أو حتى آراءهم، قال طونى خليفة إن عادل إمام رفض أن
يشارك رمضان الماضى فى حلقة من برنامجه «زمن الإخوان» والخلاف كان ماديا لم
يشر إلى الرقم ولكن أتصوره بمقياس قانون العرض والطلب يصل إلى المليون.
إنها صفقات تجارية وأغلب نجومنا وجدوها «سبوبة» إضافية اختراع يا
«كوتش»!!
أبو مازن وأبو صُباع!
طارق الشناوي
24/6/2013 3:54 ص
كان العالم العربى يتابع مساء أول من أمس فوز الفلسطينى محمد عساف
بجائزة «أراب آيدول» بينما الرئيس الفلسطينى أبو مازن يرسل إليه فى نفس
اللحظة تهنئة حارة معلنًا تعيينه سفيرا للنوايا الحسنة مصحوبًا بجواز سفر
دبلوماسى لا يُمنح إلا لصفوة رجال السياسة. خسر المصرى أحمد جمال فهل كان
سيفعلها مرسى ويهنئ جمال لو اقتنص الجائزة؟ بل هل كان على دراية أصلًا بأن
هناك ملايين من المصريين يتابعون «أراب آيدول»؟ لا تقل لى إن رئيسنا مهموم
بقضايا أكبر، وهو يرصد حاليًّا الأصابع المنتشرة هنا وهناك والتى يعتبرها
هى المسؤولة عن اليوم الموعود 30 يونيو، ولكن قبل أن نسترسل فى الأصابع
نعود مجددًا إلى «أراب آيدول» فلقد اعتبر البعض أن إعلان شيرين انحيازها فى
الحلقة قبل الأخيرة إلى صوت عساف على حساب ابن بلدها أحمد جمال هو الذى
مهَّد لحصوله على الجائزة، بل إنها داعبته على الهواء وطلبت يده، مثل تلك
البرامج تصدِّر للجمهور التلقائية إلا أن كل التفاصيل معدَّة سلفًا، فلم
يكن من الجائز طبقًا لطبيعة البرنامج أن يفوز فى عامين متتالين مطرب مصرى
حيث إن الجائزة كانت من نصيب كارمن سليمان العام الماضى، وربما جاء ثناء
شيرين على عساف نوعا من التمهيد المتفق عليه لكى يستشعر الجمهور الذى يشكّل
المصريون على الأقل 25% من قوامه بحكم الكثافة السكانية أن الأمر ينبغى أن
يتقبلوه ببساطة ولا بأس هذه المرة أن يفوز فلسطينى، على المقابل فإن طبيعة
البرنامج التجارية تقتضى أيضًا أن يستمر المتسابق المصرى حتى الحلقة
الأخيرة وإلا تأثرت سلبًا كثافة المشاهدة وبالتالى تورتة الإعلانات التى
كان نصيب البرنامج منها هو الأضخم.
الوجه السلبى لهذا البرنامج وغيره أنه يلعب دورًا فى تعميق حالة «الشيفونية»،
حيث الانحياز المطلق إلى البلد الذى ينتمى إليه المطرب، ولوحظ أن أغلب
الرؤساء العرب كانوا يتابعون وأبو مازن كثيرًا ما بعث برسائل إلى عساف قبل
إعلان النتيجة لتعضيد موقفه، ولم يمنع ما تعيشه فلسطين من أزمات أن يشغل
عساف المساحة الأكبر من مشاعر الفلسطينيين، لقد توحَّد الفرقاء على حبه فهو
ابن قطاع غزة ولكن كل الفلسطينيين الذين تناحروا بين فتح وحماس وفى الشتات
ضبطوا الموجة على البرنامج ورفعوا العلم الفلسطينى فى غزة والناصرة ورام
الله وفى تل أبيب حيث يعيش نحو 2 مليون فلسطينى لا تزال تسكنهم فلسطين.
ما الذى كان من الممكن أن يحدث لو فاز أحمد جمال؟ هل كان سيخرج مرسى
عن أهله وعشيرته الذين يحرّمون الفن ويعتبرون الموسيقى رجسا من عمل
الشيطان، ويبعث برسالة إلى جمال، عملًا بالقاعدة الشرعية «الضرورات تبيح
المحظورات»؟ هل كان مرسى سيتحمل غضب المرشد؟ إنها بالتأكيد خطوة لكى يداعب
الرأى العام خصوصا الشباب الذين سينزل أغلبهم للمطالبة برحيله يوم 30
يونيو، فلا بأس من أن يقول لهم إنه على الخط معهم ورغم ذلك فلم يمنحه
القَدَر تلك الفرصة.
لماذا يأخذنا دائمًا شاطئ السياسة بعيدًا عن «أراب آيدول»؟ هل صحيح أن
الغرض هو تقديم أصوات وإنعاش الحركة الغنائية، بالتأكيد إنه الهدف الأخير،
ولكن تحقيق كثافة إعلانية من خلال أرقام المشاهدات التى تشهد صعودًا من
حلقة إلى أخرى هو الهدف، الناس تعيش الحياة وتعيش ثورات الربيع بآمالها
المجهضة وخيبات أملها التى سيطرت على المشهد العام، تتبعهم لهذا البرنامج
أو غيره لا يعنى أنهم يفرغون طاقة غضب بعيدًا عن مسارها الطبيعى وأنهم
يستبدلون انتصار مطرب بهزائمهم فى الثورات، ولكنهم يعيشون الحياة ولا يغيب
عنهم الوطن.
ويبقى السؤال: هل البرنامج يضيف شيئًا إلى الحياة الغنائية؟ أقول لكم
إن الموسيقار محمد الموجى فى الستينيات أنشأ مدرسة غنائية فى مكتبه بوسط
المدينة وعلى مساحة لا تزيد على 100 متر ودفعت هذه المدرسة بعدد من
الموهوبين مثل محرم فؤاد وعبد اللطيف التلبانى وماهر العطار وأحمد سامى
وشريفة فاضل ومها صبرى وصولًا إلى هانى شاكر، فما الذى قدمته هذه البرامج
للشعوب العربية سوى الفُرقة والتناحر بين الشعوب؟! نعم كل شىء تراه الآن
مغموسًا فى السياسة، أبو مازن يرسل جواز سفر دبلوماسيا إلى عساف واقتنصها
كفرصة للمصالحة الوطنية، بينما رئيسنا ربما يعتبر عدم حصول أحمد جمال على
الجائزة بمثابة صباع يعبث بالأمن القومى ومؤامرة شاركت فيها نانسى وراغب
وأحلام وشيرين للإطاحة به فى 30 يونيو!!
عبد الحليم.. 84 عامًا!!
طارق الشناوي
23/6/2013 3:54 ص
لو عاش عبد الحليم بيننا لأطفأنا له قبل يومين 84 شمعة. فى العادة لم
يكن الإعلام يترك هذه المناسبة دون ترديد العديد من الحكايات حول عبد
الحليم وأغلبها بالمناسبة من تأليف وتلحين ما يُطلِق عليهم الإعلام أصدقاء
أو هكذا قرروا أن يصدروا لنا هذه الصفة بينما الحقيقة هى أنهم كانوا
أُجَرَاء أى أنهم كانوا يعملون عند عبد الحليم مقابل أجر.
هذه هى الحقيقة المسكوت عنها والتى تم الاتفاق بين الجميع على تجاهلها
لأنها تحمل طعنًا فى ذمتهم المهنية كما أن الوجه الآخر لها اتهام لعبد
الحليم بأنه صنع مجدًا زائفا من خلال السيطرة على الإعلام، ومنعًا لأى
مزايدة فى هذا الملف فإن عبد الحليم لم يبنِ نجاحه الأسطورى على نفوذه
الإعلامى ولكن لأن الناس أرادته واختارته، الدائرة القريبة منه كانت تتحرك
وفقًا لما يحقق له حماية قد يريدها أو ربما تستشعرها هى قبل أن يطلبها، من
الممكن أن تفتح النيران على مطرب أو تتجاهله طبقًا لمؤشر حماية عبد الحليم،
ويجب ملاحظة أن ندرة المنافذ الإعلامية قبل أكثر من 60 عامًا كانت الجرائد
اليومية لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة وقنوات الإذاعة والتليفزيون التى
كانت أرضية فقط محدودة الانتشار والعدد، أى فى لحظة واحدة كان من الممكن أن
تغلق أو تفتح كل الأبواب أمام هذا الصوت أو تمنع عنه الماء والهواء.
حليم أدرك مبكرًا أنه من الممكن أن يُمسك الشمس بيديه، وهكذا مثلًا
كان حزب عبد الحليم يفتح النيران ضد حزب فريد أو العكس، كما أن أم كلثوم
استشعرت فى لحظات أن الإعلام يلعب فى بعض القنوات لصالحه فكانت عنيفة فى
مواجهته.
ما أرويه لكم يعرفه تمامًا كل من عاش تلك السنوات، وأتذكر مثلًا حكاية
رواها لى الراحل كمال الشناوى عما فعله به أحد مذيعى الإذاعة قبل نصف قرن،
طلب كمال أن لا نذكر اسم المذيع فهو كان واحدًا ممن نراهم الآن فى
الفضائيات باعتباره من أصدقائه، استضافه هذا المذيع للحديث عن الأغانى التى
يحبها فقرر أن يختار أغنيات للمطربين والمطربات الذين ابتعدوا عن الإذاعة
ولم تعد أغانيهم تُوضع على الخريطة مثل عبده السروجى، عباس البليدى، رجاء
عبده وسأله المذيع: هل لا تحب أحدًا من المشاهير؟ أجابه أحب عبد الوهاب وأم
كلثوم وفريد وعبد الحليم إلا أن المذيع عندما أجرى مونتاجا وضع أمامه هدفًا
واحدًا وهو مجاملة عبد الحليم وحذف كل الأسماء وأبقى على عبد الحليم، ولم
يستمع كمال الشناوى إلى البرنامج ولكن همس له أحد الأصدقاء قائلًا إنه قد
أغضب فريد الأطرش، تعجب كمال لأنه كان يعتز بفريد الأطرش فنانًا وصديقًا،
ولم يكن بالطبع المونتاج الذى قام به المذيع بريئًا، المؤكد أنه تعمد
مجاملة عبد الحليم حافظ على حساب كمال الشناوى، والمعروف أن عبد الحليم
وفريد عاشا سنوات عديدة من التنافس، بل إن جمال عبد الناصر تدخل فى نهاية
الستينيات عندما احتدم الصراع بين فريد وعبد الحليم حول من يقدم له
التليفزيون حفل الربيع على الهواء فانحاز الرئيس إلى فريد.. لقد دخل
الإعلام طرفًا فى الصراع بين القوتين وكان عبد الحليم أكثر دهاء لما له من
قدرة على استقطاب مذيعين ومذيعات وصحفيين إلى جانبه، رغم أن كمال الشناوى
ارتبط بصلة نسب بعبد الحليم، شقيقه عبد القادر الشناوى تزوج عليَّة أخت عبد
الحليم كما أن الصلة لا تزال ممتدة حتى الآن، ابن كمال الشناوى المخرج محمد
الشناوى تزوج ابنة السيدة عليَّة إلا أن هذا لم يمنعه من حب فريد!
الإعلام لعب دورًا فى الحياة الفنية ولا تزال هناك صفقات ومجاملات من
الممكن أن تلاحظها فى العديد من المجالات ولكن اختلفت بالطبع الوسائل، سوف
تكتشف ونحن نقترب من رمضان أن القنوات الفضائية بدأت فى تجييش بعض الصحف
لتلعب لصالحها وتغذيها بعدد من الأرقام والإحصائيات لتوجيه بوصلة الاهتمام،
ولكن الإعلام مهما لعب دورًا فى هذا الاتجاه لا يمكن أن يحيل الحقيقة إلى
وهم ولا الهزيمة إلى انتصار ولا الفاشل إلى أسطورة، إنها مجرد خواطر قررت
أن أسجلها على الورق فى عيد ميلاد حليم الذى مر فى هدوء لأن مصر مشغولة
بالبحث عن ميلادها الثانى فى 30 يونيو!
وجوه على سنجة عشرة!
طارق الشناوي
22/6/2013 2:25 ص
هل تابعت «بروموهات» العديد من المسلسلات التى ستُعرَض على الشاشة
الصغيرة بعد أسبوعين، ألم تلاحظ أن هناك شيئًا مشتركًا فى وجوه أغلب
النجمات، وهو أنها مشدودة على سنجة عشرة، لا تجاعيد فى الجبهة ولا كرمشة
تحت العيون، كما أن الوجنات الله ينور، ولا وجه للمقارنة مع نفس تلك الوجوه
التى رأيناهم عليها فى مسلسلات رمضان الماضى.
هل تستطيع أن تجد فارقًا بين ملامح أغلب النجمات أم أن حُقَن «البوتكس»
أحالتهن جميعًا إلى وجوه جامدة مشدودة كأنهن أسماك ملونة فى حوض للفرجة
فقط.. صرن مثل ورود وأزهار الزينة بلا طعم ولا لون ولا إحساس.
لماذا حالة العداء السافر مع الزمن؟ هل من الممكن أن يعقدن صلحًا مع
بصماته؟ دعنا نستعِد هذا الرأى الذى قاله النجم جورج كلونى فى حديثه عندما
سألوه عن عمليات التجميل ومتى يلجأ إليها فقال «أحب شعرى الرمادى.. أحب
تجاعيدى من خلالها أصبح وجهى أكثر قدرة على التعبير.. إن التقدم فى السن
أمر لا يمكن إلا أن نعترف به».
كلونى هو أكثر رجال العالم جاذبية طبقًا لأغلب الاستفتاءات العالمية،
قالها رجل يعتقد الكثيرون أن جزءًا كبيرًا من رأسماله الفنى والشخصى يكمن
فى وسامته، ورغم ذلك فإن هذه النصيحة تصلح أكثر للنساء، نعم الرجال مثل
النساء فى التعامل مع الزمن، الكل يخشى من قسوته، إلا أن الأمر فى النهاية
ينبغى أن نتعايش معه ونرى الزمن فى أبعاده الثلاثية، كل منا يعيش ثلاثة
أزمنة أو ثلاثة وجوه فى نفس اللحظة.. زمنك فى الواقع، عمرك كما هو مدوَّن
فى الرقم القومى وجواز السفر، إنه وجهك الذى تراه فى المرآة، هذا هو الوجه
الأول الذى نراه نحن عندما نطالع وجوهنا. أما الثانى فهو الزمن البيولوجى
والسيكولوجى الذى نعيشه فى داخلنا، إنه عمر كفاءة الأجهزة العضوية والنفسية
التى وهبها الله لنا، والزمن بالتأكيد يؤثر سلبًا عليها، ولكن هناك من
يتمكن من تقليل معدلات التراجع، لكل منا زمنه الداخلى، وفى العالم يستطيعون
تحديده بدقة، فقد يكون رجل فى الخمسين من عمره ولكنه بيولوجيًّا
وسيكولوجيًّا فى الثلاثين مثلًا، أو ربما تجده وقد أضيفت إلى عمره سنوات
فأصبح فى الستين، من يحتفظون بعمر داخلى يقاوم الزمن تستطيع أن تعرفهم
ببساطة لإن وجوههم تبدو أمام الناس فى حالة إشراق يتحدى الزمن بتصالُحه مع
الزمن لا بمشرط الجرَّاح ولا بالكولاجين أو «البوتكس».. أما الوجه الثالث
أو الزمن الثالث، وهو كيف يراك الناس، الحالة التى أنت عليها فى عيون الناس.
أرى وجوه بعض النجمات المصريات وقد صارت غير قادرة على التعبير، فلا
هذه ابتسامة ولا تلك تكشيرة لأن الصورة واحدة فى الحالتين، بعض الفنانات
يحدِّد اسم مدير تصوير يتعاملن معه لأنه يجمِّل وجوههن، وأحيانًا يشترط
الرجال إضافة خطوط درامية فى العمل الفنى تتضمن مشاهد عاطفية لتخصم من
عمرهم الحقيقى سنوات، أكثر من كاتب سيناريو حكى لى أن النجوم الرجال الكبار
فى مرحلة عمرية متقدمة من أمثال فريد شوقى، وكمال الشناوى، وأحمد مظهر
وحاليًّا عادل إمام يشترطون للموافقة على بطولة الفيلم أن يقدموا لقاءات
متعددة تؤكد تمتُّعهم بالفحولة الجنسية، وهكذا قد يتم زرع شخصيات نسائية
فقط ليعلم القاصى والدانى أنهم لا يزالون يحققون أرقامًا قياسية فى هذا
الشأن!
الممثل رأسماله التعبير بالوجه وتحديدًا العينين، لا جمال الوجه..
الفنان يظل قادرًا على العطاء ما دام يتمتع بتلك المرونة التى تجعله يتواءم
مع الزمن، فهو يؤدى فى الحياة الفنية دور شاب وبعد ذلك دور رجل ثم أب ثم جد
وهكذا، الزمن يمضى والأدوار تتجدد أيضًا.. كما أن الزمن يمنح المبدع مساحات
أخرى فى التعبير، هذا هو عطاء السنين، إنها خبرة وتراكم الأيام.
النجمات العالميات مثل شارون ستون وميريل ستيريب ونيكول كيدمان يعترفن
بلجوئهن فى مرحلة من عمرهن إلى «البوتوكس»، إلا أنهن فى نفس الوقت يؤكدن:
«مرة واحدة تكفى».
الآن حاول أن تدقق مرة أخرى فى وجوه نجمات رمضان، ولو عرفت أسماءهن
اتصل بـ0900!
رغيف ماجي و «جاتوه» هيتشكوك!!
طارق الشناوي
21/6/2013 4:11 ص
سألوا المخرج ألفريد هيتشكوك عن الفارق بين الحياة والسينما أجابهم
الحياة رغيف خبز بينما الفيلم قطعة "جاتوه".
بكلمات بسيطة بقدر ما هى عميقة أمسك هيتشكوك بالاطار
الخارجي للفن وهو أن المذاق ينبغي أن يصبح شهياً. للفن قواعد وكادر
وزاوية رؤية، لا أتحدث عن الفيلم السينمائي فقط ولكن اللوحة والشعر
والموسيقي تظل في النهاية خاضعة لكل ذلك ، الحياة مادة خام والمبدع يستخرج
منها ما يتوافق مع إيقاعه ونبضه.
يبدو تعبير مثل التلقائية والعفوية في علاقته بالفن يحتاج إلى شيء من
التدقيق ، احتفاظك بعفويتك لا يعني أنك لا تدرك أن هناك قواعد تحكمك ،مثل
الممثل عندما يندمج في الدور فهو يعلم بالضرورة حجم اللقطة وزاوية الرؤية
ومصدر الاضاءة وحركة الكاميرا وإلا وجدناه عندما يؤدى دور سفاح وهو يقتل
بالفعل ضابط الشرطة الذي يطارده لأنه مندمج.
في السنوات الأخيرة بدأنا نشاهد سينما مختلفة في الكثير من
ملامحها و يشكل الحوار أحد تلك المحددات ، حيث يعتمد وبنسبة كبيرة على
استيعابهم للشخصيات التي يؤدونها وبالتالى ينحتون وسيلة التعبير سواء في
الكلمة أو طبيعة الأداء
.
"عشم" هو أخر تلك الافلام ، الكلمة مصرية صميمة.
العشم في معناه الإيجابي طاقة أمل وأمنية تبدو بعيدة المنال لكنها ممكنة
التحقق، وقد يصبح العشم الوجه الأخر لإحساس ممزوج بالمرارة للتعبير عن
خيبة الأمل.
الفيلم يقدم حياة ستة أزواج - بعضهم في طريقهم للزواج - و ينتقل من
حكاية إلى أخرى وننتقل أيضاً معه من حالة إلى أخرى. في اللقطات الأولى لا
تستطيع أن تدرك قانون الفيلم فلا توجد خطوط تواصل بين الأبطال مثل فيلم
"سهر الليالي" لهاني خليفة الذي كان يجمع أبطاله بخيط واحد وهو الصداقة ،
هذه المرة نحن أمام تنويعات وحالات مختلفة تكشف طبيعة المجتمع، وفي رؤية
بانورامية تُطل على مصر بالعديد من طوائفها لا عمق فيها ، فهى أقرب للوحة
جدارية.
محمد خان في اللقطة الأولى يؤدي دور رجل يحب الورود والسفر وتأتي
وصيته لجارته أن تهتم في غيابه بحياة الزهور أما عشقه للسفر فهو وسيلته
"للتهتهه" طالما لا يعرف اللغة ،إنها الأمنية المستحيلة التي من الممكن أن
يعيشها رجل أكمل العقد السابع من عمره ويجدد تعاقده مع الحياة بالعودة
للطفولة و يبدأ بالتهتهة. اللقطة الأخيرة صوت نجيب الريحاني وليلى مراد في
الدويتو الشهير "عيني بترف" وهو يردد "حاسس بمصيبة جيالي يا لطيف يا لطيف"
وبالطبع التحذير في الأغنية لا يعني الخوف من القادم ولكنه الحب الذي كان
يخشاه وفي نفس الوقت يتمناه.
تتعدد الأنماط التي يقدمها السيناريو من يريد أن يهاجر إلى أمريكا
ومن يرى أن ماليزيا هي الهدف ،هؤلاء هم المهزومون لأنهم ابتعدوا عن الوطن
ولكن الآخرين الذين قاوموا هم من يتبقى في الذاكرة.
أتوقف أمام شخصيتين الممرضة منى الشيمي تحب من طرف واحد الطبيب في
المستشفى وأيضاً الفتاة نجلاء يونس التي تأتي من القرية لتعمل في دورة
المياة في مول ضخم وتصطدم للوهلة الأولى مع العاملة الأقدم التي تؤدي دورها
سهام عبد السلام وتطلب منها وهي تخاطبها أن تطلق عليها "الريسة".
وتأتي النهاية بهذه اللمحة السريعة التي تجمع بين عشم والممرضة
ويسألها عن اسمها فترسم "بسمة "على شفايفها وتخبره أن اسمها ابتسام.
الفيلم قائم على تلقائية الحوار وهو ما تجده مثلاً في أفلام المخرج
إبراهيم بطوط ولكن ستلاحظ نسبة ما من الانضباط في فيلم ماجي مورجان، الأمر
هنا ليس رهناً فقط بالديمقراطية التي تمنحها المخرجة لأبطال الفيلم ولكن
ينبغي أن يلتزم الممثلون بقواعد الدراما حتى وهم يتمردون عليها. هناك فارق
بين التلقائية والعشوائية نحن نتابع شريط سينمائي تلقائي يرفض تماماً منهج
العشوائية.
و يبقى في هذه التجربة التى نراها بين أفلام أخرى بدأت تطرق
في السنوات الأخيرة باب السينما المصرية لتؤكد أن هناك خط مواز بات يطل
علينا بين الحين والآخر بأفلام دأبنا على أن نصفها بالمستقلة حتى أشعارا
أخر و توصيفاً آخر. التجربة في مجملها لم تكتمل ولكنها تفتح الباب
بالتأكيد أمام وجه مغاير للسينما ،إنها نافذة لأفلام تحاول أن تجعل من
رغيف العيش قطعة من "الجاتوه"!!
تليفون من فاتن حمامة!
طارق الشناوي
20/6/2013 3:21 ص
يقول أحمد شوقى فى رائعته مجنون ليلى «ليلى بجانبى كل شىء إذن حضر»
وأول من أمس تلقيت تليفونا من فاتن حمامة فشعرت بعدها أن «كل شىء إذن حضر».
كانت فاتن بصوتها الذى لا يمكن أن تخطئه أذن تشكرنى عن كلمة كتبتها قبل
يومين بعنوان «فاتن تضىء ليالينا»، تناولت تكريمها فى الجامعة الأمريكية
ببيروت، سألتنى كيف تدخل على «اليوتيوب» لتشاهد حفل تكريمها، لم يسعفنى سوى
أن أقول لها ادخلى على «جوجل» واكتبى فاتن حمامة، وتحسبا لأى خطأ قلت لها
اسألى أحدا من أبنائك، أجابتنى تقصد أحفادى. فاتن هى التى تستحق منا الشكر
على كل ما أبدعته، ما الذى من الممكن أن يضيفه إليها مقال أكتبه أنا أو
غيرى، وتعطلت لغة الكلام، والأبجدية لا توفيها حقها.
■
■
■
محافظ الأقصر الذى صار يحمل لقب سابق، عزت سعد، التقيته عدة مرات فى
مهرجانَى الأقصر بنوعيه الإفريقى والمصرى الأوروبى، فى كل الندوات والحفلات
السينمائية التى يشارك فيها كانت دائما ما تعلو مشاعر الغضب ضد الحكم
الإخوانى، ولم أشعر أبدا أن الرجل يدافع عن تلك الدولة الدينية فهو ليس
رجلهم، ولهذا كنت متأكدا أنه الهدف القادم لأى تغيير قادم للمحافظين،
وجاؤوا على النقيض بمن هو كان متهما بقتل السياح فى حادثة الأقصر 97. خطأ
الإخوان ليس الأخونة فهى فى كل الأحوال خطة أى فصيل يحكم فى أى بلد فى
العالم، حيث يحاول أن يأتى برجاله لتنفيذ أهدافه، خطيئتهم مزدوجة أو لأنهم
يكذبون عندما يعلنون لا أخونة، بينما هذا هو هدفهم الأثير والوحيد. ثانيا
عندما يتقدم صفوفهم أكثرهم عشوائية وعدوانية وغشومية، لم يدركوا أن
المصريين بعد 25 يناير شبوا عن الطوق وسقط للأبد الرئيس المقدس. محاولاتهم
اليائسة لفرض آرائهم ورجالهم لم ولن تنجح. مثلا كان وزير الثقافة السابق
صابر عرب ينفذ ما يريدونه حرفيا، ولكنه فى نفس الوقت كان حريصا على أن يسرب
بين الحين والآخر رسائل للمثقفين تؤكد أنه فى جانبهم. كان صابر رجلهم وفى
نفس الوقت يجيد اللعب مع المثقفين فهو أعلم بمفاتيحهم. وكان من الممكن أن
يظل يلعب على الحبلين شقلباظ هنا وشقلباظ هناك، ولكنهم متعجلون فى تنفيذ
السيناريو، فجاؤوا بعلاء عبد العزيز الذى صار يدير شؤون الوزارة من الجامع،
راح يهتف مع الإخوان فى رابعة العدوية «على القدس رايحين شهداء بالملايين»،
وهو يعلم أنه لا يستطيع أن يقترب ولو حتى مترا قريبا من وزارة الثقافة.
■
■
■
ماذا بعد، ما الذى سيحدث فى 30 يونيو لو لم تنجح المصالحة الوطنية، مع
الأسف مصر ستجد نفسها على طريق الدماء، وهو ليس يوما ولكنه سيمتد بضعة
أسابيع، عندما أقرأ عن ضرب مواطن من «تمرد» أو «تجرد» ليبرالى أو إخوانى،
أنظر إليه أولا باعتباره مصريا، مصرى يضرب مصريا هى أسوأ لقطة من الممكن أن
تراها فى هذا المشهد، هل يدرك الإخوان ما الذى فعلوه بنا، نعم هم أقلية
الآن فى الشارع ولكن فى الحقيقة حتى لو كانت قوتهم العددية لا تتجاوز 5 أو
10%، فلا مجال لإقصاء أى فصيل. هل أدركوا أن عليهم ترك سلطة الدولة بعد
سلسلة الأخطاء أو الحقيقة الحماقات التى ارتكبوها. مشروع الخلافة الإسلامية
الذى يراودهم يعيدنا قرونًا إلى الخلف دُر. مصر ستظل هى مصر بخصوصيتها،
بندائها الشهير «موسى نبى عيسى نبى محمد نبى وكل من له نبى يصلى عليه». هذه
هى مصر إذا أرادوا أن يعيشوا على أرضها، كل من له نبى يصلى عليه، وكل من له
فكر يلزمه هو فقط ولكنه لا يطبقه قسرا على الآخرين، من حقهم أن يعيشوا مع
أنفسهم كما يحلو لهم بطقوسهم وجلبابهم وذقونهم ولكنهم لا يحكمون. أسوأ
سيناريو أن يصبح الصراع هو أنا أما أنت، أو التلويح بورقة الجزائر والعشرية
السوداء التى عاشها بلد المليون ونصف مليون شهيد بعد إقصاء الإسلاميين عن
الحكم، علينا أن نحتكم إلى العقل وإلى صوت الصندوق. أرفض تماما مخاطر
الإقصاء، لا إقصاء لأى فصيل، مصر تحتويهم نعم ولكنها كبيرة عليهم، كبيرة
جدا، ولك يا مصر السلامة، واسلمى فى كل حين!
لا حرامى ولا عبيط إنها روبى!
طارق الشناوي
19/6/2013 3:04 ص
بينما يشتعل الشارع المصرى بموجات من الغضب ومن كل الفئات، الصحفيون
والعاملون فى واحدة من أعرق المؤسسات الصحفية «روز اليوسف» غاضبون بسبب عدم
صرف مستحقاتهم، وأصحاب المعاشات يعتصمون فى وسط المدينة للمطالبة بالحد
الأدنى من حقهم فى الحياة، المثقفون لليوم الرابع عشر يحتلون وزارة
الثقافة، وأغلب المصريين يتأهبون للنزول إلى الشارع للمشاركة فى «تمرد»،
تزداد وتيرة الغضب ورغم ذلك نكتشف أن نقابة التمريض تنظم مسيرات للاحتجاج
على قيام روبى بأداء شخصية ممرضة فى فيلم «الحرامى والعبيط» اعتبروها تسىء
إلى مهنة التمريض، أنا أثق تماما فى أن أغلب من شاركن فى المظاهرات سواء فى
القاهرة وقنا وباقى المحافظات لم يشاهدن الفيلم، ولكن روبى بما يحمله اسمها
كرمز جنسى هو الذى أثارهم، فهى مخلة بالآداب العامة حتى لو لعبت دور قديسة،
كان الأولى فى الحقيقة بالثورة هم رابطة «البلطجية» لعدة أسباب أولا:
العنوان ينزل بهم درجات من البلطجى إلى مرتبة الحرامى، الثانى: أنهم يقدمون
بلطجى يقتله فى النهاية عبيط وما أسوأها من نهاية، ثالثا خالد الصاوى
البلطجى ناله العديد من الضربات والإهانات التى تدفع المواطن العادى إلى أن
يطيح بأى بلطجى يلتقيه على قارعة الطريق. الحقيقة أنها لم تكن أول مرة،
أتذكر أن الممرضات لهن أكثر من واقعة غضب مماثلة مثل فيلم «الضائعة» الذى
لعبت بطولته نادية الجندى وأخرجه عاطف سالم قبل أكثر من 20 عاما، كما أن
المرشدين السياحيين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها قبل ثلاث سنوات بسبب مسلسل
«هيما» حيث إن البطل أحمد رزق دفع رشوة من أجل الحصول على كارنيه النقابة.
إنها من توابع تراكم الحساسية، حيث تشعر كل فئة بأن من حقها أن تضع
ريشة على رأسها، على مدى السنوات الأخيرة سوف تجد مثلا أن رابطة المأذونين
غاضبة من صورة المأذون مثل مسلسل حنان ترك «نونة المأذونة» وحتى ترضيهم
خلعت الجبة والقفطان، وسبق للمحامين أن ثاروا قبل 32 عاما ضد فيلم «الأفوكاتو»
وأقيمت دعوى خسرها فى الدرجة الأولى رأفت الميهى الكاتب والمخرج والمنتج
لهذا الفيلم وأيضا عادل إمام، وصدر الحكم ضدهم بالحبس لمدة عام، وبعد ذلك
حصلوا على البراءة فى الاستئناف وغضب القضاة أيضا من نفس الفيلم!
فى «بنات وسط البلد» للمخرج محمد خان احتجت رابطة الحلاقين، لأن أحمد
بدير كان يقدم شخصية كوافير نسائى دائما ما تفلت منه نظرات للزبونة أشد
سخونة من السيشوار.
مثلا فى فيلم «شعبان تحت الصفر» لعادل إمام قدم السيناريو الذى كتبه
سمير عبد العظيم وأخرجه هنرى بركات شخصية عمدة قرية اسمها «خربتها» وعلى
الفور أقام العمدة الذى ينتمى إلى هذه القرية دعوى مؤكدا أنه المقصود وطالب
وقتها قبل 30 عاما بتعويض مليون جنيه، وكان لرابطة البوابين العديد من
الجولات القضائية ضد البواب «عبد السميع» أحمد زكى فى فيلم «البيه البواب»،
لو تصورنا أن صناع الأعمال الفنية استجابوا إلى الغضب الذى تعلنه كل فئات
المجتمع فهل تقدم الشخصيات فى إطار تجريدى لا تحدد على وجه اليقين وظيفتها
ولا بلدها، حتى الصحفيون والمنوط بهم الدفاع عن الحرية كثيرا ما نكتشف أننا
أُصبنا بنفس الفيروس فنجد بيننا من يطالب النقابة بالتدخل لمصادرة عمل فنى،
حدث ذلك منذ أكثر من خمسة أعوام مع «عمارة يعقوبيان» بسبب شخصية الصحفى
الشاذ «حاتم رشيد» التى أداها خالد الصاوى ولكن انتصر صوت العقل فى
النهاية، خصوصا أن الصحفيين تعودوا على أن يقدموا سلبيات المجتمع الصحفى فى
أعمال روائية ودرامية كتبوها بأيديهم مثل «زينب والعرش» للروائى وأيضا
الصحفى الكبير الأستاذ فتحى غانم، كما أن أستاذنا الكبير موسى صبرى كتب
«دموع صاحبة الجلالة»، البعض كان يعتقد أن موسى يقصد صحفيا محددا بشخصية
«محفوظ عجب» بطل الرواية وهو ما نفاه فى حينها موسى، مؤكدا أنه أراد فقط أن
يطرح سلبيات المهنة إلا أنه فى كل الأحوال لا تزال نقابة الصحفيين تتمتع
بقدرتها على التسامح رغم أنهم قبل عامين حاولوا توريطها لمصادرة فيلم «على
واحدة ونص» الذى يقدم صحفية تعمل راقصة، رفضت النقابة أن تضع على رأسها
ريشة مثل تلك التى تريدها نقابة الممرضات!
فاتن تضىء ليالينا!!
طارق الشناوي
18/6/2013 3:35 ص
فى الليلة الظلماء نفتقد البدر، ليالينا كلها منذ أن خيّم على سمائنا
الكابوس الإخوانى، أصبحت مثل نهارنا كالحة السواد، ولهذا نستجير بالبدر
فاتن حمامة، شدّت فاتن الرحال قبل أيام إلى لبنان، لكى تحضر تكريمها ضمن
أربعة من كبار المبدعين، فيلسوف وعالم فضاء ورجل اقتصاد، للحصول على
الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية فى بيروت، تبدو الفرصة الآن مواتية
لكى نكتب عن فاتن، هل ينبغى أن ننتظر مناسبة حتى نكتب عن فاتن؟
الحقيقة هى أن فاتن لا تحتاج إلى مناسبة، عدد قليل جدًّا من المبدعين
لا يقدمون فقط بصمة خاصة فى مجالهم الفنى، ولكنهم يصبحون الفن نفسه،
هيتشكوك مثلًا لم يكن مجرد مخرج مبدع، ولكنه صار يعنى فى دنيا السينما
الإخراج، أم كلثوم ليست هى الصوت المعجز، ولكنها هى الغناء، حضور فاتن على
الشاشة لم يُحِلها فقط إلى ممثلة استثنائية بل هى التمثيل. لست من أنصار
حزب زمن الفن الجميل، أقصد هؤلاء الذين دائمًا ما يبخسون حق الحاضر وهم
يتغزّلون فى الماضى، يعتقدون أن الجمال مجرد زرع ينبت فى زمن ثم يتغيّر
المناخ، فلا تعد أرض الإبداع تطرح ثمارًا، إنها بالتأكيد نظرة قاصرة جدًّا
تظلم الحاضر وتدين فى نفس الوقت الماضى، لأنه لم يكن يحمل بداخله «جينات»
الاستمرار، وهذا بالطبع يتنافى مع حقيقة الحياة.
لكل زمن إيقاعه ومفرداته وقانونه ونجومه وأيضًا جماله، إلا أنه تظل
دائمًا هناك استثناءات، إنه الفنان الذى يعيش معنا فى زمن ويظل محتفظًا
بمكانته فى زمن آخر، الفنان الذى لا ننتظر منه حضورًا مباشرًا، ليظل
حاضرًا، هذا التوصيف يتجسّد أمامى دائمًا مع فاتن!!
إنها الطفلة الصغيرة فى فيلم «يوم سعيد» للمخرج محمد كريم، لم تبلغ
التاسعة عام 1940 حتى وصلت وهى تقف على مشارف السبعين إلى مسلسل «وجه
القمر» للمخرج عادل الأعصر، وذلك فى آخر ظهور فنى لها قبل نحو 13 سنة، نعم
طال زمن الغياب، ولكن مثلما عرفها الناس وهى طفلة ونضجت معهم، فإن غيابها
لا يعنى أبدًا أنها لم تعد تشغل مساحة فى أعماقهم، فهى لا تزال أيضًا تواصل
إبداعها على شاشة القلوب، إنه الحب من أول لقطة، الجيل الذى شاهدها وهى
طفلة كبر معها، والأجيال التى لم تعاصر ذلك الزمن أصبح لديها سجل كامل حافل
بكل سنوات عمر فاتن حمامة، إنها السينما عندما تحفر فى ذاكرة الناس ملامح
وإحساسًا يكبران معهم مثلما هم أيضًا يكبرون، بالطبع لم يطلب منها أحد
التخطيط لذلك، ولا هى فكرت فى أنه مع الزمن سوف تدعم تلك اللقطات وهى طفلة
مشوارها عند الناس، وقوفها كطفلة منحها حميمية ودفئًا فى كل لقاءاتها
التالية مع الجمهور.
يحصى عادة الشعراء والملحنون عدد لقاءاتهم مع أم كلثوم ويعتبرونها
بمثابة شهادات بالتفوق، والحال أيضًا تكرر مع فاتن، بل كانت هى حلم
المخرجين من جيل نهاية الأربعينيات والخمسينيات، وحتى جيل التسعينيات، مثل
حسن الإمام وصلاح أبو سيف وهنرى بركات وكمال الشيخ ويوسف شاهين، الذين
تعوّدنا أن نطلق عليهم مخرجى العصر الذهبى للسينما، وحتى تصل إلى جيل داوود
عبد السيد وخيرى بشارة، وكانت لها مشروعات لم تكتمل مع كل من عاطف الطيب
ومحمد خان وشريف عرفة.
إنها الفنانة التى اختارها الجمهور والنقاد بإرادة حرة، لتحمل لقب
«سيدة الشاشة العربية»، ثم يمنحوها بعد ذلك لقب «فنانة القرن»، عطاؤها هو
الذى حقق لها تلك المكانة، وفى عام 1996 عندما أُقيم أول استفتاء لأفضل مئة
فيلم فى تاريخ السينما المصرية، حظيت فاتن حمامة بالمركز الأول، ولها رصيد
10 أفلام، الوحيدة التى كانت تلاحقها فى الأرقام هى سعاد حسنى، 9 أفلام،
الأفلام العشرة حسب أسبقية عرضها جماهيريًّا هى «ابن النيل» يوسف شاهين، و«لك
يوم يا ظالم» صلاح أبو سيف، و«المنزل رقم 13» كمال الشيخ، و«صراع فى الوادى»
يوسف شاهين، و«أيامنا الحلوة» حلمى حليم، و«بين الأطلال» عز الدين ذو
الفقار، و«دعاء الكروان» و«الحرام» بركات، و«إمبراطورية ميم» حسين كمال،
و«أريد حلًّا» سعيد مرزوق.
لم تغب مصر عن فاتن، قالت فى بيروت إن التكريم رد عملى على مَن
يتأبّطون شرًّا بالفن والثقافة، ولا تزال فاتن تضىء ليالينا وتُنعش أيامنا!!
إيرادات تقهر إرادات
طارق الشناوي
16/6/2013 4:04 ص
بينما تُحصِى شركات الإنتاج أرقام الربح والخسارة فى المراهنات
السينمائية الأخيرة التى شهدت تقدُّمًا نسبيًّا لمؤشر محمد سعد فى «تتح»،
كان هناك هبوط حادّ عاناه أحمد مكى فى «سمير أبو النيل»، وهو ما سيؤثر فى
التعامل ماديًّا مع نجمَى الشباك، هذا هو جانب واحد من الصورة. الوجه الآخر
هو تلك الشركات السينمائية المستقلة التى عرضت قبل أسبوع «هرج ومرج»، وخلال
الأيام القادمة «عشم»، وكان قد سبق عرض «الشتا اللى فات»، وبعد رمضان
«الخروج للنهار»، السينما التجارية بقانونها الصارم تعانى لأن الإيرادات لم
تكُن مرضية تمامًا، كما أن ما نطلق عليها «السينما المستقلة» لم يستطع أن
يضمن أيضًا جمهوره، فلم يألف بعد المتفرج المصرى أن يرى فيلمًا يعبِّر عن
مخرجه وليس به نجم شباك يقطع من أجله التذكرة.
تستطيع أن تلخص حال السينما المصرية فى تلك المعادلة، صراع بين
إيرادات تواجه إرادات، إيرادات يحققها النجوم فى دور العرض، وإرادات على
الجانب الآخَر لأغلب المخرجين مقهورة منزوعة القدرة لا حول لها ولا قوة ولا
صوت لأنه لا صوت يعلو على صوت شباك التذاكر، وهكذا استشرت سطوة النجوم على
مقدَّرات الفيلم السينمائى.
النجم هو الذى يختار الكاتب والمخرج ومدير التصوير، حتى من يشاركونه
فى التمثيل لا أحد يملك أى قرار فى هذا الشأن إلا بعد الرجوع إلى النجم
صاحب شباك التذاكر، والحقيقة أنه ليس فقط نجوم هذه الأيام هم الذين اكتسبوا
أرضًا ليست لهم، ولكن الجيل القديم من النجوم والنجمات كان قد وضع اللبِنات
الأولى لهذا القانون الجائر، مثلًا عادل إمام كان ولا يزال هو النموذج
الصارخ على ذلك، وامتدت سطوته إلى أنه يحدد حتى اسم عامل الشاى والقهوة،
وهو ما طبَّقه مؤخرًا على الشاشة الصغيرة عندما وجد أن التليفزيون يضمن له
أجرًا استثنائيًّا.
ومن المألوف أن تقرأ وتشاهد فنانة تحكى كيف أن عادل اتصل بها وأنها لم
تصدق أنه عادل وأغلقت التليفون فى وجهه، ثم عاود الاتصال مؤكدًا أنه عادل،
والله العظيم عادل، وأنه يرشحها لمشاركته البطولة، كل هذا والمخرج لا حس
ولا خبر. محمد سعد كان إلى عهد قريب لا يسمح للمخرج أن يقرأ السيناريو إلا
قبل التصوير بأسبوع واحد، حُجَّة سعد أنه يخشى أن لا يتم التعاقد مع المخرج
ويسرق بعدها إفيهًا أو نكتة داخل السيناريو تذهب إلى نجم آخر. فى العادة لا
يتعامل أغلب نجوم الكوميديا مع مخرج يملك وجهة نظر، ولكنهم يفضلون من
يُحِيل طلباتهم إلى أوامر وشطحاتهم إلى لقطات على الشاشة. المخرج يعلم
تمامًا أن بقاءه فى الاستوديو مرهون برضا النجم، فما الذى من الممكن أن
تتخيله لحال هذا المخرج؟ هل يستطيع توجيه الممثل أو حتى أن يقول له تلت
التلاتة كام؟
دعونا نقلب صفحة من الماضى. حكى نور الشريف كيف أن سعاد حسنى فى عز
مجدها الفنى خلال السبعينيات، وكانت متحمسة جدًّا للعمل مع المخرج سعيد
مرزوق وقدمت له أول أفلامه «زوجتى والكلب» ثم رشحها لفيلمه الثانى «الخوف»،
وفى أثناء تنفيذ إحدى اللقطات اقترحت على المخرج تغيير حجم اللقطة فما كان
من سعيد مرزوق إلا أنه طردها من الاستوديو أمام الجميع، ذهبت تشكوه فى
المساء إلى الفنان الكبير محمود مرسى فقال لها بعد أن عرف التفاصيل: «سعيد
عنده حق، إذا كان لك وجهة نظر فلماذا لا تُخرِجين أنت الفيلم يا سعاد؟».
تنازل مخرجو هذه الأيام عن حقوقهم بعد أن شعروا أن العصمة قد أصبحت
بيد النجوم، ومن يُرِدْ أن يعمل فليس أمامه سوى الخضوع لإرادة النجم ولىّ
النعم «وإلا» ومع الأسف فإن أغلب مخرجينا يعرفون أن «وإلا» هذه تعنى أنهم
سوف يصبحون خارج الملعب، ولا أحد منهم مستعد أن يدفع الثمن.
نعايش وجهين للسينما، الجمهور لا يزال بعيدًا عن السينما المستقلة،
وعلى صُناع تلك الأفلام أن يقلِّصوا حالة الغربة والبرودة بين أفلامهم
والجمهور، تراكُم العروض من عمل فنى إلى آخَر سوف يلعب دورًا إيجابيًّا فى
هذا الاتجاه، عليهم إدراك أن المعادلة لن تستقيم دون إقبال الناس، الجانب
الآخر السينما التقليدية التى تعنى أن كل شىء يبدأ وينتهى عند نجم شباك،
ليظلّ القانون السائد للصراع حاليًّا هو إيرادات تقهر إرادات!
مسلسل للرجال فقط
طارق الشناوي
14/6/2013 4:00 ص
كما أن لدينا قناة تليفزيونية للمنقبات فقط فمن البديهى أن نرى مسلسلا
تليفزيونيا من بطولة الرجال فقط، وربما أيضا بلا موسيقى تصويرية. من
يتدثرون بالإسلام يرددون مقولة التمثيل حرام، وبعضهم يحللونه للرجال فقط أو
يلوكون تلك الكلمات المنسوبة إلى الشيخ الشعراوى «حلاله حلال وحرامه حرام».
وهو تعبير فضفاض يبيح كل شىء ويمنحه شرعية ويدخله الجنة، وعلى الجانب الآخر
يحرم كل شىء ويدخله إلى النار، كما أن عددا من المتزمتين يؤكدون أن الآلات
الوترية حرام والإيقاعية حلال، ولهذا يحرمون النغم أو الميلودى الموسيقى،
لأنه يحتاج إلى آلة وترية، بينما الإيقاع مثل الدفوف والرق والطبلة فهى
حلال بلال، رغم أنك لو استعدت أى عمل موسيقى لاكتشفت أن الناس ترقص على
الإيقاع وليس النغم، ولهذا فإن الرومبا والسامبا والفالس والتانجو والجيرك
والواحدة ونص، بل وكاريوكا اسم الشهرة لتحية كاريوكا هى فى الأصل إيقاعات
راقصة.
كان للموسيقار عبد الوهاب مقولة شهيرة عندما انتشرت الإيقاعات وصارت
هى التى تسيطر على الأغانى فقال إنها أغانٍ تحرك السيقان، لا الوجدان، أى
أن الإيقاع للسيقان والنغم للوجدان. هذا هو حال من يعلنون التوجه الإخوانى
أو السلفى، يعتقدون أن أى شىء منسوبا للسلف حتى ولو كان مجرد ترهات فهو عين
الصواب، وعليهم السمع والطاعة، ثم كيف يتناسون أن كل الأوزان الشعرية والتى
لم يحرمها القرآن ولا السنة ما هى إلا موسيقى.
لست منزعجا من مثل هذه الأعمال ولا من المسلسلات التى تلعب بطولتها
محجبات وتصنع طبقا لشروط الحجاب، فى الفن لا خوف، لأن الناس هى التى تمنح
النجاح أو تعلن النهاية، وهذه المسلسلات سيراها الناس ويحكمون أو ربما،
التعبير الأصدق هو، يضحكون.
إلا أن هناك تساؤلا مشروعا: هل من الممكن أن تستقيم تلك المعادلات؟
لقد كان الإخوان لديهم مسرح ومسموح للنساء بالتمثيل، أتحدث عن أكثر من 80
عاما مضت فكيف نتقهقر كل هذه الحقب، نعم قناة «الحافظ» تنتمى للسلفيين وهم
أكثر تزمتا فى العلاقة بالفنون، ماشى، ولكن لماذا يقدمون دراما تخاصم منطق
الحياة، فلا يمكن أن نرى عملا فنيا للرجال أو للنساء فقط، المخرجة الراحلة
نادية حمزة كانت كثيرا ما تقدم أفلاما نسائية، لها فيلم ربما اسمه «النساء»
ولا لقطة فيه للرجال، وبالطبع فشل فشلا ذريعا فى دور العرض.
أتذكر مسرحية «الشفرة» التى كانت فى البداية للرجال فقط شاهدتها على
المسرح قبل 7 سنوات، أضافوا فى اللحظات الأخيرة دورا لإيمان السيد، وكانت
تنتهى بالصلاة على خشبة المسرح، وهو ما اعترضت عليه الرقابة وقتها ولكن ظل
للمسرحية التى لعب بطولتها عبد العزيز مخيون توجهها الذى يقول إن الإسلام
هو الحل، المسرحية لم تحقق أى نجاح يذكر، والدليل أنه لم يتم تقديم مسرحية
ثانية للرجال فقط، نحن هذه المرة بصدد قناة تليفزيونية تحدد مواصفات قياسية
للدراما التى تريدها، وفنان ينفذ ما هو مطلوب.
وجدى العربى مخرج وبطل العرض، وكنت قد التقيته من قبل أكثر من مرة
وأعرف أنه قد صارت أفكاره وآراؤه يحوطها قيود التزمت، قرأت له صباح أمس
حوارا فى جريدة «الشروق» أجراه الزميل عربى السيد قال فيه إنه يرحب فى
الأعمال الفنية بالمرأة مثل آمال زايد وضرب مثلا بدورها «أمينة» فى
الثلاثية، أى أنه لا يسمح بنماذج أخرى مثل التى قدمتها فاتن وسعاد ونجلاء.
المسلسل تجرى أحداثه فى مقهى للرجال، وهم يحكون عن مشكلات اجتماعية
وبالتأكيد هناك طرف ثان بالضرورة، وهو المرأة ولكنك لن تراها، إنه نفس
المنطق الذى كان يسمح للمرأة السلفية بالترشح ثم يطلب منها أن تضع فى
الإعلان صورة زوجها أو وردة، لأن صورتها حرام، مثل هذه الخزعبلات التى
نراها فى هذا الزمن تشعرنى أننا نعيش مع أهل الكهف.
تسأل لماذا إذن يقدمون الأعمال الفنية؟ لكى يقولوا إننا لا نرفض الفن،
ولكن هذه هى شروطنا، تلك هى المواصفات الشرعية، قناة المنقبات مثلا لا يعمل
بها سوى المنقبات، وتحرص على أن لا تستقبل أى تليفون إلا من المنقبة
وبالطبع لو اتصلت سيدة محجبة، وقالت إنها منقبة فسوف تتحمل وزر الكذب، أما
لو كانت سافرة فيا داهية دقى، قال سيد شعراء الكون المتنبى: «يا أمة ضحكت
من جهلها الأمم» ونضيف أيضا «مسلسلاتها»!!
كيف تصنع من الحبة قُبة؟
طارق الشناوي
11/6/2013 4:43 ص
سألوا الشاعر والصحفى كامل الشناوى عن الفارق بين التوأم على ومصطفى
أمين فى المنهج الصحفى أجابهم.. على يصنع من القبة حبة، بينما مصطفى يحيل
الحبة إلى قبة. كان مصطفى أمين قادرا على إثارة اهتمام القارئ بأى حدث قد
يبدو صغيرا، ولكنه يضيف إليه الكثير من التحابيش فيتحول إلى «مانشيت».
لو سألت مثلاً عن أهم حدث فى مهرجان الإسماعيلية الذى انتهت فاعلياته
أول من أمس، ستكتشف أن الصحافة كانت مشغولة بتتبع الفيلم القصير «فردى»
بطولة خالد النبوى، حيث احتل مساحة ضخمة لا تتناسب لا مع قيمة الفيلم ولا
مع ملامح المهرجان، حيث إن إدارته استجابت لإلحاح بطله وعقدت له ندوة
منفردا لمدة ساعة، وهو على المقابل لم يتوقف لحظة فى مد الجرائد والمجلات
بتفاصيل هذا اللقاء، فى النهاية خرج الفيلم بلا شىء فلا جائزة ولا تنويه،
ولكن تحقق هدف بطل الفيلم وهو أن يصبح فى مقدمة «الكادر»، لقد أنفق يوما فى
تصوير الفيلم، وعليه أن يأخذ على المقابل حضورا إعلاميا، خصوصا أنه صور
الفيلم مجانا.
الفيلم متواضع أول مَن يعرف ذلك ربما هو خالد، ولكن ما يشغله هو إثارة
الرأى العام ليذكره دائما بأنه لا يزال يحتل مساحة على الخريطة. ما الذى
يقدمه الفيلم؟ البطل لا ينطق كلمة طوال الأحداث، وفى النهاية وفى تعبير
مباشر ودلالة فجة يتبول على نفسه فى الأسانسير أمام ابنه وهو يهديه تورتة
العيد. هل كان الفيلم يتناول الظلم الطائفى الذى يتعرض له الأقباط، فهل فعل
التبول اللا إرادى هو الدلالة على ذلك.
المقصود بـ«فردى» هو المصعد الفردى الذى يخدم الأدوار الفردية،
وللكلمة دلالة معنوية على إحساس البطل بأنه أيضا فى هذه العمارة «فردى»،
والبطل دكتور فى شركة أدوية ودائما ما يقدم إلى الجيران عينات مجانية لحل
مشكلاتهم الصحية والجنسية، ويسهم مثل السكان فى إصلاح المصعد، وفى العادة
دائما ما نرى آيات قرآنية فى المصعد، وصرنا نستمع إلى دعاء الركوب مسجل دون
مجرد التفكير فى أن هذا المصعد من الممكن أن يخدم عددا من الأقباط، وليس من
اللائق ولا أيضا من الدين فى شىء أن نجبرهم على الاستماع إلى دعاء الركوب،
ليلقى الفيلم بالمعنى الذى أراده مخرجه كريم الشناوى، وهو أن كل هذه
المظاهر صرنا نمارسها تلقائيا دون أن نشعر بأن الأماكن العامة يجب أن تظل
محايدة لا ترتدى زيا دينيا، لجأ النبوى إلى حيلة الصمت فى الفيلم الذى كتبه
هيثم دبور، وهو من أشق التعبيرات التى تحتاج إلى فنان عتويل، لأن الصمت
درجات متعددة، ولكننا لم نر على وجه البطل سوى ملمح واحد وهو الصمت الممزوج
بالغضب، ولم يضف البطل أى تنويعات فى الأداء، معتقدا أن هذا هو الإبداع وأن
الجماهير سوف تخرج من الفيلم وهى تهتف باسمه لمجرد أنه كان يحدق بغضب فى
الكاميرا.
ما دلالة التبول؟ إنه الخوف الشديد لم نر له مبررا، الجيران لم يدركوا
أنه يحتفل بأحد الأعياد، وهو كثيرا ما يحدث، فالثقافة المصرية ومنافذ
الإعلام الرسمية والخاصة لا تمنح أعياد المسيحيين مساحات من الاهتمام، لهذا
قد يأتى عيد ولا يدرك المسلمون أنه يحمل مناسبة خاصة للأقباط، هناك ممارسات
متطرفة فى طائفيتها نراها مثلا فى من يرفض أن يأكل مع قبطى أو يعتدى على
كنيسة، كل ذلك بالطبع نرصده فى حياتنا، ولكننا لم نشاهد فى الفيلم تلك
النماذج، بل كان الدكتور القبطى معطاءً لكل الجيران، وهم يحملون إليه مشاعر
امتنان.
طالت مشاهد الأسانسير وكان ينبغى للفيلم ذى الدقائق التسع أن يختصر
على الأقل منها ثلاث دقائق ما دامت الفكرة قد وصلت إلى المتلقى، فلا داعى
لكل هذا الإسهاب واللت والعجن.
هل من الممكن أن يعيش الفنان على الصخب الإعلامى وأن ينتقل من مرحلة
إلى أخرى وهو لا يعنيه شيئا سوى أن يظل فى البؤرة الصحفية؟ هل نحدد مكانة
النجوم بمقياس الحضور الإعلامى؟ إنها مع الأسف صارت حرفة يجيدها البعض،
تتبدد كل طاقتهم فى البحث عن أى بقعة ضوء فيصنعون من الحبة قبة، ثم لا تمضى
سوى دقائق لتعود مرة أخرى القبة إلى حبة تذروها الرياح.
أسامة غريب فى التخشيبة
طارق الشناوي
10/6/2013 3:42 ص
عدد قليل من الكتاب أحرص على تتبع كلماتهم أينما كانت الزاوية التى
يطلون منها، ومن هؤلاء الساخر الساحر أسامة غريب، قرأت الخبر فى الصفحة
الأخيرة على صفحات «التحرير» أنه أمضى 24 ساعة فى قسم الشرطة، استعدادا
لترحيله إلى السجن لجناية سب وقذف علنى ضد وزير الداخلية الأسبق منصور
العيسوى، السب والقذف جنحة لا جناية، فكيف وصلنا إلى الجنايات وإلى السجن
عاما والتعويض 10 آلاف جنيه، اسمه مدرج فى إدارة تنفيذ الأحكام. امتثل
أسامة لما تريده وزارة الداخلية فهو حكم موثق واجب النفاذ، ولكنه اكتشف أن
هناك خطأ فى تدوين الحكم، فلا توجد سنة حبس.. أضيفت بالخطأ! تخيلوا وزارة
الداخلية تكتب فى ورق رسمى حكما على إنسان برىء ينتزع من عمره سنة كاملة.
أنا دائما حسن النية حتى فى المواقف التى لا مجال فيها لحسن النيات، ولكن
دعونا نفترض حسن النيات، ألا يستحق هذا الخطأ عفوا تقديم كل المسؤولين فى
الداخلية إلى المحاكمة. أكثر من ذلك ما الذى يدرينا أنه لا توجد أخطاء
مماثلة فى عشرات من القضايا وأن أبرياء ليست لديهم ثقافة قانونية مثل أسامة
غريب زُج بهم سنوات إلى السجن لأن هناك من أدان إنسانا على الورق من دون أن
يقصد.
ثم كيف يتم إصدار حكم دون علم الفاعل الأصلى، لماذا لم يخبر أحد
صديقنا أسامة بأن عليه حكما واجب النفاذ. أسامة كائن طائر فهو لا يمكث إلا
قليلا جدا فى مصر وبعد ذلك ينطلق خارج الحدود، وكثيرا ما أتصل به فيأتى
صوته مؤكدا أنه فى أمريكا أو الكويت أو الإمارات، وفى الحقيقة يسهب فى الرد
ويتحمل هو بالطبع دفع تكلفة المكالمة الدولية لأنه يستقبلها «رومنج»، حتى
إننى كثيرا ما كنت أشك فى أنه بالفعل خارج الحدود.
كان من الممكن مثلا أن يتم إخبار ضباط الجوازات بأنه مطلوب لتنفيذ
الحكم ولهذا يُمنع من السفر ويساق مباشرة إلى السجن، ولكن هذا لم يحدث كما
أن هناك ترقب وصول فى المطار لمن صدر بحقه حكم ليتم إيداعه مباشرة السجن فى
لحظة عودته، كثير من التسيب تجده فى وزارة الداخلية، طالما صدر حكم بالسجن.
أين هى الإجراءات التى يتم فى مثل هذه الحالات اتباعها لضمان التنفيذ،
بالطبع لم أكن أود أن يتم منعه من السفر، ربما كان الأقل وطأة أن يقبض عليه
بين أهله وعشيرته، ولكن تظل المأساة حاضرة بقوة.
ما الذى فعله أسامة خلال 24 ساعة داخل قسم الشرطة، لم ينم ليلتها،
عامله ضابط الشرطة المنوط به التنفيذ بأدب ورقة، ولكن لم يستطع أن يمنحه
قرارا مؤقتا بالعودة إلى المنزل رغم أن هناك أكثر من إشارة تدل على أن
الأمر به خطأ إدارى، ولهذا دفع قيمة التعويض من خلال رئيس مجلس إدارة
الجريدة إبراهيم المعلم، ليعود إلى منزله ويمسك بالورقة والقلم ليكتب
حكايته فى التخشيبة.
التسيب وصل إلى الذروة فى كل القطاعات وحقوق الإنسان مهدرة، بالتأكيد
لو علم أسامة أن عليه حكما بالتعويض كان سيسارع بدفعه قبل أن يتولى رئيس
مجلس الإدارة الدفع طبقا للقانون، لم ينبهه أحد.
لم يسبق لى أن كتبت عن أسامة، فأنا أشعر بحرج فى تناول من تربطنى بهم
صداقة، بل إننى كنت أعتقد حتى عهد قريب أن أسامة كان زميلى فى كلية الإعلام
من فرط أننى عندما أقرأ له ألمح أشياء مشتركة، وتصورت أننا قد اجتمعنا فى
محاضرات ومواقف وطرائف، ثم اكتشفت أنه ليس هو الشخص الذى تصورت أنه كان
دفعتى فى كلية الإعلام، بل إنه ليس خريج كلية الإعلام أصلا.
لم أفقد إحساسى بأنه زميلى وبيننا سنوات ولقاءات. فى أثناء ثورة يناير
كنا نلتقى فى ميدان التحرير كان كل منا يكتب عمودا يوميا وأحيانا عمودين فى
«الدستور الإلكترونى» التى كانت تستوعب غضبنا ومشاعرنا المتدفقة مع الثورة.
ومع صدور «التحرير» ظل يطالعنا يوميا على الصفحة الأخيرة، وتجرى مياه
تحت الجسور، لتصبح له بعد ذلك إطلالة أسبوعية فى «المصرى اليوم» وفى أكثر
من جريدة عربية مثل «الوطن» الكويتية فهو دائما حاضر بالكتابة وأنا دائما
حاضر أيضا بالقراءة.. كفارة يا أسامة.
من يضىء فانوس رمضان؟
طارق الشناوي
9/6/2013 4:45 ص
يأتى شهر رمضان بعد 30 يونيو بتسعة أيام فقط، فهل نعيش رمضان بطقوسه
ومسلسلاته وبرامجه، من يستطيع أن يغفل المزاج النفسى للناس الذى أشعر به
يقف على الشاطئ الآخر بعيدا عن رحرحة رمضان، ننتظر عبد المطلب وهو يغنى
«رمضان جانا» ونشترى الفانوس والياميش ونلتهم الكنافة والقطايف، ونبحث عن
صوت الشيخ رفعت ودقات طبلة المسحراتى، هل سنتحول كالعادة إلى كائنات
رمضانية، أم أن ثورة «تمرد» التى ستنطلق يوم 30 يونيو ستحيل البيت المصرى
إلى كائنات ثورية ليس فيها متسع لكى نتذكر «وحوى يا وحوى»؟!
لا تستطيع أن تفصل البيت عن الشارع، نعم سيصوم المصريون وسيخرجون
للصلاة فى أعداد تتجاوز فى العادة ذهابهم للجامع فى غير رمضان، وستنتشر
موائد الرحمن فى ربوع مصر، ولكن ستجد أيضا أنهم فى الشارع يطالبون بسقوط
حكم المرشد وإبعاد مرسى أو الحد الأدنى، وهو بالنسبة إلى ما أراه يقف عند
حدود الشرعية، إعادة انتخابات الرئاسة، ومن حق مرسى بالطبع أو من تراه
الجماعة أن يتقدم إلى الجماهير ومن حق الشعب أن يقول كلمته، الحد الأدنى
للمطالب والذى من الممكن أن يرضى الشارع فى انتظار ما يُسفر عنه الصندوق
أراه مع الأسف بعيد المنال، لأن الإخوان يدركون حجم الغضب وهؤلاء الغاضبون
قطاع كبير منهم منح صوته لمرسى
وأزيدكم من الشعر بيتا، وأقول: وقطاع لا بأس به أيضا كان يرى فى حكم
الإخوان الحل الوحيد لإنقاذ مصر، انتظروا الخير من أصحاب اللحى فاكتشفوا
الكذب والخداع والغش. الشاشة الصغيرة.. ما الذى من الممكن أن تقدمه، حتى
ثورة 25 يناير لا أعتقد أن مزاج الناس حاليا من الممكن أن يتقبلها، لن تجد
دراما مباشرة عنها سوى فقط مسلسل «ويأتى النهار» للدويتو محمد فاضل وفردوس
عبد الحميد، وهذا يعنى فى قانون فاضل أن فردوس هى التى أشعلت الثورة.
الأحداث الدرامية تنتهى يوم 11 فبراير مع تنحية مبارك، وجد صُناع المسلسل
أن العنوان يصدم المشاهد الذى يتابع الليل وهو يخيم على سماء مصر، ولم يعثر
بعد على النهار فقرروا تغييره إلى «خريف الغضب». فهل يتغير من الأمر شىء،
توقيت عرض مسلسل يرصد سعادة الناس بالثورة أراه الآن خاطئا، مأزق كل
الأعمال التى تناولت الثورة أننا حتى الآن لا نزال ننتظر الذروة التى من
الممكن أن نبنى عليها مواقف درامية ثابتة، هل تتذكرون مسلسلا اسمه
«المزرعة» الذى أخذ الكثير من الاهتمام الإعلامى وراح ضحيته رقيب رفض
التصريح به وقال لا وجاؤوا برقيب آخر قال نعم، تدخلت العديد من الصراعات
والتربيطات لكى يرى هذا المسلسل النور، وما حدث هو أن ملايين أنفقت فى
التحضيرات والتجهيزات وكأن شيئا لم يكن، المقصود بالمزرعة هو السجن الذى
حمل نفس الاسم والذى ضم كبار الفاسدين، كانت المشاعر فى بداية تحضير
المسلسل قبل أكثر من عام فى ذروة الغضب ضد مبارك والحاشية، والمسلسل
بالتأكيد يسخر منهم ويدينهم إلا أن تدخل عامل آخر فى المعادلة لم يكن فى
حسبان صُنّاعه وهو المزاج النفسى للناس أوقف استكماله، حجم الغضب الآن ضد
الحكم الإسلامى بالقياس بحجمه ضد فساد مبارك والتوريث فاق التوقعات، مساحات
الرفض ضد حكم المرشد صارت هى الذروة، لم يعد الغضب من مبارك والعائلة
والحاشية فى عنفوانه يحتل مقدمة الكادر، لن تجد الناس على الخط، نعم لن
تتغير مشاعرنا ضد الواقع الفاسد الذى أزحناه، بل إن ما نعيشه الآن هو من
نتاج فساد مبارك والعائلة والحاشية، فلقد حرص على تجريف المجتمع المدنى وأن
يحيله إلى حالة من العجز تجعل البديل الوحيد المتاح أمامنا هو هذا الفصيل
الذى يرتدى عنوة عباءة الإسلام، ورغم ذلك فلا أحد من الممكن أن يتابع
مسلسلا عن الثورة ضد مبارك وهو لا يزال فى عنفوان الثورة ضد المرشد.
ما الذى من الممكن أن يحدث لك وأنت تترقب مدفع الإفطار؟ هل ستذهب
بعدها مباشرة إلى الشارع لتشارك فى المظاهرات التى تدعو إلى إزاحة الكابوس
الذى تعيشه مصر؟ أم أنك ستضبط موجة التليفزيون على مسلسل عادل إمام؟ أظن أن
أحداث الشارع المتلاحقة لن تسمح لك سوى بأن تصبح جزءا منها، إذا لم تكن فى
الشارع فعبر شاشة التليفزيون، ولن تجد أمامك متسعا لتضىء الفانوس!!
زبيب وكاتشب.. «دونت ميكس»!
طارق الشناوي
8/6/2013 3:05 ص
بمجرد إعلان فوز الفيلم الفرنسى «الأزرق اللون الأكثر دفئًا» للمخرج
التونسى الأصل عبد اللطيف كشيش الذى يقدم علاقة بين امرأتين، تعددت
التفسيرات التى تنتهى جميعها إلى أن السياسة لعبت دورًا وأن جائزة السعفة
الذهبية تم توجيهها لكى تمهد الطريق أمام الرئيس الفرنسى للتوقيع على قانون
يبيح الزواج بين المثليين جنسيًّا.
جاء ردّ رئيس لجنة التحكيم المخرج ستيفن سبيبلرج على طريقة محمد مرسى
«دونت ميكس»، كان مرسى يقول «لا تضع الغاز على الكحول»، بينما أكد سبيبلبرج
أن السياسة لم تدخل إلى غرفة التحكيم فى أثناء مناقشتهم مصير الجوائز.
ورغم أن السياسة نرى بصماتها وهى تطل بقوة فى الأفلام والمهرجانات، بل
إن تاريخ المهرجانات السينمائية العالمية الكبرى يعبِّر عن الوجه الآخر
للصراعات السياسية والعسكرية واللوجيستية، هكذا مثلا كان الطاغية الفاشيستى
موسولينى هو أول مَن فكّر فى إقامة مهرجان البندقية (فينيسيا) ليعبر عن
توجُّه «المحور»، وجاء الرد بعدها مباشرة من فرنسا بإقامة مهرجان «كان»
ليصبح منصة دفاع ثقافى عن القوة الأخرى فى الصراع (الحلفاء)، وتأخر افتتاح
«كان» بضعة أعوام بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية، لكن لا يمكن أن تُصبح
دائما زاوية الرؤية سياسية فقط.
أحيانًا أخرى نجد أنفسنا وقد وقعنا فى شَرَك القراءة التى تحمل
تعسُّفًا سياسيًّا. كنت قد كتبت عن فيلم السعفة مقالًا عنوانه «بورنو إلا
قليلًا»، إلا أن هذا لا يعنى أن اللجنة تعمدت منحه الجائزة على حساب أفلام
أخرى تستحق، وأن توجهًا سياسيًّا دفعها إلى ذلك، بدليل أن جائزة
«الفيبرسكى» (اتحاد النقاد الدوليين) برئاسة الناقد الألمانى كلاوس إيدر
التى سبقت جائزة لجنة التحكيم بأربع وعشرين ساعة منحت جائزتها أيضًا لنفس
الفيلم. كما أن أغلب المجلات التى تصاحب المهرجان قد منحته أعلى التقديرات
بالقياس إلى الأفلام التى نافسته.
إذا اقتربت من الصورة أكثر فسنكتشف أن عددًا من النقاد يلعب دورًا فى
إضفاء غطاء سياسى على نتائج مهرجان أو يمنحون عملًا فنيًّا رداءً فكريًّا
لم يقصده على الإطلاق. قد يعثرون على تفسيرات خارج النص لم تخطر على بال
مبدع العمل الفنى، البعض يعتبرها مثل «الكاتشب» تُعلِى من تذوُّق عمله
الإبداعى، ولا يكتفى بإظهار سعادته بهذا التفسير الذى لم يخطر له على بال،
بل ويتعمد تأكيد أنه كان عامدًا متعمدًا، وأن على النقاد أن يغوصوا أكثر
ليحصلوا على دُرَر أكثر. قرأت سيرة حياة الكاتب أرنست هيمنجواى صاحب
«العجوز والبحر» عندما بدأ النقاد فى البحث عن تفسير لتلك الرواية التى
أصبحت واحدة من أشهر وأخلد الروايات فى الأدب العالمى، اعتبروها تقدم رؤية
فلسفية للحياة لأن العجوز يبدأ رحلته فى الصيد وعندما يعثر على سمكة كبيرة
يمسك بها بقوة وفى نفس الوقت يتحرك قاربه الصغير فى اتجاه الشاطئ وعندما
وصل كانت أسماك القرش قد التهمت سمكته الكبيرة ولم يبقَ منها إلا هيكل
عظمى، قالوا إن هذا الموقف يشبه رحلة الإنسان فى الحياة عندما تبدأ وهو
يعتقد أنه يمسك كل متع الدنيا بيديه ثم ينتهى الأمر بنهايته هيكلًا عظميًّا
مثل بقايا سمكة هيمنجواى. التشبيه يضفى كثيرًا من الزخم الفكرى على رائعة
الأديب العالمى، ورغم ذلك فإن هذا الثناء أزعجه كثيرًا وقال إنه لم يتعمد
أيًّا من هذه الرموز، وأضاف أن هذه التفسيرات تشبه وضع الزبيب على الخبز من
أجل تحسين الطعم، وأن كثيرين من الكتاب يهزمون أنفسهم بأنفسهم عندما
يستسلمون للزبيب. شىء من هذا تجده مثلًا فى فيلم «شىء من الخوف» لحسين كمال
الذى عُرض بعد هزيمة 67، وتتردد فى الفيلم عبارة «جواز عتريس من فؤادة
باطل». النقاد حلَّلوا وقالوا إن عتريس هو عبد الناصر وفؤادة هى مصر، وإن
الفيلم يدعو إلى طلقة بائنة بين الحكم العسكرى ومصر، وتخوفت وزارة الثقافة
ولم تسمح بعرضه إلا بعد أن شاهده عبد الناصر الذى قال وقتها موجهًا حديثه
إلى وزير الثقافة ثروت عكاشة: «لسنا عصابة تحكم مصر يا ثروت»، وبالمناسبة
حتى فيلم «الحرامى والعبيط» فسره البعض سياسيًّا بأنه يحذِّر من أن تترك
مصر الحكم فى يد العبيط. إنها مجرَّد ترهات فى خيال عدد من النقاد، زبيب
يضعونه على الخبز أو قليل من «الكاتشب» ليجعله «سبايسى» (ملهلب)، وهذه
المرة نقول لهم «دونت ميكس»!
الإسماعيلية ترقص على إيقاع الغضب!
طارق الشناوي
6/6/2013 3:52 ص
قالت لى ضيفة أجنبية فى أثناء حفل افتتاح مهرجان الإسماعيلية، هذه
أجمل موسيقى تصويرية سمعتها فى مهرجان فنى. اعتقدت أنها تصورت أن ما تراه
هو عرض فولكلورى فلم تستوعب المفردات، ولهذا قلت لها مستدركا إنها هتافات
سياسية تردد «يسقط حُكم المرشد»، «يسقط وزير الثقافة الإخوانى»، فقالت:
ولهذا أعتبرها أعظم موسيقى تصويرية.
كانت دار العرض فى قصر ثقافة الإسماعيلية قد شهدت مظاهرة صاخبة قادها
المخرج مجدى أحمد على من القاهرة وعلى طول الطريق إلى الإسماعيلية تحسبا
لحضور وزير الثقافة مراسم الافتتاح، كنت موقنا أن الوزير لن يفعلها رغم أنه
قال على طريقة مرسى «سأفعلها»، وعلى طريقة مرسى أيضا لم يفعلها.
قبل حفل الافتتاح بدقائق كانت اليفط قد انتشرت فى جنبات قصر الثقافة
تندد بالوزير والإخوان. بالمناسبة منذ أمس فى القاهرة تجددت أيضا المعركة
بعد انتهاء المدة الزمنية المحددة لإقصاء الوزير وهى 72 ساعة، والخطة هى
احتلال المواقع الثقافية داخل الوزارة من خلال المثقفين، فهى ليست مِلكًا
للدولة ولكنها ملك للمثقفين، ولهذا فإن المعركة فى ثوبها الجديد قد تغيرت
استراتيجيا وصارت تهدف إلى استمرار العروض الفنية والدرامية لا إلى إيقافها
بحجة إسقاط الوزير ولكن وهو فى رأيى قرار تأخر كثيرا، ما الذى تريده
الجماعة الظلامية التى تحكم مصر سوى أن تُسدل الستائر عن كل العروض الفنية
فى بلدنا؟ ولهذا كنت أتعجب من كم المبايعة والتصفيق والمؤازرة التى يطلقها
المثقفون فى بلادى عندما يعلن مثلا عمر خيرت أنه توقف تضامنا مع إيناس عبد
الدايم، وهو ما تكرر يوم عرض أوبرا «عايدة» كما شاهدنا أكثر من فنان يعتذر
عن حفل داخل دار الأوبرا مثل هانى شاكر. ما الذى من الممكن أن يفعله بديع
والشاطر ومرسى والبلتاجى أكثر من ذلك، الجماعة ومَن يقف على تخومها هم من
أعداء الفن وقطاع كبير منهم يحرِّمونه، والآخرون يحلّلونه ولكن وفق إطار
دينى وأخلاقى صارم، ولهذا سيقولون «بَرَكَة يا جامع»، المطلوب هو أن نؤازر
النشاط الثقافى، يقدم الغاضبون حفلاتهم بل ينتقلون إلى الساحات الشعبية
وإلى الاستاد، إنهم يريدون إطفاء النور فكيف نهلل نحن للظلام؟
لو ألقيت نظرة على مهرجان الإسماعيلية ستكتشف أن الدورة التى تحمل رقم
«16» كان ينبغى أن تقام فى موعدها، صحيح أن الوزارة من الناحية الشرعية هى
التى تتولى كل التفاصيل ولكن الصحيح أيضا أن الوزير نفسه لن تجد له أى ذكر
فى كتالوج المهرجان وهى سابقة تحدث لأول مرة لا كلمة ولا شكر ولا يحزنون،
والمفارقة أنه لن يستطيع مغادرة باب مكتبه فى شجرة الدر بالزمالك على طريق
مصر الإسماعيلية أيضا فى الختام.
السلاح الذى يجب أن يُشهر الآن هو الرد العملى على الأخونة بمزيد من
الفن. ما الذى من الممكن أن تلعبه الدولة الظلامية؟ نستمع مثلا إلى صوت من
مجلس الشورى يعتبِر فن الباليه حراما لأنه لا يرى فيه سوى مجرد عدد من
العراة النساء يراقصون الرجال، وعندما تتوقف عروض الأوبرا، ألا يعنى هذا
استسلاما لهؤلاء الذين يعتقدون أن بإمكانهم طمس روح مصر؟!
الخطة التى يجرى تنفيذها حاليا هى سياسة الأرض المحررة، وكانت نقطة
الانطلاق هى مهرجان الإسماعيلية، كل ما هو تابع للدولة ملك الناس وسيعود
مرة أخرى إليهم، قصور الثقافة وخشبات المسرح وساحات وقاعات دار الأوبرا
مِلك للشعب، ويبقى أنه على المثقف أن يلعب دوره، تظاهروا كما يحلو لكم ولكن
واجبكم الأول هو الإشعاع الثقافى، ولهذا وجدت أن إعلان الغضب بتلك المظاهرة
واستهدافها الوزير مباشرة جاء مثل الطلقة المصوَّبة بدقة فأخذها الوزير من
«قصيرها» ولم يأتِ.
بعد نحو ساعتين من بدء إيقاع الغضب وبعد كلمتين قصيرتين من كمال عبد
العزيز رئيس المهرجان، الذى استوعب تماما شحنة الغضب ومحمد حفظى مدير
المهرجان، الذى يستحق التهنئة على تلك الاختيارات المتميزة للأفلام، بدأ
عرض الفيلم الرائع «المحتال» للمخرج بارت لايتون الذى يتناول واقعة حقيقة
لمحتال الفرنسى تخصص أن ينتحل شخصيات أخرى. ولكن تكتشف أن النسخة المترجمة
والتى تكبدت تكاليف إعدادها إدارة المهرجان غير صالحة واضطروا إنقاذا
للموقف إلى عرض نسخة أخرى بلا ترجمة. إنه خطأ تنظيمى فى ضربة البداية،
وأتمنى أن لا تتجدد الأخطاء.
حلال القبلة ولا حرام؟
طارق الشناوي
5/6/2013 2:42 ص
ودعنا الأسبوع الماضى مهرجان «كان» بأفلامه الكثيرة وخيباته المريرة
وجوائزه التى أثارت الأسئلة أكثر مما طرحت من إجابات، ما رأيكم أن نعود إلى
البدايات، نعم، لأول لمحة طالعتنا فى الدورة رقم 66، التى صارت تحمل لقب
السابقة، هل تتذكرون أفيش المهرجان، الذى يتغير من عام إلى آخر، فى هذه
الدورة جمع بين الزوجين بول نيومان وجوان وودوارد فى قبلة شهيرة تبادلاها
فى فيلم «نوع جديد من الحب»، وبالطبع مر الأمر هادئا فقط، تذكروا الفيلم
والنجمين، منذ نحو عامين انقلبت الدنيا فى مصر وعدد من الدول العربية بسبب
قبلة بريئة طبعها محمد البرادعى المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة
الذرية على خد أنجلينا جولى فى مهرجان «برلين»، كان البرادعى باعتباره
رئيسا للجنة التحكيم الخاصة بالأفلام التى تحمل رؤية إنسانية قد قرر على
هامش المهرجان منح الجائزة لأنجلينا فى أول تجربة لها فى الإخراج عن فيلم
«أرض الدماء والعسل»، ولكن البعض اعتبرها خيانة للنضال الوطنى.
والقبلات التى أثارت عواصف من الغضب كثيرة، أتذكر واحدة منها قبل نحو
سبع سنوات جمعت بين ريتشارد جير والفنانة الحسناء الهندية شيليا شيتى،
وكادا يقعان تحت طائلة القانون الهندى الذى يصل فى هذه الحالة للسجن ثلاثة
أشهر أو الغرامة أو الاثنين معا، إنها القبلة المحرمة التى أدت إلى اندلاع
ثورة مظاهرات فى العديد من مدن الهند ونيران غضب لم تهدأ، هل كانت تلك
القبلة تستحق التعرض للسجن ثلاثة أشهر، ألقى نظرة على شيليا شيتى واحكم
أنت؟! لو تذكرت فيلم
«Shall we dance» «دعنا نرقص» بطولة ريتشارد جير وجينفر لوبيز، الذى عرض قبل 10
سنوات، لاكتشفت أن جير كان يحاول محاكاة أفيش الفيلم العالمى بهذه القبلة
الاستعراضية، ولدينا نسخة من الفيلم قدمتها إيناس الدغيدى، بطولة يسرا
ومحمود قابيل باسم «خلينا نرقص». التاريخ الفنى بل والسياسى ملىء بالعديد
من تلك الأزمات التى تعبر أحيانا عن اختلاف الثقافة بين الشعوب، حيث إن
القبلة على الخد فى المفهوم الغربى لا تعنى سوى الترحيب البرىء بين الرجل
والمرأة، بينما القبلة على الخد بين رجلين، التى ترحب بها المجتمعات
الشرقية، خصوصا العربية، هى التى تثير التساؤلات والشكوك حول طبيعة هذه
القبلة الرجالى ودوافعها؟!
وإليكم بعض حكايات القبلات التى أثارت أزمة ومن أشهرها تلك التى جمعت
بين فاتن حمامة وعمر الشريف فى فيلم «صراع فى الوادى» عام 1954، ولم تكن
فاتن قبل هذا الفيلم تسمح بالقبلة السينمائية، وكانت فى نفس الوقت زوجة
للمخرج عز الدين ذو الفقار، مما أثار الرأى العام، لتتزوج بعدها بعام واحد
عمر الشريف. كان عمر أيضا طرفا فى مأزق آخر لماجدة الصباحى بعدها بثلاث
سنوات فى فيلم «شاطئ الأسرار»، حيث هددها شقيقها ضابط الشرطة بالقتل بسبب
قبلة جمعت بينها وبين عمر، وكاد أن يدفع مخرج الفيلم عاطف سالم حياته ثمنا
عندما أخبرت ماجدة شقيقها أن عمر انتزع القبلة عنوة باتفاق مع عاطف.
قبلة أخرى شهيرة جاءت من مهرجان «كان» وبالتحديد عام 1997 ويومها حصل
المخرج الإيرانى الكبير عباس كيروستامى على جائزة السعفة الذهبية عن فيلم
«طعم الكرز»، كانت رئيسة لجنة التحكيم إيزابيل إدجانى النجمة الفرنسية
العالمية منحت إيزابيل قبلة لكيروستامى على سبيل التهنئة الذى عاد صباح
اليوم التالى من «كان» إلى «طهران»، منتظرا أن تحمله الجماهير على أعناقها،
فوجهوا إليه أشد عبارات اللوم، وهو ما تنبه إليه المخرج الإيرانى أصغر
فرهدى هذا العام عندما حصلت بطلة فيلمه الفرنسية برنيس بيجو على جائزة أفضل
ممثلة، ودعته للصعود على المسرح، ولم يبادلها أكثر من السلام الحار بالأيدى.
سألوا نجيب محفوظ عندما كان رقيبا على المصنفات الفنية فى مصر قبل 60 عاما
عن القبلة السينمائية، أجابهم إنه يبيحها ما عدا تلك التى على العنق، سألوه
ماذا لو شاهد قبلة فى الشارع بين فتى وفتاة أجابهم «أودى وشى ع الناحية
التانية وأبتسم وأقول يا رب عقبالى»!!
إنها القبلة التى غنت لها أم كلثوم فى فيلم «سلامة» الذى عُرض قبل
ميلاد مهرجان «كان» بعامين «القبلة إن كانت من ملهوف اللى على ورد الخد
يطوف ياخدها بدال الواحدة ألوف ولا يسمع للناس ملام»، فهل تكتفى الناس الآن
فقط بالملام؟!
حرامى قوى وعبيط ع الآخِر!
طارق الشناوي
4/6/2013 3:41 ص
الرغبة فى الجمع بين الخالدين صالح والصاوى تشعرنى بأنها جاءت بناء
على طلب الجماهير، حيث إن كلا من النجمين يجمعهما شىء مشترك، وهو أنهما
أولا ممثلان موهوبان، ثانيا لم يصلا بعد إلى مصاف نجوم الشباك «سوبر ستار».
فى العادة لا تستطيع أن تقول إن اللقاء جاء مجرد سيناريو اكتشف المخرج
محمد مصطفى أن الصاوى وصالح هما الأقرب إليه، ولكن يشعرنى السيناريو الذى
كتبه أحمد عبد الله أن الأمر ليس عفويا، بل هناك إرادة وتخطيط مسبق لتقديم
حالة من الثنائية تسمح بوجود النجمين فى عمل درامى قائم على التوازى فى
المشاهد وأيضا على التناقض فى البناء الفنى لكل من الشخصيتين. إنهما على
طرفى نقيض، الحرامى أو إن شئت الدقة البلطجى والعبيط أو المجذوب، كان من
الممكن أن تتخيل كل نجم فى الدور الذى لعبه الآخر، فكل منهما من الممكن أن
يطل على الشخصية بزاوية رؤية خاصة، إلا أن ما حدث هو أن كلا منهما قرر أن
يمعن فى الشخصية ويصل بتفاصيلها إلى الحد الأقصى، العبيط عبيط «ع الآخر»
بينما البلطجى بلطجى حتى آخر نفس. كل منهما لعب على أغلظ منطقة فى الأداء
ليسرق الكاميرا من الآخر، «شفرة» الأداء صارت تتوجه للمبالغة، شاهدنا
مباراة فى التعبير الزاعق حركيا وجسديا، صالح يزيد مساحة اللعثمة والغياب
والشعوذة والتوهان ليبدو خارج الزمن تماما رغم أن مكونات الشخصية دراميا،
والتى استعدنا منها لحظات بين الحين والآخر، من خلال أكثر من «فلاش باك»
تسمح برؤية الواقع، حيث نرى خيانة وبلطجية يضربونه، أى أنه من الممكن أن
يستعيد نفسه، وبالطبع لو تخيلنا أنه كلما ضرب بلطجية مواطنا شريفا أو
أهانوه فيصبح مجذوبا أو درويشا فإن مصر، خصوصا بعد الانفلات الأمنى الذى
تعيشه منذ الثورة سنصبح كلنا مجاذيب. البلطجى أو الحرامى أراد الصاوى،
والحال كذلك، أن يمنح شخصيته قدرا من خفة الظل على طريقة عادل أدهم الذى
كان لديه ميزان حساس يضيف لمحة للشخصية الشريرة ويكسر أحيانا حالة التمثيل
ليخاطب الجمهور عبر الحديث مع الكاميرا التى هى المعادل الموضوعى للمتفرج،
وهو ميزان دقيق كان يأتى مضبوطا ومقننا مع أدهم، وهو ما لم يحققه الصاوى،
وهكذا يصبح كسر هذا الخط الوهمى فى حالة الصاوى متعسفا. الفيلم يبدأ بأسلوب
الراوى يحكى صاوي عن شخصيات الحارة التى يعيشها يقدم لنا العبيط وأمه عايدة
عبد العزيز وحبيبته الممرضة روبى ليمسك يد الجمهور للدخول إلى العمل الفنى
بأقل عدد ممكن من المشاهدين، كما أنه بعد أن لقن الجمهور الحالة الشخصية
والدرامية يتركه ليتعايش.
قرأت مرة حكمة فى تفسير حالة الإبداع الفنى تقول «إن الآلهة تنعم
علينا بمطلع القصيدة وعلينا نحن أن نكمل الباقى» أى أن هناك إلهاما ولكنه
فقط فى الومضة الأولى، وبعد ذلك يصبح على المبدع أن يكمل بالجهد المضنى، ما
فعله أحمد عبد الله رغم أنه أكثر كتّاب هذا الجيل موهبة إلا أنه اكتفى
بالفكرة التى تجمع بين الحرامى والعبيط، وكتب السطر الأول ولم يكمل الباقى،
كان عليه أن يملأ الشاشة نحو ساعتين فلم يجد ما يقدمه سوى أن يدخل إلى فكرة
زرع الأعضاء وبيعها معتقدا أن هذه اللعبة الدرامية تكفى لاستكمال الحالة،
رغم أن العلاقة بينهما كانت تشى وتحمل ثراء فكريا ونفسيا لو تأمله لكان
يعود بشاشة أكثر تشويقا وإمتاعا، كنت أشعر أن قطار الدراما كثيرا ما يتوقف
ويخشى أن ينام الجمهور وهو جالس على مقعده فيقرر المخرج إيقاظه فيمنحه.
وفى أكثر من مشهد نرى البلطجية يعتدون على خالد الصاوى وعندما لا يجد
أمامه إمكانية تحقيق ذلك يتذكر خالد صالح كيف اعتدى عليه البلطجية.
المخرج محمد مصطفى كان أقرب لمنهج المخرج المنفذ، فلقد ترك ممثليه
الأساسيين كل منهما يزايد فى الحالة كما أنه لم يوجه روبى فكانت فى مشاهد
قليلة مقنعة، وفى القسط الأكبر مجرد مرددة للحوار، ولم يستطع ضبط مشاهد
الخناقات، حيث كان الافتعال فى التنفيذ، فهم يمثلون أنهم يمثلون. كثيرا ما
كنت أترقب اللقاء بين الخالدين وأتصور أن الجمهور أيضا كان يترقب، ولكن ما
انتظرناه طويلا طويلا جاء هزيلا هزيلا!
معركة الـ 72ساعة
طارق الشناوي
3/6/2013 3:45 ص
ضحكت كثيرًا من ترديد البعض فكرة اختيار وزير ثقافة يُجمع عليه
المثقفون، هل اجتمع المثقفون يومًا على رأى أو شخص؟
نعم، ينبغى التخلّص من وزير الثقافة الحالى علاء عبد العزيز، الذى لعب
الدور الأكبر فى اتحاد الفرقاء ضده، هذه نقرة، أما أن نرى المثقفين معًا
إيد واحدة، فهم كذلك فقط فى إزاحة علاء، ولكنهم عشرات من الأيادى المتعاركة
والمتناقضة عندما يتعلّق الأمر بالبحث عن الوزير القادم. ملحوظة لا تنسوا
أن القطاع الأكبر منهم كان متعايشًا مع الفساد الذى نما وترعرع فى جنبات
وزارة الثقافة فى عهد فاروق حسنى، أى أنهم طوال ربع قرن وهم يتنفسون
فسادًا، وقلة منهم فقط هى التى أعلنت التمرّد والباقى كان إما داخل الحظيرة
أو كان موقعه هو حراسة الحظيرة.
ماذا بعد أن انتهت المهلة التى منحوها للدولة 72 ساعة لكى تقيل وزير
الثقافة و«إلا»، حتى الآن لا تزال «إلا» تعنى كل الاحتمالات، ربما مزيدًا
من المظاهرات وإغلاقًا للمسارح وإضرابًا عن الطعام، الدولة لن تستجيب
بسهولة بالطبع إلى غضبة المثقفين، وهو على المقابل لن يتقدّم باستقالته،
أنا أرى مثلما يرى آخرون أن هناك فسادًا ماليًّا داخل الوزارة، وهو الشعار
الذى رفعه علاء عبد العزيز للتطهير، ولكنه بدأ بتوجيه ضربات عشوائية، لم
يستقطب فصيلًا ضد فصيل، ضرب كل الفصائل وبينها شرفاء، ولهذا وقف الجميع
ضده. تستطيع أن ترى أغلب المثقفين وهم أقرب إلى مجموعة متنافرة، تابعتهم
على مدى ثلاثة عقود وهم لا يعنيهم سوى فقط الحصول على قضمة من التورتة،
كثيرًا ما كان فاروق يلقى إليهم بالفتات.
علاء برعونته ولأنه يتحرّك وفق توجهات إخوانية تجعل كل قراراته تصب فى
زيادة مساحات الاحتقان وتوحّدها ضده، وآخرها احتماؤه بحضن الجماعة، سيُعجّل
كل ذلك بإقصائه، إنه ليس الشخص القادر على التطهير، أفسد فاروق حسنى
الكثير، ولكننا نفاجأ الآن بمَن يترحّم على أيامه، نعم ما نعيشه الآن يجعل
مع الأسف البعض لا يملك سوى الترحّم على زمن مبارك بكل فساده ومفسديه.
يجب أن نقنن الغضب وأن لا يمتد إلى كل ما له علاقة بالوزير الحالى،
تخلّصوا من الوزير الإخوانى المونتير علاء عبد العزيز، هذه ليست محل خلاف،
ولكن لا داعى لأن يهين أحد مهنة المونتاج الذى هو روح الفيلم السينمائى،
ربما كان مونتيرًا رديئًا، ولكن المهنة عظيمة، فقط للتذكرة سوف نكتشف أن
كبار مخرجينا بدؤوا فى حجرة المونتاج مثل نيازى مصطفى وصلاح أبو سيف وكمال
الشيخ وهنرى بركات وحسن الإمام، الرجل سيغادر الوزارة، ولكن ليس فى 72
ساعة، هناك معركة ستخوضها الدولة ستعتبرها قضية كرامة، ولو حدثت فهى سابقة
قابلة للتكرار فى كل الوزارات الأخرى، ولهذا فهى ستقاوم، وعلى المقابل سوف
يتشبث المثقفون بموقفهم أكثر وسيتم التصعيد فى معركة عض الأصابع.
لا أثق كثيرًا فى اختيارات العديد من المثقفين، خصوصًا هؤلاء الذين
يقيسون المواقف بمقدار حصولهم على المكاسب، والدليل أن صابر عرب وجد أكثر
من مثقف يضعه الآن فى مصاف الأبطال المناضلين، تخيّلوا الرجل الذى وافق على
أن يستحوذ على جائزة الدولة التقديرية فى لعبة مكشوفة يجد مَن يعتبره
بطلًا، الرجل الذى تعوّد على أن يمارس لعبة الشقلباظ بين المثقفين
والإخوان، الذى لم يتفوّق فى شىء سوى اللعب بورقة الاستقالة، إنه الماسك
بالعصا من المنتصف، هناك مَن يريد أن يعيد إليه مجددًا عصا الوزارة، آفة
حارة المثقفين أنهم كثيرًا ما تصبح دائرة مصالحهم هى دائرة قناعاتهم، علاقة
المثقف بالسلطة، خصوصًا منذ ثورة 52 تجعلنا نتحفظ كثيرًا على اختياراتهم،
لقد شاهدت أحدهم لأنه صديق لصابر وهو ينافق الرجل فى كل مقالاته وأحاديثه
المرئية والمسموعة على أمل أن يعود للكرسى ويردّها له.
فساد وزارة الثقافة فى عهد فاروق حسنى لم يكن فسادًا فقط لعدد من
الكبار داخل الوزارة، جزء من المثقفين خارج الوزارة كانوا ضالعين فى هذا
الفساد، وكثيرًا ما نالهم مكافآت تحت الترابيزة.
يسقط الوزير الإخوانى، شعار عظيم، نسعى جميعًا لإسقاطه، ولكن علينا
وبنفس الدرجة أن نكون صرحاء لنؤكّد أن الفساد مستشرٍ، نُسقط الوزير الحالى
ويبقى الهدف الثابت هو تطهير الثقافة من الفاسدين داخل وخارج الوزارة!!
تتح... بح خلاص
طارق الشناوي
2/6/2013 3:07 ص
ما كل هذا التقزز الذى شاهدناه فى فيلم «تتح»، الشخصية المحورية
بملامحها الشكلية والنفسية تجعلك تنفر منها ورغم ذلك تشعر أن الكاتبين سر
الختم ومحمد النبوى كانا يفصلان شيئا على مقاس محمد سعد، ليس اللمبى
تحديدا، ولكنه تنويعة «ليمباوية» محملة بالكثير من الغلظة تجاوزت الحد
المسموح، ومن الواضح أن سعد أضاف لها أيضا تشوها فى حركة الرجلين مع تعثر
فى النطق ونعكشة فى نصف الوجه الأيمن.
بدد الجميع طاقتهم فى هذا الجانب الشكلى، لا شىء من الممكن أن تعثر
عليه سوى أن الأمر مجرد البحث عن مواقف يعتقدون أنها قد تلعب دورا فى زيادة
مساحة الضحك، إنه موزع جرائد لا بأس من تلك المقدمة التى شاهدناها فى
التترات، وإن كانت قد طالت وكررت نفس اللمحة أكثر من مرة، ولهذا فقدت
تدريجيا قدرتها على الإضحاك. السيناريو يتحرك وفق محددات ثابتة تجدها فى
أفلام السبكى يستهل الحالة السبكية بالبحث عن دور للراقصة مروى التى تريد
أن تتزوج سعد وتعرض عليه نفسها وهى ابنة الجزار صاحب البيت، وتتعدد المواقف
من أجل البحث عن ضحكة وعندما تتبدد أى إمكانية لتحقيق ذلك ينتقل إلى الخطة
رقم «2» حيث يتيح للفيلم أن يقدم أكثر من حكاية مثل سواق التاكسى الذى
ينتقل من حكاية زبون إلى آخر، أو فيلم مثل «ديل السمكة» الذى كان يحكى
يوميات كشاف كهربائى ينتقل من منزل فى حى شعبى إلى منزل فى حى ارستقراطى،
وهكذا وجدوا فى رقم سرى للخزنة التى تحوى المجوهرات يتلقاه سعد من دوللى
شاهين ويتصور أنه رقم تليفون ناقص الرقم الأخير فيجد نفسه ينتقل من شخصية
إلى شخصية ومن حالة إلى أخرى، وتشعر بالتعسف وهو يحاول أن يجد مساحة مجانية
مع الراقصة بوسى، فيخترع لقاء وأغنية «السلك لمس أنا عايز أغمس» أو يقرر أن
يقدم مشهدا لسمير غانم. قرأت ما كتبه الزملاء وهم يثنون على أداء سمير
وجرأته، فى الحقيقة لم أجد شيئا من هذا، دور عادى ولم تكن المرة الأولى
التى يقدم فيها سمير مشهد ضيف شرف فى عمل فنى، وليست جرأة أن يصبح سمير
غانم هو سمير غانم، إننا نقع أحيانا أسرى مقارنة الفنان بالدور الذى اشتهر
بأدائه فهو كوميديان، ولكنه يقدم هذه المرة دورا به لمحة شجن، هل يستحق
الأمر كل هذا الثناء؟ وهو ما ينطبق على مشهد رجاء الجداوى التى تنتحر من
الشرفة فى نهاية الفيلم ولم يتبق فى الذاكرة سوى تلك الأطنان من البودرة
التى ملأت. أقصد شوهت وجهها. دعونا نسأل عن الإضافة التى من الممكن أن
يمنحها المخرج المجتهد سامح عبد العزيز إلى سعد، ما رأيناه أن سعد هو سعد،
وما يؤرقه فقط شباك التذاكر، ربما الذى وقف إلى جانبه هذه المرة من دون أن
يقصد هو أن الأفلام الكوميدية التى سبقته فى العرض كان مستواها متواضعا،
أحمد مكى بـ«سمير أبو النيل» فيلم قليل الحيلة، والضحك يصل فيه إلى درجة
الشُح، وسبقه أيضا أحمد حلمى فى فيلم «على جثتى» الذى كان فى أضعف حالاته،
ربما لهذا السبب تحسنت قليلا الحالة الرقمية لسعد عن آخر أفلامه «تك تك
بوم»، ولكنه لم يقفز بعيدا عن الرمال المتحركة التى صار ينغرز فيها أكثر
كلما حاول الخروج منها، الشخصيات بجواره باهتة فلا تدرى بالضبط ما الذى
تفعله دوللى شاهين وهى ممثلة ومغنية وفنانة استعراضية لم تقدم شيئا فى هذا
الفيلم، ولكنها والحق يقال فى عدد من اللقطات تحاول فقط الاتصال بمحمد سعد
مرة وهى على الكرسى وأخرى على السرير. المكياج فى الفيلم فى أسوأ حالاته،
لا إضافة خاصة من الممكن أن تلحظها قدمها المخرج باستثناء التترات، سعد
يحتاج إلى أن يشارك فى عمل فنى لا يصنع على مقاسه، ولكن من خلال فكرة تحرك
صُناع الفيلم إلى آفاق أبعد، كل ما هو أمامنا على الشاشة لا يتجاوز فقط أن
هناك مراهنة على تركيبة ستؤدى إلى الضحك وأن سعد سوف يحقق الهدف، وكثيرا ما
كان يفسد المونتاج محاولات الضحك.
هل تستمر الرحلة كما يريدها سعد؟ ممكن فى حالة واحدة لو أدرك أن «تتح»
ليس هو الحل، تتح بح خلاص قبل أن يصبح سعد بح خلاص.
79
عامًا على ميكروفون الإذاعة
طارق الشناوي
1/6/2013 1:40 ص
لا أزال أمنح أذنى بين الحين والآخر للإذاعة خصوصا الغنائية، فهل أنا
حالة استثنائية؟ أمس أكملت الإذاعة المصرية عامها رقم 79، انطلقت عام 34،
والحقيقة أن مصر عرفت قبل ذلك التاريخ بأكثر من عشر سنوات الإذاعات الأهلية
التى كانت تشبه عددا من الفضائيات التى نراها اليوم، حيث التجاوز فى
استخدام الألفاظ شىء عادى، حتى إن مطربا وملحنا كبيرا ومن أقوى الأصوات وهو
الشيخ الضرير محمود صبح كثيرا ما كان يشن هجمات على المطرب والملحن الشاب
محمد عبد الوهاب. كان صبح لديه صوت مكتمل فى بنائه، إلا أن عبد الوهاب احتل
مكانة خاصة فى القلوب، ولهذا كان يتعرض لشتائم تنهال عليه من صبح بالأب
والأم!
من حُسن حظى أن مبنى الإذاعة والتليفزيون كان هو مقصدى اليومى للحصول
على الأخبار، برغم أننى كنت أعمل فى مجلة أسبوعية «روز اليوسف»، ولكن النهم
الصحفى كان يدفعنى إلى الذهاب اليومى، وأتذكر شخصيات التقيتها وحفرت فى
ذاكرتى مكانة خاصة، مثلا الكاتب الكبير بهاء طاهر كان فى النصف الثانى من
السبعينيات رئيسا لـ«البرنامج الثانى» وهو ما أصبح بعد ذلك «البرنامج
الثقافى».. كانت المشكلة التى تواجهنى أنه ليس لدىّ تصريح يسمح لى بدخول
المبنى، والمجلة لم تعترف بى، لأنى لا أزال طالبا فى الكلية، ما كان يفعله
بهاء هو أن يكتب اسمى بين عدد من الممثلين فى أى مسلسل يتم تسجيله، فأتمكن
من دخول المبنى وألتقط الأخبار ولم أكتب على المقابل أى خبر عن بهاء طاهر!
أتذكر سامية صادق التى كانت تعتبرنى ابنا ثالثا لها. الإذاعى وجدى الحكيم
كتبت عن واقعة بيع تسجيلات لأم كلثوم لإحدى الإذاعات أظنها الكويت، واتصل
بى وشرح لى حقيقة الموقف، وصار بالنسبة إلىّ بعدها هو مصدرى الأساسى
للأخبار، فهو لديه حاسة التقاط الحدث المثير، وعندما تسأله عن أى رقم
تليفون يستعيد الرقم بسهولة من الذاكرة كأنه يستعيد أسماء أبنائه!
القدير أحمد سعيد الذى لا يزال صوته هو عنوان إذاعة «صوت العرب» ودفع
أحمد سعيد ثمن هزيمة 67، لما يعرف فى علم النفس بالارتباط الشرطى، فأصبح
صوته يذكرنا بالهزيمة، كانوا يهتفون باسمه فى الخمسينيات وحتى النكسة فى
عديد من البلدان العربية، لما كانت تمثله لهم إذاعة صوت العرب، وأطلقوا فى
العالم العربى على الإذاعة اسم «صندوق أحمد سعيد»، وكانت صورته توضع بجوار
جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر على كراسات التلاميذ فى أكثر من بلد عربى،
إلا أنه بعد الهزيمة صار عنوانا لها. فهمى عمر كانت مصر كلها تنتظر تعليقه
الكُروى فهو يمزج بأستاذية التعبير الأدبى اللماح بالساحرة المستديرة، فهمى
زملكاوى ولكن عشاقه الأهلاوية وأنا واحد منهم كانوا يشكلون الأغلبية.
آمال فهمى التى كان ولا يزال برنامجها «على الناصية» هو الأول فى كل
الاستفتاءات، آمال هى أول مذيعة تجرى معى حوارا، وبعد إذاعته شعرت أننى
أصبحت أشهر صحفى فى الوطن العربى.
الشاعر الإذاعى عمر بطيشة وكان صديقا لفايزة أحمد ومحمد سلطان، كنت قد
كتبت تحقيقا عنوانه «الشعب المصرى بحاجة إلى قرص الطعمية أكثر من حاجته
لصوت فايزة أحمد» بعد أن أغلقت محلا يبيع طعمية أسفل بيتها بحجة أن رائحة
الزيت تؤثر سلبا على أحبالها الصوتية، وكان عنوانا قاسيا، وتم الصلح عن
طريق عمر، ولكن بالطبع ليس على حساب صاحب محل الطعمية، الذى عاد لمزاولة
نشاطه وأثبت عمليا أن رائحة الزيت المغلى تجلى الصوت، والدليل فايزة التى
كان صوتها يزداد تألقا مع كل «طشة» زيت!
لا أنسى إذاعيين كبارا أمثال السيد بدير الذى فتح لى مكتبته لأنهل
منها ما أشاء، ونبهنى إلى أن علىّ أن أدرس السينما أكاديميا فور انتهائى من
كلية الإعلام. ومدحت عاصم الذى كان يدعونى إلى منزله لكى أستمع إلى حوار
الكبار أمثال الكاتب الكبير حسين فوزى «السندباد»، والفنان التشكيلى الكبير
صلاح طاهر، وعرفت جلال معوض أعظم حنجرة إذاعية، اقتربت منه بعد عودته من
المنفى، الرجل الذى دفع ثمن حبه لعبد الناصر وأبعده السادات عن الميكروفون
وهو فى ذروة عطائه. وطاهر أبو زيد الذى ازددت تعلقا به بعد أن كان يرأس
عديدا من لجان التحكيم فى مهرجان الإذاعة والتليفزيون، وكنت أستمتع بتحليله
للنص والأداء. نعم الإذاعة المصرية لم تعد هى الإذاعة المصرية، ولكننا فى
عيد ميلادها نكتفى بهذا القدر ولن نقلب عليها وعليكم المواجع.
التحرير المصرية في
01/06/2013
نجوم فى السياسة والرياضة
محمد خان
26/6/2013 2:21 ص
ربما رئيس الولايات المتحدة السابق رونالد ريجان، يُعد أول نجم
سينمائى يصل إلى أكبر منصب سياسى ممكن على الساحتين المحلية والدولية.
ظاهرة اهتمام النجوم بالسياسة تضخّمت منذ القرن الماضى.
رونالد ريجان سلك طريقه من على الشاشة إلى الرئاسة عبر توليته منصب
محافظ ولاية كاليفورنيا، منصب تولّاه من بعده بسنوات الممثل أرنولد
شوارزنجر، الذى هو أصلًا بطل كمال أجسام. على سبيل المثال كذلك فترة كلينت
إيستوود فى منصب عمدة محافظة كارميل بولاية كاليفورنيا. الطفلة شيرلى تمبل
الذى تمتعت بالنجومية فى الخمسينيات أصبحت فى ما بعد سفيرة لبلادها فى
غانا، إلى أن تخصصت فى تدريب السفراء الجدد على الخطوات الدبلوماسية فى
التعامل السياسى. بطل فيلم هيتشكوك الكلاسيكى «نفوس معقدة» الممثل جون جافن،
دخل السلك الدبلوماسى، ليمثل بلاده كسفير فى المكسيك. فى اليونان اتجهت
النجمة ميلينا ميركورى بطلة فيلم «ما عدا يوم الأحد»، إلى العمل السياسى،
أولًا كعضوة فى البرلمان ثم وزيرة الثقافة.
فى مصر ربما الوحيد من الممثلين الذى احترف عالم السياسة عن طريق
الانتخابات المحلية وأصبح عضوًا فى البرلمان هو حمدى أحمد. أما كل من مديحة
يسرى وأمينة رزق، فقد تم ترشيح كل منهما من قِبل الحكومة لعضوية شرفية
بمجلس الشورى وهذا لا يُعد دورًا سياسيًّا بمعنى الكلمة.
إذا كانت السياسة فى حياة بعض النجوم الذين احترفوها لم تتحقق إلا
بمساندة شعبيتهم فى مجال عملهم الأصلى كممثلين، فالعكس صحيح بالنسبة إلى
ممثلين تألّقوا بسبب شعبيتهم فى عالم الرياضة. مثلًا النجم الإيطالى روزانو
برازى الذى لمع فى الستينيات فى دور العاشق اللاتينى، كان أصلًا بطل
إيطاليا فى الملاكمة وزن الريشة، ومثله النجم فيتوريو جاسمان، فكان لاعب
كرة سلة بالمنتخب الإيطالى. أشهر طرزان جونى وايسمولر، كان بطل سباحة وحصل
على ميداليتين ذهبيتين فى أوليمبياد ١٩٢٤، وخمس ذهبيات فى أوليمبياد ١٩٢٨.
فى مصر أمين الهنيدى كان بطل سباحة إلى جانب مدرس تربية بدنية «كان يدرّس
لى فى مرحلة الإعدادية» قبل أن يلمع كممثل كوميدى على المسرح والسينما، وقد
شاء القدر أن نلتقى فى فيلمى «طائر على الطريق» هو كممثل وأنا كمخرج. ربما
أشهر لاعب كرة دخل حقل التمثيل ولم يدم فيه طويلًا هو صالح سليم فى دور
الأعمى فى «الشموع السوداء».
شادى عبد السلام
محمد خان
19/6/2013 3:06 ص
أحب أن أصف «المومياء» ١٩٧٤ كقصيدة سينمائية بدلا من مجرد فيلم،
والراحل شادى عبد السلام كشاعر سينمائى بدلا من مجرد مخرج، وقد كان لى حظ
التعرف عن قرب بشادى عبد السلام ومدير التصوير عبد العزيز فهمى فى أثناء
وجودهما فى لندن بمناسبة عرض تحفتهما جماهيريًّا. وكان الموزع البريطانى
للفيلم قد اختار دار عرض «باريس بولمان» (سينما صغيرة تقع فى حى فولهام)
اشتهرت بعرض أفلام شعراء سينما آخرين أمثال أنطونيونى، الذى اكتشفت عالمه
لأول مرة فى هذا الدار مع فيلمه «المغامرة»، وفيلينى وفيسكونتى وتروفو
وجودار وعشرات من صناع موجة السينما الجديدة فى الستينيات التى انطلقت من
أوروبا، ورسخت سينما المؤلف فى أنحاء العالم.
عرض «المومياء» فى هذا الدار جذب عديدًا من عشاق فن السينما ومثقفى
إنجلترا، من ضمنهم واحد من أشهر نقاد المسرح كنيث تاينون، الذى أثاره
الفيلم لدرجه أن دعا شادى إلى تناول الشاى فى منزله، وكنت الذى وصل شادى
بسيارتى الصغيرة إلى عنوان هذا الناقد الهام. تزامن عرض «المومياء» مع نشر
كتابى بالإنجليزية «مقدمة للسينما المصرية«An Introduction to the Egyptian Cinema، الذى تم عرضه للبيع فى نفس دار العرض
طوال مدة عرض الفيلم. لم أكن فى تلك الفترة قد أخرجت بعد فيلمى الروائى
الأول الذى كان مجرد حلم، وإذا كان شادى عبد السلام قليل الكلام فعبد
العزيز فهمى كان ثرثارًا مُسليًّا فى حواديته التى لا تنتهى، التى أدخلتنى
كواليس صناعة السينما بمجرد سماعى لها. وإذا كان شادى عبد السلام دقيقًا فى
ملابسه ومُرتبًا فى حياته هادئ الطباع، صفات معكوسة فى روح فيلمه، أما عبد
العزيز فهمى فكان عمليًّا فى ملابسه (كجوال)، مفضلا اللون الأبيض، يعبر
بيديه فى أثناء الكلام كأنه يرسم لوحة فى الفضاء مثل لوحاته الضوئية
الرائعة فى الفيلم. كلما تأملت الإثنين، تأملت دور ومشاعر كل منهما فى خلق
هذا الفيلم المُبهر.
الطريف أنه بعد عدة سنوات، وكنت قد أخرجت فيلمى الأول، لمحت عبد
العزيز فهمى فى حديقة أحد الاستوديوهات يمر من جانبى، وكأنه لا يعرفنى
فعلقت لصديق يقف بجوارى «كم يبدو عبد العزيز قد كبر فى السن»، فإذا بعبد
العزيز فهمى يستدير ويرد على تعليقى -الذى قد سمعه- مداعبًا وساخرًا
وملوحًا بيديه «بأننى أيضا لم أعد الشاب الذى كان يعرفه». جاءت وفاة شادى
عبد السلام عام ١٩٨٦ بعد مرض طويل وحلمه بفيلم «أخناتون» لم يرَ النور.
المُشاهد المخضرم
محمد خان
12/6/2013 2:18 ص
إذا طلبت من أى مشاهد مخضرم حريف أفلام أن يُغمض عينيه وتَذكُر له اسم
شركة مترو مثلا، فأول شىء سيراه فى خياله هو الأسد «ليو» الشهير ويسمع
زئيره، وإذا ذكرت شركة «فوكس» فسيرى ماركة الشركة المسجلة برقم العشرين أو
الواحد والعشرين حسب القرن، بينما الكشافات تترنح فوقها مع صوت الآلات
النحاسية تقدم ما يشبه مارشا عسكريا، ثم هناك جبل الثلج رمز شركة «بارامونت»
أوالسيدة التى تحمل الشعلة على غرار تمثال الحرية لشركة «كولومبيا»،
وتتراكم التخيلات والأصوات حسب الطلب. فإذا ذكرت له نجما مثل مارلون براندو
مثلا، فالمخضرم سيستعيد مشهده مع أخيه فى فيلم «ذئاب الميناء» داخل سيارة
وربما يتجرأ ويقلد براندو ومونولوجه الشهير حول خيانة أخيه، بينما مخضرم
آخر سيرى براندو الثورجى على جواده الأبيض فى «يحيا زاباتا»، والفلاحين
المكسيكيين تتصاعد أصوات دقاتهم بالزلط فى محاولة تحذير زاباتا من فخ عساكر
الديكتاتور الذين سيغتالونه. ثم هناك المخضرم السوبر حريف الأفلام الذى
سينتقل من فيلم لبراندو إلى الآخر دون توقف حتى يصل بك إلى دوره فى «الأب
الروحى» ومقولته الشهيرة «سأعرض عليك عرضا لا يمكن أن ترفضه». وبالمثل إذا
طرحنا اسم مارلين مونرو فستظهر فورا بفستانها الأبيض، وهو يتطاير كاشفا
سيقانها الجميلة مع انطلاق تيار الهواء الصاعد عبر البلاعة التى تقف فوقها
لحظة مرور مترو الأنفاق من تحتها، ومن المحتمل أن تظهر تلميذتها هند رستم
وهى ترقص فى عربة القطار فى فيلم يوسف شاهين الممتع «انت حبيبى». وإذا
ذكرنا حسن فايق فصدى ضحكته الرنانة بصوته الرفيع ستدوى فى أذنه يتبعها
قهقهة إسماعيل ياسين وبقه الواسع. ومن ضحكة إلى ضحكة ومن ممثل إلى آخر
يتدفق الشريط السينمائى فى خيال المخضرمين دون توقف، فهى دون شك حالة نفسية
يعانون منها ولكن وباعترافهم معاناة ممتعة. حذار إذا التقى مخضرم بمخضرم
آخر، فبتلقائية يتطور الحديث بينهما إلى شبه مبارزة، أسلحتها خزين الأفلام
والمشاهد أو حتى الحوارات. بل أعرف من بينهم مخضرما تخصصه الجُمل الدعائية
على أفيشات الأفلام. ويتنوع المخضرمون حسب أعمارهم السينمائية، فنجد مخضرم
الأربعينيات أو الخمسينيات ومخضرم الستينيات إلى السبعينيات والثمانينيات
حتى يومنا هذا. هناك حريف يقول لك فيلم كذا عُرض فى سينما كذا سنة كذا. أما
الهواة فهى لعبة الأيادى وعدد الحروف من باب التسلية فى الحفلات أو
الإجازات. وسواء كان هاويا أو مخضرما فهو دليل أن السينما لا تزال بخير.
الطلاق فى يوم حار جدًّا
محمد خان
5/6/2013 2:43 ص
بعد أن أنتجت وأخرجت فيلم «فارس المدينة» ١٩٩٠ بسلفة من أحد البنوك
التى تحمست لخوض عالم اقتصاديات السينما، أصبحت فى نهاية التجربة مدينا
للبنك بمبلغ لا يستهان به، بسبب مماطلة شركة التوزيع عاما كاملا قبل أن
تحدد تاريخا لعرضه بحجة غياب نجم فى الفيلم الذى قام ببطولته المطلَقة
محمود حميدة فى أوائل أدواره السينمائية. الحل كان خوض تجربة إنتاج أخرى
بميزانية محدودة تسمح بسداد ديونى للبنك من سلف التوزيع نفسها، قبل عرض
الفيلم، وبالفعل تم ذلك مع فيلم «يوم حار جدا» ١٩٩٤ بطولة شيريهان ومحمود
حميدة مرة أخرى. استعنت فى كتابة سيناريو الفيلم بكاتبة سيناريو زينب عزيز،
التى كانت قد تخرجت حديثا فى معهد السينما ونسجنا معا خطوط الفيلم حول زوج
يريد التخلص من زوجته ليحل مشكلاته المادية باللجوء إلى قاتل أجير لينجز
المهمة، إلا أن الأمور تتعقد والخطوط تتشابك وتقع الزوجة فى غرام القاتل
المفترض. كالعادة أهتم باقتباس أحداث حقيقية من الحياة وحقنها بأحداث
الفيلم المؤلفة. فمثلا فى «يوم حار جدا» يقرر الزوج إنهاء علاقة زواجه
العرفى بامرأة أخرى فيحرق ورقة هذا الزواج أمامها. هذا الموقف مبنى على
واقعة حقيقية تم فيها إحراق ورقة زواج عرفى فى حضور أصدقاء الزوج كشهود،
الذى تجنبته فى الفيلم هو وجود شهود بالمشهد، وكذلك أن فور مغادرة المطلقة
احتفل الأصدقاء المفلسون ببيع الدبلة وشراء مشاريب الحفلة. هناك واقعة أخرى
حكاها لى صديق عن الرجل الذى بعد ربع قرن من الزواج وهو على وشك الطلاق
الفعلى، حاول عدة مرات خلع الدبلة من أصبعه دون جدوى، ثم فجأة وهو يقود
سيارته لمح محل جواهرجى فأوقف سيارته ودخل المحل ليطلب وسيلة للتخلص من
الدبلة التى تكاد تخنقه نفسيا، إلى أن نجح الجواهرجى بمقص خاص فى الإفراج
عن الدبلة ودون مقابل. هناك أيضا الواقعة الشهيرة فى أحد الأفراح حين سُكب
بعض من الشربات من كأس العريس على فستان عروسه التى انفجرت أمام الجميع
تؤنبه على فعلته، رغم رومانسية اللحظة وكُل منهم يقدم كأسه ليرشف الآخر
منها. النتيجة كانت أن العريس اتجه إلى الميكروفون وبهدوء تام طلب من
الأوركسترا أن تتوقف عن العزف ثم قذف بقسم الطلاق على عروسه. فرغم أن
الطلاق هو أبغض الحلال فإن السينما تجده أنسب الحلول الميلودرامية. أما
الوجه القبيح للطلاق فنادرا ما تقدمه السينما بصدق.
التحرير المصرية في
05/06/2013 |